فصل: معنى الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (104- 107):

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}

.شرح الكلمات:

{من دينى}: أي الإِسلام في أنه حق.
{يتوفاكم}: أي يقبض أرواحكم فميتكم.
{وإن أقم وجهك للدين حنيفاً}: أي أمرني ربي أن أقم وهي للدين الإِسلامي حنيفاً أي مائلاً عن كل الأديان إليه دون غيره.
{ما لا ينفعك ولا يضرك}: أي آلهة لا تنفع ولا تضر وهي أصنام المشركين وأوثانهم.
{إنك إذاً من الظالمين}: أي إنك إذا دعوتها من المشركين الظالمين لأنفسهم.
{فلا كاشف له إلا هو}: أي لا مزيل للضُّر ومبعده عمن أصابه إلا هو عز وجل.
{يصيب به}: أي بالفضل والرحمة.
{وهو الغفور الرحيم}: أي لذنوب عباده التائبين الرحيم بعباده المؤمنين.

.معنى الآيات:

بعد أن بين تعالى طريق الهدى وطريق الضلال وأنذار وحذرو واعد وأوعد في الآيات السابقة بما لا مزيد عليه أمر رسوله هنا أن يواجه المشركين من أهل مكة وغيرهم بالتقرير التالي فقال: {قل يا أيها الناس} أي مشركي مكة والعرب من حولهم {إن كنتم في شك} وريب في صحة ديني الإِسلام الذي أنا عليه وأدعوا إليه، {فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله} فمجرد شككم في صحة ديني لا يجعلني أبعد أوثاناً وأصناماً لا تنفع ولا تضر، {ولكن أعبد الله} الذي ينفع ويضر، يحيى ويميت، الله الذي يتوفاكم أي يميتكم بقبض أرواحكم فهو الذي يجب أن يعبد ويخاف ويرهب {وأمرت أن أكون من المؤمنين} أي أمرني ربي أن أومن به فأكون من المؤمنين فآمنت وأنا من المؤمنين. وقوله تعالى: {وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين} أي وأوحى إليَّ ربي آمراً إياي بأن أقيم وجهي لدينه الحق فلا ألتفت إلى غيره من الأديان الباطلة، ونهاني مشدداً علي أن أكون من المشركين الذين يعبدون معه آلهة أخرى بعد هذا الإِعلان العظيم والمفاصلة الكاملة والتعريض الواضح بما عليه أهل مكة من الضلال والخطأ الفاحش، واجه الله تعالى رسوله بالخطاب وهو من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة) فنهاه بصريح القول أن يدعو من دون الله ما لا ينفعه ولا يضره وهو كل المعبودات ما سوى الله عز وجل فقال: {ولا تدع من دون ما لا ينفعك} أي لا يجلب لك نفعاً ولا يدفع عنك ضراً، ولا يضرك بمنع خير عنك، ولا بإنزال شر بك فإن فعلت بأن دعوت غير الله فإنك إذاً من الظالمين، ولما كان دعاء النبي غير الله ممتنعاً فالكلام إذاً تعريض بالمشركين وتحذير للمؤمنين، وقوله تعالى في خطاب رسوله: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له} عنك {إلا هو} عز وجل، {وإن يردك بخير} من الخيور عافية وصحة رخاء ونصر {فلا راد لفضله} أي ليس هناك من يرده عنك بحال من الأحوال، وقوله: {يصيب} أي بالفضل والخير والنعمة {من يشاء من عباده} إذ هو الفاعل المختار، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقوله: {وهو الغفور الرحيم} بيان لصفات الجلال والكمال فيه فإنه تعالى يغفر ذنوب التائبين إلأيه مهما بلغت في العظم، ويرحم عباده المؤمنين مهما كثروا في العدد، وبهذا استوجب العبادة بالمحبة والتعظيم والطاعة والتسليم.

.من هداية الآيات:

1- على المؤمن أن لا يترك الحق مهما شك وشكك فيه الناس.
2- تحريم الشرك ووجوب تركه وترك أهله.
3- دعاء غير الله مهما كان المدعو شرك محرم فلا يحل أبداً، وإن سموه توسلاً.
4- لا يؤمن عبد حتى يوقن أن ما أراده الله له من خير أو شر لا يستطيع أحد دفعه ولا تحويله.
بحال من الأحوال، وهو معنى حديث: «ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك».

.تفسير الآيات (108- 109):

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}

.شرح الكلمات:

{يا أيها الناس}: أي يا أهل مكة.
{قد جاء الحق}: أي الرسول يتلو القرآن ويبين الدين الحق.
{من اهتدى}: أي آمن بالله ورسوله وعبد الله تعالى موحداً له.
{ومن ضل}: أي أبى إلا الإِصرار على الشرك والتكذيب والعصيان.
{فعليها}: أي وبال الضلال على نفس الضال كما أن ثواب الهداية لنفس المهتدي.
{وما أنا عليكم بوكيل}: أي بمجبر لكم على الهداية وإنما أنا مبلغ ونذير.
{واصبر حتى يحكم الله}: أي في المشركين بأمره.
{خير الحاكمين}: أي رحمة وعدلاً وإنفاذاً لما يحكم به لعظيم قدرته.

.معنى الآيتين:

هذا الإعلان الأخير في هذه السورة يأمر الله تعالى رسوله أن ينادى المشركين بقوله: {يا أيها الناس} وهو نداء عام يشمل البشرية كلها وإن أريد به ابتداء أهل مكة {قد جاءكم الحق من ربكم} وهو القرآن يتلوه رسول الله وفيه بيان الدين الحق الذي لا كمال للإِنسان له إلا بالإِيمان به والأخذ الصادق بما تضمنه من هدى. وبعد فمن اهتدى بالإِيمان والاتباع فإنما ثواب هدايته لنفسه إذ هي التي تزكوا وتَطْهُر وتتأهل لسعادة الدارين، ومن ضل بالإِصرار على الشرك والكفر والتكذيب فإنما ضلاله أي جزاء ضلاله عائد على نفسه إذ هي التي تَتَدَسَّى وتخبُث وتتأهل لمقت الله وغضبه وأليم عقابه. وما على الرسول المبلغ من ذلك شيء، إذ لم يوكل إليه ربه هداية الناس بل أمره أن يصرح لهم بأنه ليس عليهم بوكيل {وما أنا عليكم بوكيل} وقوله تعالى: {واتبع ما يوحى إليك} أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالتزام الحق باتباع ما يوحى من الأوامر والنواهي وعدم التفريط في شيء من ذلك، ولازم هذا وهو عدم اتباع ما لا يوحى إليه به ربه وقوله: {واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على اتباع الوحي والثبات على الدعوة وتحمل الأذى من المشركين إلى غاية أن يحكم الله فيهم وقد حكم فأمره بقتالهم فقتلهم في بدر وواصل قتالهم حتى دانوا لله بالإِسلام ولله الحمد والمنَّة، وقوله: {وهو خير الحاكمين} ثناء على الله تعالى بأنه خير من يحكم وأعدل من يقضي لكمال علمه وحكمته، وعظيم قدرته، وواسع رحمته.

.من هداية الآيات:

1- تقرير أن القرآن والرسول حق والإِسلام حق.
2- تقرير مبدأ أن المرء يشقى ويسعد بكسبه لا بكسب غيره.
3- وجوب اتباع الوحي الإِلهي الذي تضمنه القرآن والسنة الصحيحة.
4- فضيلة الصبر وانتظار الفرج من الله تعالى.

.سورة هود:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}

.شرح الكلمات:

{آلر}: هذا أحد الحروف المقطعة: يكتب آلر ويقرأ ألف، لام، را.
{احكمت}: أي نظمت نظماً متقناً ورصفت ترصيفاً لا خلل فيه.
{فصلت}: أي ببيان الأحكام، والقصص والمواعظ، وأنواع الهدايات.
{من لدن}: أي من عند حكيم خبير وهو الله جل جلاله.
{متاعاً حسناً}: أي بطيب العيش وسعة الرزق.
{إلى أجل مسمى}: أي موت الإِنسان بأجله الذي كتب له.
{ويؤت كل ذي فضل}: أي ويعط كل ذي عمل صالح فاضل جزاءه الفاضل.
{عذاب يوم كبير}: هو عذاب يوم القيامة.
{يثنون صدورهم}: أي يطأطئون رؤوسهم فوق صدورهم ليستتروا عن الله في زعمهم.
{يستغشون ثيابهم}: يغطون رؤوسهم ووجوههم حتى لا يراهم الله في نظرهم الباطل.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {آلر} هذا الحرف مما هو متشابه ويحسن تفويض معناه إلى الله فيقال: الله أعلم بمراده بذلك. إن أفاد فائدتين الأولى: أن القرآن الكريم الذي تحداهم الله بالإِتيان بمثله أو بسورة من مصله قد تألف من مثل هذه الحروف: آلم، آلر، طه، طس حم، ق، ن، فألفوا مثله فإن عجزتم فاعلموا أنه كتاب الله ووحيه وأن محمداً عبده ورسوله فآمنوا به، والثانية أنهم لما كانوا لا يريدون سماع القرآن بل أمروا باللغو عند قراءته، ومنوا الاستعلان به جاءت هذه الحروف على خلاف ما ألفوه في لغتهم واعتادوه في لهجاتهم العربية فاضطرتهم إلى سماعه فإذا سمعوا تأثروا به وآمنوا ولنعم الفائدة أفادتها هذه الحروف المقطعة.
وقوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته} أي المؤلف من هذه الحروف كتاب عظيم أحكمت آياته أي رصفت ترصيفاً ونظمت تنظيماً متقناً لا خلل فيها ولا في تركيبها ولا معانيها، وقوله: {ثم فصلت} أي بين ما تحمله من أحكام وشرائع، ومواعظ وعقائد وآدات وأخلاق بما لا نظير له في أي كتاب سبق، وقوله: {من لدن حكيم خبير} أي تولى تفصيلها حكيم خبير، حكيم في تدبيره وتصرفه، حكيم في شرعه وتربيته وحكمه وقضائه، خبير بأحوال عباده وشؤون خلقه، فلا يكون كتابه ولا أحكامه ولا تفصيله إلا المثل الأعلى في كل ذلك.
وقوله: {ألا تعبدوا إلا الله إنيي لكم منه نذير وبشير} أي أنزل الكتاب وأحكم أيَةُ وفصَّل أحكامه وأنواع هدايته بأن لا تعبدوا إلا الله إذ لا معبود حق إلا هو ولا عبادة تنفع إلا عبادته. وقوله: {إنيي كلم منه نذير وبشير} هذا قول رسوله المبلغ عنه يقول أيها الناس إني لكم منه أي من ربكم الحكيم العليم نذير بين يدي عذاب شديد إن لم تتوبوا فتؤمنوا وتوحدوا. وبشير أي أبشر من آمن ووحد وعمل صالحاً بالجنة في الآخرة {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى} أي وبأن تستغفروا ربكم باعترافكم بخطأكم بعبادة غيره، ثم تتوبوا إليه أي ترجعوا إليه بالإِيمان به وبرسوله ووعده ووعيده وطاعته في أمره ونهيه، ولكم جزاء على ذلك وهو أن يمتعكم في هذه الحياة متاعاً حسناً بالنعم الوفيرة والخيرات الكثيرة إلى نهاية آجالهم المسماة لكل واحد منكم.
وقوله: {ويؤت كل ذي فضل فضله} أي ويعط سبحانه وتعالى كل صاحب فضل في الدنيا من بر وصدقة وإحسان فضله تعالى يوم القيامة في دار الكرامة الجنة دار الأبرار. وقوله: {وإن تولوا} أي تعرضوا عن هذه الدعوة فتبقوا على شرككم وكفركم {فإنَّي أخاف عليكم عذاب يوم كبير} وهو عذاب يوم القيامة. وقوله تعالى: {إلى الله مرجعكم} يخبرهم تعالى بعد أن أنذرهم عذاب يوم القيامة بأن مرجعهم إليه تعالى لا محالة فسوف يخبرهم بعد موتهم ويجمعهم عنده ويجزيهم بعدله ورحمته {وهو على كل شيء قدير} ومن ذلك احياؤهم بعد موتهم ومجازاتهم السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثلها وهذا هو العدل والرحمة اللذان لا نظير لهما.
وقوله تعالى: {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه} هذا النوع من السلوك الشائن الغبي كان بعضهم يثني صدره أي يطأطئ رأسه ويميله على صدره حتى لا يراه الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يفعل ذلك ظناً منه أنه يخفي نفسه عن الله تعالى وهذا نهاية الجهل، وبعضهم يفعل ذلك بغضاً للرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يراه فرد تعالى هذا بقوله: {ألا حين يستغشون ثيابهم} أي يتغطون بها {يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور} فلا معنى لاستغشاء الثياب استتاراً بها عن الله تعالى فإن الله يعلم سرهم وجهرهم ويعلم ما تخفي صدورهم وإن كانوا يفعلون ذلك بغضاً للنبي صلى الله عليه وسلم، فبئس ما صنعوا وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم.

.من هداية الآيات:

1- مظهر من مظاهر إعجاز القرآن وهو أنه مؤلف من الحروف المقطعة ولم تستطع العرب الإِتيان بسورة مثله.
2- بيان العلة في إنزال الكتاب وأحكام آيِهِ وتفصيلها وهي أن يعبد الله تعالى وحده وأن يستغفره المشركون ثم يتوبون إليه ليكملوا ويسعدوا في الدنيا والآخرة.
3- وجوب التخلي عن الشرك أولا، ثم العبادة الخالصة ثانياً.
4- المعروف لا يضيع عند الله تعالى إذا كان صاحبه من أهل التوحيد {ويؤت كل ذي فضل فضله}.
5- بيان جهل المشركين الذين كانوا يستترون عن الله برؤوسهم وثيابهم.
6- مرجع الناس إلى ربهم شاءوا أم أبوا والجزاء عادل ولا يهلك على الله إلا هالك.

.تفسير الآيات (6- 8):

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)}

.شرح الكلمات:

{من دابّة}: أي حيّ يدبّ على الأرض أي يمشي من إنسان وحيوان.
{مستقرها}: أي مكان استقراها من الأرض.
{ومستودعها}: أي مكان استيداها قبل استقرارها كأصلاب الرجار وأرحام النساء.
{في كتاب مبين}: أي اللوح المحفوظ.
{في ستة أيام}: أي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة.
{وكان عرشه على الماء}: إذ لم يكن قد خلق شيئاً من المخلوقات سواه، والماء على الهواء.
{ليبلوكم}: أي ليختبركم ليرى أيكم أحسن عملاً.
{إلى أمة معدودة}: أي إلى طائفة من الزمن معدودة.
{وحاق بهم}: أي نزل وأحاط بهم.

.معنى الآيات:

لما أخبر تعالى في الآية السابقة انه عليم بذات الصدور ذكر في هذه مظاهر علمه وقدرته تقريراً لما تضمنته الآية السابقة فقال عز وجل: {وما من دابّة في الأرض} من إنسان يمشي على الأرض أو حيوان يمشي عليها زاحفاً أو يمشي على رجلين أو أكثر أو يطير في السماء إلا وقد تكفّل الله بزرقها أي بخلقه وإيجاده لها وبتعليمها كيف تطلبه وتحصل عليه، وهو تعالى يعلم كذلك مستقرها أي مكان استقرار تلك الدابة في الأرض، كما يعلم أيضاً مستودعها بعد موتها إلى تبعث ليوم القيامة.
وقوله تعالى: {كل في كتاب مبين} أي من الدبة ورزقها ومستقرها ومستودعها قد دوّن قبل خلقه في كتاب المقادير اللوح المحفوظ، وقوله تعالى في الآية (7): {وهو الذي خلق المسوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} أي أوجد السموات السبع والأرض وما فيها في ظرف ستة أيام وجائز أن تكون كأيام الدنيا، وجائز أن تكون كالأيام التي عنده وهي ألف سنة لقوله في سورة الحج {وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون} وقوله: {وكان عرشه على الماء} أي خلق العرش قبل خلق السموات والأرض، والعرش: سرير المُلك ومنه يتم تدبير كل شيء في هذه الحياة، وقوله: {على الماء} إذ لم يكن أرض ولا سماء فلم يكن إلا الماء كالهواء. وقوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} أي خلقكم وخلق كل شيء لأجلكم، ليختبركم أيكم أطوع له وأحسن عملا أي بإخلاصه لله تعالى وحده وبفعله على نحو ما شرعه الله وبيّنه رسوله.
هذه مظاهر علمه تعالى وقدرته وبها استوجب العبادة وحده دون سواه وبها عُلم أنه لا يخفى عليه من أمر عباده شيء فكيف يحاول الجهلة إخفاء ما في صدورهم وما تقوم به جوارحهم بثني صدورهم واستغشاء ثيابهم. ألا ساء ما يعملون.
وقوله تعالى: {ولئن قُلت}- أي أيها الرسول للمشركين- إنكم مبعوثون من بعد الموت، أي مخلوقون خلقاً جديداً ومبعوثون من قبوركم لمحاسبتكم ومجازاتكم بحسب أعمالكم في هذه الحياة الدنيا {ليقولن الذين كفروا} أي عند سماع أخبار الحياة الثانية وما فيها من نعيم مقيم، وعذاب مهين {إن هذا إلا سحر مبين} أي ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الكلام ما هو إلا سحر مبين يريد به صرف الناس عن ملذاتهم، وجمعهم حوله ليترأس عليهم ويخدموه، وهو كلام باطل وظن كاذب وهذا شأن الكافر، وقوله تعالى في الآية (8): {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة} أي ولئن أخرنا أي أرجأنا ما توعناهم به من عذاب ألى أوقات زمانية معدودة الساعات والأيام والشهور والأعوام {ليقولن ما يحبسه} أي شيء حبس العذاب يقولون هذا إنكارً منهم واستخفافاً قال تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم} أي ليس هناك من يصرفه ويفعه عنهم بحال من الأحوال، {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} أي ونزل بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون بقولهم: ما يحبسه!!؟

.من هداية الآيات:

1- سعة علم الله تعالى وتكفله بأرزاق مخلوقاته من إنسان وحيوان.
2- بيان خلق الأكوان، وعلة الخلق.
3- تقرير مبدأ البعث الآخر بعد تقرير الألوهية الله تعالى.
4- لا ينبغي الاغترار بإِمهال الله تعالى لأهل معصيته، فإِنه قد يأخذهم فجأة وهم لا يشعرون.

.تفسير الآيات (9- 11):

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)}

.شرح الكلمات:

{أذقنا الإِنسان}: أي أنلناه رحمة أي غنى وصحة.
{ثم نزعناها منه}: أي سلبناها منه.
{يؤوس كفور}: أي كثير اليأس أي القنوط شديد الكفر.
{نعماء بعد ضراء}: أي خيراً بعد شر.
{السيئات}: جمع سيئة وهي ما يسوء من المصائب.
{فرح فخور}: كثير الفرح والسرور والبطر.
{صبروا}: أي على الضراء والمكاره.
{مغفرة}: أي لذنوبهم.
{وأجر كبير}: أي الجنة دار الأبرار.

.معنى الآيات:

يخبر تعال أن الإِنسان الذي لم يستنر بنور الإِيمان ولم يتحل بصالح الأعمال إن أذاقه الله تعالى رحمة منه برخاء وسعة عيش وصحة بدن، ثم نزعها منه لأمر أراده الله تعالى {إنه} أي ذلك الإِنسان {ليؤوس} أي كثير اليأس والقنوط {كفور} لربه الذي أنعم عليه جحود لما كان قد أنعم به عليه.
وقوله: {ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء} أي أذقناه طعم نعمة ولذاذة رخاء وسعة عيش وصحة بدن بعد ضراء كانت قد أصابته من فقر ومرض {ليقولن} بدل أن يحمد الله ويشكره على إسعاده بعد شقاء وإغنائه بعد فقر وصحة بعد مرض يقول متبجحاً {ذهب السيئات عني إنه لفرح} أي كثير السرور {فخور} كثير الفخر والمباهاة، وهذا علته ظلمة النفس بسبب الكفر والمعاصي، أما الإِنسان المؤمن المطيع لله ورسوله فعلى العكس من ذلك إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر، وذلك لما في قلبه من نور الإِيمان وفي نفسه من زكاة الأعمال.
هذا ما تضمنه قوله تعالى: {إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة} أي لذنوبهم {وأجر كبير} عن ربهم وهو الجنة دار السلام.

.من هداية الآيات:

1- أن الإِنسان قبل أن يطهر بالإِيمان والعمل الصالح يكون في غاية الضعف والانحطاط النفسي.
2- ذم اليأس والقنوط ولحرمتهما.
3- ذم الفرح بالدنيا والفخر بها.
4- بيان كمال المؤمن الروحي المتمثل في الصبر والشكر وبيان جزائه بالمغفرة والجنة.