فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (43- 50):

{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)}

.شرح الكلمات:

{إن شجرة الزقوم}: أي الشجرة التي تثمر الزقوم وهي من اخبث الشجر ثمراً مرارة وقبحاً.
{طعام الأثيم}: أي ثمرها طعام الأثيم أبى جهل وأصحابه من ذوى الأثام الكبيرة.
{كالمهل}: أي كدِرْدِيّ الزيت الأسود.
{يغلى في البطون كغلي الحميم}: أي الماء الشديد الحرارة.
{خذوه فاعتلوه}: أي يقال للزبانية خذوه فاعتلوه أي جروه بغلظة وشدة.
{إلى سواء الجحيم}: أي إلى وسطها.
{ذق انك أنت العزيز الحكيم}: أي ذق العذاب إنك كنت تقول ما بين جبلي مكة أعز وأكرم منى.
{ما كنتم به تمترون}: أي إنَّ هذا العذاب الذي كنتم تمترون به أي تشكون فيه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر النار وما فيها من ضروب العذاب فقال تعالى: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم} كأبي جهل وأضرابه من ذوى الآثام، وشجرة الزقوم تنبت في أصل الجحيم طعلها كأنه رؤوس الشياطين في القبح وثمرها الذي هو الزقوم مر أشد المرارة جعلها الله تعالى طعام الأثيم أبى جهل وذوى الآثام الكبيرة، وقوله تعالى في الاخبار عنها {كالمهل يغلى في البطون كغلى الحميم} أي كدردي الزيت يغلى في بطون الآثمين كغلي الحميم أي الماء الحار الشديد الحرارة. وقوله تعالى: {خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم}، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم أي يقال للزبانية وهم الملائكة الموكلون بالنار وعاذبها خذوه فاعتلوه أي ادفعوه واجذبوه بعنف إلى وسط الجحيم، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم أي صبوا فوق رأسه الماء الحار الشديد الحرارة ويقال له: تهكما به ذق إنك أنت العزيز الكريم أي كما كنتد تقول في الدنيا إذ كان أبو جهل يقول: ما بين جبلى مكة أعز وأكرم منى، وكان يجمع أولاده ويضع بين أيديهم الزبدة وتمر العجوة ويقول لهم تزقموا هذا هو الزقوم الذي يهدنا به محمد اللهم صلى اوسلم على نبينا محمد وقوله تعالى: {إن هذا ما كنتم به تمترون} أي يقال لهم إن هذا أيى العذاب الذي كنتم تشكون في أنه كائن يوم القيامة، وذلك لتكذيبهم بالعبث والجزاء يوم القيامة.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- عظم عذاب النار وفظاعة ما يلاقيه ذوو الآثام الكبيرة فيها.
3- يوجد شجرة بأريحا من الغور لها ثمر كالتمر حلو غفيص، لنواه دهن عظيم المنافع عجيب الفعل في تحليل الرياح الباردة وأمراض البلغم وأوجاع المفاصل والنقرس وعرق النسا والريح اللاحجة في حق الورك، يشرب منه زنة سبعة دراهم ثلاثة أيام، وربما أقام الزمنى، والمقعدين. ذكر هذا صاحب حاشية الجمل على الجلاليين عند تفسير هذه الآية. ولو أمكن أخذ هذا الثمر واستخراج زيته والتداوى به لكان خيرا.
4- من أشد أنواع العذاب في النار العذاب النفسى بالتهكم والسخرية من المعذبين وهو العذاب المهين الذي يُهين المعذبين ويدوس كرامتهم.

.تفسير الآيات (51- 59):

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}

.شرح الكلمات:

{ان المتقين في مقام آمين}: أي إن الذين اتقوا ربهم في الدنيا فآمنوا وعملوا الصالحات بعد اجتناب الشرك والمعاصي في مجلس آمين لا يلحقهم فيه خوف بحال.
{فى جنات وعيون}: هذا هو المقام الأمين.
{من سندس واستبرق}: أي مارق من الديباج، وما غلظ منه.
{متقابلين}: أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لأن الأسرة تدور بهم.
{كذلك وزوجناهم}: أي الأمر كذلك وزوجناهم.
{بحور عين}: أي بنساء بيض واسعات الأعين.
{يدعون فيها}: أي يطلبون الخدم فيها أن يأتوهم بكل فاكهة.
{آمنين}: أي من انقطاعها ومن مضراتها ومن كل مخوفٍ.
{لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى}: أي لكن الموتة الأولى فقد ذاقوها.
{فإنما يسرناه بلسانك}: أي سهلنا القرآن بلغتك.
{لعلهم يتذكرون}: أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون لكنهم لا يؤمنون.
{فارتقب إنهم مرتقبون}: أي فانتظر هلاكهم فإنهم منتظرون هلاكك.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى حال أهل النار عقب عليه بذكر حال أهل الجنة وهذا هو أسلوب الترغيب والترهيب الذي تميز به القرآن الكريم لأنه كتاب دعوة وهداية زيادة على أنه كتاب تشريع وأحكام فقال عز من قائل: {إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون} فأخبر تعالى أن الذين اتقوه في الدنيا فآمنوا به وأطاعوه في أمره ونهيه ولم يشركوا به هؤلاء في مقام آمين أي في مجلس آمن لا يلحقهم فيه خوف، وبين ذلك المقام الآمن بقوله: {فى جنات} أي بساتين وعيون. يلبسون أي ثيابهم من سندس واستبرق، والسندس مارق من الحرير والاستبق ما غلظ منه، وقوله متقابلين أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعضه لأن الأسرة التي هم عليها تدور وقوله تعالى: {كذلك} أي الأمر كذلك أي كما وصفنا وزوجناهم بحور عين، الحوراء من النساء البيضاء ومن في عينيها حورٌ وهو كِبَر بياض العين على سوادها والعِينُ جمع عيناء وهى واسعة العينين، وقوله: {يدعون فيها بكل فاكهة آمنين} أي يطلبون الخدمة أن يوافوهم بكل فاكهة حال كونهم آمنين من انقطاعها ومن ضررها ومن كل مخوف يلحق بسببها أو سبب غيرها.
وقوله تعالى: {لا يذوقون فيها لاموت إلا الموتة الأولى} أي لا يذوقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا فغن أهلها لا يمرضون ولا يهرمون ولا يموتون وقوله تعالى: {ووقاهم عذاب الجحيم}، وهذا دال على أن غير المتقين من الموحدين قد يذوقون عذاب الجحيم قبل دخولهم الجنة بخلاف المتقين فإنهم لا يدخلون النار البتة وقوله تعالى: {فضلاً من ربك} أي كان ذلك الإنعام والتكريم فضلا من ربك إذ لم يتسوجبوه لمجرد تقواهم وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم: «سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله» قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».
وقوله: {ذلك هو الفوز العظيم}. أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم وهو كما في قوله من سورة آل عمران: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}.
وقوله تعالى: {فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون} أي فإنما سهلنا القرآن بلغتك العربية لعلهم يتذكرون فيتعظون فيؤمنون ويتقون، لكن أكثرهم لم يتعظ فارتقب ما يحل بهم فإنهم منتظرون ما يكون لك من نجاح أو إخفاق.

.من هداية الآيات:

1- فضل التقوى وكرامة أهلها والتقوى هي خشية من الله تحمل على طاعة الله بفعل محابة وترك مكارهه.
2- بيان شيء من نعيم أهل الجنة ترغيباً في العمل لها.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
4- بيان الحكمة من تسهيل فهم القرآن الكريم وهو الاتعاظ المتقضى للتقوى.

.سورة الجاثية:

.تفسير الآيات (1- 5):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)}

.شرح الكلمات:

{حم}: هذا أحد الحروف الهجائية يكتب هكذا: حم ويقرأ هكذا: حَامِيمْ.
{تنزل الكتاب}: أي القرآن.
{من الله العزيز الحكيم}: أي من عند الله علزيز الانتقام من أعدائه الحكيم في تدبيره.
{إن في السموات والأرض}: أي إن في خلق السموات والأرض.
{لآيات}: أي لدلالات واضحات على وجود الهل تعالى وقدرته وعلمه وحكمته وهي موجبات الربوبية والألوهية له وحده دون سواه.
{للمؤمنين}: أي لأنهم بالإيمان أحياء يبصرون ويسمعون فيرون الآيات.
{وفى خلقكم}: أي وفى خلقكم أيها الناس وتركيب أعضائكم وسلامة بنيانكم.
{ومابث من دابة}: أي وما خلق ونشر من أنواع الدواب من بهائم وغيرها.
{آيات لقوم يوقنون}: أي علامات على قدرة الله تعالى على البعث الآخر إذ الخالق لهذه العوالم قادر على إعادتها بعد موتها، ولكن هذه الآيات لا يراها إلا القوم الموقنون في ايمانهم بربوبية الله والوهيتة وصفات الجلال والكمال له.
{واختلاف الليل والنهار}: أي بمجيء هذا وذهاب ذاك وطوب هذا وقصر ذاك على مدى الحياة.
{وما أنزل الله من السماء من}: أي من مطر، وسمي المطر رزقا لأنه يسببه. {رزق فأحيا به الأرض بعد موتها}: أحيا بالمطر الأرض بعد موت نباتها بالجدب.
{وتصريف الرياح}: أي من صبا إلى دبور، ومن شمال إلى جنوب، ومن سموم إلى باردة ومن نسيم إلى عاصفة.
{آيات لقوم يعقلون}: أي في اختلاف الليل والنهار وانزال واحياء الأرض وتصريف الرحاح دلالات واضحة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته واقتضاء ذلك ربوبية الله والوهيته، لقوم يعقلون أي يستعملون عقولهم في إدراك الأشياء واستنتاج النتائج من مقدماتها.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {حم}: الله أعلم بمراده به إذ هو من المتشابه الذي أُمرنا أن نؤمن به ونفوض أمر معناه إلى من أنزله سبحانه وتعالى. وقد ذكرنا مرات فائدتين لهذه الحروف المقطعة فلتراجع في أكثر السورة المفتتحة بالحرف والمقطعة كحم الدخان السورة التي قبل هذه السورة. وقوله تعالى: {تنزل الكتاب من الله العزيز الحكيم} أي تنزيل القرآن كان من عند الله العزيز أي الانتقام من أعدائه الحكيم في تدبير أمور خلقه، وقوله تعالى: {إن في السموات والأرض} أي في خلقهما وإيجادهما وما فيها من عجائب الصنعة لآيات المؤمنين تدلهم على استحقاق ربهم للعبادة دون سواه من سائر خلقه، وخُصَّ المؤمنون بهذه الآيات لأنهم أحياء يسمعون ويبصرون ويعقلون فهم إذا نظروا في السموات والأرض تجلت لهم حقائق أن الخالق لهذه العوالم لن يكون إلا قادراً عليماً حكيماً عزيزاً ومن ثم وجب أن لا يعبد إلا هو، وكل عبادة لغير باطلة. وقوله: {وفي خلقكم} أيها الناس أي في أطوار خلقكم من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى بشر سوى الخلقة معتدل المزاج والتركيب له سمع وبصر ونطق وفكر.
{وما يبث من دابة} أي وما يخلق وما يفرق وينشر في الأرض من أنواع الدواب والبهائم والحيوانات على اختلافها من برية وبحرية {آيات لقوم يوقنون} أي يوقنون في إيمانهم بالله تعالى وآياته، كما يوقنون بحقائق الأشياء الثابتة لها فالواحد مع الواحد اثنان والموجود ذد المعدوم، والأبيض خلاف الأسود، ولاابن لابد له من أب، والعذب خلاف المر فأصحاب هذا اليقين يرون في خلق الإنسان والحيوان آيات دالة على وجود الله وعلمه وعزته وحكمته وقدرته على البعث والجزاء الذي أنكره عادمو العقول من المشركين والكافرين. وقوله: {واختلاف الليل والنهار} أي بتعاقبهما بمجيء الليل وذهاب النهار، والعكس كذلك وبطول أحدهما وقصر الآخر تارة والعكس كذلك وما أنزل الله من السماء من رزق أي من مطر هو سبب الرزق فأحيا به الأرض بعد موتها بِيُبْسِ النبات وموته عليها، وتصريف الرياح من صبا إلى دبور، ومن شمال إلى جنوب ومن رخاء لينة إلى عاصفة ذات برد أو سموم إن في المذكورات آيات حججاً ودلائل دالة على وجود عبادة الله وتوحيده في ذلك، ولكن لقوم يعقلون أي لذوى العقول النيرة السليمة. أما الذين لا عقول لهم فلا يرون ولا في غيرها آية فضلا عن آياتٍ.

.من هداية الآيات:

1- عظم شأن القرآن الكريم لأنه تنزيل الله العزيز الحكيم.
2- الإيمان أعم من اليقين ومقدم عليه في الترتيب واليقين أعلى في الرتبة.
3- فضل العقل السليم إن استخدم في الخير وما ينفع.
4- تقرير ألوهية الله تعالى بتقرير ربوبيته في الخلق والتدبير والعلم والحكمة.

.تفسير الآيات (6- 11):

{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}

.شرح الكلمات:

{تلك آيات الله}: أي تلك الآيات المذكورة آيات الله أي حججه الدالة على وحدانيته.
{نتلوها عليك بالحق}: أي نخبرك عنها بالحق لا بالباطل كما يخبر المشركون عن آلهتهم أنها تقربهم إلى الله زلفى كذبا وبالطلا.
{فبأي حديث بعد الله وآياته}: أي فبأي حديث أيها المشركون بعد حديث الله هذا الذي يتلوه عليكم وبعد حججه هذه.
{تؤمنون}: أي تصدقون والجواب أنكم لا تؤمنون.
{ويل لكل أفاك أثيم}: أي عذاب الويل لكل كذاب ذي آثام كبيرة وكثيرة.
{يسمع آيات الله تتلى عليه}: أي يسمع آيات القرآن كتاب الله تقرأ عليه.
{ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها}: أي ثم يصر على لاكفر حال كونه مستكبرا عن الإيمان والوحيد كأن لم يسمعها.
{اتخذها هزوا}: أي اتخذ تلك الآية أو الآيات مهزواً بها متهكما ساخراً منها.
{لهم عذاب مهين}: أي ذو اهانة لهم يهانون به وتكسر أنوفهم.
{من ورائهم جهنم}: أي أمامهم جهنم وذلك يوم القيامة، والوراء يطلق على الأمام كذلك.
{ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً}: أي لا يكفى عنهم ما كسبوه من المال والأفعال التي كانوا يعتزون بها شيئاً من الإغناء.
{ولا ما اتخذوا من دون الله من أولياء}: أي ولا يغني عنهم كذلك ما اتخذوه من أصنام آلهة عبدوها دون الله تعالى.
{هذا هدًى}: أي هذا القرآن كله حجج وبراهين ودلالات هادية.
{والذين كفروا بآيات ربهم}: أي والذين كفروا بالقرآن فلم يهتدوا به وبقوا على ضلالهم من الشرك والمعاصي.
{لهم عذاب من رجز أليم}: أي لهم عذاب موجع من نوع الرجز وهو أشد أنواع العذاب.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في طلب هداية قريش فبعد أن بيّن تعالى آياته في الآفاق وفى الأنفس قاله لرسوله صلى الله عليه وسلم تلك آيات الله أي تلك الآيات المكورة أي آيات الله أي حججه الدالة على وجوده وعلمه وقدرته وموجبة لربوبيته على خلقه وألوهيته فهو الإِله الحق الذي لا إله إلا هو حق سواه. وقوله فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون أي إن لم يؤمن هؤلاء المشركون بالله رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، وبآياته القرآنية الحاملة للهدى والخير والنور فبأى شيء يؤمنون أي يصدقون لا شيء يؤمنون لأن الاستفهام إنكارى والإنكار كالنفى في معناه.
وقوله: {ويل لكل أفاك أثيم} يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مسكبراً كأن لم يمسمعها هذا وعيد من الله تعالى شديد لكل كذاب يقلب الكذب فيصف الطاهر بالخبيث والخبيث بالطيب والكاذب بالصادق، والصادق بالكاذب أثيم منغمس في كبائر الإثم والفواحش، يسمع هذا الأفاك الاثيم آيات الله تتلى عليه وهى القرآن الكريم، ثم يصر على الكفر مستكبرا عن الإيمان به وبما يدعو إليه من التوحيد، كأن لم يسمع تلك الآيات.
قال تعالى لرسوله فبشره بعذاب أليم وقوله تعالى: {وإذا علم} أي ذلك الأفاك الأثيم {من آياتنا شيئاً} كأن تبلغه الآية أو الآيات من القرآن {اتخذها هزواً} أي أخذ يهزأ بها ويسخر منها، ويواصل ذلك فيجعلها هزواً بها، قال تعالى: {أولئك} أي الأفاكون الآثمون وما أكثرهم لهم عذاب مهين أي فيه إهانة زائدة تنكشر منها أنوفهم التي كانت تأنف الحق وتستكبر عنه. وقوله تعالى: {من ورائهم جهنم} هذا وعيد لهم تابع للأول إذا أخبر تعالى أن من ورائهم جهنم وذلك يوم القيامة ولفظ الوراء يطلق ويراد به الأمام فهو من الألفاظ المشتركة في معنيين فأكثر وقوله: {ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا} أي ولا يكفى عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا جاههم ولا كل ما كسبوا في هذه الدنيا أي لا يدفع ذلك عنهم شيئا من العذاب، وكذلك لا تغنى عنهم آلهتهم التي عبدوها من دون الله شيئا من دفع العذاب. ولهم عذاب عظيم لا يقادر قدره، وكيف والعظيم جل جلاله وصفه بأنه عظيم.
وقوله تعالى: {هذا هدى} أي هذا القرآن هدى أي يخرج من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان ومن الشرك إلى لاتوحيد لما فيه من الهدى والنور، ولما يدعو إليه من الحق والعدل والخير والذين كفروا به وأعرضوا عنه وهو آيات الله وحججه على خلقه هؤلاء لهم عذاب من رجز أليم أي عذاب هو من أشد انواع العذاب لأنهم بالكفر بالآيات لم يزكوا أنفسهم ولم يطهروها فماتوا على أخبث النفوس وشرها فلا جزاء لهم إلا رجز العذاب.

.من هداية الآيات:

1- القرآن نور وأعظم نور فمن لم يهتد عليه لا يرجى له الهداية أبداً.
2- الوعيد الشديد لأهل الإفك والآثام، والإفك الكذب المقلوب.
3- شر الناس من غذا سمع آيات الله استهزأ وسخر منها أو ممن يتلوها.
4- لم يغن عمن مات على الكفر شيء من كسب في هذه الحياة الدنيا من مال وولده وجاه وسلطان.
5- لم يغن عمن المشرك ما كان يعبد من دون الله أو مع الله من أصنام وأوثان وملائكة أو أنبياء أو أولياء.

.تفسير الآيات (12- 15):

{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}

.شرح الكلمات:

{الله الذي سخر لكم البحر}: أي الله المعبود بحق لا الآلهة الباطلة سخر لكم أي لأجلكم البحر بأن جعله أملس تطفو فوقه الأخشاب ونحوها.
{لتجرى الفلك فيه بأمره}: أي جعله كذلك لتجري السفن فيه بإذن الله تعالى.
{ولتبتغوا من فضله}: أي لتسافروا إلى طلب الرزق من إقليم إلى إقليم.
{ولعلكم تشكرون}: أي رجاء أن تشكرو نعم الله عليكم.
{وسخر لكم ما في السموات}: أي من شمس وقمر ونحوم ورياح وماء أمطار.
{وما في الأرض جميعاً}: أي وما في الأرض من جبال وأنهار وأشجار ومعادن منه تعالى.
{إن في ذلك لآيات}: أي علامات ودلائل وحجج على وجود الله وألوهيته.
{لقوم يتفكرون}: أي لقوم يستخدمون عقولهم فيتفكرون في وجود هذه المخلوقات ومن أوجدها ولماذا أوجدها فتتجلى لهم حقائق وجود الله وعلمه وقدرته ورحمته فيؤمنوا ويوحدوا.
{قل للذين آمنوا يغفروا}: أي قل يا رسولنا للمؤمنين من عبادنا يغفروا أي يتجاوزوا ولا يؤاخذوا.
{الذين لا يرجون أيام الله}: أي لا يتقوعون أيام الله أي بالإِدالة منهم للمؤمنين فيذلهم الله وينصر المؤمنين عليهم وهم الرسول وأصحابه وهذا قبل ا لأمر بجهادهم.
{ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون}: أي ليجزى تعالى يوم القيامة قوماً منهم وهم الذي علم تعالى أنهم لا يؤمنون بما كسبوه من أذى الرسول والمؤمنين.
{من عمل صالحاً فلنفسه}: أي فهو الذي يرحم ويسعد به.
{ومن أساء فعليها}: أي ومن عمل سوءاً فالعقوبة تحل به لا بغيره.
{ثم إلى ربكم ترجعون}: أي يعد الموت ويحكم بينكم فيما كان بينكم من خلاف وأذى.

.معنى الآيات:

مازال السياق الكريم في هداية قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقوله تعالى: {الله الذي سخر لكم} تذكير لأولئك المعرضين بالحجج والآيات الدالة على وجوب الإيمان بالله وتوحيده وطاعته فهو تعالى يعرفهم أنا ما بهم من نعم هي من الله لا من غيره من تلك اللآلهة الباطلة. الله لا غيره هو الذي سخر لكم أي ذلل ويسر وسهل ما في السموات من شمس وقمر ونجوم وسحب وأمطار ورياح لمنافعكم، وسخر لكم ما في الأرض من جبال وأشجار وأنهار وبحار ومعادن وحيوانات ورياح اختلافها كل ذلك منه وهو وهبه لكم، إن في ذلك المذكور من إنعام الله عليكم بكل ما سخر لكم لأيات لقوم يتفكرون فيهديهم تفكيرهم إلى وجوب حمد الله تعالى وشكره بعد أن آمنوا به ووحدوه في ربوبيته وألوهيته، وقوله تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون} يأمر تعالى رسوله أن يقول لصحابته أيام الخوف في مكة قبل الهجرة إصفحوا وتجاوزوا عمن يؤذيكم من كفار قريش، ولا تردوا الأذى بأذى مثله بل اغفروا لهم ذلك وتجاوزوا عنه÷ وقد نسخ هذا بالأمر بالجهاد.
وقوله تعالى: {ليجزى قوماً بما كانوا يكسبون} تعليل للأمر بالصفح والتجاوز أي ليؤخر لهم ذلك إلى يوم القيامة ويجزيهم به أسوأ الجزاء لأنه كسب من شر المكاسب إنه أذية النبي والمؤمنين أولياء الله، وفى تنكير قوما يدل على أن بعضهم سيؤمن ولا يعذب يوم القيامة فلا يعذب إلا من مات على الكفر والشرك منهم.
وقوله تعالى: {من عمل صالحاً فانفسه} أي من عمل صالحاً في هذه الحياة الدنيا من إيمان وطاعة لله ورسوله في أوامرهما ونواهيهما فزكت بذلك نفسه وتأهل لدخول الجنة فإن الله يدخله الجنة ويكون عمله الصالح قد عاد عليه ولم يعد على غيره إن الله غني عن عمل عباده، وغير العامل لا تطهر نفسه ولا تزكو بعمل لم يباشره بنفسه، وقوله ومن أساء أي في حياته فلم يؤمن ولمي عمل صالحاً يزكي به نفسه، فجزاء كسبه السيء من الشرك والمعاصي عائد على نفسه عذاباً في النار وخلوداً فيها.
وقوله تعالى: {ثم إلى ربكم ترجعون} أي إنكم أيها الناس بعد هذه الحياة وما عملتم فيها من صالح وسيء ترجعون إلى الله يوم القيامة ويجزيكم كلاً بحسب عمله الخير بالخير والشر بمثله.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد والبعث والجزاء والنبوة.
2- بيان علة الإِنعام الإلهي على العبد وهى أن يشكر الله تعالى بحمده والثناء عليه وصرف تلك النعم في مرضاته تعالى لا في معاصية الموجبة لسخطه.
3- مشروعية التسامح مع الكفار والتجاوز عن أذاهم في حال ضعف المسلمين.
4- تقرير قاعدة أن المرء لا يؤخذ بجريرة غيره.
5- تقرير أن الكسب يؤثر في النفس ويكون صفة لها وبه يتم الجزاء في الدار الآخرة من خير وغيره قال تعالى: {سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم} (الأنعام).