فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (59- 61):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)}

.شرح الكلمات:

{أرأيتم}: أي أخبروني.
{ما أنزل الله لكم من رزق}: أي الذي خلق لكم من رزق كلحوم الأنعام.
{ءآلله أذن لكم}: أي في التحريم حيث حرمتم البحيرة والسائبة وفي التحليل حيث أحللتم الميتة.
{يفترون على الله الكذب}: أي يختلقون الكذب تزيراً له وتقديراً في أنفسهم.
{وما تكون في شأن}: أي في أمر عظيم.
{شهوداً إذْ تفيضون فيه}: أي تأخذون في القول أو العمل فيه.
{وما يعزب عن ربك}: أي يغيب.
{من مثقال ذرة}: أي وزن ذرة والذرة أصغر نملة.
{إلا في كتاب مبين}: أي اللوح المحفوظ ومبين أي واضح.

.معنى الآيات:

سياق الآيات في تقرير الوحي وإلزام المنكرين له من المشركين بالدليل العقلي قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين {أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق} أي أخبروني عما خلق الله لكم من نبات وطعام وحرث فجعلتم منه حراماً كالبحيرة والسائبة والثياب التي تحرَّمون الطواف بها والحرث الذي جعلتموه لآلهتكم، وحلال كالميتة التي تستبيحونها {ءالله أذن لكم} في هذا التشريع بوحي منه {أم على الله تفترون} فإن قلتم الله أذن لنا بوحي فلم تنكرون الوحي وتكذبون به، وإن قلتم لا وحي ولكننا نكذب على الله فموقفكم إذاً شر موقف إذ تفترون على الله الكذب والله تعالى يقول: {وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة} أي إذا هم وقفوا بين يديه سبحانه وتعالى ما ظنهم أيغفر لهم ويُعفى عنهم لا بل يلعنون وفي النار هم خالدون وقوله تعالى: {إن الله لذو فضل على الناس} في كونه لا يعجل لهم العقوبة وهم يكذبون عليه ويشركون به ويعصونه ويعصون رسوله، {ولكن أكثرهم لا يشكرون} وذلك لجهلهم وسوء التربية الفاسدة فيهم، وإلا العهد بالإِنسان أن يشكر لأقل معروف وأتفه فضل.
وقوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن} أي وما تكون يا رسولنا في أمر من أمورك الهامة وما تتلو من القرآن من آية أو آيات في شأن ذلك الأمر {إلا كنا} أي نحن رب العزة والجلال {عليكم شهوداً} أي حضوراً {إذ تفضيون فيه} أي في الوقت الذي تأخذون فيه، وقوله تعالى: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} يخبر تعالى عن سعة علمه تعالى وإحاطته بسائر مخلوقاته بحيث لا يعزب أي لا غيب عن عمله تعالى مثقال ذرة أو وزن ذرة وهي النملة الصغير وسواء كانت في الأرض أو في السماء، وسواء كانت أصغر من النملة أو أكبر منها. بالإِضافة إلى أن ذلك كله في كتاب مبين أي في اللوح المحفوظ. لهذا العلم والقدرة والرحمة استوجب التأليه والعبادة دون سائر خلقه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير الوحي وإثباته للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- التحريم والتحليل من حق الله تعالى دون سائر خلقه.
3- حرمة الكذب على الله، وإن صاحبه مستوجب للعذاب.
4- ما أعظم نعم الله تعالى على العباد ومع هذا فهم لا يشكرون إلا القليل منهم.
5- وجوب مراقبة الله تعالى، وحرمة الغفلة في ذلك.
6- إثبات اللوح المحفوظ وتقريره كما صرحت به الآيات والأحاديث.

.تفسير الآيات (62- 64):

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}

.شرح الكلمات:

{ألا}: أداة استفتاح وتنبيه.
{إن أولياء الله}: جمع وليّ وهو المؤمن بشرط أن يكون إيمانه وتقواه على نور من الله.
{لا خوف عليهم}: أي لا يخافون عند الموت ولا بعده، ولا هم يحزنون على ما تركوا بعد موتهم.
{آمنوا}: أي صدقوا بالله وبما جاء عن الله وبرسول الله وبما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{يتقون}: أي ما يسخط الله تعالى من ترك واجب أو فعل حرام.
{لهم البشرى}: أي بالجنة في القرآن الكريم وعند الموت وبالرؤيا الصالحة يراها أو ترى له.
{لا تبديل لكلمات الله}: أي لوعده الذي يعده عباده الصالحين، لأن الوعد بالكلمة وكلمة الله لا تبدل.
{الفوز}: النجاة من النار ودخول الجنة.

.معنى الآيات:

يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأداة التنبيه {ألا} وأداة التوكيد {إن} فيقول: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي لا يخافون عند الموت ولا في البرزخ ولا يوم القيامة ولا هم يحزنون على ما يتركون وراءهم بعد موتهم ولا في الدار الآخرة وبين تعالى أولياءه وعرف بهم فقال: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} أي آمنوا به وبرسوله وبكل ما جاء به رسوله عن ربه، وكانوا يتقون طوال حياتهم وسائر ساعاتهم سخط الله تعالى فلا يتركون واجباً هم قادرون على القيام به، ولا يغشوْن محرماً لم يُكرهوا عليه. وقوله تعالى: {لهم البشرى} في الحياة الدنيا وفي الآخرة: أي لهم بشرى ربهم في كتابه برضوانه ودخول الجنة ولهم البشرى بذلك عند الاحتضار تبشرهم الملائكة برضوان الله وجنته وفي الآخرة عند قيامهم من قبورهم تتلقاهم الملائكة بالبشرى.
وقوله تعالى: {لا تبديل لكلمات الله} وهو تأكيد لما بشرهم، إذ تلك البشرى كانت بكلمات الله وكلمات الله لا تتبدل فوعد الله إذاً لا يتخلف.

.من هداية الآيات:

1- ولاية الله تعالى بطاعته وموافقته في محابه ومكارهه فمن آمن إيماناً يرضاه الله، واتقى الله في أداء الفرائض واجتناب المناهي فقد صار ولي الله والله وليه.
2- البشرى هي ما يكرم الله به برؤيا صالحة يراها الولي أو تُرى له.
3- الأولياء هم أهل الإِيمان والتقوى فالكافر والفاجر لا يكون ولياً أبداً، إلا إذا آمن الكافر، وبَرَّ الفاجر بفعل الصالحات وترك المنهيات.
4- صدْق إخبار الله تعالى وعدالة أحكامه، وسر ولايته إذ هي تدور على موافقة الرب تعالى فيما يجب من الاعتقادات والأعمال والأقوال والذوات والصفات وفيما يكره من ذلك فمن وافق ربه فقد والاه ومن خالفه فقد عاداه.

.تفسير الآيات (65- 67):

{وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}

.شرح الكلمات:

{لا يحزنك}: أي لا يجعلك قولهم تحزن.
{إن العزة لله}: العزة الغلبة والقهر.
{شركاء}: أي شركاء بحق يملكون مع الله لعابديهم خيراً أو يدفعون عنهم ضراً.
{إلا الظن}: الظن أضعف الشك.
{يخرصون}: أي يحزرون ويكذبون.
{لتسكنوا فيه}: أي تخلدوا فيه إلى الراحة والسكون عن الحركة.
{مبصراً}: أي مضيئاً ترى فيه الأشياء كلها.
{في ذلك}: أي من جَعْلِهِ تعالى الليل سكناً والنهار مبصراً لآيات.
{يسمعون}: أي سماع إجابة وقبول.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير قضايا التوحيد الثلاث التوحيد والنبوة والبعث قال تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم {ولا يحزنك قولهم} أي لا يجعلك قول المشركين المفترين {لست مرسلاً} وأنك {شاعر مجنون} تحزن فإن قولهم هذا ينتج لهم إلا سوء العاقبة والهزيمة المحتمة، {إن العزة لله جميعاً} فربك القوى القادر سيهزمهم وينصرك عليهم. إذا فاصبر على ما يقولون ولا تأس ولا تحزن. إنه تعالى هو السميع لأقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم. {ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض} خلقاً وملكاً وتصرفاً، كل شيء في قبضته وتحت سلطانه وقهره فكيف تبالي بهم يا رسولنا فتحزن لأقوالهم {وما يتبع الذين يدعون من دون ألله شركاء} أي آلهة حقاً بحيث تستحق العبادة لكونها تملك نفعاً أو ضراً، موتاً أو حياة لا بل ما هم في عبادتها متبعين إلا الظن {وإن هم إلا يخرصون} أي يتقولون ويكذبون. وقوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً} أي الإله الحق الذي يجب أن يدعى ويعبد الله الذي جعل لكم أيها الناس ليلاً مظلماً لتسكنوا فيه فتستريحوا من عناء العمل في النهار. وجعل لكم النهار مبصراً أي مضيئاً لتتمكنوا من العمل فيه فتوفروا لأنفسكم ما تحتاجون إليه في حياتكم من غذاء وكساء وليست تلك الآلهة من أصنام وأوثان بالتي تستحق الألوهية فتُدْعى وتُعبد. وقوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} أي إن فيما ذكر تعالى من كماله وعزته وقدرته وتدبيره لأمور خلقه آيات علامات واضحة على أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره، ولكن يرى تلك الآيات من يسمع سماع قبول واستجابة لا من يسمع الصوت ولا يفكر فيه ولا يتدبر عانيه فإن مثله أعمى لا يبصر وأصم لا يسمع.

.من هداية الآيات:

1- على المؤمن الداعي إلى الله تعالى أن لا يحزنه أقوال أهل الباطل وأكاذيبهم حتى لا ينقطع عن دعوته، وليعلم أن العزة لله جميعاً وسوف يعزه بها، ويذل أعداءه.
2- ما يُعبد من دون الله لم يقم عليه عابدوه أي دليل ولا يملكون له حجة وإنما هم مقلدون يتبعون الظنون والأوهام.
3- مظاهر قدرة الله تعالى في الخلق والتدبير كافية في إثبات العبادة له ونفيها عما سواه.

.تفسير الآيات (68- 70):

{قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}

.شرح الكلمات:

{سبحانه}: أي تنزه عن النقص وتعالى أن يكون له ولد.
{الغَنِيُّ}: أي الغِنَى المطلق بحيث لا يفتقر إلى شيء.
{إن عندكم من سلطان}: أي ما عندكم من حجة ولا برهان.
{بهذا}: أي الذي تقولونه وهو نسبة الولد إليه تعالى.
{متاع في الدنيا}: أي ما هم فيه اليوم هو متاع لا غير وسوف يموتون ويخسرون كل شيء.
{يكفرون}: أي بنسبة الولد إلى الله تعالى، وبعبادتهم غير الله سبحانه وتعالى.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تحقيق التوحيد وتقريره بإِبطال الشرك وشبهه فقال تعالى: {قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه} أي قال المشركون أن الملائكة بنات الله وهو قول مؤسف محزن للرسول صلى الله عليه وسلم كقولهم له {لست مرسلاً}، وقد نهي صلى الله عليه وسلم عن الحزن من جراء أقوال المشركين الفاسدة الباطلة. ونزه الله تعالى نفسه عن هذا الكذب فقال سبحانه، وأقام الحجة على بطلان قول المشركين بأنه هو الغَنيُّ الغِنَى الذاتي الذي لا يفتقر معه إلى غيره فكيف إذاً يحتاج إلى ولد أو بنت فيستغني به وهو الغني الحميد، وبرهان آخر على غناه أن له ما في السموات واما في الأرض الجميع خلقه وملكه فهل يعقل أن يتخذ السيد المالك عبداً من عبيده ولداً له. وحجة أخرى هل لدى الزاعمين بأن لله ولداً حجة تثبت لك والجواب لا، لا. قال تعالى مكذباً إياها: {إن عندكم من سلطان بهذا} أي ما عندكم من حجة ولا برهان بهذا الذي تقولون ثم وبخهم وقرعهم بقوله: {أتقولون على الله ما لا تعلمون} وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلناً عن خيبة الكاذبين وخسرانهم. {إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} وإن قيل كيف لا يفلحون وهم يتمتعون بالأموال والأولاد والجاه والسلطة أحياناً فالجواب في قوله تعالى: {متاع في الدنيا} أي لك متاع في الدنيا، يتمتعون به إلى نهاية أعمارهم، ثم إلى الله تعالى مرجعهم جميعاً، ثم يذيقهم العذاب الشديد الذي ينسون معه كل ما تمتعوا به في الحياة الدنيا، وعلل تعالى ذلك العذاب الشديد الذي أذاقهم بكفرهم فقال: {بما كانوا يكفرون} أي يجحدون كمال الله وغناه فنسبوا إليه الولد والشريك.

.من هداية الآيات:

1- كفر من ينسب إلى الله تعالى أي نقص كالولد والشريك أو العجز مطلقاً.
2- كل دعوى لا يقيم لها صاحبها قاطعاً وحجة واضحة فلا قيمة لها ولا يحفل بها.
3- أهل الكذب على الله كالدجالين والسحرة وأهل البدع والخرافات لا يفلحون ونهايتهم الخسران.
4- لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بما يرى عليه أهل الباطل والشر من المتع وسعة الرزق وصحة البدن فإن ذلك متاع الحياة الدنيا، ثم يؤول أمرهم إلى خسران دائم.

.تفسير الآيات (71- 72):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)}

.شرح الكلمات:

{واتل عليهم نبأ نوح}: أي اقرأ على المشركين نبأ نوح أي خبره العظيم الخطير.
{كبر عليكم مقامي}: أي عظم عليكم مقامي بينكم ادعوا إلى ربي.
{فأجمعوا أمركم}: أي اعزموا عزماً أكيداً.
{غمّة}: أي خفاء ولبساً لا تهتدون منه إلى ما تريدون.
{ثم اقضوا إِلي}: أي انفذا أمركم.
{ولا تنظرون}: أي ولا تمهلون رحمة بي أوشفقة علي.
{فإن توليتم}: أي أعرضتم عما أدعوكم إليه من التوحيد.
{في الفلك}: أي في السفينة.
{خلائف}: أي يخلف الآخر الأول جيلاً بعد جيل.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في طلب هداية المشركين بالرد دعواهم وبيان الحق لهم وفي هذه الآيات يأمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليهم طرفاً من قصة نوح مع قومه المشركين الذين كانت حالهم كحال مشركي العرب سواء بسواء وفي قراءة هذا القصص فائدتان الأولى تسلية الرسول وحمله على الصبر، والثانية تنبيه المشركين إلى خطاهم، وتحذيرهم من الاستمرار على الشرك والعصيان فيحل بهم من العذاب ام حل بغيرهم قال تعالى: {واتل عليهم نبأ نوح} أي خبره العظيم الشأن أدعوكم إلى الله، وتذكيري إياكم بآيات الله، فإني توكلت على الله فأجمعوا أمركم أي اعزموا عزماً أكيداً وادعوا أيضاً شركاءكم للاستعانة بهم، ثم أحذركم أن يكون أمركم عليكم غمة أي خفياً ملتبساً عليكم فيجعلكم تترددون في إنفاذ ما عزمتم عليه، ثم اقضوا إليَّ ما تريدون من قتلي أو نفيي ولا تنظرون أي لا تؤخروني أي تأخير. وقوله تعالى: {فإن توليتم} أي أعرضتم عن دعوتي وتذكيري ولم تقبلوا ما أدعوكم إليه من عبادة الله تعالى وحده، فما سألتكم عليه من أجر أي ثواب، حتى تتولوا. إن أجري إلا على الله ربي الذي أرسلني وكلفني. وقد أمرني أكون من المسلمين له قلوبهم ووجوههم وكل أعمالهم فأنا كذلك كل عملي له فلا أطلب أجراً من غيره قال تعالى: {فكذبوه} أي دعاهم واستمر في دعائهم إلى الله زمناً غير قصير وكانت النهاية: أن كذبوه، ودعانا لنصرته فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة وجعلناهم خلائف لبعضهم بعضاً أي يخلف الآخر الأول، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا التي أرسلنا بها عبدنا نوحاً فانظر يا رسولنا كيف كان عاقبة المنذرين الذين لم يقبلوا النصح ولم يستجيبوا للحق إنها عاقبة وخيمة إذ كانت إغراقاً في طوفان وناراً في جهنم وخسراناً قال تعالى في سورة نوح: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً}

.من هداية الآيات:

1- تسلية الدعاة بمثل موقف نوح العظيم إذ قال لقومه: أجمعوا أمركم ونفذوا ما تريدون إني توكلت على الله.
2- ثمرة التوكل شجاعة واطمئنان نفس وصبر وتحمل مع مضاء عزيمة.
3- دعوة الله لا ينبغي أن يأخذ الداعي عليها أجراً للضرورة.
4- بيان سوء عاقبة المكذبين بعد إنذارهم وتحذيرهم.

.تفسير الآيات (73- 78):

{فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)}

.شرح الكلمات:

{بالبينات}: أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما يدعون إليه من توحيد الله تعالى.
{نطبع}: الطبع على القلب عبادة عن تراكم الذنوب على القلب حتى لا يجد الإِيمان إليه طريقاً.
{المعتدين}: الذين تجاوزوا الحد في الظلم والاعتداء على حدود الشرع.
{الحق}: الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام وهي تسع.
{لتلفتنا}: لتصرفنا وتحول وجوهنا عما وجدنا عليه آباءنا.
{الكبرياء}: أي العلو والسيادة والملك على الناس.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى طرفاً من قصة نوح عليه السلام وأبرز فيها مظهر التوكل على الله تعالى من نوح ليُقتَدَى، ومظهر نصرة الله تعالى لأوليائه وهزيمته أعدائه ذكر هنا سنة من سننه في خلقه وهي أنه بعث من بعد نوح رسلاً كثيرين إلى أممهم فجاؤوهم بالبينات أي بالحجج والبراهين على صدقهم وصحة ما جاءوا به ودعوا إليه من توحيد الله، فما كان أولئك الأقوام ليؤمنوا بما كذب به من سبقهم من نوح. قال تعالى: {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} هذا بيان سنة الله تعالى في البشر وهي أن العبد إذا أذنب وواصل الذنب بدون توبة يصبح الذنب طبعاً من طباعه لا يمكنه أن يتخلى عنه، وما الذنب إلا اعتداء على حدود الشارع فمن اعتدى واعتدى واصل الاعتداء حصل له الطبع وكان الختم على القلب فيصبح لا يقبل الإِيمان ولا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر. وقوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم موسى وهرون} أي من بعد الأمم الهالكة بعثنا رسولينا موسى وهارون ابني عمران إلى فرعون وملئه بآياتنا المتضمنة الدالة على صحة مطلب رسولينا وهو توحيد الله وإرسال بني إسرائيل معهما، {فاستكبروا} أي فرعون وملؤه {وكانوا قوماً مجرمين} حيث أفسدوا القلوب والعقول وسفكوا الدماء وعذبوا الضعفاء يقول تعالى عنهم {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين} أي لما بهرتهم المعجزات وهي آيات موسى وأبطلت إفكهم قالوا إن هذا لسحر مبين تخلصاً من الهزيمة التي لحقتهم، فرد موسى عليهم بقوله: {أتقولون للحق لما جاءكم} هذا سحر ثم بعد توبيخهم أستدل على بطلان قولهم بكونه انتصر عليهم فأفلح بينهم وفاز عليهم فقال: {أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} فلو كان ما جئت به سحراً فكيف أفلحت في إبطال سحركم وهزيمة سحرتكم. فلما أفحمهم بالحجة قالوا مراوغين: {أجئتنا لتفلتنا} أي تصرفنا {عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض} أي وتكون لكما السيادة والملك في أرض مصر فسلكوا مسلك الاتهام السياسي. وقالوا {وما نحن لكما بمؤمنين} أي بمصدقين ولا متبعين.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله في البشر وهي أن التوغل في الشر والفساد والظلم يوجب الختم على القلوب فيحرم العبد الإِيمان والهداية.
2- ذم الاستكبار وأنه سبب كثر من الإِجرام.
3- تقرير أن السحر صاحبه لا يفلح أبداً ولا يفوز بمطلوب ولا ينجو من مرهوب.
4- الاتهامات الكاذبة من شأن أهل الباطل والظلم والفساد.