فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (114- 117):

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}
{أبتغي}: أطلب.
{حكماً}: الحكم الحاكم ومن يتحاكم إليه الناس.
{أنزل إليكم الكتاب}: أي أنزله لأجلكم لتهتدوا به فتكْمُلُوا عليه وتسعدوا.
{مفصلاً}: مبيناً لا خفاء فيه ولا غموض.
{والذين آتيناهم الكتاب}: أي علماء اليهود والنصارى.
{الممترين}: الشاكين، إذ الامتراء الشك.
{صدقاً وعدلاً}: صدقاً في الأخبار فكل ما أخبر به القرآن هو صدق، وعدلاً في الأحكام فليس في القرآن حكم جور وظلم أبداً بل كل أحكامه عادلة.
{لا مبدل لكلماته}: أي لا مغير لها لا بالزيادة والنقصان، ولا بالتقديم والتأخير.
{السميع العليم}: السميع لأقوال العباد العليم بأعمالهم ونياتهم وسيجزيهم بذلك.
{سبيل الله}: الإِسلام إذ هو المفضي بالمسلم إلى رضوان الله تعالى والكرامة في جواره.
{يخرصون}: يكذبون الكذب الناتج عن الحزر والتخمين.
{من يضل}: بمن يضل.
{بالمهتدين}: في سيرهم إلى رضوان الله باتباع الإِسلام الذي هو سبيل الله.

.معنى الآيات:

ما زال السياق مع العادلين بربهم الأصنام والأوثان لقد كان المراد في طلبهم الآية الحكم بها على صحة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه نبي الله وأن القرآن كلام الله وأنه لا إله الله، ولم يكن هذا منهم إلا من قبيل ما توسوس به الشياطين لهم وتزينه لهم تغريراً بهم وليواصلوا ذنوبهم فلا يؤمنون ولا يتوبون، ومن هنا أنزل تعالى قوله: {أفغير الله أبتغي حكماً} وهو تعليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوله للمشركين أأميل إلى باطلكم وأقتنع به فغير الله أطلب حكماً بيني وبينكم في دعواكم أني غير رسول الله وأن ما جئت به ليس وحياً من الله؟ ينكر صلى الله عليه وسلم تحكيم غير ربه تعالى وعلى ماذا يكون الحكم والله هو الذي أنزل إليهم الكتاب مفصلاً فأي آية تغلب القرآن وهو آلاف الآيات هذا أولاً وثانياً أهل الكتاب من قبلهم وهم علماء اليهود والنصارى مقرون ومعترفون بأن ما ينفيه المشركون حق لا مرية فيه إذاً فامض أيها الرسول في طريق دعوتك ولا تكونن من الممترين فإنك عما قريب تظهر على المشركين، لقد تمت كلمة ربك أي في هذا القرآن الذي أوحي إليك صدقاً في كل ما تحمله من أخبار ومن ذلك نصرك وهزيمة أعدائك، وعدلاً في أحكامها التي تحملها، ولا يستطيع أحد تبديلها بتغيير لها بإخلاف وعدٍ ولا بإبطال حكم، وربك هو السميع لأقوال عباده العليم بمقاصدهم وأفعالهم فما أقدره وأضعفهم فلذا لن يكون إلا مراده ويبطل جميع إراداتهم. واعلم يا رسولنا أنك {إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} أي لو أنك تسمعلهم وتأخذ بآرائهم وتستجيب لاقتراحاتهم لأضلوك قطعاً عن سبيل الله، والعلة أن أكثرهم لا بصيرة له ولا علم حق لديه وكل ما يقولونه هو هوى نفس، وَوسواس شيطان.
إنهم ما يتبعون إلا أقوال الظن وما هم فيما يقولون إلا خارصون كاذبون. وحسبك علم ربك بهم فإنه تعالى هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين.

.من هداية الآيات:

1- حرمة وبطلان التحاكم إلى غير الوحي الإِلهي.
2- تقرير صحة الدعوة الإِسلامية بأمرين الأول: القرآن الكريم، الثاني: شهادة أهل الكتاب ممن أسلموا كعبد الله بن سلام القرظي وأصحمة النجاشي وغيرهم.
3- ميزة القرآن الكريم: أن أخباره كلها صدق وأحكامه كلها عدل.
4- وعود الله تعالى لا تتخلف أبداً، ولا تتبدل بتقديم ولا تأخير.
5- اتباع أكثر الناس يؤدي إلى الضلال فلذا لا يتبع إلا أهل العلم الراسخون فيه لقوله تعالى: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون.}

.تفسير الآيات (118- 121):

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

.شرح الكلمات:

{مما ذكر اسم الله عليه}: أي قيل عند ذبحه أو نحره بسم الله والله أكبر.
{فصل لكم ما حرم عليكم}: أيبين لكم ما حرم عليكم مما أحل لكم وذلك في سورة النحل.
{إلا ما ضطررتم إليه}: أي ألجأتكم الضرورة وهي خوف الضرر من الجوع.
{المعتدين}: المتجاوزين الحلال إلى الحرام، والحق والحق إلى الباطل.
{ذروا ظاهر الإِثم}: اتركوا: الإِثم الظاهر والباطن وهو كل ضار فاسد قبيح.
{يقترفون}: يكسبون الآثام والذنوب.
{وإنه لفسق}: أي الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه. فسق عن طاعة الله تعالى.
{إلى أوليائهم ليجادلوكم}: أي من الإِنس ليخاصموكم في ترك الأكل من الميتة.
{لمشركون}: حيث أحلوا لكم ما حرم عليكم فاعتقدتم حله فكنتم بذلك عابديهم وعبادة غير الله تعالى شرك.

.معنى الآيات:

مما أوحى به شياطين الجن إلى إخوانهم من شياطين الإِنس أن قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. كيف تأكلون ما تقتلونه أنتم وتمتنعون عن أكل ما يقتله الله؟ فأنزل الله تعالى قوله: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين}. فأمر المؤمنين بعدم الاستجابة لما يقوله المشركون، وقال: {وَمالكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} أي: أي شيء يمنعكم من الأكل مما ذكر اسم الله عليه؟ {وقد فصل لكم} أي بين لكم غاية التبيين {ما حرمه عليكم} من المطاعم {إلا ما ضطررتم إليه} أي ألجأتكم الضرورة إليه كمن خاف على نفسه الهلاك من شدة الجوع فإنه يأكل مما حرم في حال الإِختيار. ثم أعلمهم أن كثيراً من الناس يضلون غيرهم بأهوائهم بغير علم فيحلون ويحرمون بدون علم وهم في ذلك ظلمة معتدون لأن التحريم والتحليل من حق الرب تعالى لا من حق أي أحد من الناس وتوعدهم بما دل عليه قوله: {إن ربك هو أعلم بالمعتدين} ولازمة أنه سيجازيهم باعتدائهم وظلمهم بما يستحقون من العذاب على اعتدائهم على حق الله تعالى في التشريع بالتحليل والتحريم. وقوله تعالى في الآية الثالثة: (120): {وذروا ظاهر الإِثم وباطنه} يأمر تعالى عباده بترك ظاهر الإِثم كالزنى العلني وسائر المعاصي، وباطن الإِثم كالزنى السري وسائر الذنوب الخفية وهو شامل لأعمال القلوب وهي باطنة وأعمال الجوارح وهي ظاهرة، لأن الإِثم كل ضار فاسد قبيح كالشرك، والزنى وغيرهما من سائر المحرمات.
ثم توعد الذين لا يمتثلون أمره تعالى بترك ظاهر الإِثم وباطنه بقوله: {إن الذين يكسبون الإِثم بما كانوا يقترفون} أي سيجزيهم يوم القيامة بما اكتسبوه من الذنوب والآثام ولا ينجو إلا من تاب منهم وصحت توبته وفي الآية الأخيرة في هذا السياق (121) يقول تعالى ناهياً عباده عن الأكل مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه من ذبائح المشركين والمجوس فقال: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} وأخبر أن الأكل مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه وهو ذبائح المشركين والمجوس فسق خروج عن طاعة الرب تعالى وهو مقتّضٍ للكفر لما فيه من الرضا بذكر اسم الآلهة التي تعبد من دون الله تعالى، ثم أخبرهم تعالى بأن الشياطين وهم المردة من الجن يوحون إلى الأخباث من الإِنسان من أوليائهم الذي استجابوا لهم في عبادة الأوثان يوحون إليهم بمثل قولهم: كيف تحرمون ما قتل الله تحلون ما قتلتم أنتم؟ ليجادلوكم بذلك، ويحذر تعالى المؤمنين من طاعتهم وقبول وسواسهم فيقول {وإن أطعتموهم} فأكلتم ذبائحهم أو تركتم أكل ما ذبحتم أنتم وقد ذكرتم عليه اسم الله، {إنكم لمشركون} لأنكم استجبتم لما تأمر به الشياطين تاركين ما يأمر به رب العالمين.

.من هداية الآيات:

1- حِلُّ الأكل من ذبائح المسلمين.
2- وجوب ذكر اسم الله على بهيمة الأنعام عند تذكيتها.
3- حرمة اتباع الأهواء ووجوب اتباع العلماء.
4- وجوب ترك الإِثم ظاهراً كان أو باطناً وسواء كان من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح.
5- حرمة الأكل من ذبائح المشركين والمجوس والملاحدة البلاشفة الشيوعيين.
6- اعتقاد حل طاعة الشياطين شرك والعياذ بالله تعالى.

.تفسير الآيات (122- 124):

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}

.شرح الكلمات:

{ميتاً}: الميت فاقد الروح، والمراد روح الإِيمان.
{أحييناه}: جعلناه حياً بروح الإِيمان.
{مثله}: صفته ونعته امرؤ في الظلمات ليس بخارج منها.
{قرية}: مدينة كبيرة.
{ليمكروا فيها}: يفعل المنكرات والدعوة إلى ارتكابها بأسلوب الخديعة والاحتيال.
{وما يمكرون إلا بأنفسهم}: لأن عاقبة المكر تعود على الماكز نفسه لآية: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}.
{وإذا جاءتهم آية}: أي من القرآن الكريم تدعوهم إلى الحق.
{صغار}: الصغار: الذل والهوان.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في حرب العادلين بربهم الأصنام الذين يزين لهم الشيطان تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم فقال تعالى: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس} أي أطاعة هذا العبد الذي كان ميتاً بالشرك والكفر فأحييناه بالإِيمان والتوحيد وهو عمر بن الخطاب أو عمار بن ياسر كطاعة من مثله رجل في الظلمات ظلمات الشرك والكفر والمعاصي ليس بخارج من تلك الظلمات وهو أبو جهل والجواب لا، إذاً كيف أطاع المشركون أبا جهل وعوا عمر رضي الله عنه والجواب: أن الكافرين لظلمة نفوسهم واتباع أهوائهم لا عقول لهم زُين لهم عملهم الباطل حسب سنة الله تعالى في أن من أحب شيئاً وغالى في حبه على غير هدى ولا بصيرة يصبح في نظره زيْناً وهو شيْن وحسناً وهو قبيح، فلذا قال تعالى: {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها} فيهلكوا أيضا. قوله: {وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون} هو كما قال: قوله الحق وله الملك، فالماكر من أكابر المجرمين حيث أفسدوا عقائد الناس وأخلاقهم وصرفهم عن الهدى بزخرف القول والاتيال والخداع، هم في الواقع يمكرون بأنفسهم إذ سوف تحل بهم العقوبة في الدنيا وفي الآخرة، إذ لا يحيق المكر السيء إلا بأهله ولكنهم لا يشعرون أي لا يدرون ولا يعلمون أنهم يمكرون بأنفسهم، وقوله تعالى في الآية الثالثة (124): {وإذا جاءتهم آية..} أي حجة عقلية مما تحمله آيات القرآن تدعوهم إلى تصديق الرسول والإِيمان بما جاء به ويدعو إليه من التوحيد بدل أن يؤمنوا {قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} أي من المعجزات كعصا موسى وطير عيسى الذي نفخ فيه فكان طائراً بإذن الله فرد الله عليهم هذا العلو والتكبر قائلاً: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} فإنه يجعلها في القلوب المشرقة والنفوس الزكية، لا في القلوب المظلمة والنفوس الخبيثة، وقوله تعالى: {سيصيب الذين أجرموا} على أنفسهم بالشرك والمعاصي وعلى غيرهم حيث أفسدا قلوبهم وعقولهم، {صغار}: أي ذل وهوان {عند الله} يوم يلقونه {وعذاب شديد} قاس لا يطاق {بما كانوا يمكرون}: أي بالناس بتضليلهم وإفساد قلوبهم وعقولهم بالشرك والمعصي التي كانوا يجرئونهم عليها ويغرونهم بها.

.من هداية الآيات:

1- الإِيمان حياة، والكفر موت، المؤمن يعيش في نور والكافر في ظلمات.
2- بيان سنة الله تعالى في تزيين الأعمال القبيحة.
3- قل ما تخلو مدينة من مجرمين يمكرون فيها.
4- عاقبة المكر عائدة على الماكر نفسه.
5- بيان تعنت المشركين في مكة على عهد نزول القرآن.
6- الرسالة توهب لا تكتسب.
7- بيان عقوبة أهل الإِجرام في الأرض.

.تفسير الآيات (125- 128):

{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}

.شرح الكلمات:

{شرح صدره}: شرح الصدر توسعته لقبول الحق وتحمل الوارد عليه من أنوار الإِيمان وعلامة ذلك، الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله.
{حرجاً}: ضيقاً لا يتسع لقبول الحق، ولا لنور الإِيمان.
{كأنما يصعد}: يصعب عليه قبول الإِيمان حتى كأنه يتكلف الصعود إلى السماء.
{الرجس}: النَّجس ومالا خير فيه كالشيطان.
{فصلنا الآيات}: بيناها وأوضحناها غاية البيان والتوضيح.
{يذكرون}: يذكرون فيتعظون.
{دار السلام}: الجنة، والسلام اسم من أسماء الله تعالى فهي مضافة إلى الله تعالى.
{استكثرتم}: أي من إضلال الإِنس وإغوائهم.
{استمتع بعضنا ببعض}: انتفع كل منَّا بصاحبه أي تبادلنا المنافع بيننا حتى الموت.
{أجلنا الذي أجلت لنا}: أي الوقت الذي وقت لنا وهو أجل موتنا فمتنا.
{مثواكم}: مأواكم ومَقر بقائكم وإقامتكم.
{حكيم عليم}: حكيم في وضع كل شيء في موضعه فلا يخلد أهل الإِيمان في النار، ولا يخرج أهل الكفر منها، عليهم بأهل الإِيمان وأهل الكفران.

.معنى الآيات:

بعدذلك البيان والتفصيل لطريق لهداية في الآيات من أول السورة إلى قوله تعالى حكاية عن المدعوين إلى الحق العادلين به الأصنام إذ قالوا: {لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله} أعلم تعالى عباده أن الهداية بيده وأن الإِضلال كذلك يهدي من يشاء برحمته ويضل من يشاء بعدله، وأن لكل من الهداية والإِضلال سنناً تتبع في ذلك فمن طلب الهداية ورغب فيها صادقاً علم تعالى منه وسهل له طرقها وهيأ له أسبابها، ومن ذلك أنه يشرح صدره لقبول الإِيمان وأنواره فيؤمن ويسلم ويحسن فيكمل ويسعد، ومن طلب الغواية ورغب فيها صادقاً علم الله تعالى ذلك منه فهيأ له أسبابها وفتح له بابها فجعل صدره ضيقا حرجاً لا يتسع لقبول الإِيمان وحلول أنواره فيه حتى لكأنه يتكلف الصعود إلى السماء وما هو بقادر هذه سنته في الهداية والإِضلال، وقوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} أي كذلك الفعل في الهداية والإِضلال يجعل الله الرجس أي يلقي بكل ما لا خير فيه على قلوبهم من الكبر والحسد والشرك والكفر والشيطان لقبول المحل لكل ذلك نتيجة خلوه من الإِيمان بالله ولقائه.
وقوله تعالى: {وهذا صراط ربك مستقيماً} يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى ما بيّنه من الهدى وهذا طريق ربك مستقيماً فاسلكه والزمه فإنه يفضي بك إلى كرامة ربك وجواره في جنات النعيم. وقوله: {قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} يمتن تعالى وله الحمد والمنة بما أنعم به على هذه الأمة من تفصيل الآيات حججاً وبراهين وشرائع ليهتدي طالبوا الهدى المشار إليهم بقوله: {لقوم يذكرون} فيذكرون فيؤمنون ويعملون فيكملون ويسعدون في دار السلام إذ قال تعالى: {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم} أي متوليهم بالنصر والتأييد في الدنيا والإِنعام والتكريم في الآخرة {بما كانوا يعملون} من الصالحات.
هذا ما دلت عليه الآيات الأولى والثانية والثالثة أما الآية الرابعة (128) فقد تضمنت عرضاً سريعاً ليوم القيامة الذي هو ظرف للجزاء على العمل في دار الدنيا فقال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعاً} إنسهم وجنهم ويقول سبحانه وتعالى: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإِنس} أي في إغوائهم وإضلالهم، {وقال أولياؤهم من الإِنس} أي الذين كانوا يوالونهم على الفساد والشر والشرك والكفر {ربنا} أي يا ربنا {استمتع بعضنا ببعض} أي كل منا تمتع بخدمة الآخر له وانتفع بها، يريدون أن الشياطين زينت لهم الشهوات وحسنت لهم القبائح وأغرتهم بالمفاسد فهذا انتفاعهم منهم وأما الجن فقد انتفعوا من الإِنس بطاعتهم والاستجابة لهم حيث خبثوا خبثهم وضلا ضلالهم. وقولهم {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} أي واستمر ذلك منا إلى أن انتهينا إلى أجلنا الذي أجلته لنا وهو نهاية الحياة الدنيا وها نحن بين يديك، كأنهم يعتذرون بقولهم هذا فرد الله تبارك وتعالى عليهم بإصدار حكمه فيهم قائلا: {الناس مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله} ومعنى مثواكم: مقامكم الذي تقيمون فيه أبداً.
ومعنى قوله: {إلا ما شاء الله} هو استثناء لبيان إرادة الله الطلقة التي لا يقيدها شيء، إذ لو شاء أن يخرجهم من النار لأخرجهم أي ليس هو بعاجز عن ذلك، ومن الجائز أن يكون هذا الاستثناء المراد به من كان منهم من أهل التوحيد ودخل النار بالفسق والفجور وكبير الذنوب بإغواء الشياطين له فإنه يخرج من النار بإيمانه، ويكون معنى (ما) (من) أي إلا من شاء الله. والله أعلم بمراده، وقوله في ختام الآية، {إن ربك حكيم عليم}، ومن مظاهر حكمته وعلمه إدخال أهل الكفر والمعاصي النار أجمعين الإِنس والجن سواء.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في الهداية والإِضلال.
2- بيان صعوبة وشدة ما يعاني الكافر إذا عرض عليه الإِيمان.
3- القلوب الكافر يلقى فيها كل ما لا يخر فيه من الشهوات والشبهات وتكون مقراً للشيطان.
4- فضيلة الذكر المنتج للتذكر الذي هو الإِتعاظ فالعمل.
5- ثبوت التعاون بين أخباث الإِنس والجن على الشر والفساد.
6- إرادة الله مطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلا يؤثر فيها شيء.

.تفسير الآيات (129- 132):

{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}

.شرح الكلمات:

{بعضاً}: أي نجعل بعضهم أولياء بعض بجامع كسبهم الشر والفساد.
{بما كانوا يكسبون}: أي من الظلم والشر والفساد.
{ألم يأتكم رسل منكم}: الإِستفهام للتوبيخ والرسل جمع رسول من أوحى الله تعالى إليه شرعه وأمره بإبلاغه للناس، هذا من الإِنس أما من الجن فهم من يتلقون عن الرسل من الإِنس ويبلغون ذلك إخوانهم من الجن، ويقال لهم النُّذُر.
{يقصون عليكم آياتي}: يخبرونكم بما فيها من الحجج متتبعين ذلك حتى لا يتركوا شيئاً إلا بلغوكم إياه وعرفوكم به.
{وينذركم لقاء يومكم}: أي يخوفونكم بما في يومكم هذا وهو يوم القيامة من العذاب والشقاء.
{وأهلها غافلون}: لم تبلغهم دعوة تعرفهم بربه وطاعته، ومالهم عليها من جزاء.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون} إخبار منه تعالى بسنته في أهل الظلم وهي أن يجعل بعضهم أولياء بعض بمعنى يتولاه بالنصرة والمودة بسبب الكسب السيء الذي يكسبونه على نحو مولاة شياطين الإِنس للجن فالجامع بينهم الخبث واشر وهؤلاء الجامع بينهم الظلم والعدوان، ولا مانع من حمل هذا اللفظ عل تسليط الظالمين بعضهم على بعض على حد: ولا ظالم إلا سيبتلى بأظلم. كما أنه تعالى سيوالي يوم القيامة إدخالهم النار فريقاً بعد فريق وكل هذا حق وصالح لدلالة اللفظ عليه.
وقوله تعالى: {يا معشر الجن والإِنس} إخبار منه تعالى بأنه يوم القيامة بنادي الجن والإِنس موبخاً لهم فيقول: {ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا} أي ألم يأتكم رسل من جنسكم تفهمون عنهم ويفهمون عنكم {يقصون عليكم آياتي} أي تلونها عليكم ويخبرونكم بما تحمله آياتي من حجج وبراهين لتؤمنوا بي وتبعدوني وحدي دون سائر مخلوقاتي، وينذرونكم أي يخوفونكم، لقاء يومكم هذا الذي أنتم الآين فيه وهو ويوم القيامة والعرض على الله تعالى. وما يتم فيه من جزاء على الأعمال خيرها وشرها، وأن الكافرين هم أصحاب النار. فأجابوا قائلين: شهدنا على أنفسنا- وقد سبق أن غرتهم الحياة الدنيا فواصلوا الكفر والفسق والظلم- {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين}.
هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية أما الثالثة (131) فقد تضمنت الإِشارة إلى علة إرسال الرسل إلى الإِنس والجن إذ قال تعالى: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} أي ذلك الإِرسال كان الأجل أنه تعالى لم يكن من شأنه ولا مقتضى حكمته أنه يهلك أهل القرى بظلم منه وما ربك بظلام للعبيد ولا بظلم منه وهو الشرك والمعاصي وأهلها غافلون لم يؤمروا ولم ينهوا، ولم يعلموا بعاقبة الظلم وما يحل بأهله من عذاب.
وفي الآية الأخيرة (132) أخبر تعالى أن لكل عامل من خير أو شر درجات من عمله إن كان العمل صالحاً فهي درجات في الجنة، وإن كان العمل سيئاً فاسداً فهي دركات في النار، وهذا يتم حسب علم الله تعالى بعمل كل عامل وهو ما دل عليه قوله، {وما ربك بغافل عما يعملون}.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في أن الأعمال هي سبب الموالاة بين الإِنس والجن فذو العمل الصالح يوالي أهل الصلاح، وذو العمل الفاسد يوالي أهل الفساد.
2- التحذير من الإِغترار بالحياة الدنيا.
3- بيان العلة في إرسال الرسل وهي إقامة الحجة على الناس، وعدم إهلاكهم قبل الإِرسال إليهم.
4- الأعمال بحسبها يتم الجزاء فالصالحات تكسب الدرجات، والظلمات تكسب الدركات.