فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (16- 19):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}

.شرح الكلمات:

{ومنهم من يستمع إليك}: أي ومن الكفار المنافقين من يستمع إليك في خطبة الجمعة.
{ماذا قال آنفا}: أي الساعة أي استهزاء منهم وسخرية يعنون انه شيء لا يُرجع إليه ولا يعتد به لعدم فائدته.
{طبع الله على قلوبهم}: أي بالكفر فلذا هم لا يعون.
{واتبعوا أهواءهم}: أي في الكفر والنفاق.
{والذين اهتدوا}: أي المؤمنون.
{زادهم هدى}: أي زادهم الله هدى.
{وآتاهم تقواهم}: أي ألهمهم ما يتقون به عذاب الله تعالى.
{فهل ينظرون إلا الساعة}: أي ما ينتظر أهل مكة إلاّ الساعة.
{أن تأتيهم بغتة}: أي فجأة.
{فقد جاء أشراطها}: أي علامتها كبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان.
{فأنى له إذ جاءتهم ذكراهم}: أي أنى لهم إذا جاءتهم التذكر الذي نفعهم إذ قد أُغلق باب التوبة.
{فاعلم انه لا إله إلا الله}: أي فبناء على ما تقدم لك يا نبيّنا فاعلم أنه لا يستحق العبودية إلا الله فاعبدوه وتوكل عليه.
{واستغفر لذنبك}: أي قبل استغفر الله أو اللهم اغفر لي.
{وللمؤمنين والمؤمنات}: أي واستغفر للمؤمنين والمؤمنات.
{والله يعلم متقبلكم}: أي متصرفكم في النهار وأنتم تتصرفون في أمور دنياكم.
{ومثواكم}: أي مكان ثواكم وإقامتكم ونومكم بالليل.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ومنهم من يستمع} إلي هذه الآية (16) والآية التي بعدها مدنيَّتان لا شك لأنها نزلت في شأن المنافقين قال تعالى مخبراً رسوله عن بعض المنافقين {ومنهم} أي ومن بعض المنافقين {من يستمع إليك} أي إلى حديثك يوم الجمعة وأنت تخطب الناس على المنير {حتى إذا خرجوا من عندك} أي من المسجد {قالوا للذين أوتوا العلم} من أصحابك كعبد الله بن مسعود {ماذا قال آنفا}، وقولهم هذا ظاهر عليه الخبث إذا لو كانوا مؤمنين محبين لقالوا ماذا قال رسول الله آنفا، ولكن قالوا ماذا قال آنفا، وهم يعنونأن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بشيء مفيد يرجع إليه. قال تعالى: {أولئك} أي البعداء في الشر والنفاق الذين طبع الله على قلوبهم أي بالكفر والنفاق وذلك لكثرة تلوثهم بأوضار الكفر والنفاق حتى ران على قلوبهم ذلك فكان ختما وطابعا على قلوبهم، واتبعوا أهواءهم فهما علتان الأولى الطبع المانع من طلب الهداية والثانية اتباع الهوى وهو يعمي ويصم، فلاذ هم لا يهتدون، وقوله تعالى: {والذين اهتدوا} إلى الإِيمان الصحيح والعمل الصالح زادهم الله هدى حسب سنته في نماء الأشياء وزكاتها وزيادتها، وآتاهم تقواهم أي ألهمهم ما يتقون وأعانهم على ذلك فهم يتقون مساخط الله تعالى ومن أعظمها الشرك والمعاصي. وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (18) فهل ينظرون أي كفار قريش من زعماء الكفر في مكة إلا الساعة أي ما ينتظرون إلا الساعة أي القيامة أن تأتيهم بغتة أي فجأة إن كانوا ما ينظرون بإِيمانهم إلا الساعة فالساعة قد جاء أشراطها وأول أشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وثانيها الدخان، وثالثها انشقاق القمر.
وقوله تعالى: {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} أي أنى لهم التذكر الذي ينفعهم إذا جاءت الساعة بل شروطها أي بظهور علاماتها الكبرى لا تقبل التوبة من أحد لم يكن مؤمنا لقوله تعالى من سورة الأنعام: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} على كل حال فالآية تستبطئ إيمان كفار مكة وتنكر عليهم تأخر إيمانهم الذي لا داعي له مع ظهو أدلة العقل والنقل ووضوح الحجج والبراهين الدالة على توحيد الله ووجوب عبادته وحده دون من سواه ولذا قال تعالى فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات أي فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي له العبادة وتصلح له إلا الله الذي هو خالق كل شيء ومالكه واستغفر أي اطلب من ربك المغفرة لك وللمؤمنين، وهذا الكلام وإن وجه للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد منه على الحقيقة أو بالأصالة غيره صلى الله عليه وسلم قال تعالى يا عباد الله أيها الناس والرسول على رأسكم اعلموا انه لا إله إلا الله واستغفروا لذنوبكم مؤمنين ومؤمنات والله يعلم متقلبكم أي تصرفكم في النهار في مصالح معاشكم ومعادكم ويعلم مثواكم في فرشكم نائمين فهو يعلمكم على ما أنتم عليه في كل ساعة من ليل أو نهار فاخشوه واتقوه حتى تفوزوا برضاه في جنات النعيم.

.من هداية الآيات:

1- من الجائز أن تكون السورة مكية وبها آية أو أكثر مدنيّة.
2- التحذير من اتباع الهوى فإِنه يعمي ويصم والعياذ بالله.
3- بيان أن لقيام الساعة أشراطاً أي علامات تظهر قبلها فتدل على قربها.
4- وجوب العلم بأنه لا إله إلا الله، وذلك يتم على الطريقة التالية.
الاعتراف بأن الإِنسان مخلوق كسائر المخلوقات حوله، وكل مخلوق لابد له من خالق فمن خالق الإِنسان والكون إذاً؟ والجواب قطعاً: الله. قما دام الله هو الخالق فمن عداه مخلوق مفتقر إلى الله خالقه في حفظ حياته، ومن يُؤله ويُعبد إذاً الخالق أم المخلوق؟ والجواب: الخالق. إذاً تعيّن انه لا معبود إلا لله وهو معنى لا إله إلا الله ولما كانت العبادة لا تعرف إلا بالوحي وجب الإِيمان برسول الله فكان لابد من زيادة محمد رسول الله فنقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

.تفسير الآيات (20- 23):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)}

.شرح الكلمات:

{لولا نزلت سورة}: أي هلاّ نزلت سورة يقول هذا المؤمنون طلباً للجهاد.
{سورة محكمة}: أي لم ينسخ منها شيء من أوامرها ونواهيها.
{وذكر فيها القتال}: أي طلب القتال بالدعوة إليه والترغيب فيه.
{في قلوبهم مرض}: أي شك وهم المنافقون.
{نظر المغشي عليه من الموت}: أي خوفا من القتال وكراهية له فتراهم ينظرون إلى الرسول مثل نظر المغشي عليه من سكرات الموت.
{فأولى لهم طاعة وقوله معروف}: أي فأجدر بهم طاعة لرسول الله وقول معروف حسن له.
{فإذا عزم الأمر}: أي فرض القتال وجد أمر الخروج إليه.
{فلو صدقوا الله}: أي وفواله ما تعهدوا به من أنهم قاتلون.
{لكان خيراً لهم}: أي الوفاء بما تعهدوا به خيراً في دنياهم وآخرتهم.
{فهل عسيتم ان توليتمم}: أي أعرضتم عن الإِيمان الصوري الذي أنتم عليه وأعلنتم عن كفركم.
{أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}: أي تفسدوا في الأرض بالشرك والمعاصي ولا تصلوا أرحامكم.
{فأصمهم وأعمى أبصارهم}: يُبصرون الخير والمعروف.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ويقول الذين آمنوا} إلى آخر السورة ظاهرهُ أنه مدني وليس بمكي وهو كذلك فأَغلب آية السورة مدني إذاً، ولا حرج: لأن القتال لم يفرض إلا بعد الهجرة النبوية والنفاق لم يظهر إلا بعد الهجرة كذلك والسياق الآن في علاج النفاق وأمور الجهاد قال تعالى ويقول الذين آمنوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متمنين الجهاد لولا نزلت سورة أي هلا أنزل الله سورة قرآنية تأمر بالجهاد قال تعالى فإِذا انزلت سورة محكمة ليس فيها نسخ وذكر فيها القتال أي الأمر به والترغيب فيه. رأيت يا محمد الذين في قلوبهم مرض أي مرض الشك والنفاق ينظرون إليك يا رسولنا نظر أي مثل نظر المغشي أي الغمي عليه من الموت أي من سياقات الموت وسكراته. قال تعالى: {فأولى لهم} هذا الفظ صالح لأن يكون دعاء عليهم بالهلاك أي هلاك لهم لجبنهم ونفاقهم وصالح أن يكون بمعنى الأجدر بمثلهم طاعة لله ورسوله وقوله معروف أي حسن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {فإِذا عزم} أي جد {الأمر} للجهاد {فلو صدقوا الله} ما عاهدوا عليه نم أنهم يقاتلون مع رسوله {لكان خيراً لهم} في الدنيا والآخرة. ثم قال لهم مخاطباً إياهم توبيخاً وتقريعا: {فهل عسيتم} بكسر السين وفتحها قراءتان {إن توليتم} أي عن الإِيمان الصوري إلى الكفر الظاهر فأعلنتم عن ردتكم {أن تفسدوا في الأرض} بفعل الشرك وارتكاب المعاصي {وتقطعوا أرحامكم} بإعلان الحرب على أقربائكم المؤمنين الصادقين. هذا إذ كان التولى بمعنى الرجوع إلى الكفر العلني وإن كان بمعنى الحكم فالأمر كذلك إذا حكموا ليفعلون ما هو أعظم من الشرك والفساد في الأرض وتقطيع الأرحام، وأخيراً سجلت الآية (22) لعنة الله فقال تعالى: {أولئك} أي البعداء في الخسة والحطة الذين لعنهم الله فأبعدهم من رحمته فأصمهم عن سماع الحق وأعمى أبصارهم عن رؤية الهدى والطريق المستقيم.

.من هداية الآيات:

1- جواز تمنى الخير والأولى أن يسأل الله تعالى ولا يتمنى بلفظ ليت كذا.
2- في القرآن محكم ومنسوخ من الآيات وكله كلام الله يُتلى ويتقرب به إلى الله تعالى ويعمل بالمحكم دون المنسوخ وهو قليل جدا.
3- ذم الجبن والخور والهزيمة الروحية.
4- شر الخلق من إذا تولى أفسد في الأرض بالشرك والمعاصي.

.تفسير الآيات (24- 28):

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)}

.شرح الكلمات:

{أفلا يتدبرون القرآن}: أي يتفكرون فيه فيعرفون الحق من الباطل.
{أم على قلوب أقفالها}: أي بل على قلوب لهم أقفالها فهم لا يفهمون إن تدبروا.
{إن الذين ارتدوا على أدبارهم}: أي رجعوا كافرين بنفاقهم.
{من بعد ما تبين لهم الهدى}: أو من بعدما تبين لهم صدق الرسول وصحة دينه بالحجج والبراهين.
{الشيطان سول لهم وأملى لهم}: أي زيّن له الشيطان نفاقهم وأملى لهم أي واعدهم بطول العمر وَمنَّاهم.
{ذلك بأنهم قالوا الذين كرهوا ما أنزل الله}: أي ذلك الإِضلال بسبب قولهم للذين كرهوا ما أنزل الله وهم المشركون.
{سنطيعكم في بعض الأمر}: أي بأن نتعاون معكم على عداوة الرسول وبتثبيط المؤمنين عن الجهاد وكان ذلك سرا منهم لا جهرة فأظهره الله لرسوله.
{يضربون وجوههم وأدبارهم}: أي بمقامع من حديد يضربون وجوههم وظهورهم.
{ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله}: أي التَوفِيّ على الحالة المذكوة من الضرب على الوجوه والظهور بسبب اتباعهم ما أسخط الله من الشرك والمعاصي.
{وكرهوا رضوانه}: أي ما يرضيه تعالى من التوحيد والعمل الصالح.
{فأحبط أعمالهم}: أي ابطلها فلم يحصلوا منها على ثواب حسن.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تأديب المنافقين بعيبهم الإِنكار عليهم وتهديدهم لعلهم يرجعون إذ حالهم كحال المشركين في مكة فقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن} أي مالهم؟ أغفلوا فلم يتدبروا القرآن أي يتفكروا فيه فيعرفوا الحق من الباطل والهدى من الضلال لأن القرآن نزل لبيان ذلك. أم على قلوب أقفالها أي بل على قلوب لهم أقفالها أي اقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر والحجج والأدلة والبراهين حتى يكون الله هو الذي يفتح تلك الأقفال، والله تعالى يقفل ويفتح حسب سنن له في ذلك وقد ذكرنا هذا المعنى مرات في بيان الهداية والإِضلال، وقوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم} أي رجعوا إلى الكفر بقلوبهم دون ألسنتهم وهم المنافقون من بعد ما تبين لهم الهدى أي صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة دينه الإِسلام هؤلاَء المرتدون الشيطان سوَّل له أي زين لهم ذلك الارتداد وأملى لهم أي واعدهم ممنيّا لهم بطول العمر والبقاء الطويل في الحياة والعيش الطيب الواسع فيها وقوله تعالى: {ذلك} أي الإِضلال الذي حصل لهم بسبب أنهم قالوا للذين كرهوا ما أنزل الله من القرآن والشرائع وإبطال الشرك والشر والفساد وهم المشركون قالوا لهم سرا وخفية: {سنطيعكم في بعض الأمر} وذلك كعدم قتالكم وتثبيط الناس عن القتال إلى غير ذلك مما أسروه لإِخوانهم المشركين. وقوله تعالى: {والله يعلم إسرارهم} يخبر تعالى أنهم لما كانوا يسرِّون كلمات الكفر للمشركين كان تعالى مطلعا عليهم فهو يعلم إسرارهم وأسرارهم وها هو ذا قد أطلع عليهم رسوله والمؤمنين، وقوله تعالى فكيف أي حالهم إذا توفتهم الملائكة ملك الموت وأعوانه من ملائكة العذاب وهم يضربون بمقامع من حديد وجوههم وأدبارهم أي ظهورهم.
وقوله تعالى: {ذلك} أي العذاب النازل بهم بسبب أنهم اتبعوا ما اسخط الله من الكفر به وبرسوله. {وكرهوا رضوانه} أي ما يرضيه عنهم وهو الجهاد في سبيله {فأحبط الله أعمالهم} أي أبطلها فلم يثبهم عليها لأنهم مشركون كافرون وعمل المشرك والكافر باطل وهو خاسر.

.من هداية الآيات:

1- وجوب تدبر القرآن الكريم عن تلاوته أو سماعه وهو تفهم معانيه في حدود قدرة المسلم على الفهم.
2- الارتداد عن الإِسلام كالرجوع عن الطاعة إلى المعصية سببهما تزيين الشيطان للعبد ذلك وإملاؤه له بالتمنيّي والوعد الكاذب.
3- من الردة التعاون مع الكافرين على المؤمنين بأي شكل من أشكال التعاون ضد الإِسلام والمسلمين.
4- تقرير عقيدة عذاب القبر وأنه حق ثابت أعاذنا الله منه آمين.

.تفسير الآيات (29- 32):

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)}

.شرح الكلمات:

{في قلوبهم مرض}: أي مرض النفاق.
{أن لن يخرج الله أضغانهم}: أي أن لن يظهر أحقادهم على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
{ولو نشاء لأريناكهم}: أي لعرَّفناك بهم فلعرفتهم.
{سيماهم}: أي بعلاماتهم.
{ولتعرفنهم في لحن القول}: أي إذا تكلموا عندك في لحن القول أي معناه وذلك بأن يُعرِّضوا فيه بتهيجين أمر المسلمين أي تقبيح أمرهم.
{والله يعلم أعمالكم}: أي أيها المؤمنون إن الله يعلم أعمالكم وسيجزيكم بها خيراً.
{ولنبلونكم}: ولنختبرنّكم بالجهاد وغيره من التكاليف.
{حتى نعلم}: أي نعلم علم ظهور لكم ولغيركم إذ الله يعلم ذلك قبل ظهوره لما حواه كتاب المقادير.
{المجاهدين منكم والصابرين}: أي الذين جاهدوا وصبروا من غيرهم.
{ونبلوا أخباركم}: أي ونُطهر أخباركم للناس من طاعة وعصيان في الجهاد وفي غيره.
{إن الذي كفروا}: أي بالله ولقائه ورسوله وما جاء به من الدين الحق.
{وصدوا عن سبيل الله}: أي عن الإِسلام.
{وشاقوا الرسول}: أي خالفوه وعادوه وحاربوه.
{من بعد ما تبيّن لهم الهدى}: أي عرفوا الرسول حق والإِسلام حق كاليهود وغيرهم.
{لن يضروا لله شيئا}: أي من الضرر لأنه متعال أن يناله خلقه بضرر.
{وسيحبط أعمالهم}: أي يبطلها فل تثمر لهم ما يرجونه منها في الدنيا والآخرة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في مطلب هداية المنافقين بكشف عُوارهم وإزاحة الستار عما في قلوبهم من الشك والنفاق فقال تعالى: {أم} أي أحسب الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون والمرض هو من النفاق الناجم عن الشك في الإِسلام وشرائعه أن لن يخرج الله أضغانهم أي أحقادهم فيظهرها لرسوله والمؤمنين فحسبانهم هذا باطل وقوله تعالى لرسوله: {ولو نشاء لأيناكهم فلعرفتهم بسيماهم} بعلامات النفاق فيهم وقوله: {ولتعرفنّهم في لحن القول} أي وعزتي وجلالي لتعرفنهم في لحن القول أي في معاني كلامهم إذا تكلموا عندك وبين يديك فإِن كلامهم لا يخلو من التعريض بالمؤمنين بانتقاصهم والقدح في أعمالهم، كما قيل: من أضمر سريرة ألبسه الله رداءها. وقوله تعالى في خطابه المؤمنين {والله يعلم أعمالكم} ولازمه أنه سيجزيكم بها فاصبروا على الإِيمان والتقوى. {ولنبلونكم} أي ولنختبرنكم بالجهاد والإِنفاق والتكاليف {حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} أي حتى نظهر ذلك لكم فتعرفوا المجاهد من القاعد والصابر من الضاجر منكم وبينكم، {ونبلو أخباركم} أي ما تخبرون به عن أنفسكم وتتحدثون به فنظهر الصدق من خلافه فيه، ولذا كان الفُضيل بن عياض رحمه الله تعالى إذا قرأ هذه الآية بكى وقال اللهم لا تبتلنا فإِنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا، وقوله جل ذكره {أن الذين كفروا} أي كذبوا الله ورسوله {وصدوا عن سبيل الله} أي الإِسلام فصرفوا الناس عنه بأي سبب من الأسباب، {وشاقوا الرسول} أي خالفوه وعادوه وحاربوه {من بعد ما تبيّن لهم الهدى} أي ظهر لهم الحق وأن الرسول حق والإِسلام حق بالحجج والبراهين هؤلاء الكفرة لن يضربوا الله شيئا من الضرر لتنزهه عن صفات المحدثين من خلقه ولامتناعه تعالى وعزته، {وسيحبط أعمالهم} أي يبطلها عليهم فلا ينالون ما يؤملون في الدنيا بذهاب كيدها وخيبة أملهم إذ ينصر الله رسوله ويعلي كلمته، وفي الآخرة لأن أعمال المشرك والكافر باطلة حابطة لا ثواب عليها سوى ثواب الجزاء المهين.

.من هداية الآيات:

1- بيان حقيقة وهى من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها فكشفه للناس.
2- ومن أحب شيئا ظهر على وجهه وفلتات لسانه.
3- تقرير قاعدة هي أنه لابد من الابتلاء لمن دخل في الإِسلام ليكون الإِيمان على حقيقته لا إيمانا صوريا أدنى فتنة تصيب صاحبه يرتد بها عن الإِسلام.
4- أعمال المشرك والكافر باطلة لا ثواب خير عليها لأن الشرك محبط للأعمال الصالحة.

.تفسير الآيات (33- 38):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)}

.شرح الكلمات:

{ولا تبطلوا أعمالكم}: أي بالرياء والشرك والمعاصي.
{وصدوا عن سبيل الله}: أي عن الإِسلام.
{فلن يغفر الله لهم}: أي لأنهم ماتوا على الكفر والكفر محبط للعمل.
{فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم}: أي فلا تضعفوا وتدعوا إلى الصلح مع الكفار.
{وأنتم الأعلون}: أي الغالبون القاهرون.
{ولن يتركم أعمالكم}: أي ولن ينقصكم أجر أعمالكم وثوابها.
{إنما الحياة الدنيا لعب ولهو}: أي الاشتغال بالدنيا التفرغ لها ما هو إلا لهو ولعب لعدم الفائدة منه.
{ولا يسألكم أموالكم}: أي ولا يكلفكم بإِنفاق أموالكم كلها بل بالزكاة فقط.
{فيحفكم تبخلوا}: أي بالمبالغة في طلبكم المال تبخلوا.
{ويخرج أضغانكم}: أي أحقادكم وبغضكم لدين الإِسلام.
{فإِنما يبخل عن نفسه}: أي عائد ذلك على نفسه لا على غيره فهو الذي يحرم الثواب.
{وان تتلوا يستبدل قوما غيركم}: أي عن طاعة الله وطاعة رسوله يأت بآخرين غيركم.
{ثم لا يكونوا أمثالكم}: أي في الطاعة أي يكونوا أطوع منكم لله ورسوله.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى الكفار ومشاقتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم نادى المؤمنين وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله فقال يا أيها الذين آمنوا بالله ربا وبالإِسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا اطيعوا الله وأطعيوا الرسول أي فيما يأمرانكم به وينهيانكم عنه من المعتقدات والأقوال والأعمال ولا تبطلوا أعمالكم أي ونهاهم أن يبطلوا أعمالهم باشرك والرياء والمعاصي والمراد من إبطال الأعمال أي حرمانهم من ثوابها. ثم أعلمهم مذكرا واعظا له فقال إن الذين كفروا أي بالله ورسوله وصدوا عن سبيل الله أي عن الإسلام بأي سبب من الأسباب ثم ماتوا وهم كفار قبل أن يتوبوا. فهؤلاء لن يغفر الله لهم ويعذبهم العذاب المعد لأمثالهم وقوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} ينهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يضعفوا عن قتال أعدائهم من الكافرين ويدعوا الكافرين إلى الصلح والمهادنة وهم أقوياء قادرون وهو معنى قوله وأنتم الأعلون أي الغالبون القاهرون. ولن يتركم أعمالكم أي لا ينقصكم أجر أعمالكم بل يجزيكم بها ويزيدكم من فضله وقوله: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} هذه حقيقة وهي أن الحياة الدنيا إن أقبل عليها العبد ناسيا الدار الآخرة مقبلا على الدنيا لن تكون في حقه إلا لهواً ولعبا باعتبار أنه لم يظفر منها على طائل ولم تعد عليه بعائد خير وإسعاد كاللاعب اللاهي بشيء يلعب ويلهو فترة ثم لا يعود عليه ذلك اللعب بشيء كلعب الصبيان ولهوهم فإِنهم يلهون ويلعبون بجد ثم يعودون إلى والديهم يطلبون الطعام والشراب. وقوله وإن تؤمنوا أي الإِيمان الصحيح وتتقوا ما يغضب ربكم ويسخطه عليكم من الشرك والمعاصي يؤتكم أجوركم المترتبة على الإِيمان والتقوى. وقوله ولا يسألكم أموالكم أي ولا يطلب منكم أموالكم كلها أي كراهة إحفائكم بذلك إن يسألكموها فيحفكم أي بكثرة الإِلحاح عليكم تبخلوا إذ هذا معروف من طباع البشر أن الإِنسان إذا ألح وألحف عليه في الطلب يبخل بالمال ولم يعطه وقد يترك الإِسلام لذلك، وقوله ويخرج أضغانكم أي أحقادكم وبغضكم للدين وكراهيتكم له ولذا لم يسألكم أموالكم وقوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله} أي جزءاً من أموالكم في الزكاة أو الجهاد لا كُل أموالكم لما يعلم تعالى من شح النفس بالمال وقوله: {فمنكم من يبخل} أي يمنع ومن يبخل فإِنما يبخل عن نفسه إذ هي التي حرمها أجر النفقه في سبيل الله ذات الأجر العظيم وقوله: {والله الغني وأنتم الفقراء} إلى الله تعالى فهو غني عنكم لا يحضكم على النفقة لحاجته إليها ولكن لحاجتكم أنتم إليها إذ بها تزكوا نفوسكم وتقوم أموركم وتنتصروا على عدوكم وقوله وإن تتولوا أي ترجعوا عن الإسلام إلى الكفر والعياذ بالله يستبدل الله بكم قوما غيركم أي يذهبكم ويأت بآخرين ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونون أطوع لله تعالى منكم وأسرع امتثالا لما يطلب منهم.
وحاشاهم أن يتولوا وما تولوا ولا استبدل الله تعالى بهم غيرهم. وإنما هذا من باب حثهم على معالى الأمور والأخذ بعزائمها نظرا لمكانتهم من هذه الأمة فهم أشرفها وأكملها وأطوعها لله وأحبها له ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

.من هداية الآيات:

1- وجوب طاعة الله وطاعة رسوله.
2- وجوب اتمام العمل الصالح من صلاة وغيرها بالشروع فيه.
3- بطلان العمل الصالح بالرياء أو بإِفساده عند أدائه أبو الردة عن الإِسلام.
4- حرمة الركون إلى مصالحة الأعداء مع القدرة على قتالهم والتمكن من دفع شرهم.
5- التنفير من الإِقبال على الدنيا والإِعراض عن الآخرة.
6- حرمة البخل مع الجدة والسعة.