فصل: معنى الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (6- 11):

{وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}

.شرح الكلمات:

{كفروا بربهم}: أي لم يؤمنوا به فلم يعبدوه.
{إذا ألقوا فيها}: أي في جهنم ألقتهم الملائكة فيها وذلك يوم القيامة.
{سمعوا لها شهيقا}: أي سمعوا لجهنم صوتاً منكراً مزعجاً كصوت الحمار.
{وهي تفور تكاد تميز من الغيظ}: أي تغلي تكاد تتقطع من الغيظ غضباً على الكفار.
{سألهم خزنتها}: سؤال توبيخ وتقريع وتأنيب.
{ألم يأتكم نذير}: أي رسول ينذركم عذاب الله يوم القيامة؟.
{وقلنا ما نزل الله من شيء}: أي كذبنا الرسل وقلنا لهم ما نزل الله مما تقولون لنا من شيء.
{إن أنتم إلا في ضلال كبير}: أي ما أنتم أيها الرُسل إلا في ضلال كبير أي خطأ عقلي وتصور نفسي باطل.
{لو كنا نسمع أو نعقل}: أي وبخوا أنفسهم بأنفسهم وقالوا لو كنا في الدنيا نسمع أو نعقل لآمنا وعبدنا الله وما كنا اليوم في أصحاب السعير.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى في الآيات السابقة أنه أعد للشياطين مسترقي السمع من الملائكة في السماء عذاب السعير عطف عليه قوله: {وللذين كفروا بربهم} أي جحدوا ألوهيته ولقاءه فما عبدوه ولا آمنوا به من الإنس والجن عذاب جهنم وبئس المصير هي أي يصيرون إليها وينتهون إلى عذابها بها شرائها الحميم وطعامها الضريع والزقوم. وقوله تعالى في وصف ما يجري في النار {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً} إذا ألقي الكافرون في النار سمعوا شهيقاً أي صوتاً منكراً مزعجاً كصوت الحمار إذا شهق أو نهق. {وهي تفور} تغلي {تكاد تميز} أي تقرب أن تتقطع من الغيظ الذي هو شدة الغضب وغضبها من غضب الرب مالكها لما غضب الجبار غضبت لغضبه، وكل مؤمن بالله عارف به يغضب لما يغضب له ربه ويرضى به ربه. وقوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج} أي جماعة {سألهم خزنتها} أي الملائكة الموكلون بالنار وعذابها وهم الزبانية وعددهم تسعة عشر ملكاً سألوهم سؤال توبيخ وتقريع لأنهم يعلمون ما يسألونهم عنه {ألم يأتكم نذير} أي رسول في الدنيا يدعوكم إلى الإيمان والطاعة؟ فيجيبون قائلين {بلى} قد جاءنا نذير ولكن كذبنا الرسل وقلنا لهد رداً على دعوتهم {ما نزّل الله من شيء} أي مما تقولون وتدعوننا إليه {إن أنتم إلا في ضلال كبير} أي وقلنا لهم ما أنتم أيها الرسل إلا في ضلال عقلي وخطأ تصوري كبير. ثم رجعوا إلى أنفسهم يوبخونها بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {وقولوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} قال تعالى: {فاعترفوا بذنبهم فسحقاً} أي بعداً بعداً من رحمة الله {لأصحاب السعير} أي سعير جهنم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري فيها من عذاب وعقاب.
2- بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب، وتكذيب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم أي في وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة الله ورسوله.
3- بيان أن ما يقوله أهل النار في إعترافهم هو ما يقوله الملاحدة اليوم في ردهم على العلماء بأن التدّين تأخر عقلي ونظر رجعي.
4- تقرير أن الكافر اليوم لا يسمع ولا يعقل أي سماعاً ينفعه وعقلاً عن المهالك باعتراف أهل النار إذ قالوا {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}.

.تفسير الآيات (12- 15):

{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}

.شرح الكلمات:

{يخشون ربهم بالغيب}: أي يخافونه وهو غائبون عن أعين الناس فلا يعصونه.
{لهم مغفرة وأجر كبير}: أي لذنوبهم وأجر كبير هو الجنة.
{ألا يعلم من خلق}: أي كيف لا يعلم سركم كما يعلم جهركم وهو الخالق لكم فالخالق يعرف مخلوقه.
{وهو اللطيف الخبير}: أي بعبادة الخبير بهم وبأعمالهم.
{ذلولاً}: أي سهلة للمشي والسير عليها.
{فامشوا في مناكبها}: أي في جوانبها ونواحيها.
{وإليه النشور}: أي إليه وحدة مهمة نشركم أي أحياءكم من قبوركم للحساب والجزاء.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى جزاء الكافرين وأنه عذاب السعير رغب في الإيمان والطاعة للنجاة من السعير فقال: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} أي يخافونه وهم لا يرونه، وكذا وهم في غيبة عن الناس فيطيعونه ولا يعصونه هؤلاء لهم مغفرة لما فرط من ذنوبهم وأجر كبير عند ربهم أي الجنة. ولما قال بعض المشركين في مكة لا تجهروا بالقول فيسمعكم إله محمد فيطلعه على قولكم قال تعالى رداً عليهم وتعليما {وأسروا قولكم أو اجهروا به} فإنه يعلم السر وما هو أخفى منه كحديث النفس وخواطرها {إنه عليم بذات الصدور} أي بما هو مكنون مستور في صدور الناس {ألا يعلم من خلق} أي كيف لا يعلم وهو اللطيف بهم الخبير بأحوالهم وأعمالهم. وقوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً} أي سهلة فامشوا في مناكبها جوانبها ونواحيها شرقاً وغرباً وكلوا من رزقه الذي خلق لكم، وإليه وحده نشوركم أي إحيائكم واخراجكم من قبوركم ليحاسبكم ويجزيكم على إيمانكم وطاعتكم بخير الجزاء وهو الجنة ونعيمها، وعلى كفر من كفر منكم وعصى بشر الجزاء وهو النار وعذابها.

.من هداية الآيات:

1- فضيلة الإيمان بالغيب ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.
2- مشروعية السير في الأرض لطلب الرزق من التجارة والفلاحة وغيرهما.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

.تفسير الآيات (16- 19):

{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)}

.شرح الكلمات:

{أن يخسف بكم الأرض}: أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها.
{فإذا هي تمور}: أي تتحرك وتضطرب حتى يتم الخسف بكم.
{أن يرسل عليكم حاصباً}: أي ريحاً عاصفاً نرميكم بالحصباء فتهلكون.
{كيف نذير}: أي كان عاقبة انذاري لكم بالعذاب على ألسنة رسلي.
{فكيف كان نكير}: أي إنكاري عليهم الكفر والتكذيب والجواب كان إنكاراً حقاً واقعاً موقعه.
{صآفات}: أي باسطات أجنحتها.
{ويقبضن}: أي ويمسكن أجنحتهن.
{ما يمسكهن إلا الرحمن}: أي حتى لا يسقطن على الأرض حال البسط للأجنحة والقبض لها.

.معنى الآيات:

يقول تعالى واعظاً عباده ليؤمنوا له ويعبدوه وحده فيكملوا ويسعدوا أأمنتم من في السماء الذي هو العلو المطلق وهو الله عز وجل في عليائه فوق عرشه بائن من خلقه أن يخسف بكم الأرض لتهلكوا كلكم في جوفها فإذا هي حال الخسف تمور أي تتحرك وتضطرب حتى تغورو في بطنها والجواب لم يأمنوا ذلك فكيف إذا يصرون على الشرك والتكذيب للرسول وقوله: {أم أمنتم من في السماء} وهو الله عز وجل أن يرسل عليكم حاصباً أو ريحاً تحمل الحصباء والحجارة فتهلكهم {فستعلمون كيف نذير} أي إنذاري لكم الكفر والتكذيب أي انه حق وواقع مقتضاه وقوله تعالى: {ولقد كذب الذين من قبلهم} كعاد وثمود وغيرهما أي كذبوا رسلي بعدما أنكروا عليهم الشرك والكفر فأهلكناهم {فكيف كان نكير} أي إنكاري لهم كان حقاً وواقع المقتضى وقوله تعالى: {أو ألم يروا إلى الطير فوقهم صآفات} أي باسطات أجنحتهن ويقبضنها ما يمسكهن في حالة البسط أو القبض إلا الرحمن أنكره المشركون وقالوا وما الرحمن وهم يعيشون في رحمته التي وسعت كل شيء وهو متجلية حتى في الطير تحفظه من السقوط والتحطيم أي أينكرون ألوهية الله ورحمته ولم يروا إلى الطير وهي صافات وقابضات أجنحتها ولا يمسكها أحد من الناس فمن يمسكها إذاً؟ إنه الرحمن جل جلاله وعظم سلطانه بما شاء من السنن والنواميس التي يحكم بها خلقه ويدبر بها ملكوته أن أمر المشركين في كفرهم بالله لعجب وقوله: {إنه بكل شيء بصير} سواء عنده السابح في الماء والسارح في الغبراء والطائر في السماء والمستكن في الأحشاء.

.من هداية الآيات:

1- تحذير المعرضين عند الله وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال. إلا إيمانهم وإسلامهم الله عز وجل.
2- في الهالكين الأولين عير وعظات لمن له قلب حي وعقل يعقل به.
3- من آيات الله في الآفاق الدالة على قدرة الله وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحدة طيران الطير في السماء وهو يبسط جناحيه ويقبضهما ولا يسقط إذ المفروض أن يبقى دائماً يخفق بجناحيه يدفع نفسه فيطير بمساعدة الهواء أما إن قبض أو بسط المفروض أنه يسقط ولكن الرحمن عز وجل يمسكه فلا يسقط.

.تفسير الآيات (20- 27):

{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)}

.شرح الكلمات:

{جند لكم}: أي أعوان لكم.
{من دون الرحمن}: أي غيره تعالى يدفع عنكم عذابه.
{إن الكافرون}: أي ما الكافرون.
{إلا في غرور}: غرهم الشيطان بأن لا عذاب ينزل بهم.
{أن أمسك رزقه}: أي إن أمسك الرحمن رزقه؟ لا أحد غير الله يرسله.
{بل لجوا في عتو ونفور}: أي أنهم لم يتأثروا بذلك التبكيت بل تمادوا في التكبر والتباعد عن الحق.
{أفمن يمشي مكباً}: أي واقعاً على وجهه.
{أمن يمشي سوياً}: أي مستقيماً.
{والأفئدة}: أي القلوب.
{قليلاً ما تشكرون}: أي شكركم قليل.
{ذرأكم في الأرض}: أي خلقكم في الأرض وإليه تحشرون لا إلى سواء.
{متى هذا الوعد}: أي الذي تعدوننا وهو يوم القيامة.
{قل إنما العلم عند الله}: أي علم مجيئه عند الله لا غير.
{فلما رأوه زلفة}: أي لما رأوه العذاب قريباً منهم في عرصات القيامة.
{سيئت وجوه الذين كفروا}: أي تغيرت مسودة.
{هذا الذي كنتم به تدعون}: أي هذا العذاب الذي كنتم بإنذاره تكذبون وتطالبون بهد تحدياً منكم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى مخاطباً لهم {أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن} أي من هذا الذي هو جند لكم أيها المشركون بالله تعالى ينصركم من دون الرحمن أن أراد الرحمن بكم سوءاً فيدفعه عنكم. وقوله تعالى: {إن الكافرون إلا في غرور} أي ما الكافرون إلا في غرور أوقعهم الشيطان فيه زين لهم الشرك ووعدهم ومناهم أنه لا حساب ولا عقاب، وان آلهتهم تشفع لهم وقوله تعالى: {أمن هذا الذي يرزقكم أن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور} أي أي من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم ويأتي بأقواتكم أن أمسك الله ربكم رزقه عنكم فلو قطع عليكم المطر ما أتاكم به أحد غير الله. وقوله تعالى: {بل لجوا في عتو ونفور} أي انهم لم يتأثروا بهذا التبكيت والتأنيب بل تمادوا في الكبر والبتاعد عن الحق.
وقوله تعالى: {أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم} هذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك والموحد تبياناً لحالهما وتحقيقاً لواقع مذهبهما فقال أفمن يمشي مكباً أي واقعاً على وجهه هذا هو المشرك الذي سيكب على وجهه في جهنم أهدى أمن يمشي سوياً أي مستقيماً على صراط مستقيم أي طريق مستقيم هذا هو الموحد فأيهما أهدى؟ والجواب قطعاً الذي يمشي سوياً على صراط مستقيم إذاً النتيجة أن الموحد مهتد والمشرك ضال. وقوله تعالى: {قل هو الذي أنشاكم} أي خلقكم {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} أي القلوب أي وأنتم لا تنكرون ذلك فمالكم إذا لا تشكرون المنعم عليكم بهذه النعم وذلك الإيمان به وبرسوله وطاعته وطاعة رسوله إنكم ما تشكرون إلا قليلاً وهو اعترافكم بأن الله هو المنعم لا غير.
وقوله تعالى: {قل هو الذي ذراكم في الأرض وإليه تحشرون} أي قل لهم يا رسولنا الله هو الذي ذرأكم في الأرض أي خلقكم لا أصنامكم التي لا تخلق ذباباً وإليه تعالى وحده تحشرون يوم القيامة إذا فكيف لا تؤمنون به وبرسوله ولا تكشرونه ولا تخافونه وإليه تحشرون فيحاسبكم ويجزيكم بأعمالكم.
وقوله تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} أي ويقول الكافرون لرسول الله والمؤمنين: متى هذا الوعد الذي تعدوننا به وهو يوم القيامة أي متى يجيء؟ وهنا قال تعالى لرسوله إجابة لهم على سؤالهم: قل {إنما العلم عند الله} أي علم مجيء القيامة عند الله، وليس هو من شأني وإنما أنا نذير منه مبين لا غير. وقوله تعالى: {فلما رأوه} أي عذاب يوم القيامة {زلفة} أي قريباً منهم {سيئت وجوه الذين كفروا} أي أساءها الله فتغيرت بالاسوداد والكآبة والحزن. وقيل لهم أو قالت لهم الملائكة هذا العذاب الذي كنتم به تطالبون متحدين رسولنا والمؤمنين وتقولون: {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}.

.من هداية الآيات:

1- تقرير حقيقة ثابتة وهي أن الكافر يعيش في غرور كامل ولذا يرفض دعوة الحق.
2- تقرير حقيقة ثابتة وهي إنحراف الكافر وضلاله وإستقامة المؤمن وهدايته.
3- وجوب الشكر لله تعالى على نعمة السمع والبصر والقلب وذلك بالإيمان والطاعة.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

.تفسير الآيات (28- 30):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)}

.شرح الكلمات:

{قل أرأيتم}: أي أخبروني.
{ومن معي}: أي من المؤمنين.
{أو رحمنا}: أي لم يهلكنا.
{فمن يجير الكافرين}: أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب.
{قل هو الرحمن}: أي قل هو الرحمن الذي أدعوكم إلى عبادته.
{إن أصبح ماؤكم غوراً}: أي غائراً لا تناله الدلاء ولا تراه العيون.
{بماء معين}: أي تراه العيون لجريانه على الأرض.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في مطلب هداية كفار قريش فقال تعالى لرسوله قل لهؤلاء المشركين الذين تمنوا موتك وقالوا نتربص به ريب المنون قل لهم {أرأيتم} أي أخبروني {إن أهلكني الله ومن معي} من المؤمنين، {أو رحمنا} فلم يهلكنا بعذاب {فمن يجير الكافرين من عذاب أليم} والجواب: لا أحد إذاً فماذا تنتفعون بهلاكنا. وقوله تعالى: {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين قل هو الرحمن الذي يدعوكم إلى عبادته وحده وترك عبادة غيره آمنا به وعلينا توكلنا أي اعتمدنا عليه وفوضنا أمرنا إليه فستعلمون في يوم ما من هو في ضلال ممن هو على صراط مستقيم. وقوله: {قل أرأيتم أن أصبح ماؤكم غوراً} أي غائراً {فمن يأتيكم بماء معين} أي قل لهؤلاء المشركين يا رسولنا تذكيراً لهم أخبروني أن أصبح ماؤكم الذي تشربون منه (بئر زمزم) وغيرها غائراً لا تناله الدلاء ولا تراه العيون. فمن يأتيكم بماء معين غير الله تعالى؟ والجواب لا أحد إذا فلم لا تؤمنون به وتوحدونه في عبادته وتتقربون إليه بالعبادات التي شرع لعبادة أن يعبدوه بها؟

.من هداية الآيات:

1- بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنوا موته.
2- وجوب التوكل على الله عز وجل بعد الإيمان.
3- مشروعية الحجاج لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

.سورة القلم:

.تفسير الآيات (1- 7):

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)}

.شرح الكلمات:

{ن~}: هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن~ ويُقرأ نُون.
{والقلم وما يسطرون}: أي والقلم الذي كتب به الذكر (القدر) والذي يخطون ويكتبون.
{ما أنت بنعمة ربك}: أي لست بما أنعم الله عليك من النبوة وما وهبك من الكمال.
{بمجنون}: أي بذع جنون كما يزعم المشركون.
{غير ممنون}: أي غير مقطوع بل هو دائم أبدا.
{بأيكم المفتون}: أي بأيكم الجنون.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ن} هذا أحد الحروف المقطعة نحو {ق}، و{ص}، و{حم} الله أعلم بمراده به وقوله تعالى: {والقلم وما يسطرون} أي والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملائكة نقلا من اللوح المحفوظ، وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الأول القلم، والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء. والمقسم عليه قوله: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} تكذيب للمشركين الذي قالوا إن محمداً مجنون بسبب ما رأوا من الوحي والتأثير به على من هداه الله للإيمان، وقوله تعالى: {وإن لك لأجراً غير ممنون} هذا داخل تحت القسم أي مقسم عليه وهو أن للنبي صلى الله عليه وسلم أجراً غير مقطوع أبداً بسبب ما قدمه من أعمال صالحة أعظمها ما بينه من الهدى وما سنه من طرق الخير إذ من سن سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين كما أن الجنة أجر كل عمل صالح وللرسول فيها أجر غير مقطوع بل له أعلاها وأفضلها وقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} هذا أيضاً داخل في حيز المقسم عليه وهو أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم لعلى خلق أي أدب عظيم حيث أدبه ربه فكيف لا يكون أكمل الخلق أدباً وسيرته وما خوطب به في القرآن من مثل خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين. ومثل وشاورهم في الأمر ومثل لو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك إلى غير ذلك من الآداب الرفيعة التي أدب الله بها رسوله مما جعله أكمل الناس أدباً وخلقاً وقد سئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن وقال هو عن نفسه أدبني ربي فأحسن تأديبي وقال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
وقوله تعالى: {فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون} أي دم على ما أنت عليه من الكمال يا رسولنا واصبر على دعوتنا فستبصر بعد قليل من الزمن ويبصر قومك المتهمون لك بالجنون بأيكم المفتون أي المجنون أنت- وحاشاك- أو هم. وقوله تعالى: {إن ربك هو أعلم بما ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} في هذا الخبر تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ليبصر على دعوة الله أعلم بالمهتدين معناه أن سيعذب حسب سنته الضال وسيرحم المهتدي.

.من هداية الآيات:

1- تقرير مسألة أن الله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
2- بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى والخير.
3- تقرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق الله.
4- بيان كمال الرسول صلى الله عليه وسلم في أدبه وأخلاقه وجعله قدوة في ذلك.

.تفسير الآيات (8- 16):

{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)}

.شرح الكلمات:

{ودّوا لو تدهن}: أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم بأن لا تذكر آلهتهم بسوء.
{فُيدهنون}: فيلينون لك ولا يغلظون لك في القول.
{كل حلاف مهين}: أي كثير الحلف بالباطل حقير.
{هماز مشاء بنميم}: أي عياب مغتاب.
{معتد أثيم}: أي على الناس بأذيتهم في أنفسهم وأموالهم أثيم يرتكب الجرائم والآثام.
{عتل بعد ذلك زنيم}: أي غليظ جاف. زنيم دعي في قريش وليس منهم وهو الوليد بن المغيرة.
{قال أساطير الأولين}: أي ما وردته الأولون من قصص وحكايات وليس بوحي قرآني.
{سنسمه على الخرطوم}: أي سنجعل على أنفه علامة يعير بها ما عاش فخطم أنفه بالسيف يوم بدر.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {فلا تطع المكذبين} أي بناء على أنك أيها الرسول مهتد وقومك ضالون فلا تطع هؤلاء الضالين المكذبين بالله ولقائه وبك وبما جئت به من الدين الحق وقوله: {ودوا لو تدهن فيدهنون} أي ومما يؤكد لك عدم مشروعية طاعتهم فيما يطالبون ويقترحونه عليك أنهم ودوا أي تمنوا وأحبوا لو تلين لهم فتمالئهم بسكوتك عن آلهتهم فيدهنون بالكف عن أذيتك بترك السبّ والشتم. وقوله تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين} بعدما نهاه عن إطاعة الكافرين عامة نهاه عن طاعة أفراد شريرين لا خير فيهم البتة كالوليد بن المغيرة فقال: {ولا تطع كل حلاف} كثير الحلف بالباطل {مهين} أي حقير. {هماز} عياب {مشاء بنميم} أي مغتاب نمام ينقل الحديث على وجه الإفساد {مناع للخير} أي يبخل بالمال أشد البخل {معتد أثيم} أي ظالم للناس معتدٍ على أموالهم وأنفسهم {أثيم} كثير الإثم لغشيانه المحرمات وقوله: {عتل بعد ذلك زنيم} أي غليظ الطبع جاف لا أدب معه. {زنيم} أي دعي في قريش وليس منهم. وقوله تعالى: {أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} أي لأجل إن كان ذا مال وبنين حمله الشعور بالغنى على التكذيب بآيات الله فإذا تُليت عليه وسمعها قال أساطير الأولين رداً لها ووصفها بأنها أسطورة أي أكذوبة مسطرة ومكتوبة من أساطير الأولين من الأمم الماضية. قال تعالى: {سنسمه على الخرطوم} أي نجعل له سمة شر وقبح يعرف بها مدى حياته تكون بمثابة من جدع أنفه أو رسم على أنفه فكل من رآه استقبح منظره.

.من هداية الآيات:

1- التنديد بأصحاب الصفات التالية كثرة الحلف بالكذب، المهانة، الهمزة النميمة، الغيبة، البخل، الأعتداء، غشيان الذنوب، الغلظة والجفاء، الشهرة بالشر.
2- التحذير من كثرة المال والولد فإنها سبب الطغيان {إن الإنسان ليطغى أن آراه استغنى} 3- التنديد بالمكذبين بآيات الله تعالى جملة أو تفصيلاً. والعياذ بالله تعالى.