فصل: معنى الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (22- 23):

{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)}

.شرح الكلمات:

{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم}: لا تتزوجوا امرأة الأب أو الجد.
{إلا ما قد سلف}: إلا ما قد مضى قبل هذا التحريم.
{إنه كان فاحشة}: أي زواج نساء الآباء فاحشة شديدة القبح.
{مقتا}: ممقوتاً مبغوضا للشارع ولكل ذي فطرة سليمة.
{وساء سبيلا}: أي قبح نكاح أزواج الآباء طريقا يسلك.
{أمهاتكم}: جمع أم فالأم محرمة ومثلها الجدة وإن علت.
{ورائبكم}: الربائب جمع ربيبة هي بنت الزوجة.
{وحلائل ابنائكم}: الحلائل جمع حليلة وهى امرأة الابن من الصلب.

.معنى الآيتين:

ما زال السياق الكريم في بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالرث والنكاح وعشرة النساء.
وفي هاتين الآيتين ذكر تعالى محرمات النكاح من النسب، والرضاع والمصاهرة فبدأ بتحريم امرأة الأب وان علا فقال: {ولا تنحكوا ما نكح آباؤكم}، ولم يقل من ليشمل التحريم منكوحة الأب والطريقة التي كانت متبعة عندهم في الجاهلية. ولذا قال الا ما قد سلف في الجاهلية فانه معفو عنه بالإسلام بعد التخلى عنه وعدم المقام عليه، وبهذه اللفظ حرمت امرأة الأب والجد على الابن وابن الابن ولو لم يدخل بها الأب ثم ذكر محرمات النسب فذكر الامهات والبنات والاخوت والعمات والخالات وبنات الأخ، وبنات الأخت فهؤلاء سبع محرمات من النسب قال تعالى: {حرمت عليكم امهاتكم وبنتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} ثم ذكر المحرمات بالرضاع فقال: {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وإخواتكم من الرضاعة} فمن رضع من ارمأة خمس رضعات وهو سن الحولين تحرم عليه ويحرم عليه امهاتها وبناتها واخواتها وكذا بنات زوجها واخواته وامهاته حتى قيل يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، ثم ذكر تعالى المحرمات بالمصاهرة فقال: وامهات نسائكم فأم امرأة الرجل محرمة عليه بمجرد ان يعقد على بنتها تصبح أمها حراما.
وقال وربائبكم التي في حجوركم فالربيبة هي بنت الزوجة إذا نكح الرجل امرأة وبنى بها لا يحل له الزواج من بنتها أما إذا عقد فقط ولم يبن فان البنت تح لله لقوله: {من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} أي لا إثم ولا حرج.
ومن المحرمات بالمصاهرة امرأة الابن بنى بها أم لم يبن لقوله تعالى: {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} أي ليس ابناً بالتبنى، اما الإِبن من الرضاع فزوجته كزوجة الابن من الصلب، لأن اللبن الذي تغذى به هو السبب فكان إذا كالولد للصلب، ومن المحرمات بالمصاهرة أيضا أخت الزوجة فمن تزوج امرأة لا يحل له أن يتزوج أخته حتى يموت أو يفارقها وتنتهى عدتها لقوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف} في الجاهلية فإنه عفو بشرط عدم الإِقامة عليه.

.من هداية الآيتين:

1- تحريم مناكح الجاهلية الا ما وافق الإِسلام منها، وخاصة أزواج الآباء فزوجة الأب محرمة على الابن ولو لم يدخل بها الأب وطلقها أو ما عنها.
2- بيان المحرمات من النسب وهن سبع الأمهات والبنات والاخوات، والعمات والخالات وبنات الأخ وبنت الأخت.
3- بيان المحرمات من الرضاع وهن المحرمات من النسب فالرضيع يحرم عليه امه المرضع له وبناتها وأخواتها وعماته وخالاته، وبنات أخيه وبنات أخته.
4- بيان المحرمات من المصاهرة وهن سبع أيضا: زوجة الأب بنى بها أو لم يبن، أم امرأته بنى بابنتها أو لم يبن، وبنت امرأته وهى الربيبة إذا دخل بأمها، وأمرأة الولد من الصلب بنى بها الولد أو لم يبن، وكذا ابنه من الرضاع، وأخت امرأته ما دامت اختها تحته لم يفارقها بطلاق أو وفاة. والمحصنات من النساء أي المتزوجات قبل طلاقهن أو وفاة أزواجهن وانقضاء عددهن.

.تفسير الآيات (24- 25):

{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)}

.شرح الكلمات:

{المحصنات}: جمع محصنة والمراد بها هنا المتزوجة.
{إلا ما ملكت إيمانكم}: المملوك بالسبي والشراء ونحوهما.
{ما وراء ذلكم}: أي ما عداه أي ما عدا ما حرم عليكم.
{غير مسافحين}: المسافح: الزاني، لأن السفاح هو الزنى.
{أجورهن فريضة}: مهورهن نحلة.
{طولاً}: سعة وقدرة على المهر.
{المحصنات}: العفيفات.
{أجورهن}: مهورهن.
{ولا متخذات أخدان}: الخدين الخليل الذي يفجر بالمرأة سراً تحت شعار الصداقة.
{فإذا أحصن}: بأن أسلمن أو تزوجن إذا الإِحصان يكون بهما.
{العنت}: العنت الضرر في الدين والبدن.

.معنى الآيتين:

ما زال السياق في بيان ما يحرم من النكاح وما يجوز ففي الآية الأولى (24) عطف تعالى على المحرمات في المصاهرة المرأة المتزوجة فقال: {والمحصنات} أي ذوات الأزواج فلا يحل نكاحهن إلا بعد مفارقة الزوج بطلاق أو وفاة، وبعد انقضاء العدة أيضاً واستثنى تعالى من المتزوجات المملوكة باليمين وهي المرأة تسبى في الحرب الشرعية وهي الجهاد في سبيل الله فهذه من الجائز أن يكون زوجها لم يمت في الحرب وبما أن صلتها قد انقطعت بدار الحرب وبزوجها وأهلها وأصبحت مملوكة أذن الله تعالى رحمة بها في نكاحها ممن ملكها من المؤمنين.
ولذا ورد أن الآية نزلت في سبايا أوطاس وهي وقعت كانت بعد موقعة حنين فسبي فيها المسلمون النساء والذراري، فتحرّج المؤمنون في غشيان أولئك النسوة ومنهن المتزوجات فإذن لهم غشيانهنّ بعد أن تسلم إحداهن وتستبرأ بحيضة، أما قبل إسلامها فلا تحل لأنها مشركة، هذا معنى قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم} وقوله: {كتاب الله عليكم} يريد ما حرمه تعالى من المناكح قد كتبه على المسلمين كتاباً وفرضه فرضاً لا يجوز إهماله أو التهاون به. فكتابَ الله منصوب على المصدرية.
وقوله تعالى: {وأحل الله لكم ما وراء ذلكم} أي ما بعد الذي حرمه من المحرمات بالنسب وبالرضاع وبالمصاهرة على شرط أن لا يزيد المرء على أربع كما هو ظاهر قوله تعالى في أول السورة {مثنى وثلاث ورباع} وقوله تعالى: {أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} أي لا حرج عليكم أن تطلبوا بأموالكم من النساء غير ما حرّم عليكم فتتزوجوا ما طاب لكم حال كونكم محصنين غير مسافحين، وذلك بأن يتم النكاح بشروطه من الولي والصداق والصيغة والشهود، إذ أن نكاحاً يتم بغير هذه الشروط فهو السفاح أي الزنى وقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} يريد تعالى: أيما رجل تزوج امرأة قبل البناء فليس لها إلا نصف المهر المسمى، وإن لم يكن قد سمى لها فليس لها إلا المتعة، فالمراد من قوله: {فما استمتعتم به منهن} أي بنيتم بهن ودخلتم عليهن. وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفرضة} يريد إذا أعطى الرجل زوجته ما استحل به فرجها وهو المهر كاملاً فليس عليهما بعد ذلك من حرج في أن تسقط المرأة من مهرها لزوجها، أو تؤجله أو تهبه كله له أو بعضه إذ ذاك لها وهي صاحبته كما تقدم.
{فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} [النساء: 4].
وقوله تعالى: {إن الله كان عليماً حكيماً} المراد منه إفهام المؤمنين بأن الله تعالى عليم بأحوالهم حكيم في تشريعه لهم فليأخذوا بشرعه ورخصه وعزائمه فإنه مراعى فيه الرحمة والعدل، ولنعم تشريع يقوم على أساس الرحمة والعدل.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (24) أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً...} فقد تضمنت بيان رحمة الله تعالى المؤمنين إذ رخص لمن لم يستطع نكاح الحرائر لقلة ذات يده، مع خوفه العنت الذي هو الضرر في دينه بالزنى، أو في بدنه بإقامة الحد عليه رخص له أن يتزوج المملوكة بشرط أن تكون مؤمنة، وأن يتزوجها بإذن مالكها وأن يؤتيها صداقها وأن يتم ذلك على مبدأ الإِحصان الذي هو الزواج بشروطه لا السفاح، الذي هو الزنى العلني المشار إليه بكلمة {غير مسافحات}، ولا الخفيّ المشار إليه بكلمة {ولا متخذات أخدان} أي أخلاء هذا معنى قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً} أي قدرة مالية أن ينكح المحصنات أي العفائف من {فتياتكم المؤمنات} أي من إمائكم المؤمنات لا الكافرات بحسب الظاهر أما الباطن فعلمه إلى الله ولذا قال: {والله أعلم بإيمانكم} وقوله: {بعضكم من بعض} فيه تطييب لنفس المؤمن إذ تزوج للضرورة الأمة فإن الإِيمان تإذهب الفوارق بين المؤمنين وقوله: {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات} فيه بيان للشروط التي لابد منها وقد ذكرناها آنفاً.
وقوله تعالى: {فإذا أحصن}- أي الإِماء- بالزواج وبالإِسلام {فإن أتين بفاحشة} أي زنين فعليهن حد هو نصف ما على المحصنات من العذاب وهو جلد خمسين جلدة وتغريب ستة أشهر، لأن الحرة إن زنت وهي بكر تجلد مائة وتغرب سنة. أما الرجم والذي هو الموت فإنه لا ينصف فلذا فهم المؤمنون في تنصيف العذاب أنه الجلد لا الرجم والذي لا خلاف فيه وقوله: {ذلك لمن خشي العنت منكم} يريد أبحت لكم ذلك لمن خاف على نفسه الزنى إذا لم يقدر على الزواج من الحرة لفقره واحتياجه وقوله تعالى: {وأن تصبروا...} أي على العزوبيَّة خير لكم من نكاح الإِماء. وقوله: {والله غفور رحيم} أي غفور للتائبين رحيم بالمؤمنين ولذا رخَّص لهم في نكاح الإِماء عند خوف العنت، وأرشدهم إلى ما هو خير منه وهو الصبر فلله الحمد وله المِنَّة.

.من هداية الآيتين:

1- تحريم المرأة المتزوجة حتى يفاقها زوجها بطلاق أو موت وحتى تنقضي عدتها.
2- جواز نكاح المملوكة باليمين وإن كان زوجها حيّاً في دار الحرب إذا أسلمت، لأن الإِسلام فصل بينهما.
3- وجوب المهور، وجواز إعطاء المرأة من مهرها لزوجها شيئاً.
4- جواز التزوج من المملوكات لمن خاف العنت وهو عادم للقدرة على الزواج من الحرائر.
5- وجوب إقامة الحد على من زنت من الإِماء إن أُحْصِنَّ بالزواج والإِسلام.
6- الصبر على العزوبة خير من الزواج بالإِماء لإِرشاد الله تعالى إلى ذلك.

.تفسير الآيات (26- 28):

{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)}

.شرح الكلمات:

{يريد الله ليبين لكم}: يريد الله أن يبيّن لكم بما حرم عليكم وأحل لكم ما يكملكم ويسعدكم في دنياكم وأخراكم.
{سنن الذين من قبلكم}: طرائق الذين من قبلكم من الأنبياء والصالحين لتنهجوا نهجهم فتطهروا وتكملوا وتفلحوا مثلهم.
{ويتوب عليكم}: يرجع بكم عما كنتم عليه من ضلال الجاهلية إلى هداية الإِسلام.
{الذين يتبعون الشهوات}: من اليهود والنصارى والمجوس والزناة.
{أن تميلوا ميلاً عظيماً}: تحيدوا عن طريق الطهر والصفاء إلى طريق الخبث والكدر باتركاب المحرمات من المناكح وغيرها فتبتعدوا عن الرشد بعداً عظيماً.
{وخلق الإِنسان ضعيفاً}: لا يصبر عن النساء، فلذا رخّص تعالى لهم في الزواج من الفتيات المؤمنات.

.معنى الآيات:

لما حرم تعالى ما حرم من المناكح وأباح ما أباح منها علل لذلك بقوله: {يريد الله} أي بما شرع ليبيّن ما هو نافع لكم مما هو ضار بكم فتأخذوا النافع وتتركوا الضار، كما يريد أن يهديكم طارئق الصالحين من قبلكم من أنبياء ومؤمنين صالحين لتسلكوها فتكلموا وتسعدوا في الحاتين، كما يريد بما بين لكم أن {يتوب عليكم} أي يرجع بكم من ضلال الجاهلية إلى هداية الإِسلام فتعيشوا على الطهر والصلاح، وهو تعالى عليم بما ينفعكم ويضركم حكيم في تدبيره لكم فاشكروه بلزوم طاعته، والبعد عن معصيته.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (26) أما الآية الثانية (27) فقد تضمنت الإِخابر بأن الله تعالى يريد بما بيّنه من الحلال والحرام في المناكح وغيرها أن يرجع بالمؤمنين من حياة الخبث والفساد التي كانوا يعيشونها قبل الإِسلام إلى حياة الطهر والصلاح في ظل تشريع عادل رحيم. وأنَّ الذين يتَّبعون الشهوات من الزناة واليهود والنصارى وسائر المنحرفين عن سنن الهدى فإنهم يريدون من المؤمنين أن ينحرفوا مثلهم فينغمسوا في الملاذ والشهوات البهيمية حتى يصبحوا مثلهم لا فضل لهم عليهم، وحينئذ لا حق لهم في قيادتهم أو هدايتهم.
هذا معنى الآية: الثانية أما الثالثة (28) فقد أخبر تعالى أنه بإباحته للمؤمنين العاجزين عن نكاح الحرائر نكاح الفتيات المؤمنات يريد بذلك التخفيف والتيسير عن المؤمنين رحمة بهم وشفقة عليهم لما يعلم تعالى من ضعف الإِنسان وعدم صبره عن النساء بما غرز فيه من غريزة الميل إلى أنثاه فحفظ النوع ولحكم عالية وقال تعالى: {يريد الله أن يخفف عنكم وخُلِقَ الإِنسان ضعيفاً}.

.من هداية الآيات:

1- منّة الله تعالى علينا في تعليله الأحكام لنا لتطمئن نفوسنا ويأتي العمل بانشراح صدر وطيب خاطر.
2- منة الله تعالى على المؤمنين بهدايتهم إلى طرق الصالحين وسبيل المفلحين ممن كانوا قبلهم.
3- منتة تعالى في تطهير المؤمنين من الأخباث وضلال الجاهليات.
4- الكشف عن نفسية الإِنسان، إذ الزناة يرغبون في كون الناس كلهم زناه والمنحرفون يودون أن ينحرف الناس مثلهم، وهكذا كل منغمس في خبث أو شر أو فساد يود أن يكون كل الناس مثله، كما أن الطاهر الصالح يود أن يطهر ويصلح كل الناس.
5- ضعف الإِنسان أمام غرائزه لاسيما غريزة الجنس.

.تفسير الآيات (29- 30):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}

.شرح الكلمات:

{آمنوا}: صدقوا الله والرسول.
{بالباطل}: بغير حق يبيح أكلها.
{تجارة}: بيعاً وشراءً فيحل لصاحب البضاعة أن يأخذ النقود ويحل لصاحب النقود أخذ البضاعة، إذاً لا باطل.
{تقتلوا أنفسكم}: أي تزهقوا أرواح بعضكم بعضاً.
{عدواناً وظلماً}: اعتداء يكون فيه ظالماً.
{نصليه ناراً}: ندخله نار جهنم يحترف فيها.

.معنى الآيتين:

ما زال السيقا في بيان ما يحل وما يحرم من الأموال والأعراض والأنفس ففي هذه الآية (29) ينادي الله تعالى عباده المؤمنين بعنوان الإِيمان فيقول: {يا أيها الذين آمنوا} وينهاهم عن أكل أموالهم بينهم بالباطل بالسرقة أو الغش أو القمار أو الربا وما إلى ذلك من وجوه التحريم العديدة فيقول: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، أي بغير عوض مباح، أو طيب نفس، ثم يستثنى ما كان حاصلا عن تجارة قائمة على مبدأ التراضي بين البيعين لحديث: «إنما البيع عن تراض»، و«البيعان بالخيار ما لم يتفرق» فقال تعالى: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} فلا بأس بأكله فإنه حلال لكم. هذا ما تضمنته هذه الآية كما قد تضمنت حرمة قتل المؤمنين لبعضهم بعضاً فقال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} والنهي شامل لقتل الإِنسان نفسه وقتله أخاه المسلم لأن المسلمين كجسم واحد فالذي يقتل مسلماً منهم كأنما قتل نفسه. وعلل تعالى هذا التحريم لنا فقال إن الله كان بكم رحيماً، فلذا حرَّم عليكم قتل بعضكم بعضاً.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (29) أما الآية الثانية (30) فقد تضمنت وعيداً شديداً بالإِصلاء بالنار والإِحراق فيها كل من يقتل مؤمناً عدواناً وظلماً أي بالعمد والإِصرار والظلم المحض، فقال تعالى: {ومن يفعل ذلك} أي القتل {عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك} أي الإِصلاء والاحراق في النار {على الله يسيراً} لكمال قدرته تعالى فالمتوعد بهذا العذاب إذا لا يستطيع أن يدفع ذلك عن نفسه بحال من الأحوال.

.من هداية الآيتين:

1- حرمة مال المسلم، وكل مال حرام وسواء حازه بسرقة أو غش أو قمار أو ربا.
2- إباحة التجارة والترغيب فيها والرد على جهلة المتصوفة الذين يمنعون الكسب بحجة التوكل.
3- تقرير مبدأ: «إنما البيع عن تراض»، و«البيعان بالخيار ما لم يتفرقا».
4- حرمة قتل المسلم نفسه أو غيره من المسلمين لأنهم أمة واحدة.
5- الوعيد الشديد لقاتل النفس عدواناً وظلماً بالإِصلاء بالنار.
6- إن كان القتل غير عدوان بأن كان خطأ، أو كان غير ظلم بأن كان عمداً ولكن بحق كقتل من قتل والده أو ابنه أو أخاه فلا يستوجب هذا الوعيد الشديد.

.تفسير الآية رقم (31):

{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}

.شرح الكلمات:

{أن تجتنبوا}: تبتعدوا لأن الاجتناب ترك الشيء عن جنب بعيداً عنه لا يقبل عليه ولا يقربه.
{كبائر ما تنهون}: الكبائر: ضد الصغائر، والكبيرة تعرف بالحد لا بالعد فالكبيرة ما توعد الله ورسوله عليها، أو لعن الله ورسوله فاعلها أو شرع لها حدّ يقام على صاحبها، وقد جاء في الحديث الصحيح بيان العديد من الكبائر، وعلى المؤمن أن يعلم ذلك ليجتنبه.
{نكفر}: نغطي ونستر فلا نطالب بها ولا نؤاخذ عليها.
{مدخلاً كريماً}: المدخل الكريم هنا: الجنة المتقين.

.معنى الآية الكريمة:

يتفضل الجبار جل وجلاله وعظم إنعامه وسلطانه فيمن على المؤمنين من هذه الأمة المسلمة بأن وعدها وعد الصدق بأن من اجتنب منها كبائر الذنوب كفر عنه صغائرها وأدخله الجنة دار السلام وخلع عليها حلل الرضوان فقال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} ما أنهاكم عنه أنا ورسولي {نكفر عنكم سيئاتكم} التي هي دون الكبائر وهي الصغائر، {وندخلكم مدخلاً كريماً} الذي هو الجنة ولله الحمد والمنة. لهذا كانت هذه الآية من مبشرات القرآن لهذه الأمة.

.من هداية الآية:

1- وجوب الابتعاد عن سائر الكبائر، والصبر على ذلك حتى الموت.
2- الذنوب قسمان كبائر وصغائر ولذا وجب العلم بها لاجتناب كبائرها وصغائرها ما أمكن ذلك، ومن زل فليتب فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
3- الجنة لا يدخلها إلتا ذوُو النفوس الزكية الطاهرة باجتنابهم المدنسات لها من كبائر الذنوب والآثام والفواحش.