فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (21- 23):

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)}

.شرح الكلمات:

{أجترحوا السيئات}: أي اكتسبوا بجوارحهم الشرك والمعاصي.
{سواء محياهم ومماتهم}: أي محياهم ومماتهم سواءن لا لا المؤمنون في الجنة والمشركون في النار.
{ساء ما يحكمون}: أي ساء حكماً حكمهم بالتساوى مع المؤمنين.
{ولتجزى كل نفس بما كسبت}: أي وليجزي الله كل نفس ما كسبت من خير وشر.
{أفرأيت من اتخذ إلهه}: أي أخبرنى عمن اتخذ أي جعل إلهه أي معبوده هواه.
{واضله الله على علم}: أي على علم من الله تعالى بأنه أهل للإِضلال وعدم الهداية.
{وجعل على بصره غشاوة}: أي ظلمة على عبينيه فلا يبصر الآيات والدلائل.
{أفلا تذكرون}: أي أفلا تتذكرون أيها الناس فتتعظون.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى في الآيات قبل هذه الظالمين والمتقين وجزاء كل منهم وأنه كان مختلفا باختلاف نفوس الظالمين والمتقين خبثا وطهراً ذكر هنا ما يقرر ذلك الحكم وهو اختلاف جزاء الظالمين والمتقين فقام: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أي اكتسبوها بجوارحهم، والمراد بها الشرك والمعاصي أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله ربا وإلهاً وبكل ما أمر تعالى بالإيمان به، وعملوا الصالحات من إقام الصلاة وآيتاه الزكاة وصيام رمضان والجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وما إلى ذلك من الصالحات. سواء محياهم ومما تهم ساء ما يحكمون أي ساء حكما حكمهم هذا ومعنى هذا أن الله تعالى أنكر على من يحسب هذا الحسبان ويظن هذا الظن الفاسد وهو أن يعيش الكافر والمؤمن في هذه الحياة الكافر يعيش على المعاصي والذنوب والمؤمن على الطاعة والحسنات ثم يموتون ولا يجزى الكافر على كفره والمؤمن على إيمانه، وأسوأ من هذا الظن ظن آخر كان ليعضهم وهو أنهم إذا ماتوا يكرمون وينعم عليهم بخير ما يكرم به المؤمنون وينعم به عليهم. وهذا غرور عجيب، فأنكر تعالى عليهم هذا الظن الباطل وحكم انه لا يسوى بين بر وفاجر، ولا بين مؤمن وكافر لأن ذلك مناف للعدل والحق والله خلق السموات والأرض بالحق، وأنزل الشرائع وأرسل الرسل ليعمل الناس في هذه الحياة الدنيا فمن آمن وعمل صالحاً كانت الحسنى له جزاء، ومن كفر وعمل سوءاً كانت جهنم جزاءه، وهو معنى قوله تعالى: {وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت} أي من خير وشر، وهم لا يظلمون لأن العدالة الإلهية هي التي تسود يوم القيامة وتحكم. وقوله تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} أي جعل معبوده ما تهواه نفسه فما هويت قولا إلا قاله، ولا عملا إلا عمله ولا اعتقاداً إلا اعتقده ضارباً بالعقل والشرع عرض الحائط فلا يلتفت إليهما ولا يستمع إلى ندائهما. وقوله تعالى: {وأضله الله على علم} أي منه تعالى حيث في علمه أن هذا الإنسان لا يهتدى ولو جاءته كل آية فكتب ذلك عليه فهو كائن لا محالة، وقوله: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} أي وختم تعالى على سمعه حسب سنته في ذلك فأصبح لا يسمع الهدى ولا الحق كأنه أصم لا يسمع، وأصبح لا يعقل معاني ما يسمع وما يقال له كأنه لا قلب له، وأصبح لام على بصره من ظلمة لا يرى الادلة ولا العلامات الهادية إلى الحق والى الطريق المستقيم المفضي بسالكه إلى النجاة من النار ودخول الجنة، وقوله تعالى: {فمن يهديه من بعد الله} وقد أضله الله والجواب لا أحد.
كقوله تعالى من سورة النحل {إن الله لا يهدى من يضل} أي من أضله الله تعالى حسب سنته في الإِضلال وهي أن يدعى العبد إلى أحد بعد أن أضله الله تعالى.
وقوله تعالى: {أفلا تذكرون} أي أفلا تذكرون فتتعظون أيها الناس فتؤمنوا وتوحدوا وتعملوا الصالحات فتكملوا وتسعدوا في الدنيا وتنجو من النار وتدخلوا الجنة في الآخرة.

.من هداية الآيات:

1- بطلان اعتقاد الكافرين في أن الناس يحيون ويموتون بلا جزاء على الكسب صالحه وفاسده.
2- تقرير البعث والجزاء.
3- موعظة كبيرة في هذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات إلى آخرها حتى إن أحد رجال السلف الصالح قام يتهجد من الليل فقرأ حتى انتهى إلى هذه الآية فأخذ يرددها ويبكى حتى طلع الفجر.
4- التنديد بالهوى والتحذير من اتباعه فقد يفضي بالعيد إلى ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى فيصبح معبوده هواه لا الرب تعالى مولاه.
5- التحذير من ارتكاب سنن الضلال المفضي بالعبد إلى الضلال الذي لا هداية معه.

.تفسير الآيات (24- 26):

{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)}

.شرح الكلمات:

{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا}: أي قال منكروا البعث ما الحياة إلا هذه الحياة، وليس وراءها حياة أخرى.
{نموت ونحيا}: أي يموت بعضنا ويحيا بعضنا بأن يولدوا فيحيوا ويموتوا.
{وما لهلكنا إلا الدهر}: أي وما يميتنا إلاّ مرور الزمان علينا.
{وما لهم بذلك من علم}: أي وليس لهم أدنى علم على قولهم لا من وحى وكتاب إلهى ولا من عقل صحيح.
{إن هم إلا يظنون}: أي ما هم إلا يظنون فقط والظن لا قيمة له ولا يبنى عليه حكم بوضوح.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات}: أي وإذا قرئت عليهم الآيات الدالة على البعث والجزاء الأخرى بوضوح.
{ما كان حجتهم}: أي لم تكن لهم من حجة إلا قولهم.
{إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا}: إلا قولهم احيوا لنا آباءنا الذين ماتوا وأتوا بهم إلينا.
{إن كنتم صادقين}: إن كنتم صادقين فيما تخبروننا به من البعث والجزاء.
{قل الله يحييكم ثم يميتكم}: أي قل لهم يا رسولنا الله الذي يحييكم حين كنتم نطفاً ميته، ثم يميتكم.
{ثم يجمعكم إلى يوم القيامة}: أي ثم بعد الموت يجمعكم إلى يوم القيامة للحساب والجزاء.
{لا ريب فيه}: أي يوم القيامة الذي لا ريب ولا شك في مجيئه في وقته المحدد له.
{ولكن أكثر الناس لا يعلمون}: أي لا يعلمون لعدم تلقيهم العلم عن الوحي الإلهي لكفرهم بالرسل والكتب.

.معنى الآيات:

تقدم في الآيات بيان اعتقاد بعض المشركين في استواء حال المؤمنين والكافرين يوم القيامة وأن الله تعالى أبطل ذلك الاعتقاد منكراً له عليهم، وهنا حكى قول منكرى البعث بالكلية ليرد عليهم وفى ذلك دعوة لعامة الناس إلى الإيمان والعمل الصالح للإِسعاد والكمال في الحياتين ولله الحمد والمنة فقال عز وجل: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} أي وقال منكرو البعث والجزاء يوم القيامة ما هناك إلا حياتنا هذه التي نحياها وليس وراءها حياة أخرى، إننا نموت ونحيا أي نموت نحن الأحياء ويحيا أبناؤنا من بعدنا وهكذا تستمر الحياة ابداً يموت الكبار ويحيا الصغار، وما يهلكنا إلا الدهر أي وما يميتنا ويفنينا إلا مرور الزمان وطول الأعمار وهو إلحاد كامل وإنكار للخالق عز وجل وهو تناقص منهم لأنهم إذا سئلوا من خلقهم يقولون الله فينسبون إليه الخلق وهو اصعب ولا ينسبوا إليه الإِماته وهى أهون من الخلق فرد تعالى عليهم مذهبهم الدهري بقوله: {وما لهم بذلك من علم إن هم الا يظنون} أي ليس لهم على معتقدهم هذا أدنى علم نقلياً كان ولا عقليا أي لم يتلقوه عن وحى أوحاه الله إلى من شاء من عباده ولا عن عقل سليم راجح لا ينقض حكمه كالواحد مع الواحد اثنان والأبيض خلاف الأسود وما إلى ذلك من القضايا العقلية التي لا ترد فهؤلاء الدهريون ليس لهم شيء من ذلك ما لهم إلا الظن والخرص وقضايا العقيدة لا تكون بالظن.
والظن أكذب الحديث.
وقوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} أي وإذا قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات القرآن الدالة على البعث والجزاء تدعوهم إلى الإيمان به واعتقاده {ما كان حجتهم} أي لم تكن لهم من حجة يردُّون بها ما دعوا إليه إلا قولهم: ائتوا بآبائنا ان كنتم صادقين أي أحيوا لنا آباءان الذين ماتوا وأحضروهم عندنا ان كنتم صادقين فيما تخبروننا من البعث والجزاء. فقال تعالى في رد هذه الشبهة وبيان للحق في المسألة قل الله يحييكم ثم يميتكم، ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي قل يا رسولنا لهؤلاء الدهريين المنكرين للبعث الله يحييكم إذ كنتم نطفاً ميته فأحياكم، ثم يميتكم بدون اختياركم فالقادر على الإحياء والأماته وفعلا هو يحيى ويميت لا يحيل العقل أن يحيى من أحياهم ثم أماتهم وإنما لم يحيهم اليوم كما طلبتم لأنه لا فائدة من إحيائهم بعد أن أحياهم ثم أماتهم هذا أولاً وثانياً إحياؤهم لكم اليوم يتنافى مع الحكمة العالية في خلق هذه الحياة الدنيا والآخرة إذ خلقوا ليعلموا، ثم يجازوا بأعمالهم خيرها وشرها. ولهذا قال ثم يجمعكم أي أحياء في يوم القيامة للحساب والجزاء وقوله لا ريب فيه أي لا شك في وقوعه ومجيئة إذ مجيئه حتمى لقيام الحياة الدنيا كلها عليه. ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذا لأمرين الأول أنهم لا يفكرون ولا يتعقلون والثاني أنهم لتكذيبهم بالوحي الإلهي سدوا في وجوههم طريق العلم الصحيح فهم لا يعلمون، ولا يعلمون حتى يؤمنوا بالوحي ويسمعوه ويتفهموه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير البعث والجزاء.
2- الردج على الدهريين وهم الذين ينسبون الحياة والموت للدهر وينفون وجود الخالق عز وجل.
3- بيان أن الكفار لا دليل لهم عقلى ولا نقليّ على صحة الكفر عقيدة كان أو عملاً.
4- عدم إحياء الله تعالى للمطالبين بحياة من مات حتى يؤمنوا لم يكن عن عجز بل لأنه يتنافى.
5- بيان أن أكثر الناس لا يعلمون وذلك لأنهم كذبوا بالوحي الإلهي في الكتاب والسنة.
6- بيان أنه لا علم صحيح إلاَّ مِنْ طريق الوحي الإلهي.

.تفسير الآيات (27- 32):

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)}

.شرح الكلمات:

{ولله ملك السموات والأرض}: أي خلقا وملكاً وتصرفا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
{يخسر المبطلون}: أي ويوم تقوم الساعة التي الساعة التي أنكرها الكافرون يخسر أصحاب الباطل بصيرورتهم إلى النار.
{وترى كل أمة جاثية}: أي كل أمة ذات دين جاثية على ركبها تنتظر حكم الله فيها.
{تدعى إلى كتابها}: أي إلى كتاب أعمالها فهو الحكم فيها الحكم فيها إن كان خيرا فخير وان كان شرا فشر.
{اليوم تجزون ما كنتم تعملون}: أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون.
{هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق}: أي ديوان الحفظة الذي دونوه من أعمال العقلاء من الناس شاهد عليكم بالحق.
{إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}: أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون.
{فيدخلهم ربهم في رحمته}: أي فيدخلهم في جنته.
{ذلك هو الفوز المبين}: أي الفوز البيّن ابظاهؤ وهو ابنجاة من ابناؤ ودخول الجنة.
{أفلم تكن آياتى تتلى عليكم}: أي يقال لهم ألم تأتكم رسلى فلم تكن آياتى تتلى عليكم.
{فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين}: أي عن آيات الله فلم تؤمنوا بها وكنتم بذلك قوما كافرين {إن وعد الله حق}: أي بالبعث والجزاء العادل يوم القيامة حق ثابت.
{إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستقنين}: أي ما كنا مستيقنين بالبعث وإنما كنا نظنه لا غير ولا نجزم به.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء فقال تعالى: {ولله ملك السموات والأرض} خلقا وايجاداً وملكاً وتصرفا ومن كان هذا وصفه من القدرة والعلم والحكمة لا ينكر عليه بعث العباد بعد موتهم وجمعهم للحساب والجزاء. وقوله ويوم تقوم الساعة التي ينكرها المنكرون يومئذ يخسر المبطلون يخسرون كل شيء حتى أنفسهم يخسرون منمازلهم في الجنة يرثها عنهم المؤمنون ويرثون هم المؤمنين منازلهم في النار ذلك هو الخسران المبين وقوله تعالى: {وترى كل أمة جاثية} أي وترى أيها الرسول يوم القيامة كل أهل دين وملة وقد جثوا على ركبهم خوفاً وذلاً مستوفزين للعمل بما يؤمرون به. وقوله: {كل أمة تدعى إلى كتابها} أي الذي أنزل على نبيها لتعمل بما جاء فيه من عقائد وشرائع ويقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون أي في الدنيا من خير وشر. فإذا حاولوا الإنكار قيل لهم: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق، وهو كتاب الأعمال الذي دونته الحفظة وقوله: {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} أي نأمر ملائكتنا بنسخ أعمالهم أي باثباتها وحفظها وها هي ذي بين أيديكم ناطقة صارخة بما كنتم تعملون.
قال تعالى مفصلا للحكم الناتج عن شهادة الكتاب {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي وتركوا الشرك والمعاصي فيدخلهم ربهم جزاء لهم في رحمته وهي الجنة دار المتقين ذلك هو الفوز المبين أي إدخالها الجنة بعد إنجائهم من النار هو الفوز المبين إذا الفوز معناه، النجاة من المرهوب والظفر بالمرغوب المحبوب.
هذا جزاء أهل لإيمان والتقوى وأما الذين كفروا وهم اهل الشرك والمعاصي فيقال لهم: {أفلم تكن آياتي تتلى عليكم} ي ألم تأتكم رسلي فلم تكن آياتى تتلى عليكم؟ بل كانت تتلى عليكم فاستكبرتم عنها فلم تتعرفوا إلى ما فيها والى ما تدعوا إليه، وكنتم باستكباركم عنها قوما مجرمين على أنفسكم إذا أفسدتموها بالشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: {وإذا قيل لهم إن وعد الله حق} أي وعده تعالى بالعبث والجزاء حق لابد واقع الساعة آتية لا ريب فيها أي جاثية لا محالة ولا ريب في وقوعها بحال من الأحوال قلتم بمستيقنين بمجيئها، وهذا بالنسبة إلى بعض الناس، وإلا فقد تقدم أن بعضهم كان ينكر البعث بالكلية وهذا ظاهر قى كثير من الناس الذي يؤمنون بالله وبلقائه وهم لا يفترون من المعاصي ولا يقصرون عن فعل الشر والفساد.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر بعض ما يقع يوم القيامة.
2- تقير عقيدة كتابة أعمال العباد وتقديمها لهم يوم القيامة في كتاب خاص.
3- تقير أن الإيمان والعمل الصالح سبب الفوز، وأن الشرك والمعاصي سبب الخسران المبين.
4- الظن في العقائد كالكفر بها، والعياذ بالله تعالى.

.تفسير الآيات (33- 37):

{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}

.شرح الكلمات:

{وبدالهم سيئات ما عملوا}: أي ظهر لهم في يوم القيامة جزاء سيئات ما عملوه في الدنيا من الشرك والمعاصي.
{وحاق بهم ما كانوا به يتسهزئون}: أي نزل وأحاط بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به إذا ذكروا به وخوفوا منه في الدنيا.
{وقيل اليوم ننساكم}: أي وقال الله تعالى لهم اليوم ننساكم أي نترككم في النار.
{كما نسيتم لقاء يومكم هذا}: أي مثل ما نسيتم يومكم هذا فلم تعملوا له بما ينجى فيه وهو الإِيمان والعمل الصالح، وترك الشرك والمعاصي.
{ومأواكم النار}: أي ومحل إقامتكم النار.
{ومالكم من ناصرين}: أي من ناصرين ينصرونكم بإخراجكم من النار.
{ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله}: أي ذلك العذاب كان لكم بسبب كفركم واتخاذكم آيات الله هزواً {هزواً}: أي شيئا مهزؤاً به.
{وغرتكم الحياة الدنيا}: أي طول العمر والتمتع بالشهوات والمستلذات {ولاهم يستعتبون}: أي لا يؤذون لهم في الاستعتاب ليعتبوا فيتوبوا.
{فلله الحمد رب السموات ورب الأرض}: أي فلله وحده الوصف بالجميل لإنجاز وعيده لأعدائه.
{وله الكبرياء في السموات والأرض}: أي العظمة والحكم النافذ الناجز على من شاء.
{وهو العزيز الحكيم}: أي وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في عرض مشاهد القيامة وبعض ما يتم فيها من عظائم الأمور لعل السامعين لها يتعظون بها فقال تعالى: {وبدالهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} أي وظهر للمشركين المكذبين بالبعث والجزاء ظهر لهم وشاهدوا العذاب الذي كانوا إذا ذكروا به أو خوفوا منه استهزأوا به وسخروا منه. وقد حل بهم ونزل بساحتهم وأحاط بهم وقال بهم الرب تعالى اليوم ننساكم كما نسبتم لقاء يومكم هذا أي نترككم في عذا النار كما تركتم العمل المنجى من هذا العذاب وهو الإيمان والعمل الصالح بعد التخلى عن الشرك والمعاصي. ومأواكم النار أي هي مأواكم ودار إقامتكم {ومالكم من ناصرين} أي وليس لكم من ينصركم فيخلصكم من النار، وعلة هذا الحكم عليهم بيَّنها تعالى بقوله: {ذلك بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا} أي حكم عليكم بالعذاب والخذلان بسبب اتخاذكم آيات الله الحاملة للحجج والبراهين الدالة على وجود الله ووجوب تتوحيده وطاعته هزوا أي شيئا مهزواً به، {وغرَّتكم الحياة الدنيا} بزخرفها وزينتها، وطول أعماركم فيها فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحا ينجيكم من هذا العذاب الذي حاق بكم اليوم. قال تعالى: {فاليوم لا يخرجون منها} وترك مخاطبتهم إشعاراً لهم بأنهم لا كرامة لله لهم اليوم فلم يقل فاليوم لا تخرجون منها، بل عدل عنها إلى قوله: {فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون} أي لم يطلب منهم أن يعتبوا ربهم بالتوبة إليه، إذ لا توبة بعد الموت والرجوع إلى الدنيا غير ممكن في حكم الله وقضائه.
وهنا تعظم حسرتهم ويشتد العذاب عليهم ويعظم كربهم.
وقوله تعالى: {فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين} أي رب كل شيء ومليكه حمد نفسه، وقصر الحمد عليه بعد أن أنجز ما أوعد به الكافرين، وذكر موجب الحمد وهو سلطانه القاهر في السموات وفى الأرض، وقوله: {وله الكبرياء} أي العظمة والسلطان {فى السموات والأرض وهو العزيز} الذي لا يمانع ولا يغالب، والشديد الانتقام، الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه الحكيم في تدبير خلقه ويتجلى ذلك في إكرام أوليائه برحمتهم، وإهانة أعدائهم بتعذيبهم في دارالعذاب النار وبئس لامصير.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن الاستهزاء بآيات الله وشرائعه كفر موجب للعذاب.
2- تقرير قاعدة الجزاء من جنس العمل، وكما يدين الفتى يدان.
3- مشروعية الحمد عند افراغ من أي عمل صالح أو مباح.

.سورة الأحقاف:

.تفسير الآيات (1- 6):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)}

.شرح الكلمات:

{حم}: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا: حم ويقرأ هكذا: حَامِيم.
{تنزيل الكتاب}: أي تنزيل القرآن.
{من الله العزيز الحكيم}: أي من لدن الله العزيز في ملكه الحكيم في صنعه.
{إلا بالحق وأجل مسمَّى}: أي ما خلقنا السموات والأرض إلا خلقا متلبسا بالحق وبأجل مسمى لفنائهما.
{عما أنذروا معرضون}: أي عن ما خوفوا به نم العذاب معرضون عنه غير ملتفتين إليه.
{ما تدعون من دون الله}: أي من الأصنام والأوثان.
{أروني ماذا خلقوا من الأرض} أي أشيروا إلى شيء خلقوه من الأرض.
{أم لهم شرك في السموات}: أي أم لهم شركة.
{أئتوني بكتاب من قبل هذا}: أي منزل من قبل القرآن.
{أو اثارة من علم}: أي بقيةٍ من علم يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام.
{إن كنتم صادقين}: أي في دعواكم أن عبادة الأصنام والأوثان تقربكم من الله تعالى.
{من لا يستجيب له إلى يوم القيامة}: أي لا أحد أضل ممن يدعو من لا يستجيب له في شيء يطلبه منه أبداً.
{وهم عن دعائهم غافلون}: أي وهم الأصنام أي عن دعاء المشركين إياهم غافلون لا يعرفون عنهم شيئاً.
{وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء}: أي في يوم القيامة كانت الأصنام أعداء لعابديها.
{وكانوا بعبادتهم كافرين}: أي وكانت الأصنام بعبادة المشركين لها جاحدة غير معترفة.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {حم} الله أعلم بمراده به إذ هذه من المتشابه الذي يجب الإيمان به وتفويض أمر معناه إلى الله منزلة. وقوله: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} ي تنزيل القرآن الكريم من لدن الله العزيز الحكيم العزيز في ملكه الحكيم في صنعه وتدبيره. وقوله تعالى: {ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما} من العوالم والمخلوقات {إلاّ بالحق} أي إلاّ لِحِكَمٍ عالية وليس من باب العبث واللعب، وإلاّ بأجل مسمى عنده وهو وقت إفنائهما وانهاء وجودهما لاستكمال الحكمة من وجودهما. وقوله تعالى: {والذين كفروا عما انذروا معرضون} يخبر تعالى بأن الذين كفروا بتوحيد الله ولقائه وآياته ورسوله عما خوفوا به من عذاب الله المترتب على كفرهم وشركهم معرضون غير مبالين به، وذلك لظلمة نفوسهم، وقساوة قلوبهم. وقوله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله} أي من الأصنام والأوثان {أروني ماذا خلقوا من الأرض} أي من شيء {أم لهم شرك في السموات} ولو أدنى شرك وأقله، وقوله: {ائتنوني بكتابٍ من قبل هذا أو أصارة من علم} أي بقية من علم تشهد بصحة عبادة ودعاء آلهة لم تخلق شيئا من الأرض وليس لها أدنى شرك في السموات {إن كنتم صادقين} في دعواكم أناه آلهة تستحق أن تُعبد، وقوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة} ينفي تعالى على علم تام أنه لا أضل من أحد يدعو من غير الله تعالى معبوداً لا يستجيب له في قضاء حاجة أو قضاء وطر مهما كان صغيراً أبداً وحقا لا أحد يدعو من غير الله تعالى معبوداً لا يستجيب له في قضاء حاجة أو قضاء يدعوه ويسأله حاجته وقوله: {وهم عن جعائهم غافلون} أي وأولئك الأصنام المدعوون غافلون تماما عن داعيهم لا يعلمون عنه شيئا لعم الحياة فيهم، ولو كانوا يوم القيامة يُنطقهم الله ويتبرءون ممن عبدوهم ويخبرون أنهم ما عبدوهم ولكن عبدوا الشيطان الذي زين لهم عبادتهم، وهو ما دل عليه قوله تعالى: {وإذا حشر الناس} أي ليوم القيامة كانوا لهم أعداء وخصوماً وكانوا بعبادتهم من دعاء وذبح ونذر وغيره كافرين أي جاحدين غير معترفين.

.من هداية الآيات:

1- إثبات النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزيل الله على رسول المنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
2- انتفاء العبث عن الله تعالى في خلقه السموات والأرض. وما بينهما وفي كل أفعاله وأقواله.
3- تقرير حقيقة علمية وهي من لا يخلق لا يُعبد.
4- بيان أنه لا أضل في الحياة من أحد يدعو من لا يستجيب له أبداًَ كمن يدعون الأصنام والقبور والأشجار بعنوان التوسل والاستشفاع والتبرك.