فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (81- 85):

{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)}

.شرح الكلمات:

{قل أن كان للرحمن ولد}: أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين الزاعمين أن الملائكة بنات الله إن كان للرحمن ولد فرضاً.
{فأنا أول العابدين}: أي فأنا أول من يعبده تعظيماً لله وإجلالاً ولكن لا ولد له فلا عبادة إذا لغيره.
{سبحان رب السموات}: أي تنزه وتقدس.
{عما يصفون}: أي عما يصفون به الله تعالى من أن له ولداً وشركاء.
{فذرهم يخوضوا ويلعبوا}: أي اتركهم يا رسولنا يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم.
{وهو الذي في السماء إله}: أي معبود في السماء.
{وفى الأرض إله}: أي معبود في السماء.
{وتبارك الذي له ملك السموات}: أي تعاظم وجل جلال الذي له ملك السموات.
{وعنده علم الساعة}: أي عنده علم وقت مجيئها.

.معنى الآيات:

سبق أن بكت تعالى المشركين في دعواهم أن الملائكة بنات الله وتوعدهم بالعذاب على قولهم الباطل وهنا قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل لهم إن كان للرحمن ولد كما تفترون فرضاً وتقديراً فأنا أول العابدين له، ولكن لم يكن للرحمن ولد. فلم أكن لأعبد غير الله تعالى، هذا ما دل عليه قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}. وقوله: {سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون} نزه تعالى نفسه وقدسها وهو رب السموات والأرض ورب العرش أي مالك ذلك كله وسلطانه عليه جميعه عما يصفه المشركون به من أن له ولداً وشركاء.
وهنا قال تعالى لرسوله إذا أصروا على باطلهم من الشرك والعذاب على الله والافتراء عليه فذرهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا الذي يوعدون وهو يوم عذابهم المعد لهم وذلك يوم القيامة.
وقوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله وفى الأرض إله} أي معبود في السماء ومعبود في الأرض أي معظم غاية التعظيم، ومحبوب غاية الحب ومتذلل له غاية الذل في الأرض والسماء وهو الحكيم في صنعه وتدبيره العليم بأحوال خلقه فهل مثله تعالى يفتقر إلى زوجة وولد تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وقوله: {وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون} أي تعاظم وجل جلاله وعظم سلطانه الذي له {ملك السموات والأرض وما بينهما} والدنيا والآخرة، وعنده علم الساعة وإليه ترجعون أن يكون له ولد ولم تكن له صاحبة، وهو على كل شيء قدير.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية التلطف في الخطاب والتنزل مع المخاطب لإقامة الحجة عليه كقوله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدًى أو في ضلال مبين} وكما هنا قل إن كان للرحمن ولد من باب الفرض والتقدير فأنا أول العابدين له ولكن لا ولد له فلا أعبد غيره سبحانه وتعالى.
2- تهديد المشركين بعذاب يوم القيامة.
3- إقامة البراهين على بطلان نسبة الولد إلى الله تعالى.

.تفسير الآيات (86- 89):

{وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}

.شرح الكلمات:

{ولا يملك الذين يدعون}: أي يعبدونهم.
{من دونه}: أي من دون الله.
{الشفاعة}: أي لأحد.
{إلا من شهد بالحق}: أي لكن الذي شهد بالحق فوحد الله تعالى على علم هذا الذي تناله شفاعة الملائكة والأنبياء.
{فأنى يؤفكون}: أي كيف يصرفون عن الحق بعد معرفته.
{وقيله}: أي قول النبي يا رب إن هؤلاء.
{فاصفح عنهم}: أي أعرض عنهم.
{وقل سلام فسوف}: أي امرى سلام منكم، فسوف تعلمون عاقبة كفركم.

.معنى الآيات:

لما أعلم تعالى في الآية السابقة ان رجوع الناس إليه يوم القيامة، وكان المشركون يزعمون ان آلهتهم من الملائكة وغيرها تشفع لهم يوم القيامة واتخذوا هذا ذريعة لعبادتهم فأعلمهم تعالى في هذه الآية (86) أن من يدعونهم بمعنى يعبدونهم من الأصنام والملائكة وغيرهم من دوه الله لا يملكون الشفاعة لأحد، فالله وحده هو الذي يملك الشفاعة ويطعيها لمن يشاء هذا معنى قوله تعالى: {ولا يملك الذي يدعون من دونه الشفاعة} وقوله تعالى: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} أي استثنى الله تعالى أن من شهد بالحق أي بأنه لا إله إلا الله، وهو يعلم ذلك علما يقينا فهذا قد يشفع له الملائكة أو الأنبياء فقال عز وجل: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم فالموحدون تنالهم الشفاعة بإذن الله تعالى. وقوله تعالى: {ولئن سألتهم} أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من خلفهم لأجابوك قائلين الله. فسبحان الله كيف يصرفون عن الحق بعد معرفته يعرفون أن الله هو الخالق لهم ويعبدون غيره ويتركون عبادته.
وقوله: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} أي ويعلم تعالى قيل رسوله وشكواه وهي يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون لما شاهد من عنادهم وتصلبهم شكاهم إلى ربه تعالى فأمره ربه عز وجل أن يصفح عنهم أي يتجاوز عما يلقاه منهم من شدة وعنت وأن يقول لهم سلام وهو سلام متاركة لا سلام تحية وتعظيم أي قل قل لهم أمرى سلام. فسوف تعلمون عاقبة: هذا الإصرار على الكفر والتكذيب فكان هذا منه تهديداُ لهم بذكر ما ينتظرهم من أليم العذاب إن ماتوا على كفرهم.

.من هداية الآيات:

1- لا يملك الشفاعة يوم القيامة أحد إلا الله تعالى فمن أذن له شفع ومن لم يأذن له لا يشفع، ولايشفع إلا لأهل التوحيد خاصة أما أهل الشرك والكفر فلا شفاعة لهم.
2- مشركو العرب على عهد النبوة موحدون في الربوبية مشركون في العبادة.
3- مشروعية الصفح والتجاوز عند العجز عن إقامة الحدود وإعلاء كلمة الله تعالى.

.سورة الدخان:

.تفسير الآيات (1- 9):

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)}

.شرح الكلمات:

{حم}: هذا أحد الحروف المقطعة تكتب هكذا حم وتقرأ هكذا حَامِيمْ.
{والكتاب المبين}: أي القرآن المظهر للحلال والحرام الأقوال والأعمال والاعتقادات.
{إنّ أنزلناه في ليلة مباركة}: أي في ليلة القدر من رمضان.
{فيها يفرق كل أمر حكيم}: أي يفصل كل أمر محكم من لآجال والأرزاق وسائر الأحداث.
{أمراً من عندنا}: أي فيها في ليلة القدر يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا أي أمرنا بذلك أمراً من عندنا.
{إنّا كنا مرسلين من رحمة ربك}: أي إنّا كنا مرسلين الرسل محمداً ومن قبله رحمة من ربك بالمرسل إليهم من الأمم والشعوب.
{نه هو السميع العليم} أي السميع لأصوات مخلوقاته العليم بحاجاتهم.
{إنْ كنتم موقنين}: أي بأنه رب السموات والأرض فآمنوا برسوله واعبدوه وحده.
{بل هم في شك يلعبون}: أي فليسوا بموقنين بل هم في شك من ربوبية الله تعالى لخلقه وإلا لعبدوه وأطاعوه بل هم في شك يلعبون بالأقوال والأفعال واليقين لهم في ربوبية الله تعالى وإنما هم مقلدون لآبائهم في ذلك.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {حم} ذلك هذا أحد الحروف المقطعة وهو من المتشابه الذي يفوض فهم معناه إلى منزلة فيقول: المؤمن: الله أعلم بمراده به، وقد ذكرنا له فائدتين جليلتين تقدمتا غير مامرة الأولى: أنه لما المشركون يمنعون سماع القرآن خشية التأثر به جاءت هذه الفواتح بصيغة لم تعهدها العرب في لغتها فكان إذا قرأ القارئ رافعا صوته مادّاً به هذه الحروف يستوقف السامع ويضطره إلى أن يسمع فإذا سمع تأثر واهتدى غالباً وأعظم بهذه الفائدة من فائدة والثانية: أنه لما ادعى العرب أن القرآن ليس وحياً إلهياً وإنما شعر أو سحر أو قول الكهان أو اساطير تحداهم الله تعالى بالإتيان بمثله فعجزوا فتحداهم بعشر سور فعجزوا فتحداهم بسورة فعجزوا فقامت عليهم الحجة لعجزهم وتقرر أن القرآن الكريم كلام الله ووحيه أوحاه إلى رسوله ويؤكد هذه الفائدة أنه غالباً إذا ذكرت هذه الحروف في فواتح السور يذكر القرآن بعدها نحو طس تلك آيات القرآن، حم والكتاب المبين، آلم تلك آيات الكتاب الحكيم.
قوله تعالى: {والكتاب المبين} هذا قسم أقسم الله تعالى بالقرآن تنويها بشأنه ولله أن يقسم بما يشاء فلا حجر عليه وإنما الحجر على الإِنسان أن يحلف بغير ربه عز وجل، والمراد من الكتاب المبين المقسم به القرآن العظيم، وقوله: {إنا أنزلناه} أي القرآن {فى ليلة مباركة} أي كثيرة البركة والخير وهى ليلة القدر والتى هي خير من ألف شهر. وقوله: {إنا كنا منذرين}، ولذلك أرسلنا الرسول وأنزلنا القرآن لننذر الناس عذاب يوم القيامة حيث لا ينجى منه إلا الإيمان والعمل الصالح، ولا يعرفان إلا بالوحي فكان لابد من الرسلو الذي يوحى إليه ولابد من الوحي الحامل لبيان الإيمان وأنواع العمل الصالح.
وقوله فيها يفرق كل أمر حكيم أي في تلك الليلة المباركة يفصل كل أمر محكم مما قضى الله أن يتم في تلك السنة من أحداث في الكون يؤخذ ذلك من كتاب المقادير فيفصل عنه وينفذ خلال السنة من الموت والحياة والغنى والفقر والصحة والمرض والتولية والعزل فكل أحداث تلك السنة تفصل من اللوح المحفوظ ليتم احداثها في تلك السنة حتى إن الرجل ليتزوج ويولد له وهو في عداد من يموت فلا تنتهى السنة إلا وقد مات وقوله: {أمراً من عندنا إن كنا مرسلين} أي كان ذلك أمراً من عندنا أمرنا به.
وقوله: {إنا كنا مرسلين} أي الرسل محمداً فمن قبله من الرسل رحمة من ربك بالناس المرسل إليهم {إنه هو السميع} لأقوالهم وأصواتهم {العليم} بحاجاتهم، فكان إرسال الرسل رحمة من ربك أيها الرسول فاحمده واشكره فإنه أهل الحمد والثناه وقوله: {رب السموات والأرض وما بينهما} أي خالق ومالك السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين، أي بأنه رب السموات والأرض وما بينهما فاعبدوه وحده فانه لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين. وقوله تعالى: {بل هم في شك يلعبون} دال على أن إقرارهم بأن الله رب السموات ورب الخلق عندما يسألون لم يكن عن يقين إذ لو كان على يقين لما أنكروا توحيد الله وكفروا به إذاً فهم في شك يلعبون بالأقوال فقط كما يلعبون بالأفعال، لا يقين لهم في ربوبيته تعالى وإنما هم مقلدون لآبائهم في ذلك.

.من هداية الآيات:

1- بيان فضل ليلة القدر وأنها في رمضان.
2- تقرير عقيدة القضاء والقدر وإثبات اللوح المحفوظ.
3- ارسال الرسل رحمة من بعباده، فلم يكن زمن الفترة وأهلها أفضل من زمن الوحي.
4- لم يكن إفراد المشركين بربوبية الله تعالى لخلقه عن علم يقينى بل هم مقلدون فيه فلذا لم يحملهم على توحيد الله في عبادته، وهذا شأن كل علم أو معتقد ضعيف.

.تفسير الآيات (10- 16):

{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}

.شرح الكلمات:

{فارتقب}: أي انتظر.
{بدخان مبين}: أي هو ما كان يراه الرجل من قريش لشدة الجوع بين السماء والأرض من دخان.
{يغشى الناس}: يغشى أبصارهم من شدة الجهد الناتج عن الجوع الشديد.
{ربنا اكشف عنا العذاب}: أي يا ربنا إن كشفت عنا العذاب منا بك وبرسولك.
{أنى لهم الذكرى}: أي من أي وجه يكون لهم التذكر والحال أنه قد جاءهم رسول مبين فتولوا عنه وقالوا معلم مجنون.
{معلم مجنون}: أي أنه يعلمه القرآن بشر مجنون أي مختلط عليه أمره غير مدرك لما يقول.
{إنكم عائدون}: أي إلى الكفر والجحود.
{البطشة الكبرى}: أي الآخذة القوية التي أخذناهم بها يوم بدر حيث قتلوا وأسروا.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {فارتقب} الآية نزلت بعد أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش يوم كثر استهزاؤهم به وسخريتهم منه وبما جاء به من الدين الحق فقال اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف أي سبع سنين من القحط والجدب فأمره ربه أن ينتظر ذلك فقال له فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب آليم، واستجاب تعالى لرسوله وأصاب قريشاً بقحط وجدب ماتت فيه مواشيهم وأصابهم جوع أكلوا فيه العهن وشربوا فيه الدم، وكان الرجل يرفع رأسه إلى السماء فلا يرى إلا دخانا يغشى بصره من شدة الجوع، حتى ضرعوا إلى الله وبعثوا إلى الرسول يطلبون منه أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنهم هذا العذاب وهو معنى قوله تعالى: {فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} أي برسولك وبما جاء به من الهدى والدين الحق.
وقوله تعالى: {أنّى لهم الذكرى وقد جاءكم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون} أي ومن أين يأتيهم التذكر فينيبوا إلى ربهم ويسلموا له، والحال أنه قد جاء رسول مبين للحق مظهر له فعرفوه أنه رسول حق وصدق ثم تولوا عنه أي أعرضوا عنه وعما جاء به وقالوا معلم أي هو رجل يعلمه غيره الذي يقوله ولم يكن رسولا وقالوا مجنون فلذا تذكرهم وتوبتهم مستبعدة جداً، وقوله تعالى: {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} وفعلاً كشف الله عنهم عذاب المخمصة ونزل الغيث بديارهم وسعدت بلادهم بعد شقاء دام سبع سنوات، وعادوا إلى الشرك وحرب الإسلام والمسلمين.
وقوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرة إنّا منتقمون} أي وارتقب يا رسولنا يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون، وكان ذلك ببدر حيث انتقم الله منهم فقتل رجالهم بل صناديدهم وأسر من أسر منهم، وكانت بطشة لم تعرفها قريش قط.

.من هداية الآيات:

1- صدق وعد الله لرسوله واستجابة دعائه صلى الله عليه وسلم.
2- الإيمان عند معاينة العذاب لا يجدي ولا ينفع.
3- بيان ما قابلت به قريش دعوة الإسلام من جحود وكفران.
4- إخبار القرآن بالغيب وصدقه في ذلك آية أنه وحى الله وكلامه تعالى.

.تفسير الآيات (17- 24):

{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)}

.شرح الكلمات:

{ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون}: أي ولقد اختبرنا قبلهم أي قبل كفار قريش قوم فرعون من الأقباط.
{وجاءهم رسول كريم}: أي موسى بن عمران صلوات الله عليه وسلامه.
{أن أدوا إلي عباد الله}: أي ادفعوا إلي عباد الله بني إسرائيل وارسلوهم معى.
{إنى لكم رسول أمين}: أي أنى رسول اليكم أمين على وحيه ورسالته.
{وأن لا تعلوا علي الله}: أي وبأن لا تطغوا على الله فتكفروا به وتعصوه.
{إنى آتيكم بسلطان مبين}: أي بحجة واضحة تدل على صدقى في رسالتى وما اطالبكم به.
{وأنى عذب بربى وربكم أن أي وانى قد اعتصمت بربى وربكم واستجرت به ان ترجمونى ترجمون}
{وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون}: أي إن لم تصدقونى فيما جئتكم به فخلوا سبيلي واتركوني.
{فدعا ربه}: أي فلما كذبه فرعون وقومه وهموا بقتله نادى ربه يا رب.
{إن هؤلاء قوم مجرمون}: أي إن هؤلاء قوم مجرمون بالكفر والظلم.
{فأسر بعبادى ليلا إنكم متبعون}: أي فأجابه ربه بأن قال له فأسر بعبادى أي بني إسرائيل ليلاً إن فرعون وجنده متبعوكم ليردوكم.
{وأترك البحر رهواً}: أي وإذا اجتزت أنت وقومك البحر فاتركه رهواً ساكناً كما هو حين دخلته مع بني إسرائيل.
{إنهم جند مغرقون}: أي إن فرعون وقومَه جندٌ واللّهُ مغرقُهم في البحر.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ولقد فتنا} هذا شروع في قصة موسى مع فرعون لوجود تشابه بين أكابر مجرمى قريش وبين فرعون في ظلمه وعلِّوه، والقصد تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخفيف ألمه النفسسى من جَرَّاءٍ ما يلاقى من أكابر مجرمى قريش في مكة فقال تعالى: {ولقد فتنا قبلهم} أي قبل كفار قريش قوم فرعون من القبط جاءهم رسول كريم أي على ربه وعلى قومه من بني إسرائيل هو موسى بن عمران عليه السلام، أن أدوا أي بأن أدوا أي ادفعواإلى عباد الله بني إسرائيل وأرسلوهم معى إني لكم رسول أمين على رسالتى صادق في قولي، وبأن لا تعلوا على الله أي بأن لا تطغوا على الله فتكفروا به وتعصوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه. إني آتيكم بسلطان مبين أي بحجة بينة واضحة على صحة ما أطالبكم به. وإنى عذت بربى وربكم أي استجرت وتحصنت أن ترجمون بأقوالكم أو أعمالكم، وإن لم تؤمنوا أي لم تصدقوا بما جئتكم به فاعتزلون ولما أبوا إلا أذاه وأرادوا قتله دعال ربه قائلاً رب إن هؤلاء قوم مجرمون كفرة ظلمة يعنى فرعون وملأه فأوحى إليه ربه تعالى فأسر بعبادى أي بني إسرائيل إذ هم المؤمنون وغيرهم من القبط كافرون ليلا في آخر الليل وأعلمه أن فرعون وجنوده متبعون لهم ليردوهم وينكلوا بهم. وقوله تعالى: {واترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون} إنه لما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق فلقتين ودخل بنو إسرائيل البحر فاجتازوه أراد موسى أن يضرب البحر ليلتئم كما كان حتى لا يدخله فرعون وجنده فيدركوهم فقال له ربه تعالى أترك البحر رهواً أي ساكنا كما كان حين دخلتموه حتى إذا دخل فرعون وجنوده اطبقناه عليهم إنهم جند مغرقون وهذا الذي حصل فنجى الله موسى وبني إسرائيل وأغرق فرعون وجنوده أجمعين.
الدّخان.

.من هداية الآيات:

1- وجود تشابه كبير بين فرعون وكفار قريش في العلو والصلف والكفر والظلم.
2- مشروعية الاعتبار بما سلف من أحداث في الكون والائتساء بالصالحين.
3- وجوب الاستعاذة بالله تعالى والاستجاؤة به إذ لا مجير على الحقيقة إلا وهو ولا واقي سواه.
4- مشروعية دعاء الله تعالى على الظالمين وسؤاله النصر عليهم والنجاة منهم.

.تفسير الآيات (25- 33):

{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)}

.شرح الكلمات:

{كم تركوا من جنات}: أي بساتين وحدائق غناء.
{ومقام كريم}: أي مجلس حسن ومحافل مزينة ومنازل حسنة.
{ونعمة كانوا فيها فاكهين}: أي نضرة عيش ولذاذته كانوا فيها ناعمين.
{وأورثناها قوماً آخرين}: أي بني إسرائيل.
{فما بكت عليهم السماء والأرض}: أي لهوانهم على الله بسبب كفرهم وظلمهم.
{وماكانوا منظرين}: أي مهملين حتى يتوبوا.
{من العذاب المهين}: أي قتل ابنائهم واستخدام نسائهم.
{ولقد اخترنا على علم على العالمين}: أي اخترناهم على علم منا على عالمى زمانهم من الإنسان والجن. وذلك لكثرة الأنبياء منهم وفيهم.
{وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين}: أعطيناهم من النعم ما فيه بلاء مبين أي واضح كانفلاق البحر والمنَّ والسلوى.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصة موسى عليه السلام مع عدو الله فرعون عليه لعائن الرحمن قال تعالى: {كم تركوا من جنات} أي كم ترك فرعون وجنود الذين هلكوا معه في البحر أي تركوا كثيراً من الجنات أي البساتين والعيون الجارية فيها سقي الزروع، ومقام كريم أي منازل حسنة ومحافل مزينة بأنواع الزينة والمحفل مكان الاحتفال، ونعمه أي متعة عظيمة كانوا فيها فاكهين أي ناعمين مترفين وقوله تعالى: {كذلك} هكذا كانت نعمتهم فسلبناهما منهم لكفرهم بنا وتعاليهم على شرائعنا وأوليائنا، {وأورثناها قوماً آخرين} هم بنوا إسرائيل إذ رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون. وقوله تعالى: {فما بكت عليهم السماء والأرض}، لأنهم كانوا كافرين لم يعملوا على الأرض خيراً ولم يعرج إلى السماء من عملهم خيرٌ فلمَ يُبكون إنما يبكى المسلم تبكيه الأرض التي كان يسجد عليها ويعبد الله تعالى فوقهها وتبكيه السماء التي كان كل يوم وليلة يصعد إليها عمله الصالح، وقوله وما كانوا منظرين أي ممهلين بل عاجلهم الرب بالعقوبة، ولم يمهلهم علهم يتوبون لعلم الله تعالى بطبع قلوبهم وكم واعدوا موسى إن رُفع عنهم العذاب يؤمنون، وما آمنوا. وقوله تعالى: {ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين} هذه بعض أياديه على بني إسرائيل وهي أنه نجاهم من العذاب المهين الذي كان فرعون وقومه يصبونه عليهم إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم للخدمة والامتهان وأي عذاب مهين أكبر من هذا؟ {من فرعون} أي من عذاب فرعون الذي كان ينزله بهم {إنه كان عالياً من المسرفين} أي كان فرعون جباراً طاغياً من المسرفين في الكفر والظلم. وقوله تعالى: {ولقد اخترناهم} أي بني إسرائيل {على علم} أي منا {على العالمين} أي عالمى زمانهم من الثقلين الإنس والجن، وقوله تعالى: {وآتيناهم} أي اعطيناهم من الآيات {ما فيه بلاء مبين} أي اختبار عظيم ومن تلك الآيات انفلاق البحر، الدّخان.
وتظليل الغمام لهم والمن والسلوى في التيه إلى غير ذلك مما هو اختبار عظيم لهم أيشكرون أم يكفرون.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله في سلب النعم وإنزال النقم بمن كفر نعم الله ولم يشكرهها فعصى ربه وأطاع هواه ونفسه فترك الصلاة واتبع الشهوات وترك القرآن واشتغل بالأغاني، وأعرض عن ذكر الله وأقبل على ذكر الدنيا ومفاتنها.
2- بيان هَوَان أهل الكفر والفسق على الله وعلى الكون كله، وكرامة أهل الإيمان والتقوى على الله وعلى الكون كله حتى ان السماء والأرض تبكيهم إذا ماتوا.
3- ذم العلو في الأرض وهو التكّبر والإسراف في كل شيء.
4- بيان أن الله يبتلى أي يختبر عباده بالخير والشر.