فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (42- 46):

{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}

.شرح الكلمات:

{عما يعمل الظالمون}: أي المشركون من اهل مكة وغيرهم.
{ليوم تشخص فيه الأبصار}: أي تنفتح فلا تغمض لشدة ما ترى من الأهوال.
{مهطعين مقنعي رؤوسهم}: أي مسرعين إلى الداعي الذي دعاهم إلى الحشر، رافعي رؤوسهم.
{وأفئدتهم هواء}: أي فارغة من العقل لشدة الخوف والفزع.
{نجب دعوتك}: أي على لسان رسولك فنعبدك ونوحدك ونتبع الرسل.
{ما لكم من زوال}: أي عن الدنيا إلى الآخرة.
{وقد مكروا مكرهم}: أي مكرت قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث أرادوا قتله أو حبسه أو نفيه.
{وإن كان مكرهم لتزول منه}: أي لم يكن مكرهم بالذي تزول منه الجبال فإنه تافه {الجبال}: لا قيمة له فلا تعبأ به ولا تلتفت اليه.

.معنى الآيات:

في هذا السياق الكريم تقوية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر ليواصل دعوته إلى ربه إلى ان ينصرها الله تعالى وتبلغ المدى المحدد لها والأيام كانت صعبة على رسول الله وأصحابه لتكالب المشركين على أذاهم، وازدياد ظلمهم لهم فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون} من قومك انه ان لم ينزل بهم نقمة ولم يحل بهم عذابه إنما يريد ان يؤخرهم {ليوم تشخص فيه الابصار} أي تنفتح فلا تغمض ولا تطرف لشدة الأهوال وصعوبة الأحوال، {مهطعين} أي مسرعين {مقنعي رؤوسهم} أي حال كونهم مهطعين مقنعي رؤوسهم أي رافعين رؤوسهم مسرعين للداعي الذي دعاهم إلى المحشر، قال تعالى: {واستمع يوم يناد المنادي من مكان قريب} {لا يرتد إليهم طرفهم} أي لا تغمض أعينهم من الخوف {وأفئدتهم} أي قلوبهم {هواء} أي فارغة من الوعي والادراك لما اصابها من الفزع والخوف ثم امر تعالى رسوله في الآية (44) بإنذار الناس مخوفاً لهم من عاقبة امرهم إذ استمروا على الشرك بالله والكفر برسوله وشرعه، {يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا} أي أشركوا بربهم، وآذوا عباده المؤمنين {ربنا أخرنا إلى أجل قريب} أي يطلبون الإنظار والإمهال {نجب دعوتك} أي نوحدك ونطيعك ونطيع رسولك، فيقال لهم: توبيخاً وتقريعاً وتكذيباً لهم: {أو لم تكونوا اقسمتم} أي حلفتم {من قبل ما لكم من زوال} أي أطلبتم الآن التأخير ولم تطلبوه عندما قلتم ما لنا من زوال ولا ارتحال من الدنيا إلى الآخرة، {وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم} بالشرك والمعاصي {وتبين لكم} أي عرفتم {كيف فعلنا بهم} أي بإهلاكنا لهم وضربنا لكم الأمثال في كتبنا وعلى ألسنة فيوبخون هذا التوبيخ ولا يجابون لطلبهم ويقذفون في الجحيم، وقوله تعالى: {وقد مكروا مكرهم} أي وقد مكر كفار قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قرروا حبسه مغالاً في السجن حتى الموت أو قتله، أو نفيه وعزموا على القتل ولم يستطيعوه {وعند الله مكرهم} أي علمه ما أرادوا به، وجزاؤهم عليه، وقوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} أي ولم يكن مكرهم لتزول منه الجبال فإنه تافه لا وزن ولا اعتبار فلا تحفل به أيها الرسول ولا تلتفت، فإنه لا يحدث منه شيء، وفعلاً قد خابوا فيه أشد الخيبة.

.من هداية الآيات:

1- تأخير العذاب عن الظلمة في كل زمان ومكان لم يكن غفلة عنهم، وإنما هو تأخيرهم إلى يوم القيامة أو إلى ان يحين الوقت المحدد لأخذهم.
2- بيان أهوال يوم القيامة وصعوبة الموقف فيه حتى يتمنى الظالمون الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا ويوحدوا ربهم في عبادته.
3- التنديد بالظلم وبيان عقاب الظالمين بذكر أحوالهم.
4- تقرير جريمة قريش في ائتمارها على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (47- 52):

{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}

.شرح الكلمات:

{إن الله عزيز}: أي غالب لا يحال بينه وبين مراده بحال من الأحوال.
{ذو انتقام}: أي صاحب انتقام ممن عصاه وعصى رسوله.
{يوم تبدل الأرض}: أي اذكر يا رسولنا للظالمين يوم تبدل الأرض.
{وبرزوا لله}: أي خرجوا من القبور لله ليحاسبهم ويجزيهم.
{مقرنين}: أي مشدودة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم.
{في الأصفاد}: الأصفاد جمع صفد وهو الوثائق من حبل وغيره.
{سرابيلهم}: أي قمصهم التي يلبسونها من قطران.
{أولوا الألباب}: أصحاب العقول.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وهم يعانون من صلف المشركين وظلمهم وطغيانهم فيقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله} إنه كما لم يخلف رسلة الأولين لا يخلفك أنت، إنه لابد منجز لك ما وعدك من النصر على أعدائك فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تسعجل لهم. {إن الله عزيز} أي غالب لا يغلب على أمره ما يريده لابد واقع {ذو انتقام} شديد ممن عصاه وتمرد على طاعته وحارب اولياءه، واذكر {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} كذلك {وبرزوا} أي ظهروا بعد خروجهم من قبورهم في طريقهم إلى المحشر إجابة منهم لدعوة الداعي وقد برزوا {لله والواحد القهار}، و{ترى المجرمين يومئذ} يا رسولنا تراهم {مقرنين في الاصفاد} مشدودة أيديهم وأرجلهم إلى اعناقهم، هؤلاء المجرمون اليوم بالشرك والظلم والشر والفساد اجرموا على انفسهم أولاً ثم على غيرهم ثانياً سواء ممن ظلموهم وآذوهم أو منن دعوهم إلى الشرك وحملوهم عليه، الجميع قد اجرمو في حقهم، {سرابيلهم} قمصانهم التي على أجسامهم {من قَطران} وهو ما تدهن به الإبل: مادة سوداء محرفة للجسم أو من نحاس إذ قُريء من قِطرٍآن أي من نحاس أحمي عليه حتى بلغ المنتهى في الحرارة {وتغشى وجوهم النار} أي وتغطي وجوهم النار بلهبها، هؤلاء هم المجرمون في الدنيا بالشرك والمعاصي، وذها هو جزاؤهم يوم القيامة، فعل تعالى هذا بهم {ليجزي الله كل نفس بما كسبت ان الله سريع الحساب} فما بين إن وجدوا في الدنيا ان انتهوا إلى نار جهنم واستقروا في أتون جحيمها الا كمن دخل مع باب وخرج مع آخر، وأخيراً يقول تعالى: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو الله واحد وليذكروا أولوا الألباب} أي هذا القرآن بلاغ للناس من رب الناس قد بلغه إليهم رسول رب الناس {ولينذروا به} أي بما فيه من العظات والعبر والعرض الألوان العذاب وصنوف الشقاء لأهل الإجرام والشر والفساد، {وليعلموا} أي بما فيه من الحجج والدلائل والبراهين {أنما هو إله واحد} أي معبود واحد لا ثاني له وهو الله جل جلاله، فلا يعبدوا معه غيره إذ هو وحده الرب والإله الحق، وما عداه فباطل، {وليذكر اولوا الألباب} أي وليتعظ بهذا القرآن أصحاب العقول المدركة الواعية فيعلموا على إنجاء انفسهم من غضب الله وعذابه، وليفوزوا برحمته ورضوانه.

.من هداية الآيات:

1- بيان صدق وعد الله من وعدهم من رسله واوليائه.
2- بيان أحوال المجرمين في العرض وفي جهنم.
3- بيان العلة في المعاد الآخر وهو الجزاء على الكسب في الدنيا.
4- قوله تعالى في آخر آية من هذه السورة: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب} هذه الآية صالحة لأن تكون عنواناً للقرآن الكريم إذ دلت على مضمونة كلاملاً مع وجازة اللفظ وجمال العبارة، والحمد لله اولاً وآخراً.

.سورة الحجر:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)}

.شرح الكلمات:

{آلر}: الله أعلم بمراده بذلك، تكتب آلر. ويقرأ: ألف، لام، را.
{تلك آيات الكتاب}: الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف المقطعة تلك آيات الكتاب أي القرآن.
{يود}: يحب ويرغب متمنياً أن لو كان من المسلمين.
{ويتمتعوا}: أي بالملذات والشهوات.
{ويلههم الأمل}: أي بطول العمر وبلوغ الأوطار وإدراك الرغائب الدنيوية.
{إلا ولها كتاب معلوم}: أي أجل محدود لإهلاكها.
{ما تسبق من امة أجلها}: أي لا يتقدم أجلها المحدد لها ومن زائدة للتأكيد.

.معنى الآيات:

بما أن السورة مكية فإنها تعالج قضايا العقيدة وأعظمها التوحيد والنبوة والبعث. قوله تعالى: {آلر}: الله أعلم بمراده به، ومن فؤائد هذه الحروف المقطعة تنبيه السامع وشده بما يسمع من التلاوة، إذ كانوا يمنعون سماعه خشية التأثر به، فكانت هذه الفواتح التي لم يألفوا مثلها في كلامهم تشدهم إلى سماع ما بعدها من القرآن، وقوله: {تلك آيات الكتاب} من الجائز القول: الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف الر، آلم، طمس، حم عسق. {تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبين} المبين: المبين للحق والباطل والهدى والضلال وقوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}: بخير تعالى ان يوماً سيأتي هو يوم القيامة عندما يرى الكافر المسلمين يدخلون الجنة ويدخل هو النار يود يومئذ متمنياً أن لو كان من المسلمين. وقد يحدث الله تعالى ظروفاً في الدنيا وأموراً يتمنى الكافر فيها لو كان من المسلمين. وقوله تعالى: {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلهمم الأمل فسوف يعلمون} أي اتركهم يا رسولنا، أي اترك الكافرين يأكلوا ما شاءوا من الأطعمة، ويتمتعوا بما حصل لهم من الشهوات والملذات، ويلههم الأمل عن التفكير في عاقبة أمرهم. إذ همهم طول اعمارهم، وتحقيق أوطاهم، فسوف يعلمون إذا رُدوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا في الدنيا مخطئين بإعراضهم عن الحق ودعوة الحق والدين الحق وقوله: {وما أهلكنا من قرية} أي من قرية بعذاب الإبادة والاستئصال. وقوله: {... ما تسبق من امةٍ أجلها وما يستأخرون} أي بناءً على كتاب المقادير فإن أمة كتب الله هلاكها يمكن ان يتقدم هلاكها قبل ميقاته المحدد، ولا أن يستأخر عنه ولو ساعة. وفي هذا تهديد وتخويف لأهل مكة وهو يحاربون دعوة الحق ورسول الحق لعل قريتهم قد كتب لها كتاب وحدد لها أجل وهم لا يشعرون.

.من هداية الآيات:

1- القرآن الكريم مبين لكل ما يحتاج في إسعاد الإنسان وإكماله.
2- إنذار الكافرين وتحذيرهم من مواصلة كفرهم وحربهم للإسلام فإن يوماً سيأتي يتمنون فيه أن لو كانوا مسلمين.
3- تقرير عقيدة القضاء والقدر فما من شيء الا وسبق به علم الله وكتبه عنده في كتاب المقادير الحياة كالموت، والربح كالخسارة، والسعادة كالشقاء، جميع ما كان وما هو كائن وما سيكون سبق به علم الله وكتب في اللوح المحفوظ.

.تفسير الآيات (6- 11):

{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11)}

.شرح الكلمات:

{نزل عليه الذكر}: أي القرآن الكريم.
{بو ما تاتينا بالملائكة}: أي هلا تأتينا بالملائكة تشهد لك انك نبي الله.
{وما كانوا منظرين}: أي مهملين، بل يأخذهم العذاب فور نزول الملائكة.
{إنا نحن نزلنا الذكر}: أي القرآن.
{في شيع الأولين}: أي في فرق وطوائف الأولين.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر} أي قال الكافرون المنكرون للوحي والنبوة {إنك لمجنون} أي قابل عاقل وإلا لما اعديت النبوة. وفي قولهم هذا استهزاء ظاهر بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو ثمرة ظلمة الكفر التي في قلوبهم وقوله: {لو ما تأتينا بالملائكة} لو ما هنا بمعنى هلا التحضيضية أي هلا تأتينا بالملائكة نراهم عياناً يشهدون لك بإنك رسول الله {إن كنت من الصادقين} في دعواك النبوة والرسالة فأت الملائكة تشهد لك. قال تعالى: {ما ننزل الملائكة الا بالحق} أي نزولاً ملتبساً بالحق. أي لا تنزل الملائكة الا لاحقاق الحق وإبطال الباطل لا لمجرد تشهي الناس ورغبتهم ولو نزلت الملاكئة ولم يؤمنوا لنزل بهم العذاب فوراً {وما كانوا إذاً منظرين} أي مهملين بل يهلكون في الحال. وقوله تعالى في الآية (9): {إنا نحن نزلنا الذكر} أي القرآن {وإنا له لحافظون} أي من الضياع ومن الزيادة والنقصان لأن حجتنا على خلقنا إلى يوم القيامة. أنزلنا الذكر هدى ورحمة وشفاء ونوراً. هو يريدون العذاب والله يريد الرحمة. مع ان القرآن نزلت به الملائكة، والملائكة إن نزلت ستعود إلى السماء ولم يبق ما يدل على الرسالة الا القرآن ولكن القوم لا يريدون أن يؤمنوا وليسوا في ذلك الكفر والعناد وحدهم بل سبقتهم طوائف وأمم أرسل فيهم فكذبوا وجاحدوا وهو قوله تعالى: {ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين} أي في فرقهم وأممهم {وما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزءون} لأن علة المرض واحدة إذاً فلا تيأس يا رسول الله ولا تحزن بل اصبر وانتظر وعد الله لك بالنصر فإن وعده حق: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}

.من هداية الآيات:

1- بيان ما كان يلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من استهزاء وسخرية من المشركين.
2- مظهر من مظاهر رحمة الله بالإنسان، يطلب نزول العذاب والله ينزل الرحمة.
3- بيان حفظ الله تعالى للقرآن الكريم من الزيادة والنقصان ومن الضياع.
4- بيان سنة الله تعالى في الأمم والشعوب وهي أنهم ما يأتيهم من رسول ينكر عليهم مألوفهم ويدعوهم إلى جديد من الخير والهدى الا وينكرون ويستهزءون.

.تفسير الآيات (12- 18):

{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)}

.شرح الكلمات:

{كذلك نسلكه}: أي التكذيب بالقرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم.
{وقد خلت سنة الأولين}: أي مضت سنة الأمم السابقة.
{فظلوا فيه يعرجون}: أي يصعدون.
{إنما سُكرت}: أي سدت كما يُسَكر النهر أو الباب.
{في السماء بروجا}: أي كواكب ينزلها الشمس والقمر.
{شيطان رجيم}: أي مرجوم بالشهب.
{شهاب مبين}: كوكب يرجم به الشيطان يحرقه أو يمزقه أو يخبله أي يفسده.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في المكذبين للنبي المطالبين بنزول الملائكة لتشهد للرسول بنبوته حتى يؤمنوا بها. قال تعالى: {كذلك نسلكه} أي التكذيب في قلوب المجرمين من قومك، كما سلكناه حسب سنتنا في قلوب من كذبوا الرسل من قبلك فسلكه {في قلوب المجرمين} من قومك فلا يؤمنون بك ولا بالذكر الذي أنزل عليك، وقوله تعالى: {وقد خلت سنة الأولين} أي مضت وهي تعذيب المكذبين للرسل المستهزئين بهم لأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم. وقوله تعالى: {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا} أي الملائكة أو المكذبون {فيه} أي في ذلك الباب {يعرجون} أي يصعدون طوال النهار طالعين هابطين ولقالوا في المساء {إنما سكرت أبصارنا} أي منعت من النظر الحقيقي فلم نر الملائكة ولم نرى السماء {بل نحن قوم مسحورون} فأصبحنا نرى أشياء لا حقيقة لها، وقوله تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجاً} أي كواكب هي منازل للشمس والقمر ينزلان بها وعلى مقتضاها يعرف عدد السنين والحساب. وقوله: {زيناها} أي السماء بالنجوم {للناظرين} فيها من الناس. وقوله: {وحفظناها} أي السماء الدنيا {من كل شيطان رجيم} أي مرجوم ملعون. وقوله: {إلا من استرق السمع} الا مارد من الشياطين طلع إلى السماء لاستراق السمع من الملائكة لينزل بالخبر إلى وليه من الكهان من الناس {فاتبعه شهاب} من نار {مبين} أي يبين أثره في الشيطان إما بإخباله وإفساده وإما بإحراقه. هذه الآيات وهي مقولة تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجاً} إلى آخر ما جاء في هذا السياق الطويل، القصد منه إظهار قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته وكلها مقتضية لإرسال الرسول وإنزال الكتاب لهداية الناس إلى عبادة ربهم وحده عبادة يكملون عليها ويسعدون في الدنيا والآخرة، ولكن المكذبين لا يعلمون.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في المكذبين المعاندين وهي أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم.
2- مطالبة المكذبين بالآيات كرؤية الملائكة لا معنى لها إذ القرآن أكبر آية ولم يؤمنوا به فلذا لو فتح باب من السماء فظلوا فيه يعرجون لما آمنوا.
3- بيان مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته ورحمته فما حملت الآيات من مظاهر لذلك، بدءاً من قوله: {ولقد جعلنا في السماء بروجاً} إلى الآية السابعة والعشرين من هذا السياق الكريم.

.تفسير الآيات (19- 25):

{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}

.شرح الكلمات:

{والأرض مددناها}: أي بسطناها.
{وألقينا فيها رواسي}: أي جبالاً ثوابت لئلا تتحرك الأرض.
{موزون}: أي مقدر معلوم المقدار لله تعالى.
{معايش}: جمع معيشة أي ما يعيش عليه الإنسان من الأغذية.
{ومن لستم برازقين}: كالعبيد والإماء والبهائم.
{وما ننزله الا بقدر معلوم}: أي المطر.
{وأرسلنا الرياح لواقح}: أي تلقح السحاب فيمتلئ ماءً، كما تنقل مادة اللقاح من ذكر الشجر إلى أنثاه.
{وما انتم له بخازنين}: أي لا تملكون خزائنه فتمنعونه أو تعطونه من تشاءون.
{المستقدمين منكم والمستأخرين}: أي من هلكوا من بني آدم إلى يومكم هذا والمستأخرين ممن هم أحياء وممن لم يوجدوا بعد إلى يوم القيامة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته وهي موجبات الإيمان به وعبادته وتوحيده والتقرب إليه بفعل محابه وترك مساخطه. قوله تعالى: {الأرض مددناها} أي بسطناها {وألقينا فيها رواسي} أي جبالاً ثوابت تثبت الأرض حتى لا تتحرك أو تميد باهلها فيهلكوا، {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} أي مقدر معلوم المقدار لله تعالى. وقوله: {وجعلنا لكم فيها معايش} عليها تعيشون وهي انواع الحبوب والثمار وغيرها، وقوله: {ومن لستم له برازقين} بل الله تعالى هو الذي يرزقه وإياكم من العبيد والإماء والبهائم. وقوله: {وإن من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم} أي ما من شيء نافع للبشرية هي في حاجة اليه لقوام حياتها عليه الا عند الله خزائنه، ومن ذلك الأمطار، لكن ينزله بقدر معلوم حسب حاجة المخلوقات وما تتوقف عليه مصالحها، وهو كقوله: {بيده الخير وهو على كل شيء قدير} وكقوله: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما شاء الله إنه بعباده خبير بصير} وقوله: {وأرسلنا الرياح لقواح} أي تلقح السحاب فتمتلئ ماء، {فأنزلنا من السماء ماء} بقدرتنا وتدبيرنا {فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} أي لا تملكون خزائنه فتمنعونه من تشاوءن وتعطونه من تشاءون بل الله تعالى هو المالك لذلك، فينزله على أرض قوم ويمنه آخرين. وقوله: {إنا لنحن نحي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم} أي الذين ماتوا من لدن آدم {ولقد علمنا المستأخرين} ممن هم أحياء ومن لم يوجدوا وسيوجدون ويموتون إلى يوم القيامة، الجميع عَلِمَهُم الله، وغيره لا يعلم فلذا استحق العبادة وغيره لا يستحقها، وقوله: {وإن ربك} أيها الرسول {هو يحشرهم} أي إليه يوم القيامة ليحاسبهم ويجازيهم، وهذا متوقف على القدرة والحكمة والعلم، والذي أحياهم ثم أماتهم قادرٌ على إحيائهم نرةً أخرى والذيى علمهم قبل خلقهم وعلمهم بعد خلقهم قادر على حشرهم والحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه لا يخلقهم عبثاً بل خلقهم ليبلوهم ثم ليحاسبهم ويجزيهم أنه هو الحكيم العليم.

.من هداية الآيات:

1- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته المتجلية فيما يلي:
أ- خلق الأرض ومدّها وإلقاء الجبال فيها. إرسال الرياج لواقح للسحب.
ب- إنبات النباتات بموازين دقيقة. إحياء المخلوقات ثم إماتتها.
ج- إنزال المطر بمقادير معينة. علمه تعالى بمن مات ومن سيموت.
2- تقرير التوحيد ان من هذه آثار قدرته هو الواجب أن يعبد وحده دون سواه.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
4- تقرير نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم إذ هذا الكلام كلام الله أوحاه إليه صلى الله عليه وسلم.