فصل: معنى الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (116- 121):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}

.شرح الكلمات:

{أن يشرك به}: أن يعبد معه غيره من مخلوقاته بأي عبادة كانت.
{إن يدعون}: أي ما يدعون.
{إلا إناثاً}: جمع أنثى لأن الآلهة مؤنثة، أو أمواتاً لأن الميت يطلق عليه لفظ أنثى بجامع عدم النفع.
{مريداً}: بمعنى ما رد على الشر والإِغواء للفساد.
{نصيباً مفروضاً}: حظاً معيناً. أو حصة معلومة.
{فليبتكن}: فليقطعن.
{خلق الله}: مخلوق الله أي ما خلقه الله تعالى.
{الشيطان}: الخبيث الماكر الداعي إلى الشر سواء كان جنياً أو إنسياً.
{يمنيهم}: يجعلهم يتمنون كذا وكذا ليلهيهم عن العمل الصالح.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {إن الله لا يغفرلا أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} إخبار منه تعالى عن طعمة بن أبيرق بأنه لا يغفر له وذلك لموته على الشرك، أما إخوته الذين لم يموتوا مشركين فإن أمرهم إلى الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء آخذهم كسائر مرتكبي الذنوب غير الشرك والكفر. وقوله تعالى: {ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً} أي ضل عن طريق النجاة والسادة ببعده عن الحق بعداً كبيراً وذلك بإِشراكه بربه تعالى غيره من مخلوقاته.
وقوله تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثاً} هذا بيان لقبح الشرك وسوء حال أهله فأخبر تعالى أن المشركين ما يعبدون إلا أمواتاً لا يسمعون ولا يبصرون ولا ينطقون ولا يعقلون. إذ أوثانهم ميتة وكل ميت فهو مؤنث زيادة على أن أسماءها مؤنثة كاللات والعزى ومناة ونائلة، كما هم في واقع الأمر يدعون شيطاناً مريداً إذ هو الذي دعاهم إلى عبادة الأصنام فعبدوها فهم إذاً عابدون للشيطان في الأمر لا الأوثان، ولذا قال تعالى: {وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً} لعنه الله وأبلسه عند إبائه السجود لآدم، {وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً} أي عدداً كبيراً منه يعبدونني ولا يبعدونك وهم معلومون معروفون بمعصيتهم إياك، وطاعتهم لي. وواصل العدو تبجحة قائلا: {ولأضلنهم} يريد عن طريق الهدى {ولأمنينهم} يريد أعوقهم عن طاعتك بالأماني الكاذبة بأنهم لا يلقون عذاباً أو أنه سيغفر لهم. {ولآمرنهم} فيطعوني {فليبتكن آذان الأنعام} أي ليجعلون لآلهتهم نصيباً مما رزقتهم ويعلمونها بقطع آذانها لتعرف أنها للآله كالبحائر والسوائب التي يجعلونها للآلهة. {ولآمرنهم} أيضاً فيطيعونني فيغيرون خلق الله بالبدع والشرك، والمعاصي كالوشم والخصي. هذ ما قاله اليطان ذكره تعالى لنا فله الحمد. ثم قال تعالى: {ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً} لأن من والى الشيطان عادى الرحمن ومن عادى الرحمن تم له والله أعظم الخسران يدل على ذلك قوله تعالى: {يعدهم ويمنيهم} فيعوقهم عن طلب النجاة والسعادة {وما يعدهم الشيطان إلا غروراً} إذ هو لا يملك من الأمر شيئاً فكيف يحقق لهم نجاة أو سعادة إذاً؟ وهذا حكم الله تعالى يعلن في صراحة ووضوح فليسمعوه: {أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً} أي معدلاً أو مهرباً.

.من هداية الآيات:

1- سائر الذنوب كابئرها وصغائرها قد يغفرها الله تعالى لمن شاء إلا الشرك فلا يغفر لصاحبه.
2- عبدة الأصنام والأوهام والشهوات والأهواء هم في الباطن عبدة الشيطان إذ هو الذي أمره فأطاعوه.
3- من مظاهر طاعة الشيطان المعاصي كبيرها وصغيرها إذ هو الذي أمر بها وأطيع فيها.
4- حرمة الوشم والوسم والخصاء إلا ما أذن فيه الشارع.
5- سلاح الشيطان العدة الكاذبة والأمنية الباطلة، والزينة الخادعة.

.تفسير الآية رقم (122):

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)}

.شرح الكلمات:

{آمنوا}: صدقوا بالله ورسوله.
{وعملوا الصالحات}: الطاعات إذ كل طاعة لله ورسوله هي عمل صالح.
{قيلاً}: أي قولاً.

.معنى الآية الكريمة:

لما بين تعالى جزاء الشرك والمشركين عبدة الشيطان بين في هذه الآية جزاء التوحيد والموحدين عبيد الرحمن عز وجل، وأنه تعالى سيدخلهم بعد موتهم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار وأن خلودهم مقدر فيها بإذن الله ربهم فلا يخرجون منها أبداً وعدهم ربهم بهذا وعد الصدق، وليس هناك من هو أصدق وعداً ولا قولا من الله تعالى.

.من هداية الآية:

1- الإِيمان الصادق والعمل الصحيح الصالح هما مفتاح الجنة وسبب دخولها.
2- صِدْق وعْدِ الله تعالى، وصِدق قوله عز وجل.
3- وجوب صِدق الوعد من العبد لأن خلق الوعد من النفاق لحديث: «وإذا واعد أخلف».
- وجوب صدق القول والحديث لأن الكذب من النفاق لحديث وإذا حدث كذب.

.تفسير الآيات (123- 126):

{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}

.شرح الكلمات:

{أمانيكم}: جمع أمنية: وهي ما يقدره المرء في نفسه ويشتهيه مما يتعذر غالباً تحقيقه.
{أهل الكتاب}: اليهود والنصارى.
{سوءاً}: كل ما يسيء من الذنوب والخطايا.
{ولياً}: يتولى أمره فيدفع عنه المكروه.
{نقيراً}: النقير: نقرة في ظهر النواة.
{ملة إبراهيم}: عبادة الله وحده لا شريك له بما شرعه الله تعالى.
{خليلاً}: الخليل: المحب الذي تخلل حبه مسالك النفس فهو أكبر من الحبيب.
{محيطاً}: علما وقدرة إذ الكون كله تحت قهره ومدار بقدرته وعلمه.

.معنى الآيات:

روي أن هذه الآية نزلت لما تلاحى مسلم ويهودي وتفاخرا فزعم اليهودي أن نبيهم وكتابهم ودينهم وجد قبل كتاب ونبي المسلمين ودينهم فهم أفضل، ورد عليه المسلم بما هو الحق فحكم الله تعالى بينهما بقوله: {ليس بأمانيكم} أيها المسلمون {ولا أماني أهل الكتاب} من يهود ونصارى أي ليس الأمر والشأن بالأماني العذاب، وإنما الأمر والشأن في هذه القضية أنه سنة الله تعالى في تأثير الكسب الإِرادي على النفس بالتزيكة أو التدسية فمن عمل سوءاً من الشرك والمعاصي، كمن عمل صالحاً من التوحيد والطاعات يجز بحسبه فالسوء بخبث النفس فيحرمها من مجاورة الأبرار والتوحيد والعمل الصالح يزكيها فيؤهلها لمجاورة الأبرار، ويبعدها عن مجاورة الفجار. وقوله تعالى: {ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً} لأن سنن الله كأحكامه لا يقدر أحد على تغييرها أو تبديلها بل تمضي كما هي فلا ينفع صاحب السوء أحد، ولا يضر صاحب الحسنات آخر. وقوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً} فإنه تقرير لسنته تعالى في تأثير الكسب على النفس والجزاء بحسب حال النفس زكاة وطهراً وتدسيه وخبثاً، فإنه من يعمل الصالحات وهو مؤمن تطهر نفسه ذكراً كان أو أنثى ويتأهل بذلك لدخول الجنة، ولا يظلم مقدار نقير فضلاً عما هو أكثر وأكبر وقوله تعالى: {ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلاً} إشادة منه تعالى وتفضيل للدين الإِسلامي على سائر الأديان إذ هو قائم على أساس إسلام الوجه لله وكل الجوارح تابعة له تدور في فلك طاعة الله تعالى مع الإِحسان الكامل وهو إتقان العبادة وأداؤها على نحو ما شرعها الله تعالى وابتاعه ملة إبراهيم بعبادة الله تعالى فضل الإِسلام الذي هو دين إبراهيم الذي اتخذه ربه خليلاً وقوله تعالى: {ولله ما في السموات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطاً} زيادة على أنه إخبار بسعة ملك الله تعالى وسعة علمه وقدرته وفضله فإنه رفع لما قد يتوهم من خلة إبرهيم أن الله تعالى مفتقر إلى إبراهيم أو له حاجة إليه، فأخبر تعالى أن له ما في السموات والأرض خلقاً وملكاً وإبراهيم في جملة ذلك فكيف يفتقر إليه أو يحتاج إلى مثله وهو رب كل شيء وملكه.

.من هداية الآيات:

1- ما عند الله لا ينال بالتمنى ولكن بالإِيمان والعمل الصالح أو التقوى والصبر والإِحسان.
2- الجزاء أثر طبيعي للعمل وهو معنى {ومن يعمل سوء يجز به} {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة}.
3- فضل الإِسلام على سائر الأديان.
4- شرف إبراهيم عليه السلام باتخاذه ربه خليلاً.
5- غنى الله تعالى عن سائر مخلوقاته، وافتقار سائئر مخلوقاته إليه عز وجل.

.تفسير الآيات (127- 130):

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}

.شرح الكلمات:

{يستفتونك}: يطلبون منك الفتيا في شأن النساء وميراثهن.
{وما يتلى عليكم}: يقرأ عليكم في القرآن.
{ما كتب لهن}: ما فرض لهن من المهور والميراث.
{بالقسط}: بالعدل.
{نشوزاً}: ترفعاً وعدم طاعة.
{وأحضرت الأنفس الشح}: جبلت النفوس على الشح فلا يفارقها أبداً.
{فتذروها كالمعلقة}: فتتركوها كالمعلقة ما هي بالمزوجة ولا المطلقة.
{من سعته}: من رزقه الواسع.
{وكان الله واسعاً حكيما}: واسع الفضل حكيماً يعطي فضله حسب علمه وحكمته.

.معنى الآيات:

هذه الآيات الأربع كل آية منها تحمل حكماً شرعياً خاصا فالأولى (127) نزلت إجابة لتساؤلات من بعض الأصحاب حول حقوق النساء ما لهن وما عليهن لأن العرف الذي كان سائداً في الجاهلية كان يمنع النساء والأطفال من الميراث بالمرة وكان اليتامى لا يراعى لهم جانب ولا يحفظ لهم حق كامل فلذا نزلت الآيات الأولى من هذه السورة وقررت حق المرأة والطفل في الإِرث وحضت على المحافظة على مال اليتامى وكثرت التساؤلات لعل قرآناً ينزل إجابة لهم حيث اضطربت نسوهم لما نزل فنزلت هذه الآية الكريمة تردهم إلى ما في أول السورة وأنه الحكم النهائي في القضية فلا مراجعة بعد هذه، فقال تعالى وهو يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم {ويستفتونك في النساء} أي وما زالوا يستفتونك في النساء، أي في شأن ما لهن وما عليهن من حقوق كالإِرث والمهر وما إلى ذلك. قل لهم أيها الرسول {الله فيتيكم فيهن} وقد أفتاكم فيهن وبين لكم ما لهن ما عليهن. وقوله تعالى: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنحكوهن} أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء في أول السورة كافٍ لكم لا تحتاجون معه إلى من يفتيكم أيضاً إذ بين لكم أن من كانت تحته يتيمة دميمة لا يرغب في نكاحها فليعطها ما لها وليزوجها غيره وليتزوج هو من شاء، ولا يحل له أن يحبسها في بيته لأجل مالها، وإن كانت جميلة وأراد أن يتزوجها فلعطها مهر مثيلاتها ولا يبخسها من مهرها شيئاً. وقوله: {والمستضعفين من الولدان} أي وقد أفتاكم بما يتلى عليكم من الآيات في أول السورة في المستضعفين من الولدان حيث قد أعطاهم حقهم وافياً في آية: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} الآية.
فلم هذه المراجعات والاستفتاءات؟؟ وقوله تعالى: {وأن تقوموا لليتامى بالقسط} أي وما تلى عليكم في أول السورة كان آمراً إياكم بالقسط لليتامى والعدل في أموالهم فارجعوا إليه في قوله: {وآتوا اليتامى أمواله ولا تبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً} وقوله تعالى في ختام الآية: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} حث لهم على فعل الخير بالإِحسان إلى الضعفين المرأة واليتيم زيادة عل توفيتهما حقوقهما وعدم المساس بها.
هذا ما دلت عليه الآية الكريمة {ويستفتونك.....} إلخ.
أما الآية الثانية (128): {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً} فقد تضمنت حكماً عادلاً وإرشاداً ربانيا سديداً وهو أن الزوجة إذا توقعت من زوجها نشوزاً أي ترفعاً عليها أو إعراضاً عنها، وذلك لكبر سنها أو لقلة جمالها وقد تزوج عليها غيرها في هذا الحال في الإِمكان أن تجري مع زوجها صلحاً يحفظ لها بقاءها في بيتها عزيزة محترمة فتتنازل له عن بعض حقها في الفراش وعن بعض ما كان واجباً لها وهذا خير لها من الفراق. ولذا قال تعالى: {والصلح خير} وقوله تعالى: {واحضرت الأنفس الشح} يريد أن الشح ملازم للنفس البشرية لا يفارقها والمرأة كالرجل في هذا إلا أن المرأة أضن وأشح بنصيبها في الفراش وبباقي حقوقها من زوجها. إذاً فليراع الزوج هذا ولذا قال تعالى: {وإن تحسنوا} أيها الأزواج إلى نسائكم {وتتقوا} الله تعالى فيهن فلا تحرموهن ما لهن من من حق في الفراش وغيره فإن الله تعالى يجزيكم بالإِحسان إحساناً بالخير خيراً فإنه تعالى {بما تعملون خبير}.
هذا ما دلت عليه الآية (128) وأما الآية الثالثة (129) وهي قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً} فقد تضمنت حقيقة كبرى وهي عجز الزوج عن العدل بين زوجاته اللائي في عصمته فمهما حرص على العدل وتوخاه فإنه لن يصل إلى منتهاه أبداً والمراد بالعدل هنا في الحب والجماع. أما في القسمة والكساء والغذاء والعشرة بالمعروف فهذا مستطاع له، ولما علم تعالى هذا من عبده رخص له في ذلك ولم يؤاخذه بميله النفس كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» والمحرم على الزوج هو الميل الكامل إلى إحدى زوجاته عن باقيهن، لأن لك يؤدي أن تبقى المؤمنة في وضع لا هي متزوجة تتمتع بالحقوق الزوية ولا هي مطلقة يمكنها أن تتزوج من رجل آخر تسعد بحقوقها معه وهذا معنى قوله تعالى: {فتذروها كالمعلقة} وقوله تعالى: {وإن تصلحوا} أي أيها الأزواج في أعمالكم وفي القسم بين زوجاتكم وتتقون الله تعالى في ذلك فلا تميلوا كل الميل، ولا تجوروا فيما تطيقون العدل فيه فإنه تعالى يغفر لكم ما عجزتم عن القيام به لضعفكم ويرحمكم في دنياكم وأخراكم لأن الهل تعالى كان وما زال غفوراً للتائبين رحيماً بالمؤمنين.
هذا ما دلت عليه الآية الثالثة أما الآية الرابعة (130) وهي قوله تعالى: {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيما} فإن الله تعالى يعد الزوجين الذين لم يوفقا للإِصلاح بينهما لشح كل منهما ماله وعدم التنازل عن شيء من ذلك يعدهما ربهما إن هم تفرقا بالمعروف أن يغني كلا منهما من سعته وهو الواسع الحكيم فالمرأة يرزقها زوجاً خيراً من زوجها الذي فارقته، والرجل يرزقه كذلك امرأة خيراً مما فارقها لتعذر الصلح بينهما.

.من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ إرث النساء والأطفال، والمحافظة على مال اليتامى وحرمة أكلها.
2- استحباب الصلح بين الزوجين عند تعذر البقاء مع بعضهما إلا به.
3- تعذر العدل بين الزوجين في الحب والوطء استلزم عدم المؤاخذة به واكتفى الشارع بالعدل في الفراش والطعام والشراب والكسوة والمعاشرة بالمعروف.
4- الترغيب في الإِصلاح والتقوى وفعل الخيرات.
5- الفرقة بين الزوجين إن كانت على مبدأ الإِصلاح والتقوى أعقبت خيراً عاجلاً أو آجلاً.

.تفسير الآيات (131- 134):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133) مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}

.شرح الكلمات:

{ولله ما في السموات وما في الأرض}: أي خلقاً وملكاً وتصرفاً وتدبيراً.
{وصينا}: عهدنا إليهم بذلك أي بالتقوى.
{أوتوا الكتاب}: اليهود والنصارى.
{الوكيل}: من يفوض إليه الأمر كله ويقوم بتدبيره على أحسن الوجوه.
{ثواب الدنيا}: جزاء العمل لها.
{ثواب الآخرة}: جزاء العم لها وهو الجنة.
{سمعيا بصيراً}: سميعاً: لأقوال العباد بصيراً: بأعمالهم وسيجزيهم بها خيراً أو شراً.

.معنى الآيتين:

لما وعد تبارك وتعالى كلا من الزوجين المتفرقين بالإغناء عن صاحبه ذكر أنه يملك ما في السموات وما في الأرض ولذا فهو قادر على اغنائهما لسعة ملكه وعظيم فضله، ثم واجه بالخطاب الكريم الأمة جمعاء ومن بينها بني أبيرق فقال: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} يريد من اليهود والنصارى وغيرهم أوصاهم بتقواه عز وجل فلا يقدموا على مشاقته ولا يخرجوا عن طاعته بترك ما أوجب أو بفعل ما حرم، ثم أعلمهم أنهم وإن كفروا كما كفر طعمة وارتد فإن ذلك غير ضائره شيئاً، لأنه ذو الغنى والحمد، وكيف وله جميع ما في السموات وما في الأرض من كائنات ومخلوقات وهو ربها ومالكها والمتصرف فيها.
هذ ما تضمنته الآية الأولى (131) أما الآية الثانية (132) فقد كرر تعالى فيها الإِعلان عن استحقاقه حافظاً ووكيلاً. وفي الآية الثالثة (133) يخبر تعالى أنه قادر على إذهاب كافة الجنس البشري واستبداله بغيره وهو على كل ذلك قدير، فقال تعالى: {إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين} وذلك لعظيم قدرته وكفاية كالته. وفي الآية الرابعة والأخيرة في هذا السياق (134) يقول تعالى مرغباً عباده فيما عنده من خير الدنيا والآخرة من كان يريد بعمله ثواب الدنيا {فعند الله ثواب الدنيا والآخرة} فلم يقر العبد عمله على ثواب الدنيا، وهو يعلم أن ثواب الآخرة عن دا لله أيضاً فليطلب الثوابين معاً من الله تعالى، وذلك بالإِيمان والتقوى والإِحسان، وسيجزيه تعالى بعلمه ولا ينقصه له وذلك لعلمه تعالى وقدرته، {وكان الله سميعاً بصيراً}، ومن كان كذلك فلا يخاف معه ضياع الأعمال.

.من هداية الآيات:

1- الوصية بالتقوى، وذلك بترك الشرك والمعاصي بعد الإشيمان وعمل الصالحات.
2- غنى الله تعالى عن سائر خلقه.
3- قدرة الله تعالى على إذهاب الناس كلهم والإِتيان بغيرهم.
4- وجوب الإِخلاص في العمل لله تعالى وحرمة طلب الآخرة بطلب الدنيا.

.تفسير الآيات (135- 137):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)}

.شرح الكلمات:

{قوامين}: جمع قوام: وهو كثير القيام بالعدل.
{بالقسط}: بالعدل وهو الاستقامة والتسوية بين الخصوم.
{شهداء}: جمع شهيد: بمعنى شاهد.
{الهوى}: ميل النفس إلى الشيء ورغبتها فيه.
{تلووا}: أي ألسنتكم باللفظ تحريفاً له حتى لا تتم الشهادة على وجهها.
{تعرضوا}: تتركوا الشهادة أو بعض كلماتها ليبطل الحكم.

.معنى الآيات:

قوله تعالى في هذه الآية (135): {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط} أي بالعدل {شهداء لله} إذْ بشهادتكم ينتقل الحق من شخص إلى آخر حيث أقامكم الله ربكم شهداء له في الأرض تؤدى بواسطتكم الحقوق إلى أهلها، وَبناء على هذا فأقيموا الشهادة لله ولو شهادتكم على أنفسكم أو والديكم أو أقرب الناس إليكم وسواء كان المشهود عليه غنياً أو فقيراً فلا يحملنكم غنى الغنى ولا فقر الفقير على تحريف الشهادة أو كتمانها، فالله تعالى ربهما أولى بهما وهو يعطي ويمنع بشهادتكم فأقيموها وحسبكم ذلك واعلموا أنكم إن تللوا ألسنتكم بالشهادة تحريفاً لها وخروجاً بها عن أداء ما يترتب عليها أو تعرضوا عنها فتتركوها أو تتركوا بعض كلماتها فيفسد معناها ويبطل مفعولها فإن الله بعملكم ذلك وبغيره خبير وسوف يجزيكم به فيعاقبكم في الدنيا أو في الآخرة ألا فاحذروا.
هذه الآية الكريمة يدخل فيها دخولاً أولياً من شهدوا لأبناء أبيرق بالإِسلام والصلح كما هي خطاب للمؤمنين إلى يوم القيامة وهي أعظم آية في هذا الباب فليتق الله المؤمنون في شهادتهم.
أما الآية الثانية (136): {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله} فهي في خطاب أهل الكتاب خاصة وفي سائر المؤمنين عامة فالمؤمنون تدعوهم إلى تقوية إيمانهم ليبلغوا فيه مستوى اليقين، أما أهل الكتاب فهي دعوة لهم للإِيمان الصحيح، لأن إيمانهم الذي هم عليه غير سليم فلذا دعوا إلى الإِيمان الصحيح فقيل لهم {آمنوا بالله ورسوله} محمد {والكتاب الذي نزل على رسوله} وهو القرآن الكريم، {والكتاب لذي أنزل من قبل} وهو التوراة والإِنجيل، لأن اليهود لا يؤمنون بالإِنجيل، ثم أخبرهم محذراً لهم أن {من يكفر بالله وملائكة وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل} طريق الهدى والسعادة {ضلالاً بعيداً} لا ترجى هدايته، وعليه فسوف يهلك ويخسر خسراناً أبدياً.
ثم أخبرهم تعالى في الآية بعد هذه (137) مقرراً الحكم بالخسران الذي تضمنته الآية قبلها فقال عز وجل: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا} بمحمد صلى الله عليه وسلم وكتابه وبما جاء به {لم يكن الله} أي لم يكن في سنة الله أن يغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً ينجون به ويسعدون فيه ألا فليحذر اليهود والنصارى هذا وليذكروه، وإلا فالخلود في نار جهنم لازم لهم ولا يهلك على الله إلا هالك.

.من هداية الآيات:

1- وجوب العدل في القضاء والشهادة.
2- حرمة شهادة الزور وحرمة التخلي عن الشهادة لمن تعينت عليه.
3- وجوب الاستمرار على الإِيمان وتقويته حتى الموت عليه.
4- بيان أركان الإِيمان وهي الإِيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر.
5- المرتد يستتاب ثلاثة أيام وإلا قتل كفراً أخذاً من قوله: {ثم آمنوا ثم كفروا}.