فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (10- 14):

{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)}

.شرح الكلمات:

{أفي الله شك}: أي لا شك في وجود الله ولا في توحيده، إذ الاستفهام. إنكاري.
{الى أجل مسمى}: أي إلى أجل الموت.
{بسلطان مبين}: بحجة ظاهرة تدل على صدقكم.
{يمن على من يشاء}: أي بالنبوة والرسالة على من يشاء لذلك.
{وقد هدانا سبلنا}: أي طرقة التي عرفناه بها وعرفنا عظيم قدرته وعز سلطانه.
{لنخرجكم من ارضنا}: أي من ديارنا لو لتعودون في ديننا.
{لمن خاف مقامي}: أي وقوفه بين يدي يوم القيامة للحساب والجزاء.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ما ذكر به موسى قومه بقوله: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح...} فقوله تعالى: {قالت رسلهم} أي قالت الرسل إلى أولئك الامم الكافرة {افي الله شك}؟ أي كيف يكون في توحيد الله شك وهو فاطر السموات والأرض، فخالق السموات والارض وحده لا يعقل ان يكون له شريك في عبادته، ان لا الله الا هو وقوله: {يدعوكم} إلى الإيمان والعمل الصالح الخالي من الشرك {ليغفر لكم من ذنوبكم} وهو كل ذنب بينكم وبين ربكم من كبائر الذنوب وصغائرها اما مظالم الناس فردها اليهم تغفر لكم وقوله: {ويؤخركم إلى اجل مسمى} أي يؤخر العذاب عنكم لتموتوا بآجالكم المقدرة لكم، وقوله: {قالوا} أي قالت الأمم الكافرة لرسلهم {إن أنتم إلا بشر مثلنا} أي ما أنتم الا بشر مثلنا، {تريدون أن تصدونا} أي تصرفونا {عما كان يعبد آباؤنا} من آلهتنا أي اصنامهم وأوثانهم التي يدعون انها آلهة، وقولهم: {فأتونا بسلطان مبين} قال الكافرون للرسل ائتونا بسلطان مبين أي بحجة ظاهرة تدل على صدقكم انكم رسل الله الينا فاجابت الرسل قائلة ما اخبر تعالى به عنهم بقوله: {قالت لهم رسلهم ان نحن الا بشر مثلكم} أي ما نحن الا بشر مثلكم فمالا تستطيعونه أنتم لا نستطيعه نحن {ولكن الله يمن على من يشاء} أي الا ان الله يمن على من يشاء بالنبوة فمن علينا بها فنحن ننبئكم بما أمرنا الله ربنا وربكم ان ننبئكم به كما نامركم وندعوكم لا من تلقاء أنفسنا ولكن بما أمرنا ان نأمركم به وندعوكم اليه، {ووما كان لنا ان نأتيكم بسلطان الا باذن الله} أي بإرادته وقدرته فهو ذو الارادة التي لا تحد والقدرة التي لا يعجزها شيء ولذا توكلنا عليه وحده وعليه {فليتوكل المؤمنون} فإنه يكفيهم كل ما يهمهم، ثم قالت الرسل وهي تعظ اقوامها بما تقدم: {وما لنا الا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا} أي طرقنا التي عرفناه بها وعرفنا عظمته وعزة سلطانه فأي شيء يجعلنا لا نتوكل عليه وهو القوي العزيز {ولنبصرن على ما آذيتمونا} بالسنتكم وأيديكم متوكلين على الله حتى ينتقم الله تعالى لنا منكم، {وعلى الله فليتوكل المتوكلون} إذ هو الكافل لكل من يثق فيه ويفوض امره اليه متوكلاً عليه وحده دون سواه، وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا أو لتعودن في ملتنا} هذا اخبار منه تعالى على ما قالت الأمم الكافرة لرسلها: قالوا موعدين مهددين بالنفي والابعاد من البلاد لكل من يرغب عن دينهم ويعبد غير آلهتكم:
{لنخرجنكم من ارضنا أو لتعودن في ملتنا} أي ديننا الذي نحن عليه وهذا أوحى الله تعالى إلى رسله بما اخبر تعالى به: {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم} قال لنهلكن الظالمين ولم يقل لنهلكنهم إشارة إلى علة الهلاك وهي الظلم هو الشرك والإفساد ليكون ذلك عظة للعالمين، وقوله تعالى: {ذلك} أي الانجاء للمؤمنين والاهلاك للظالمين جزاءً {لمن خاف مقامي} أي الوقوف بين يدي يوم القيامة {وخاف وعيد} على ألسنة رسلي بالعذاب لمن كفر بي واشرك في عبادتي ومات على غير توبة إلى من كفره وشركه وظلمه.

.من هداية الآيات:

1- بطلان الشك في وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته ووجوب عبادته وحده لذلك لكثرة الادلة وقوة الحجج، وسطوع البراهين.
2- بيان ما كان اهل الكفر يقابلون به رسل الله والدعاة اليه سبحانه وتعالى وما كانت الرسل ترد به عليهم.
3- وجوب التوكل على الله تعالى، وعدم صحة التوكل على غيره إذ لا كافي الا الله.
4- وجوب الصبر على الاذى في سبيل الله وانتظار الفرج باخذ الظالمين.
5- عاقبة الظلم وهي الخسران والدمار لا تتبدل ولا تتخلف وإن طال الزمن.

.تفسير الآيات (15- 20):

{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)}

.شرح الكلمات:

{واستفتحوا}: أي طلب الرسل الفتح لهم أي النصر على اقوامهم الظالمين.
{وخاب}: أي خسر وهلك.
{كل جبار عنيد}: أي ظالم يجبر الناس على مراده عنيد كثير العناد.
{من ماء صديد}: أي هو ما يخرج سائلاً من اجواف اهل النار مختلطاً من قيح ودم وعرق.
{يتجرعه ولا يكاد يسيغه}: أي يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته ولا يقارب ازدراده لقبحه ومراراته.
{ويأتيه الموت من كل مكان}: أي لشدة ما يحيط به من العذاب فكل أسباب الموت حاصلة ولكن لا يموت.
{اعمالهم كرماد}: أي الصالحة منها كصلة الرحم وبر الوالدين وإقراء الضيف وفك الأسير والفاسدة كعبادة الأصنام بالذبح لها والنذر والحلف والعكوف حولها كرماد.
{لا يقدرون مما كسبوا على شيء}: أي لا يحصلون من اعمالهم التي كسبوها على ثواب وان قل لأنها باطلة بالشرك.
{وما ذلك على الله بعزيز}: أي بصعب ممتنع عليه.

.معنى الآيات:

هذا اخر حديث ما ذكر به موسى قومه من انباء الامم السابقة على بني إسرائيل، قال تعالى في الاخبار عنهم: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} أي واستفتح الرسل أي طلبوا من الله تعالى ان يفتح عليهم بنصر على اعدائه واستجاب الله لهم، {وخاب كل جبار عنيد} أي خسر وهلك كل ظالم طاغ معاند للحق وأهله، وقوله: {من ورائه جهنم} أي امامة جهنم تنتظره سيدخلها بعد هلاكه ويعطش ويطلب الماء فتسقيه الزبانية {من ماء صديد} أي وهو صديد اهل النار وهو ما يخرج من قيح ودم وعرق، {يتجرعه}، أي يبتلعه جرعة بعد أخرى لمرارته {ولا يكاد يسيغه} أي يدخله جوفه الملتهب عطشاً لقبحه ونتنه ومرارته وحرارته، وقوله تعالى: {ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت} أي ويأتي هذا الجبار العنيد والذي هو في جهنم يقتله الظمأ فيسقى بالماء الصديد يأتيه الموت لوجود أسبابه وتوفرها من كل مكان إذ العذاب محيط به من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وما هو بميت لأن الله تعالى لم يشأ ذلك قال تعالى: {لا يموت فيها ولا يحيا} وقال: {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها} ومن وراء ذلك العذاب الذي هو فيه {عذاب} أي لون آخر من العذاب {غليظ} أي شديد لا يطاق، وقوله تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف} أي شديد هبوب الرياح فيه {لا يقدرون مما كسبوا} أي من اعمال في الدنيا {على شيء} أي من الثواب والجزاء والحسن عليها، هذا مثل أعمالهم الصالحة كأنواع الخير والبر والطالحة والكفر وعبادة غير الله مما كانوا يرجعون نفعه، الكل يذهب ذهاب رماد حملته الريح وذهبت به، مشتدة في يوم عاصف شديد هبوب الريح فيه.
وقوله تعالى: {ذلك هو الضلال البعيد} أي ذلك الذي دل عليه المثل هو الضلال البعيد لمن وقع فيه إذ ذهب كل عمله سدى بغير طائل فلم ينتفع بشيء منه وأصبح من الخاسرين.
وقوله تعالى: {ألم تر ان الله خلق السموات والأرض بالحق} أي الم تعلم أيها الرسول ان الله خلق السموات والأرض بالحق أي من اجل الإنسان ليذكر الله تعالى ويشكره فإذا تنكر لربه فكفر به وأشرك غيره في عبادته عذبه بالعذاب الأليم الذي تقدم وصفه في هذا السياق لان الله تعالى لم يخلق السموات والأرض عبثاً وباطلاً بل خلقهما وخلق ما فيهما من أجل ان يذكر فيهما ويشكر ترك الذكر والشكر عذبه أشد العذاب وأدومه وأبقاه، وقوله تعالى: {أن يشأ يذهبكم} أيها الناس المتمردون على طاعته المشركون به {ويأت بخلق جديد} غيركم يعبدونه ويوحدونه {وما ذلك على الله بعزيز} أي بممتنع ولا متعذر لآن الله على كل شيء قدير.

.من هداية الآيات:

1- إنجاز وعد لله لرسله في قوله: {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين} الآية.
2- خيبة وخسران عامة أهل الشرك والكفر والظلم.
3- عظم عذاب يوم القيامة وشدته.
4- بطلان أعمال المشركين والكافرين وخيبتهم فيها إذ لا ينتفعون بشيء منها.
5- عذاب اهل الكفر والشرك والظلم لازم لانهم لم يذكروا ولم يشركوا والذكر والشكر علة الوجود كله فلما عبثوا بالحياة استحقوا عذاباً أبدياً.

.تفسير الآيات (21- 23):

{وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}

.شرح الكلمات:

{وبرزوا لله جميعاً}: أي برزت الخلائق كلها لله وذلك يوم القيامة.
{إنا كنا لكم تبعاً}: أي تابعين لكم فيما تعتقدون وتعلمون.
{فهل أنتم مغنون عنا}: أي دافعون عنا بعض العذاب.
{ما لنا من محيص}: أي من ملجأ ومهرب أو منجا.
{لما قضي الأمر}: بإدخال اهل الجنة واهل النار النار.
{ما انا بمصرخكم}: أي بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب والكرب.
{تجري من تحتها الأنهار}: أي من تحت قصورها وأشجارها الأنهار الأربعة: الماء واللبن والخمر والعسل.

.معنى الآيات:

في هذه الآية عرض سريع للموقف وما بعده من استقرار اهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة يقرر مبدأ الوحي والتوحيد والبعث الآخر بأدلة لا ترد، قال تعالى: {وبرزوا لله جميعاً} أي خرجت البشرية من قبورها مؤمنوها وكافروها صالحوها وفاسدوها {فقال الضعفاء} أي الاتباع {للذين استكبروا} أي الرؤساء والموجهون للناس بما لديهم من قوة وسلطان {إنا كنا لكم تبعاً} أي أتباعاً في عقائدهم وما تدينون به، {فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء}؟ أي فهل يمكنكم ان ترفعوا عنا بعض العذاب بحكم تعيتنا لكم فاجابوهم بما أخبر تعالى به عنهم: {قالوا لة هدانا الله لهديناكم} اعترفوا الان ان الهداية بيد الله واقروا بذلك، ولكنا ضللنا فاضللناكم {سواء علينا اجزعنا} اليوم {أم صبرنا مالنا من محيص} أي من مخرج من هذا العذاب ولا مهرب، وهنا يقوم إبليس خطيباً فيهم بما اخبر تعالى عنه بقوله: {وقال الشيطان} أي إبليس عدو بنى آدم {لما قضى الأمر} بأذن اهل الجنة الجنة وادخل اهل النار النار {ان الله وعدكم وعد الحق} بان من آمن وعمل صالحاً مبتعداً عن الشرك والمعاصي ادخله جنته وأكرمه في جواره، وان من كفر وأشرك وعصى ادخله النار وعذبه عذاب الهون في دار البوار {ووعدكتم} بان الله ووعيده ليس بحق ولا واقع {فاخلفتكم} فيما وعدتكم به، وكنت في ذلك كاذباً عليكم مغرراً بكم، {وما كان لي عليكم من سلطان} أي من قوة مادية اكرهتكم على اتباعي ولا معنوية ذات تأثير خارق للعادة اجبرتكم بها على قبول دعوتي {الا أن دعوتكم} أي لكن دعوتكم {فاستجبتم لي} إذا {فلا تلموموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم} أي مزيل صراخكم بنا اغثيكم به من نصر وخلاص من هذا العذاب {وما انتم} أيضاً {بمصرخي}، أي بمغيثي {إني كفرت بما اشركتمون من قبل} إذ كل عابد لغير الله في الواقع هو عابد للشيطان إذ هو الذي زين له ذلك ودعاه اليه، و{ان الظالمين لهم عذاب اليم} أي المشركين لهم عذاب اليم موجع، وقوله تعالى: {وادخل الذين آمنوا} أي وادخل الله الذين آمنوا أي صدقوا بالله وبرسوله وبما جاء به رسوله {وعملوا الصالحات} وهي العبادات التي تعبد الله بها عباده فشرعها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم {جنات} بساتين {تجري من تحتها الأنهار} أي من خلال قصورها وأشجارها انهار الماء واللبن والخمر والعسل {خالدين فيها} لا يخرجون منها ولا يبغون عنها حولاً، وقوله تعالى: {بإذن ربهم} أي ان ربهم هو الذي اذن لهم بدخولها والبقاء فيها ابداً، وقوله: {تحيتهم فيها سلام} أي السلام عليكم يحييهم ربهم وتحييهم الملائكة ويحيي بعضهم بعضاً بالسلام وهي كلمة دعاء بالسلامة من كل العاهات والمنغصات وتحية بطلب الحياة الأبدية.

.من هداية الآيات:

1- بيان ان التقيلد والتبعية لا تكون عذراً لصاحبها عند الله تعالى.
2- بيان ان الشيطان هو المعبود من دون الله تعالى إذ هو الذي دعا إلى عبادة غير الله وزينها للناس.
3- تقرير لعلم الله بما لم يكن كيف يكون إذ ما جاء في الايات من حوار لم يكن بعد ولكنه في علم الله كائن كما هو وسوف يكون كما جاء في الآيات لا يختلف منه حرف واحد.
4- وعيد الظالمين بأليم العذاب.
5- العمل لا يدخل الجنة الا بوصفه سبباً لا غير، والا فدخول الجنة يكون بإذن الله تعالى ورضاه.

.تفسير الآيات (24- 30):

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}

.شرح الكلمات:

{كلمة طيبة}: هي لا الله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{كشجرة خبيثة}: هي النخلة.
{كشجرة خبيثة}: هي الحنظل.
{اجتثت}: أي اقتلعت جثتها أي جسمها وذاتها.
{بالقول الثابت}: هو لا الله الا الله.
{وفي الآخرة}: أي في القبر فيجيب الملكين هما لا يسألانه عنه حيث يسالانه عن ربه ودينه ونبيه.
{بدلوا نعمة الله كفراً}: أي بدلوا التوحيد والإسلام بالجحود والشرك.
{دار البوار}: أي جهنم.
{وجعلوا لله اندادا}: أي شركاء.

.معنى الآيات:

الآيات في تقرير التوحيد والعبث والجزاء، قوله تعالى: {ألم تر} أيها الرسول أي ألم تعلم {كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة} هي كلمة الايمان يقولها المؤمن {كشجرة طيبة} وهي النخلة {أصلها ثابت} في الأرض {وفرعها} عال {في السماء}، {تؤتي أكلها} تعطي اكلها أي ثمرها الذي يؤكل منها كل حين بلحا وبسراً ومنصفاً ورطباً وتمراً وفي الصباح والمساء {بإذن ربها} أي بقدرته وتسخيره فكلمة الايمان لا الله الا الله محمد رسول الهه تثمر للعبد اعمالاً صالحة كل حين فهي في قلبه والاعمال الصالحة الناتجة عنها ترفع إلى الله عز وجل، وقوله تعالى: {ويضرب الله الامثال لناس لعلهم يتذكرون} أي كما ضرب هذا المثال للمؤمن والكافر في هذا السياق يضرب الامثال للناس مؤمنهم وكافرهم لعلهم يتذكرون أي رجاء ان يتذكروا فيتعظوا فيؤمنوا ويعملوا الصالحات فينجوا من عذاب الله، وقوله: {ومثل كلمة خبيثة} هي كلمة الكفر في قلب الكافر {كشجرة خبيثة} هي الحنظل مُرة ولا خير فيها ولا اصل لها ثابت ولا فرع لها في السماء {اجتثت} أي اقتلعت واستؤصلت {من فوق الأرض مالها من قرار} أي لاثبات لها ولا تثمر الا ما فيها من مرارة وسوء طعم بركة وقوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} هذا وعد الله تعالى لعباده المؤمنين الصادقين بانه يثبتهم على الايمان مهما كانت الفتن والمحن حتى يموتوا على الايمان {وفي الآخرة} أي في القبر إذ هو عتبة الدار الآخرة عندما يسألهم الملكان عن الله وعن الدين والنبي من بك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيثبتهم بالقول الثابت وهو الايمان واصله لا الله الا الل محمد رسول الله والعمل الصالح الذي هو الإسلام وقوله تعالى: {ويضل الله الظالمين} مقابل هداية المؤمنين فلا يوقفهم للقول الثابت حتى يموتوا فيهلكوا على الكفر ويخسروا، ذلك لإصرارهم على الشرك ودعوتهم اليه وظلم المؤمنين وأذيتهم من اجل ايمانهم، وقوله تعالى: {ويفعل الله ما يشاء} تقرير لارادته الحرة فهو عز وجل يثبت من يشاء ويضل من يشاء فلا اعتراض عليه ولا نكير مع العلم انه يهدي ويضل بحكم عالية تجعل هدايته كاضلاله رحمة وعدلاً.
وقوله تعالى: {ألم تر} أي الم ينته إلى عملك أيها الرسول {الى الذين بدلوا نعمة الله} التي هي الإسلام الذي جاءهم به رسول الله بما فيه من الهدى والخير فكذبوا رسول الله وكذبوا بما جاء به ورضوا بالكفر وأنزلوا بذلك قومهم الذين يحثونهم على الكفر ويشجعونهم على التكذيب انزلوهم {دار البوار} فهلك من هلك في بدر كافراً إلى جهنم، ودار البوار هي جهنم يصلونها أي يحترقون بحرها ولهيبها {وبئس القرار} أي المقر الذي أحلوا قومهم فيه، وقوله تعالى: {وجعلوا لله انداداً ليضلوا عن سبيله} أي جعل أولئك الذين بدلوا نعمة الله كفراً وهو كفار مكة لله انداداً أي شركاء عبدوها وهي اللات والعزى وهبل ومناة، وغيرها من آلهتهم الباطلة، جعلوا هذه الأنداد ودعوا إلى عبادتها ليضلوا ويضلوا غيرهم عن سبيل الله التي هي الإسلام الموصل إلى رضا الله تعالى وجواره الكريم، وقوله تعالى: {قل تمتعوا} أي بما أنتم فيه من متاع الحياة الدنيا {فإن مصيركم} أي نهاية امركم {الى النار} حيث تصبرون اليه بعد موتكم ان اصررتم على الشرك والكفر حتى متم على ذلك.

.من هداية الآيات:

1- استحسان ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الاذهان.
2- المقارنة بين الايمان والكفر، وكلمة التوحيد وكلمة الكفر وما يثمره كل واحد من هذه الأصناف من خير وشر.
3- بشري المؤمن بتثبيت الله تعالى له على إيمانه حتى يموت مؤمناً وبالنجاة من عذاب القبر حيث يجيب منكراً ونكيراً على سؤالهما إياه بتثبيت الله تعالى له.
4- الأمر في قوله تعالى: {تمتعوا} ليس للإباحة ولا للوجوب وإنما هو للتهديد والوعيد.

.تفسير الآيات (31- 34):

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}

.شرح الكلمات:

{لا بيع فيه ولا خلال}: هذا هو يوم القيامة لا بيع فيه ولا فداء ولا مخالة تنفع ولا صداقة.
{الفلك}: أي السفن فلفظ الفلك دال على متعدد ويذكر ويؤنث.
{دائبين}: جاريين في فلكهما لا يفتران أبداً حتى نهاية الحياة الدنيا.
{لظلوم كفار}: كثير الظلم لنفسه ولغيره، كفار عظيم الكفر هذا ما لم يؤمن ويهتد فإن آمن واهتدى سلب هذا الوصف منه.

.معنى الآيات:

لما امر الله تعالى رسوله ان يقول لأولئك الذين بدلوا نعمة الله كفراً {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} أمر رسوله أيضاً ان يقول للمؤمنين.. يقيموا الصلاة وينفقوا من اموالهم سراً وعلانية ليتقوا ذلك العذاب يوم القيامة الذي توعد به الكافرون فقال: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} أي يؤدوها على الوجه الذي شرعت عليه فيتموا ركوعوها وسجودها ويؤدوها في اوقاتها المعنية وفي جماعة وعلى طهارة كاملة مستقبلين بها القبلة حتى تثمر لهم زكاة انفسهم وطهارة ارواحهم {وينفعوا} ويوالوا الانفاق في كل الاحيان {سراً وع لانية}، {من قبل ان يأتي يوم} وهو يوم القيامة {لا بيع فيه ولا خلال} لا شراء فيحصل المرء على ما يفدي به نفسه من طريق البيع، ولا خلة أي صداقة تنفعه ولا شفاعة الا باذن الله تعالى.
وقوله تعالى: {الله الذي خلق السماوات والأرض} أي انشاهما وابتدأ خلقهما {وانزل من السماء ماء} هو ماء الأمطار {فأخرج به من الثمرات} والحبوب {رزقاً لكم} تعيشون به وتتم حياتكم عليه {وسخر لكم الفلك} أي السفن {لتجري في البحر بأمره} أي بإذنه وتشخيره تحملون عليها البضائع والسلع من اقيلم إلى اقليم وتركبونها كذلك {وسخر لكم الانهار} الجارية بالمياه العذبة لتشربوا وتستقوا مزارعكم وحقولكم {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} لا يفترن ابدأ في جربهما وتنقلهما في بروجهما لمنافعكم التي لا تتم الا على ضوء الشمس وحرارتها ونور القمر وتنقله في منازله {وسخر لكم الليل والنهار} الليل لتسكنوا فيه وتستريحوا والنهار لتعملوا فيه وتكسبوا ارزاقكم {وآتاكم من كل ما سألتموه} مما انتم في حاجة إليه لقوام حياتكم، هذا هو الله المستحق لعبادتكم رغبة فيه ووهبة منه، هذا هو المعبود الحق الذي يجب ان يعبد وحده لا شريك له وليس الك الاصنام والاوثان التي تعبدونها وتدعون إلى عبادتها حتى حملكم ذلك على الكفر والعناد بل والظلم والشر والفساد.
وقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} أي بعد ان عدد الكثير من نعمة اخبر انه لا يمكن للإنسان ان يعد نعم الله عليه ولا ان يحصيها عداً بحال من الاحوال، وقرر حقيقة في آخر هذه الموعظة والذكرى وهي ان الإنسان إذا حرم الايمان والهداية الربانية (ظلوم) أي كثير الظلم كفور كثير الكفر عظيمة، والعياذ بالله تعالى من ذلك.

.من هداية الآيات:

1- وجوب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والاكثار من الصدقات لاتقاء عذاب النار.
2- جواز صدقة العلن كصدقة السر وان كانت الاخيرة افضل.
3- التعريف بالله عز وجل إذ معرفة الله تعالى هي التي تثمر الخشية منه تعالى.
4- وجوب عبادة الله تعالى وبطلان عبادة غيره.
5- وصف الإنسان بالظلم والكفر وشدتهما ما لم يؤمن ويستقيم على منهج الإسلام.