فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (34- 39):

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)}

.شرح الكلمات:

{الا قال مترفوها}: أي رؤساؤها المنعمون فيها من أهل المال والجاه.
{نحن أكثر أموالاً وأولاداً}: أي من المؤمنين.
{يبسط الرزق لمن يشاء}: امتحاناً أيشكر العبد أم يكفر.
{ويقدر}: أي يضيق ابتلاء أيصبر المرء أم يسخط.
{ولكن أكثر الناس لا يعلمون}: أي الحكمة في التوسعة على البعض والتضييق على البعض.
{تقربكم عندنا زلفي}: أي قربى بمعنى تقريباً.
{إلا من آمن وعمل صالحا}: أي لكن من آمن وعمل صالحاً هو الذي تقربه تقريباً.
{وهم في الغرفات آمنون}: أي من المرض والموت وكل مكروه.
{والذين سعوا في آياتنا}: أي عملوا على إبطال القرآن والإِيمان به وتحكيمه.
{معاجزين}: أي مقدرين عجزنا وأنهم يفوقوننا فلم نعاقبهم.
{وما أنفقتم من شيء}: أي من مال في الخير.
{وهو خير الرازقين}: أي المعطين الرزق. أما خلق الرزق فهو لله تعالى وحده.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نذير} هذا شروع في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان حال من سبق من الأمم وما واجهت به رسلها فقال تعالى: {وما أرسلنا في قرية} أي مدينة من المدن {من نذير إِلا قال مترفوها} أي أهل المال والثروة المتنعمون بألوان المطاعم والمشارب والملابس والمراكب.
قالوا لرسل الله {إنا بما ارسلتم به كافرون} فردوا بذلك دعوتهم. {وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً} فاعتزوا بقوتهم، {وما نحن بمعذبين} كذبوا بالبعث والجزاء كما أن كلامهم مُشعر بأنهم مغترون بأن ما أعطاهم الله من مال وولد كان لرضاه عنهم وعدم سخطه عليهم. وقوله تعالى: {قل ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} أي قل يا نبينا لأولئك المغترين بأن ما لديهم منمال وولد ناجم عن رضا الله عنهم قل لهم إن ربي جل جلاله يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً له لا لرضى عنه ولا لبغض له، كما أنه يضيق الرزق على من يشاء ابتلاء له لا لبغضه ولا لمحبته، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ومن بينهم مشركو قريش لا يعلمون أن بسط الرزق كتضييقه عائد إلى تربية الناس بالسراء والضراء امتحاناً وابتلاء. وقوله تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} يخبر تعالى المشركين المغترين بالمال والولد يقول لهم وما أموالكم ولا أولادكم بالحال التي تقربكم منا وتجعلنا نرضى عنكم وندنيكم منا زلفى أي قربى. {إلا من آمن وعمل صالحاً} أي لكن من فعلوا الواجبات والمندوبات {فأولئك} أي المذكورون لهم جزاء الضعف، أي جزاء تضاعف لهم حسناتهم فيه، الحسنة بعشر أمثالها غلى سبعمائة، وذلك بسبب عملهم الصالحات {وهم في الغرفات} أي غرفات الجنة آمنون من الموت ومن كل مكروه ومنغص لسعادتهم.
وقوله تعالى: {والذين يسعون في آياتنا معاجزين} يخبر تعالى أن الذين يعملون بجد وحرص في إبطال آياتنا وإطفاء نور هدايتنا في كتابنا وقلوب عبادنا المؤمنين ويظنون أنهم معجزون لنا أي فائتوننا لا ندركهم ولا نعاقبهم هؤلاء المغرورون في العذاب محضرون أي كأنك بهم وهم محضرون في جهنم يعذبون فيها أبداً.
فقوله تعالى: {قل إن ربي} أي قل يا رسولنا مرة أخرى تقريراً لهذه الحقيقة العلمية التي خفيت على الناس وجهلها قومك وهي أن الله يبسط الرزق لمن يشاء امتحاناً لا حباً فيه ولا بغضاً له. وإنما امتحاناً له هل يشكر أو يكفر فإن شكر زدناه وأكرمناه وان كفر سلبناه ما أعطيناه وعذبناه، {ويقدر له} أي لمن شاء من عباده ابتلاء له لا بغضا له ولا حبا فيه. وإنما لننظر هل يصبر على الابتلاء أو يسخط ويضجر فنزيد في بلائه وشقائه.. وقوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} في هذا دعوة إلى الإِنفاق في سبيل الله وتشجيع عليه بإِعلام الناس أن الإِنفاق لا ينقص المال والبخل به لا يزيده فان التوسعة كالتضييق لحكمة فلا البخل يزيد في المال ولا الإنفاق في سبيل الله ينقص منه. وختم هذا بوعده الصادق وهو أن من انفق في سبيل الله شيئاً أخلفه اللهعليه وهو تعالى خير من قيل إنه يرزق ووصف به.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله في الأُمم والشعوب وأنهم ما أتاهم من رسول إلا كفر به الأغنياء والكبراء.
2- بيان اغترار المترفين بما آتاهم الله من مال وولد ظانين ان ذلك من رضا الله تعالى عليهم.
3- بيان الحكمة في التوسعة على بعض والتضييق على بعض، وانها الامتحان والابتلاء فلا تدل على حبِّ الله ولا على بغضه للعبد.
4- بيان ما يقرب إلى الله ويدنى منه وهو الإِيمان والعمل الصالح ومن ذلك الإِنفاق في سبيل الله لا كثرة المال والولد كما يظن المغرورون المفتنون بالمال والولد.
5- بيان حكم الله فيمن يحارب الإِسلام ويريد إِبطاله وأنه محضر في جهنم لا محالة.
6- بيان وعد الله تعالى بالخلف لكل من أنفق في سبيله مالاً.

.تفسير الآيات (40- 42):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)}

.شرح الكلمات:

{ويوم نحشرهم جميعا}: أي واذكر يوم نحشرهم جميعاً أي جميع المشركين.
{أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون}: أي يقول تعالى هذا للملائكة تقريعاً للمشركين وتوبيخاً لهم.
{قالوا سبحانك}: أي قالت الملائكة سبحانك أي تقديساً لك عن الشرك وتنزيهاً.
{أنت ولينا من دونهم}: أي لا موالاة بيننا وبينهم أي يتبرأوا منهم.
{بل كانوا يعبدون الجن}: أي الشياطين التي كانت تتمثل لهم فيحسبونها ملاكئة فيطيعونها فتلك عبادتهم لها.
{فاليوم لا يمك بعضكم لبعض}: أي لا يملك المعبودون للعابدين.
{نفعاً ولا ضراً}: أي لا يملكون نفعهم فينفعونهم ولا ضرهم فيضرونهم.
{ونقول للذين ظلموا}: أي اشركوا غير الله في عبادته من الملائكة والأنبياء أو الأولياء والصالحين.
{عذاب النار التي كنتم بها تكذبون}: أي كنتم في الدنيا تكذبون بالبعث والجزاء وهو الجنة أو النار.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء والتوحيد. قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم واذكر {يوم نحشرهم} أي المشركين {جميعاً} فلم نبق منهم أحداً، ثم نقول للملائكة وهم أمامهم تقريراً للمشركين وتأنيباً: {أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} فتتبرأ الملائكة من ذلك وينزهون الله تعالى عنه الشرك فيقولون: {سبحانك} أي تنزيهاً لك عن الشرك وتقديساً {أنت ولينا من دونهم} أما هم فلا ولاية بيننا وبينهم {بل كانوا يعبدون الجن} أي الشياطين {أكثرهم بهم مؤمنون} أي مصدقون فأطاعوهم في عبادة الأصنام وعصوك وعصوا رسلك فلم يعبدوك ولم يطيعوا رسلك.
وقوله تعالى: {فاليوم لا يملك بعضكم لبعضكم نفعاً ولا ضراً} أي يقال لهم هذا القول تيئيساً وإيلاساً أي قطعاً لرجائهم في أن يشفعوا لهم. وقوله تعالى: {ونقول للذين ظلموا} وهم المشركون {ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون} أي كنتم تكذبون بها في الدنيا فذوقوا اليوم عذابها. والعياذ بالله من عذاب النار.

.من هداية الآيات:

1- تقرير لعقيدة البعث والجزاء بذكر بعض أحوالها.
2- أن من كانوا يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين إنما كانوا يعبدون الشياطين إذ هي التي زينت لهم الشرك. أما الملائكة والأنبياء والأولياء فلم يرضوا بذلك منهم فضلا عن أن يأمروهم به.
3- بيان توبيخ أهل النار بتكذيبهم في الدنيا بالآخرة وكفرهم بوجود نار يعذبون بها يوم القيامة.

.تفسير الآيات (43- 46):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)}

.شرح الكلمات:

{آياتنا بيّنات}: أي آيات القرآن الكريم واضحات ظاهرة المعنى بيّنة الدلالة.
{قالوا ما هذا الا رجل}: أي ما محمد إلا رجل من الرجال.
{يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم}: أي يريد أن يصرفكم عن عبادتكم لآلهتكم التي كان يعبدها آباؤكم من قبل.
{إلا إفك مفترى}: أي إلا كذب مختلق مزور.
{وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم}: أي قالوا للقرآن لما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم.
{إن هذا الا سحر مبين}: أي ما هذا أي القرآن الا سحر مبين أي محمد ساحر والقرآن سحر.
{من كتب يدرسونها}: أي يقرأونها فأباحت لهم الشرك وأذنت لهم فيه.
{وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير}: أي ولم نرسل إليهم قبلك من رسول فدعاهم إلى الشرك.
{وما بلغوا معشار ما آتيناهم}: أي ولم يبلغ أولئك الأمم الذين أهلكناهم معشار ما آتينا هؤلاء من الحجج والبينات.
{فكيف كان نكير}: أي فكيف كان إنكارى عليهم بالعقوبة والإهلاك والجواب كان واقعاً موقعه لم يخطئه بحال.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في عرض مواقف المشركين المخزية والتنديد بهم والوعيد الشديد لهم. قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم} أي مشركي قريش وكفارها {آياتنا بينات} أي يتلوها رسولنا واضحات الدلالة بينات المعاني فيما تدعو إليه من الحق وتندد به من الباطل، كان جوابهم أن قالوا: ما هذا إلا رجلٌ يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم. أي ما محمد غلا رجل أي ليس بملكٍ يريد أن يصدكم أي يصرفكم عما كان آباؤكم من الأوثان والأحجار. فسبحان الله أين يذهب بعقول المشركين أما يخجلون لما يقولون عما كان يعبد آباؤكم من الأصنام والأوثان، إنه يصدكم حقاً عن عبادة الأوثان ولكن إلى عبادة الرحمن. وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {وقالوا ما هذا إلا إفك} أو كذب {افتراه} أي اختلقه وتخرصه من نفسه أي قالوا في القرآن وما يحمل من تشريع وهدى ونور قالوا فيه إنه كذبه محمد لى الله عليه وسلم سبحان الله ما أشد سخف هؤلاء المشركين: وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين} أي قالوا في الرسول وما جاءهم به من الدعوة إلى التوحيد والإِصلاح {إن هذا} أي ما هذا إلا سحر مبين، وذلك لما رأوا من تاثير الرسول والقرآن في نفوسهم إذ كان يحرك نفوسهم ويهزها هزاً.
بعدبعد هذا العرض لمواقف المشركين قال تعالى: {وما آتيناهم} أي مشركي قريش {من كتب يدرسونها} أي أصروا على الشرك وما أعطيناهم من كتب يقرأونها فوجدوا فيها الإِذن بالشرك أو مشروعيته فتمسكوا به، {وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} أي رسول فأجاز لهم الشرك أو سنة لهم فهم على سنته، اللهم لا ذا ولا ذاك.
فكيف إذاً هذا الإِصرار على الشرك وهو باطل لم ينزل به كتاب ولم يبعث به رسول.
وقوله تعالى: {وكذب الذين من قبلهم} أي من الأمم البائدة {ولم يبلغوا} أي ولم يبلغ هؤلاء من القوة معشار ما كان لأولئك الأقوام الهالكين، ومع ذلك أهلكناهم، فكيف كان نكيرى أي كيف كان إنكارى عليهم الشرك وتكذيب رسلى بإبادتهم واستئصالهم. أما يخاف هؤلاء الضعفاء أن تحل بهم عقوبتنا فنهلكهم عن آخرهم كما أهلكنا من قبلهم ولما لم يرد الله إبادتهم بعد أن استوجبها بالتكذيب لرسوله والإِصرار على الشرك والكفر قال لرسوله قل لهم {إنما أعظكم بواحدة} أي بخصله واحدة وهي أن تقوموا لله أي متجردين من الهوى والتعصب {مثنى}، أي اثنين أثنين، {وفرادي} أي واحداً واحداً، ثم تتفكروا في حياة محمد صلى الله عليه وسلم وموافقة الخيرِّة معكم وبعده عن كل أذى وشر وفساد فإنكم تعلمون يقيناً أنه ما بصاحبكم محمد من جنّة ولا جنون إن هو إلا نذير لكم بين يدي شديد، أي ما هو صلى الله عليه وسلم إلا نذير لكم أمام عذاب شديد قد ينزل بكم وهو مشفق عليكم في ذلك خائف لا يريده لكم.

.من هداية الآيات:

1- بيان عناد المشركين وسخف عقولهم وهبوطهم الفكرى.
2- ضعف كفار قريش وتشددهم وعتوهم إذا قيسوا بالأمم السابقة فإنهم لا يملكون من القوة نسبة واحد إلى ألف إذ المعشار هو عشر عشر العشر.
3- تقرير النبوة المحمدية واثباتها وذلك ينفى الجنّة عنه صلى الله عليه وسلم وإثبات أنه نذير.

.تفسير الآيات (47- 54):

{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)}

.شرح الكلمات:

{قل إن ربي يقذف بالحق}: أي يلقى بالوحي الحق إلى أنبيائه. ويقذف الباطل بالحق أيضا فيدمغه.
{وما يبدئ الباطل وما يعيد}: أي وما يبدى الباطل الذي هو الكفر، وما يعيد أي إنه لا أثر له.
{فإنما أضل على نفسي}: أي إثم ضلالي على نفسي لا يحاسب ولا يعاقب به غيري.
{إنه سميع قريب}: أي سميع لما أقول لكم قريب غير بعيد فلا يتعذر عليه مجازاة أحد من خلقه.
{إذ فزعوا فلافوت}: أي إذ فزعوا للبعث أي خافوا ونفروا فلا فوت لهم منا بل هم في قبضتنا.
{وأنى لهم التناوش من مكان بعيد}: أي لما شاهدوا العذاب قالوا آمنا بالقرآن وكيف لهم ذلك وهم بعيدون إنهم في الآخرة والإِيمان في الدنيا.
{التناوش} التنازل من مكان بعيد.
{كما فعل بأشياعهم من قبل}: أي فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم من أمم الكفر والباطل.
{في شك مريب}: أي في شك بالغ من نفوسهم فأصبحوا به مضطربين لا يطمئنون إلى شيء أبداً.

.معنى الآيات:

لما لج المشركون في الخصومة والعناد ودعاهم الله تعالى إلى أمثل حل وهو أن يقوموا متجردين لله تعالى من الهوى والتعصب يقوموا اثنين اثنين أو واحداً واحداً لأن الجماعة من شأنها أن تختلف مع الآراء ثم يتفكروا في حياة الرسول وما دعاهم إليه من الهدى والحق فإنكم تعلمون أنه ليس كما تهمتموه بالجنون وإنما هو نذير لكم بين يدي عذاب شديد يخاف وقوعه بكم ونزوله عليكم هنا أمره تعالى أن يقول لهم وكوني نذيراً لكم مما أخاف عليكم لا أسألكم على إنذاري لكم أجراً {إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد} أي مطلع عليّ عالم بصدقي ويجزيني على إنذاري لكم إذ كلفني به فقمت به طاعة له. وقوله تعالى: {قل إن ربي يقذف بالحق} أي قل لهم يا رسولنا إن ربي يقذف بالحق أن يلقى بالوحي على من يشاء من عباده {علام الغيوب} أي وهو علام الغيوب يعلم من هو أهل للوحي إليه والإِرسال فيوحى إليه ويرسله كما أوحى إليّ وارسلني غليكم نذيراً وبشيراً. وقوله تعالى: {قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} أي قل لهم يار سولنا جاء الحق وهو الإِسلام الدين الحق، فلم يبق الباطل الذي هو الشرك والكفر مكان ولا مجال، وما يبدئ الباطل وما يعيد؟ أي أ، ه كما لا يبدئ لا يعيد فهو ذاهب لا اثر له أبداص وقوله: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي} أي أعلمهم بأنك إن ضللت فيما أنت قائم عليه تدعو إليه فإنما عائد ضلالك عليك لا عليهم، وإن اهتديت فهدايتك بفضل ما يوحى غليك من ربك من الهدى والنور {إنه سميع قريب} سميع لأقوالك وأقوال غيرك غير بعيد فيتعذر عليه مجازاة عباده صاحب الإِحسان بالإِحسان وصاحب السوء بالسوء.
وقوله تعالى: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} أي لرأيت أمراً قطعياً يقول تعالى لرسوله ولو ترى إذ فزع المشركون في ساحات فصل القضاء يوم القيامة فزعوا من شدة الهول والخوف وقد أُخذوا من مكان قريب والقوا في جهنم لرأيت أمراً فظيعاً في غاية الفظاعة. وقوله: {فلا فوت لهم} لا يفوتون الله تعالى ولا يهربون من قبضته. وقوله تعالى: {وقالوا آمنا به} أي قالوا بعد ما بُعثوا وفزعوا من هول القيامة قالوا آمنا به أي بالله وكتابه ولقائه ورسوله، قال تعالى: {وأنى لهم التناوش} أي التناول للإِيمان من مكان بعيد إذ هم في الآخرة والإِيمان كان في الدنيا فكيف يتناولونه بهذه السهولة ويقبل منهم وينجون من العذاب هذا بعيد جداً ولن يكون أبداً وقد كفروا به من قبل أي لاسيما وأنهم قد عُرض عليهم الإِيمان وهم قادرون عليه فرفضوه فكيف يمكنون منه الآن. وقوله: {ويقذفون بالغيب من مكان بعيد} أي وها هم اليوم في الدنيا يقذفون بالغيب محمداً صلى الله عليه وسلم بقواصم الظهر مرة يقولون كاذب ومرة ساحر ومرة شاعر وأخرى مجنون وكل هذا رجما بالغيب لا شبهة لهم فيه ولا أدنى ريبة تدعوهم إليه وأخيرا قال تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} وهو الإِيمان الموجب للنجاة كما فعل بأشياعهم أي اشباههم وأنصارهم من أهل الكفر والتكذيب لما جاءهم العذاب قالوا آمنا ولم ينفعهم غيمانهم وأهلكوا فألقوا في الجحيم، وقوله: {إنهم كانوا في شك مريب} أي مشركو قريش وكفارها أخبر تعالى أنهم كانوا في الدنيا في شك من توحيدنا ونبينا ولقائنا مريب أي موقع لهم في الريب والاضطراب فلم يؤمنوا فماتوا على الكفر والشرك وهذا جزاء من يموت على الشرك والكفر.

.من هداية الآيات:

1- دعوة الله تعالى ينبغي أن لا يأخذ الداعى عليها أجراً، ويحتسب أجره على الله عز وجل.
2- بيان صدق الله تعالى في قوله جاء الحق وما يبدي الباطل وما يعيد إذ ما هو إلاَّ سُنيَّات والإسلام ضارب بجرانه في الجزيرة فلا دين فيها إلا الإِسلام.
3- الإِيمان الاضطراري لا ينفع صاحبه كإِيمان من رأى العذاب.
4- الشك كفر ولا إِيمان مع رؤية العذاب.

.سورة فاطر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}

.شرح الكلمات:

{الحمد لله}: أي قولوا الحمد لله فإنه واجب الحمد ومقتضى الحمد ما ذكر بعد.
{فاطر السموات والأرض}: أي خالقهما على غير مثال سابق.
{جاعل الملائكة رسلا}: أي جعل منهم رسلا إلى الأنبياء كجبريل عليه السلام.
{أولى أجنحة}: أي ذوى أجنحة جمع جناح كجناح الطائر.
{يزيد في الخلق ما يشاء}: أي يزيد على الثلاثة ما يشاء فإن لجبريل ستمائة جناح.
{وما يمسك}: أي الله من الرحمة فلا أحد يرسلها غيره سبحانه وتعالى.
{وهو العزيز الحكيم}: أي الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.
{اذكروا نعمة الله عليكم}: أي اذكروا نعمه تعالى عليكم في خلقكم ورزقكم وتأمينكم في حرمكم.
{هل من خالق غير الله يرزقكم}: أي لا خالق لكم غير الله ولا رازق لكم يرزقكم.
{من السماء والأرض}: أي بإِنزال المطر من السماء وإنبات الزروع في الأرض.
{لا إله إلا هو}: أي لا معبود بحق إلا هو إذاً فاعبدوه ووحدوه.
{فأنى تؤفكون}: أي كيف تصرفون عن توحيده مع اعترافكم بأنه وحده الخالق الرازق.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {الحمد لله فاطر السموات والأرض} أي الشكر الكامل والحمد التام لله استحقاقاً، والكلام خَرَجَ مَخْرج الخبر ومعناه الإِنشاء أي قولوا الحمد لله. واشكروه كما هو أيضاً إخبار منه تعالى بأن الحمد له ولا مستحقه غيره ومقتضى حمده. فطره السموات والأرض أي خلقه لهما على غير مثال سابق ولا نموذج حاكاه في خلقهما. وجعله الملائكة رسلاً إلى الأنبياء وإلى من يشاء من عباده بالإِلهام والرؤيا الصالحة. وقوله: {أولي أجنحة} صفة للملائكة أي اصحاب أجنحة مثنى أي اثنين اثنين، وثلاث أي ثلاثة ثلاثة ورباع أي أربعة أربعة. وقوله: {يزيد في الخلق} أي خلق الأجنحة ما يشاء فقد خلق لجبريل عليه السلام ستمائة جناح كما أخبر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحاح ويزيد في خلق ما يشاء من مخلوقاته وهو على كل شيء قدير.
وقوله تعالى: {ما يفتح الله لناس من رحمة فلا ممسك لها} يخبر تعالى أن مفاتيح كل شيء بيده فما يفتحُ للنا سمن ارزاق وخيرات وبركات لا يمكن لأحد من خلقه أن يمسكها دونه وما يمسك من ذلك فلا يستطيع أحد من خلقه أن يرسله، وهو وحده العزيز الغالب على أمره ومراده فلا مانع لما أعطى ولا راد لما قضى الحكيم في صنعه وتدبير خلقه. وقوله تعالى: {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم} هذا نداؤه تعالى لأهل مكة من قريش يأمرهم بعده بأن يذكروا نعمه تعالى عليهم حيث خلقهم ووسع أرزاقهم وجعل لهم حرماً آمناً والناس يتخطفون من حولهم خائفون يأمرهم بذكر نعمه لأنهم إذا ذكروها شكروها بالإِيمان به وتوحيده. وقوله: {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} والجواب لا أحد إذ لا خالق إلا هو ولا رازق سواه فهو الذي خلقهم ومن السماء والأرض رزقهم.
السماء تُمطر والأرض تنبت بأمره. إذاً فلا إله إلا هو أي لا معبود بحق إلا هو فكيف إذاً تصرفون عن الحق بعد معرفته إن حالكم لعجب. هذا ما دل علي قوله تعالى: {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون}.

.من هداية الآيات:

1- وجوب حمد الله تعالى وشكره على إنعامه.
2- تقرير الرسالة والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم بإخباره أنه جاعل الملائكة رسلاً.
3- وجوب اللجوء إلى الله تعالى في طلب الخير ودفع الضر فإنه بيده خزائن كل شيء.
4- وجوب ذكر النعم ليكون ذلك حافزاً على شكرها بطاعة الله ورسوله.
5- تقرير التوحيد بالأدلة العقلية التي لا ترد.
6- العجب من حال المشركين يقرون بانفراد الله تعالى بخلقهم ورزقهم ويعبدون معه غيره.