فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (106- 108):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)}

.شرح الكلمات:

{شهادة بينكم}: الشهادة: قول صادر عن علم حاصل بالبصر أو البصيرة، وبينكم: أي شهادة بعضكم على بعض.
{إن أنتم ضربتم في الأرض}: أي بأن كنتم مسافرين.
{من بعد الصلاة}: صلاة العصر.
{إن ارتبتم}: شككتم في سلامة قولهما وعدالته.
{فإن عثر}: أي وقف على خيانة منهما فيما عهد به إليهما حفظه.
{أدنى}: أقرب.
{على وجهها}: أي صحيحة كما هي لا نقص فيما ولا زيادة.
{الفاسقين}: الذين لم يلتزموا بطاعة الله ورسوله في الأمر والنهي.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في إرشاد المؤمنين وتعليمهم وهدايتهم إلى ما يكملهم ويسعدهم ففي هذه الآيات الثلاث (106)، (107)، (108) ينادى الله تعالى عباده المؤمنين فيقول: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذ حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} أي ليشهد اثنان {ذوا عدل منكم} أي من المسلمين على وصية أحدكم إذا حضرته الوفاة، أو ليشهد اثنان من غيركم أي من غير المسلمين {إن أنتم ضربتم في الأرض} أي كنتم مسافرين ولم يوجد مع من حضره الموت في السفر إلى كافر، فإن ارتبتم في صدق خبرهما وصحة شهادتهما فاحبسوهما أي أوقفوهما بعد صلاة العصر في المسجد ليحلفا لكم فيقسمان بالله فيقولان والله لا نشتري بأيماننا ثمناً قليلاً، ولو كان المقسم عليه أو المشهود عليه ذا قربى أي قرابة، {ولا نكتم شهادة الله إنا إذاً} أي إذا كتمنا شهادة الله {لمن الآثمين} {فإن عثر على أنهما استحقا إثماً} أي وإن وجد أن الذين حضرا الوصي وحلفا على صدقهما فيما وصاهما به من حضره الموت إن وجد عندهما خيانة أو كذب فيما حلفا عليه، {فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان} فيقسمان بالله قائلين والله: لشهادتنا أحق من شهادتهما أي لأيماننا أصدق وأصح من ايمانهما، {وما اعتدينا} أي عليهما باتهام باطل، إذ لو فعلنا ذلك لكنا من الظالمين، فإذا حلفا هذه اليمين استحقا ما حلفا عليه ورد إلى ورثة الميت وما كان قد أخفاه وجحده وشاهدا الوصية عند الموت، قال تعالى: {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها} أي أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة ادلة لا حيف فيها ولا جور وقوله: {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم}، أي وأقرب إلى أن يخافوا أن ترد أيمانهم فلا يكذبوا خوف الفضيحة، وقوله تعالى: {واتقوا الله} أي خافوه أيها المؤمنون فلا تخرجوا عن طاعته، {واسمعوا} ما تؤمرون به واستجيبوا لله فيه، فإن الله لا يهدي إلى سبيل الخير والكمال الفاسقين الخارجين عن طاعته، فاحذروا الفسق اجتنبوه.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية الوصية في الحضر والسفر معاً والحث عليها والترغيب فيها.
2- وجوب الإِشهاد على الوصية.
3- يجوز شهادة غير المسلم على الوصية إذا تعذر وجود مسلم.
4- استحباب الحلف بعد صلاة العصر تغليظاً في شأن اليمين.
5- مشروعية تحليف الشهود إذ ارتاب القاضي فيهم أو شك في صدقهم.

.تفسير الآيات (109- 111):

{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)}

.شرح الكلمات:

{يوم يجمع الله الرسل}: أي اذكر يوم يجمع الله الرسل وذلك ليوم القيامة.
{الغيوب}: جمع غيب: وهو ما غاب عن العيون فلا يدرك بالحواس.
{أيدتك}: قويتك ونصرتك.
{بروح القدس}: جبريل عليه السلام.
{المهد}: سرير الطفل الرضيع.
{الكهل}: من تجاوز سن الشباب أي ثلاثين سنة.
{الكتاب}: الخط والكتابة.
{والحكمة}: فهم أسرار الشرع، والإِصابة في الأمور كلها.
{تخلق كهيئة الطير}: أي توجد وتقدر هيئة كصور الطير.
{الأكمه والأبرص}: الأكه: من ولد أعمى، والأبرص: من به مرض البرص.
{تخرج الموتى}: أي أحياء من قبورهم.
{كففت}: أي منعت.
{الحواريون}: جمع حواري: وهو صادق الحب في السر والعلن.

.معنى الآيات:

يحذر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين من أهول البعث الآخر يوم يجمع الرسل عليهم السلام ويسألهم وهو أعلم بهم: {فيقول ماذا أجبتم} أطاعتكم أصمكم أم عصتكم؟ فيرتج عليهم ويذهلون ويفوضون الأمر إليه تعالى ويقولون: {لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب}، إذا كان هذا حال الرسل فكيف بمن دونهم من الناس ويخص عيسى عليه السلام من بين الرسل بالكلام في هذا الموقف العظيم، لأن أمتين كبيرتين غوت فيه وضلت اليهود ادعوا أنه ساحر وابن زنى، والنصارى ادعوا أنه الله وابن الله، فخاطبه الله تعالى وهم يسمعون: {يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} فأنت عبدي ورسولي وأمك أمتي، وذكر له أنواع نعمه عليه فقال: {إذ أيدتك بروح القدس}، جبريل عليه السلام {تكلم الناس في المهد} وأنت طفل. إذ قال وهو في مهده {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام علي يوم ولدت أموت ويوم أبعث حياً} وقوله: {وكهلاً} أي وتكلمهم وأنت كهل أيضاً وفيه بشرى لمريم أن ولدها يكبر ولا يموت صغيراً وقد كلم الناس وهو شاب وسيعود إلى الأرض ويكلم الناس وهو كهل ويعدد نعمه عليه فيقول: {وإذ علمتك الكتاب والحكمة}، فكنت تكتب الخط وتقول وتعمل بالحكمة، وعلمتك التوراة كتاب موسى عليه السلام والإِنجيل الذي أوحاه إليه {وإذا تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني} فيكون طيراً بإذني أي اذكر لما طالبك بنو إسرائيل بآية على نبوتك فقالوا لك اخلق لنا طيراً فأخذت طيناً وجعلته على صورة طائر وذلك بإذني لك ونفخت فيه بإذني فكان طائراً، واذكر أيضاً {إذ تبرئ الأكمة} وهو الأعمى الذي لا عينين له، {والأبرص بإذني} أي بعوني لك وإقداري لك على ذلك {وإذ تخرج الموتى} من قبورهم أحياء فقد أحياء عليه السلام عدداً من الأموات بإذن الله تعالى ثم قال بنو إسرائيل أحيي لنا سام بن نوح فوقف على قبره وناداه فقام حياً من قبره وهم ينظرون، واذكر {إذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات} فكذبوك وهموا بقتلك وصلبك، {فقال الذين كفروا منه إن هذا إلا سحر مبين}، واذكر {إذ أوحيت إلى الحواريين} على لسانك {أن آمنوا بي وبرسولي} أي بك يا عيسى {قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} أي منقادون مطيعون لما تأمرنا به من طاعة ربنا وطاعتك.

.من هداية الآيات:

1- شدة هول يوم القيامة وصعوة الموقف حتى إن الرسل ليذهلون.
2- وجوب الاستعداد لذلك اليوم بتقوى الله تعالى.
3- توبيخ اليهود والنصارى بتفريط اليهود في عيسى وغلو النصارى فيه.
4- بيان إكرام الله تعالى لعيسى وما حباه به من الفضل والإِنعام.
5- ثبوت معجزات عيسى عليه السلام وتقريرها.

.تفسير الآيات (112- 115):

{إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)}

.شرح الكلمات:

{هل يستطيع}: هل يطيع ويرضى.
{مائدة من السماء}: المائدة: الخوان وما يوضع عليه أو الطعام والمراد بها هنا الطعام.
{وتطمئن قلوبنا}: أي تسكن بزيادة اليقين فيها.
{ونكون عليها من الشاهدين}: أي نشهد أنها نزلت من السماء.
{عيداً}: أي يوماً يعود علينا كل عام نذكر الله تعالى فيه ونشكره.
{وآية منك}: علامة منك على قدرتك ورحمتك، ونبوة نبيك.
{فمن يكفر بعد منكم}: فمن يكفر بعد نزول المائدة منكم أيها السائلون للمائدة.
{أحداً من العالمين}: أي من الناس أجمعين.

.معنى الآيات:

يقول تعالى لعبده ورسوله عيسى واذكر {إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون}، {إذ قال الحواريون}: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} ولما كان قولهم هذا دالاً على شك في نفوسهم وعدم يقين في قدرة ربهم قال لهم عيسى عليه السلام {اتقوا الله إن كنتم مؤمنين} فلا تقولوا مثل هذا القول. فاعتذروا عن قيلهم الباطل {وقالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} أنها نزلت من السماء بسؤالك ربك ذلك وهنا قال عيسى عليه السلام داعياً ربه ضارعاً إليه {اللهم} أي يا الله {بنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا} أي للموجودين الآن منا {وآخرنا} أي ولمن يأتون بعدنا، {وآية منك}، أي وتكون آية منك طأي علامة على وحدانيتك وعظيم قدرتك، وعلى صدقي في إرسالك لي رسولاً إلى بني إسرائيل، {وارزقنا} وأدم علينا رزقك وفضلك {وأنت خير الرازقين}، فأجابه تعالى قائلا: {إني منزلها عليكم}، وحقاً قد أنزلها، {فمن يكفر بعد منكم} يا بني إسرائيل السائلين المائدة بأن ينكر توحيدي أو رسال رسولي، أو عظيم قدرتي {فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين}، ولذا مسخ من كفروا منهم قردة وخنازير.

.من هداية الآيات:

1- جفاء اليهود وغطرستهم وسوء أدبهم مع أنبيائهم إذ قالوا لموسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون} وقالوا لعيسى {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء}.
2- في قول عيسى لهم {اتقوا الله} دال على أنهم قالوا الباطل كما أن قولهم {ونعلم أن قد صدقتنا} دال على شكهم وارتيابهم.
3- مشروعية الأعياد الدينية لعبادة الله بالصلاة والذكر شكراً لله تعالى وفي الإِسلام عيدان: الأضحى الفطر.
4- من أشد الناس عذاباً يوم القيامة آل فرعون والمنافقون ومن كفر من أهل المائدة.

.تفسير الآيات (116- 120):

{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}

.شرح الكلمات:

{إلهين}: معبودين يعبدان من دوني.
{سبحانك}: تنزيهاً لك وتقديساً.
{ما يكون لي}: ما ينبغي لي ولا يتأتي لي ذلك.
{شهيداً}: رقيباً.
{الرقيب}: الحفيظ.
{إن تعذبهم}: أي بنارك فإنهم عبادك تفعل بهم ما تشاء.
{وإن تغفر لهم}: أي تستر عليه وترحهم بأن تدخلهم جنتك.
{العزيز الحكيم}: العزيز: الغالب الذي لا يحال بينه وبين مراده، الحكيم، الذي يضع كل شيء في موضعه فيدخل المشرك النار، والموحد الجنة.
{الصادقين}: جمع صادق: وهو من صدق ربه في عبادته وحده.
{ورضوا عنه}: لأنه أثابهم بأعمالهم جنات تجري من تحتها الأنهار.
{على كل شيء قدير}: أي على فعل أي شيء تعلقت به إرادته وأراد فعله فإنه يفعله ولا يعجزه بحال من الأحوال.

.معنى الآيات:

يقول الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم واذكر لقومك {إذ قال الله} تعالى يوم يجمع الرسل ويسألهم ماذا أجبتم، ويسأل عيسى بمفرده توبيخاً للنصارى على شركهم {يا عيسى بن مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين} أي معبودين يقرره بذلك فينفي عيسى ذلك على الفور ويقول منزهاً ربه تعالى مقدساً {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق}، ويؤكد تفصيه مما وجه إليه توبيخاً لقومه: {إن كنت قلته فقد علمته} يا ربي، إنك {تعلم ما في نفسي} فكيف بقولي وعملي، وأنا {لا ألعم ما في نفسك} إلا أن تعلمني. شيئاًً، لأنك {أنت علام الغيوب} ما {قلت لهم إلا ما أمرتني به} أن أقوله لهم وهو {اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً} أي رقيباً {فلما توفيتني} برفعي إليك {كنت أنت الرقيب عليهم} ترقب أعمالهم وتحفظها لهم لتجزيهم بها. {وأنت على كل شيء شهيد} رقيب وحفيظ. {إن تعذبهم} أي من مات على الشرك بأن تصليه نارك فأنت على ذلك قدير، {وإن تغفر لهم} أي لمن مات على التوحيد فتدخله جنتك فإنه لذلك أهل فإنك أنت العزيز الغالب على أمره الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه فلا ينعم من أشرك به ولا يعذب من أطاعه ووحده. فأجابه الرب تبارك وتعالى قائلا: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم}: صدقوا الله تعالى في إيمانهم به فعبدوه وحده لا شريك له ولم يشركوا سواه. ونفعه لهم أن أُدْخِلُوا به جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها لا يخرجون منها أبداً، مع رضى الله تعالى ورضاهم عنه بما أنعم به عليهم من نعيم لا يفنى ولا يبيد، {ذلك الفوز العظيم} إنّه النّجاة من النار ودخول الجنات. وفي الآية الأخيرة (120) يخبر تعالى أنه ل {ملك السموات والأرض وما فيهن} من سائر المخلوقات والكائنات خلقاً وملكاً وتصرفاً يفعل فيها ما يشاء فيرحم ويعذب {وهو على كل شيء قدير} لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.

.من هداية الآيات:

1- توبيخ النصارى في عرصات القيامة على تأليه عيسى ووالدته عليهما السلام.
2- براءة عيسى عليه السلام مِنْ مشركي النصارى وأهل الكتاب.
3- تعذيب المشركين وتنعيم الموحدين قائم على مبدأ الحكمة الإِلهية.
4- فضيلة الصدق وأنه نافع في الدنيا والآخرة، وفي الحديث: «عليكم بالصدق فإنه يدعو إلى البر وأن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً».
5- سؤال غير الله شيئاً ضرب من الباطل والشرك، لأن غير الله لا يملك شيئاً، ومن لا يملك كيف يعطي ومن أين يعطي؟

.سورة الأنعام:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}

.شرح الكلمات:

{الحمد}: الثناء باللسان على المحمود بصفات الجمال والجلال.
{خلق}: أنشأ وأوجد.
{يعدلون}: يسوون به غيره فيعبدونه معه.
{الأجل}: الوقت المحدد لعمل ما من الأعمال يتم فيه أو ينتهي فيه، والأجل الأولى أجل كل إنسان، والثاني أحل الدنيا.
{تمترون}: تشكُّون في البعث الآخرة والجزاء: كما تشكون في وجوب توحيده بعبادته وحده دون غيره.
{وهو الله في السموات}: أي معبود في السموات وفي الأرض.
{ما تكسبون}: أي من خير وشر، وصلاح فساد.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى بأنه المستحق للحمد كله وهو الوصف بالجلال والجمال والثناء بهما عليه وضمن ذلك يأمر عباده أن يحمدوه كأنهما قال قولوا الحمد لله، ثم ذكر تعالى موجبات حمده دون غيره فقال: {الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور}، فالذي أوجد السموات والأرض وما فيهما وما بينهما من سائر المخلوقات وجعل الظلمات والنور وهما من أقوى عناصر الحياة هو المستحق للحمد والثناء لا غيره ومع هذا فالذين كفروا من الناس يعدلون به أصناماً وأوثاناً ومخلوقات فيعبدونها معه يا للعجب!!.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (1) أما الآية الثانية (2) فإنه تعالى يخاطب المشركين موبخاً لهم على جهلهم مندداً بباطلهم فيقول: {هو الذي خلقكم من طين} لأن آدم أباهم خلقه من طين ثم تناسلوا منه فباعتبار أصلهم هم مخلوقون من طين ثم الغذاء الذي هو عنصر حياتهم من طين، ثم قضى لكلٍ أجلاً وهو عمره المحدد له وقضى أجل الحكاية كلها الذي تنتهي فيه وهو مسمى عنده معروف له لا يعرفه غيره ولا يطلع عليه سواه ولحكم عالية أخفاه، ثم أنتم أيها المشركون الجهلة تشكُّون في وجوب توحيده، وقدرته على إحيائكم بعد موتكم لحسابكم ومجازاتكم على كسبكم خيره وشره، حسنه وسيئه، وفي الآية الثالثة (3) يخبر تعالى أنه هو الله المعبود بحق في السموات وفي الأرض لا إله غيره ولا رب سواه {يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} من خير وشر فهو تعالى فوق عرشه بائن من خلقه ويعلم سر عباده وجهرهم ويعلم أعمالهم وما يكتسبون بجوارحهم يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لذا وجبت الرغبة فيما عنده من خير، والرهبة مما لديه من عذاب، ويحصل ذلك لهم بالإِنابة إليه وعبادته والتوكل عليه.

.من هداية الآيات:

1- وجوب حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله.
2- لا يصح حمد أحد بدون ما يوجد لديه من صفات الكمال ما يحمد عليه.
3- التعجب من حال من يسوون المخلوقات بالخالق عز وجل في العبادة.
4- التعجب من حال من يرى عجائب صنع الله ومظاهر قدرته ثم ينكر البعث والحياة الآخرة.
5- صفة العلم لله تعالى وأنه تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم السر وأخفى.

.تفسير الآيات (4- 6):

{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)}

.شرح الكلمات:

{من آية}: المراد بالآية هنا آيات القرآن الكريم الدالة على توحيد الله تعالى والإِيمان برسوله ولقائه يوم القيامة.
{معرضين}: غير ملتفتين إليها ولا مفكرين فيها.
{الحق}: الحق هنا هو النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الدين الحق.
{أنباء}: أخبار ما كانوا به يستهزئون وهو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.
{من قرن}: أي أهل قرن من الأمم السابقة، والقرن مائة سنة.
{مكنا لهم في الأرض}: أعطيناهم من القوة المادية ما لم نعط هؤلاء المشركين.
{مدراراً}: مطراً متواصلاً غزيراً.
{بذنوبهم}: أي بسبب ذنوبهم وهي معصية الله ورسله.
{وأنشأنا}: خلقنا بعد إهلاك الأولين أهل قرن آخرين.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن أولئك الذين يعدلون بربهم غيره من مخلوقاته فيقول تعالى عنهم: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم التي يوحيها إلى رسوله ويضمها كتابه القرآن الكريم، إلا قابلوها بالإِعراض التام، وعدم الالتفات إلى ما تحمله من هدى ونور، وسبب ذلك أنهم قد كذبوا بالحق لما جاءهم وهو الرسول وما معه من الهدى، وبناء على ذلك {فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستزئون} وقد استهزأوا بالوعيد وسينزل بهم العذاب الذي كذبوا به واستهزأوا، وأول عذاب نزل بهم هزيمتهم يوم بدر، ثم القحط سبع سنين، ومن مات منهم على الشرك فسوف يعذب في نار جهنم أبداً، ويقال لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تستهزئون وقوله تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن} أي كثيراً من أهل القرون الماضية مكن الله تعالى لهم في الأرض من الدولة والسلطان والمال والرجال ما لم يمكن لهؤلاء المشركين من كفار قريش، وأرسل على أولئك الذين مكن لهم السماء مدراراً بغزير المطر وجعل لهم في أرضهم الأنهار تجري من تحت أشجارهم وقصورهم، فلما أنكروا توحيدي وكذبا رسولي، وعصوا أمري {فأهلكناهم بذنوبهم}، لا ظلماً منا ولكن بظلمهم هم لأنفسهم، وأوجدنا بعدهم قوماً آخرين، وكان ذلك علينا يسيراً.

.من هداية الآيات:

1- التكذيب بالحق هو سبب الإِعراض عنه فلو آمنوا به لأقبلوا عليه.
2- الاستهزاء والسخرية بالدين من موجبات العذاب وقرب وقوعه.
3- العبرة بهلاك الماضين، ومصارع الظالمين.
4- هلاك الأمم كان بسبب ذنوبهم، فما من مصيبة إلا بذنب.