فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (94- 101):

{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)}

.شرح الكلمات:

يأجوج ومأجوج: قبيلتان من أولاد يافث بن نوح عليه السلام والله أعلم.
{نجعل لك مخرجاً}: أي جعلا مقابل العمل.
{سداً}: السد بالفتح والضم الحاجز المانع بين شيئين.
{ردماً}: حاجزاً حصيناً وهو السد.
{زبر الحديد}: جمع زبرة قطعة من حديد على قدر الحجرة التي يبنى بها.
{بين الصدفين}: أي صدف الجبلين أي جانبهما.
{قطرا}: القطر النحاس المذاب.
{فما ااستطاعوا أن يظهروه}: أي عجزوا عن الظهور فوقه لعلوه وملاسته.
{نقباً}: أي فتح ثغرة تحت تحته ليخرجوا معها.
{جعله دكا}: أي تراباً مساوياً للأرض.
{وتركنا بعضهم}: أي يأجوج ومأجوج أي يذهبون ويجيئون في اضطراب كموج البحر.
{أعينهم في غطاء عن ذكري}: أي عن القرآن لا يفتحون أعينهم فيما تقرأه عليهم بغضاً له أو أعين قلوبهم وهي البصائر فهي في أكنة لا تبصر الحق ولا تعرفه.
{لا يستطيعون سمعاً}: لبغضهم للحق والداعي إليه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في حديث ذي القرنين إذ شكا إليه سكان المنطقة الشمالية الشرقية من الأرض، بما أخبر تعالى به عنهم إذ قال: {قالوا يا ذا القرنين أن يأجوج وماجوج مفسدون في الأرض} أي القتل والأكل والتدمير والتخريب، {فهل نجعل لك مخرجاً} أي أجراً {على أن تجعل بيننا وبينهم سداً} أي حاجزاً قوياً لا يصلون معه إلينا. فأجابهم ذو القرنين بما أخبر الله تعالى به في قوله: {قال ما مكني فيه ربي} من المال القوة والسلطان {خير} أي من جعلكم وخرجكم {فأعيوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً} أي أي سداً قوياً وحاجزاً مانعاً {آتوني زبر الحديد} أي قطع الحديد كل قطعة كاللبنة المضروية، فجاءوا به إليه فأخذ يضع الحجارة وزبر الحديد ويبني حتى ارتفع البناء فساوى بين الصدفين جابني الجبلين، وقال لهم {انفخوا} أي النار على الحديد {حتى إذا جعله نارا} قال آتوني بالنحاس المذاب أفرغ عليه قطرا فأتوه به فأفرغ عليه من القطر ما جعله كأنه صفيحة واحدة من نحاس {فما اسطاعوا} أي يأجوج وماجوج {أن يظهروه} أي يعلوا فوقه، {وما استطاعوا له نقباً} أي خرقاً فلما نظر إليه وهو جبل شامخ وحصن حصين قال هذا من رحمة ربي أي من أثر رحمة ربي عليّ وعلى الناس وأردف قائلاً {فإذا جاء وعد ربي} وهو خروج يأجوج ومأجوج عند قرب الساعة {جعله دكا} أي تراباً مساوياً للأرض، {وكان وعد ربي حقا} وهذا مما وعد به وأنه كائن لا محالة قال تعالى: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} أي مختلطين مضطرين أنسهم وجنهم {ونفخ في الصور} نفخة البعث {فجمعناهم} للحساب والجزاء {جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً} حقيقياً يشاهدونها فيه من قرب، ثم ذكر ذنب الكافرين وعلة عرضهم على النار فقال: وقوله الحق: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري} أي أعين قلوبهم وهي البصائر فلذا هم لا ينظرون في آيات الله الكونية فيستدلون بها على وجود الله ووجوب عبادته وتوحيده فيها، ولا في آيات الله القرآنية فيهتدون بها إلى أنه لا إله إلا الله ويعبدونه بما تضمنته الآيات القرآنية، {وكانوا لا يستطيعون سمعاً} للحق ولما يدعوا إليه رسل الله من الهدى والمعروف.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية الجعالة للقيام بالمهام من الأعمال.
2- فضيلة التبرع بالجهد الذاتي والعقلي.
3- مشروعية التعاون على ما هو خير، أو دفع للشر.
4- تقرير وجود أمة يأجوج ومأجوج وأن خروجهم من أشراط الساعة.
5- تقرير البعث والجزاء.

.تفسير الآيات (102- 106):

{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)}

.شرح الكلمات:

{أفحسب الذين كفروا}: الأستفهام للتقريع والتوبيخ.
{أن يتخذوا عبادي}: كالملائكة وعيسى بن مريم والعزير وغيرهم.
{أولياء}: أرباباً يعبدونهم بأنواع من العبادات.
{نزلاً}: النزل: ما يعد للضيف من قرى وهو طعامه وشرابه ومنامه.
{ضل سعيهم}: أي بطل عملهم وفسد عليهم فلم ينتفعوا به.
{يحسنون صنعاً}: أي بعمل يجازون عليه بالخير وحسن الجزاء.
{بآيات ربهم}: أي بالقرآن وما فيه من دلائل التوحيد والأحكام الشرعية.
{ولقائه}: أي كفروا بالبعث والجزاء.
{وزناً}: أي لا نجعل لهم قدراً ولا قيمة بل نزدريهم ونذلهم.
{ذلك}: أي أولئك جزاؤهم وأطلق لفظ ذلك بدل أولئك، لأنهم بكفرهم وحبوط أعمالهم أصبحوا غثاء كغثاء السيل لا خير فيه ولا وزن له فحسن أن يثار إليه بذلك.

.معنى الآيات:

ينكر تعالى على المشركين شركهم ويوبخهم مقرعاً لهم عاى ظنهم ان اتخاذهم عباده من دونه أولياء يعبدونهم كالملائكة حيث عبدهم بعض العرب والمسيح حيث عبده النصارى، والعزير حيث عبده بعض اليهود، لا يغضبه تعالى ولا يعاقبهم عليه. وكيف لا يغضبه ولا يعاقبهم عليه وقد أعد جهنم للكافرين نزلاً أي دار ضيافة لهم فيها طعامهم وفيها شرابهم وفيها فراشهم كما قال تعالى: {لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش} هذا ما دلت عليه الآية الأولى (102) وهي قوله: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء. إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا}. وقوله تعالى في الآية الثانية (103) يخبر تعالى بأسلوب الاستفهام للتشويق للخبر فيقول {قل هل ننبئكم} أيها المؤمنون {بالأخسرين أعمالاً} إنهم {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} أي عملاً، ويعرفهم فيقول {أولئك الذي كفروا بآيات ربهم} فلم يؤمنوا بها، وبلقاء ربهم فلم يعلموا العمل الذي يرضيه عنهم ويسعدهم به وهو الإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله لعباده المؤمنين به يتقربون به إليه. فلذلك حبطت أعمالهم لأنها شرك وكفر وشر الباطلة فإن أحدهم لا يزن جناح بعوضة لخفته.
وأخيراً أعلن تعالى عن حكمه فيهم وعليهم فقال: {ذلك} أي المذكور من غثاء الخلق {جزاؤهم جهنم.} وعلل للحكم فقال: {بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً} أي سبب كفرهم واستهزائهم بآيات ربهم وبرسله فكان الحكم عادلاً، والجزاء موافقاً والحمد الله رب العالمين.

.من هداية الآيات:

1- تقرير شرك من يتخذ الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء آلهة يعبدوهم تحت شعار التقرب إلى الله تعالى والاستشفاع بهم والتوسل إلى الله تعالى بحبهم والتقرب إليهم.
2- تقرير هلاك أصحاب الأهواء الذين يعبدون الله تعالى بغير ما شرع ويتوسلون إليه بغير ما جعله وسلية لرضاه وجنته. كالخوارج والرهبان من النصارى والمبتدعة الروافض والأسماعيلية، والنصيرية والدروز ومن إليهم من غلاة المبتدعة في القعائد والعبادات والأحكام الشرعية.
3- لا قيمة ولا ثقل ولا وزن لعمل لا يوافق رضا الله تعالى وقبوله له، كما وزن عند الله تعالى لصاحبه، وإن مات خوفاً من الله أو شوقاً إليه.

.تفسير الآيات (107- 110):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}

.شرح الكلمات:

{كانت لهم}: أي جزاء إيمانهم وعملهم الصالح.
{الفردوس نزلاً}: هو وسط الجنة وأعلاها ونزلاً منزل إكرام وإنعام.
{لا يبغون عنها حولاً}: أي لا يطلبون تحولاً منها لأنها لا خير منها أبداً.
{لو كان البحر}: أي ولم تنفذ هي أي لم تفرغ.
{يرجو لقاء ربه}: يأمل وينتظر البعث والجزاء يوم القيامة حيث يلقى ربه تعالى.
{ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}: أي لا يرائي بعمله أحداً ولا يشرك في عبادة الله تعالى غيره تعالى.

.معنى الآيات:

بعدما ذكر تعالى جزاء اهل الشرك والأهواء وأنه جهنم ناسب ذكر جزاء اهل الايمان والتقوى التي هي عمل الصالحات واجتناب المحرمات فقال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي صدقدوا الله ورسوله وآمنوا بلقاء الله، ووعد لأوليائه، ووعيده لأعدائه من أهل الشرك والمعاصي، وعملوا الصالحات فأدوا الفرائض والواجبات وسارعوا في النوافل والخيرات هؤلاء {كانت لهم} في علم الله وحكمه {جنات الفردوس} أي بساتين الفردوس منزلاً ينزلونه ودار كرامة يكرمون فيها وينعمون، والفردوس أعلى الجنة وأوسطها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفاً لها ومرغباً فيها وقد ارتادها وانتهى إلى مستوى فوقها ليلة الإسراء والمعراج قال: «إن سألتم الله فسالوه الفردوس فغنها أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن تبارك وتعالى، ومنه تفجر أنهار الجنة»، كما في الصحيح، وقوله تعالى: {خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً} أي ماكثين فيها أبداً لا يطلبون متحولاً عنها إذ نعيمها لا يمل وسعادتها لا تنقص، وصفوها لا يكدر وسرورها لا ينغص بموت ولا بمرض ولا نصب ولا تعب جعلني الله ومن قال أمين من أهلها. آمين. وقوله تعالى: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفذ البحر قبل ان تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} تضمنت هذه الآية رداً على اليهود الذين لما نزل قول الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم الا قليلا} في الرد عليهم لما سألوا عن الروح بواسطة وفد قريش اليهم. فقالوا: أوتينا التوارة وفيها علم كل شيء فأنزل الله تعالى قل لو كان البحر مداداً الآية رداً عليهم وإبطالاً لمزاعمهم فأعلمهم وأعلم كل من يدعي العلم الذي ما فوقه علم بأنه لو كان البحر مدادا وكان كل غصن وعود في أشجار الدنيا كلها قلماً، وكتب بهما لنفذ ماء البحر وأغصان الشجر ولم تنفذ كلمات ربي التي تحمل العلوم والمعارف الإلهية وتدل عليها وتهدي إليها فسبحان الله وبحمده، سبحانه الله العظيم سبحان الله الذي انتهى إليه كل شيء وهو على كل شيء قدير. وقوله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي الي أنما إلهكم إله واحد}. يأمر تعالى رسوله بأن يقول للمشركين الذين يطلبون منه المعجزات كالتي أوتى موسى وعيسى: إنما أنا بشر مثلكم لا أقدر على ما لا تقدرون عليه أنتم، والفرق بيننا هو أنه يوحى إلى الامر من ربي وأنتم لا يوحى اليكم يوحى الي أنما إلهكم أي معبودكم الحق وربكم الصدق هو إله واحد الله ربكم ورب آبائكم الأولين.
وقوله: {فمن كان يرجو} أي يأمل وينتظر {لقاء ربه} خوفاً منه وطمعاً فيه {فليعمل عملاً صالحاً} وهو مؤمن موقن، {ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} فإن الشرك محبط للعمل مبطل له، وبهذا يكون رجاء صادقاً وانتظاره صالحاً صائباً.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- بيان أفضل الجنان وهو الفردوس الأعلى.
3- علم الله غير متناهي لأن كلماته غير متناهية.
4- تقرير صفة الكلام لله تعالى.
5- تقرير بشرية النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ليس روحاً ولا نوراً فحسب كما يقول الغلاة الباطنية.
6- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك.
7- تقرير ان الرياء شرك لما ورد ان الآية نزلت في بيان حكم المرء ويجاهد يريد وجه الله ويرغب ان يرى مكانة بين الناس، يصلى ويصوم ويجب أن يثنى عليه بذلك.

.سورة مريم:

.تفسير الآيات (1- 7):

{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)}

.شرح الكلمات:

{كَهَيَعَص}: هذه من الحروف المقطعة تكتب كهيعص كاف، هاء يا عين صاد. ومذهب السلف أن يقال فيها: الله أعلم بمراده بذلك.
{ذكر رحمة ربك}: أي هذا ذكر رحمة ربك.
{نادى ربه}: أي قال: يا رب ليسأله الولد.
{نداءً خفيا}: أي سر بعداً عن الرياء.
{وهن العظم مني}: أي رق وضعف لكبر سني.
{واشتعل الرأس شيباً}: أي انتشر الشيب في شعر انتشاراً النار في الحطب.
{ولم أكن بدعائك رب شقيا}: أي إنك لم تخيبني فما دعوتك فيه قبل فلا تخيبني اليوم فيما أدعوك فيه.
{وإني خفت الموالي}: أي خشيت بني عمر أن يضيعوا الدين بعد موتي.
{إمرأتي عاقراً}: لا تلد واسمها أشاع وهي أخت حنة أم مريم.
{فهب لي من لدنك ولياً}: أي ارزقني من عندك ولداً.
{ويرث من آل يعقوب}: أي جدي يعقوب العلم والنبوة.
{واجلعه رب رضيا}: أي مرضيا عندك.
{سمياً}: أي مسمى يحيى.

.معنى الآيات:

أما قوله تعالى: {كَهَعيص} فإن هذا من الحروف المقطعة والراجح أنها من المتشابه الذي نؤمن به ونفوض فهم معناه لمنزله سبحانه وتعالى فنقول: {كهيعص} الله أعلم بمراده به. وأما قوله تعالى: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} فإن معناه: مما تتلو عليك في هذا القرآن يا نبينا فيكون دليلاً على نبوتك ذكر رحمة ربك التي رحم بها عبده زكريا حيث كبرت سنه، وأمراته عاقر لا يولد لها ورغب في الولد لمصلحة الدعوة الإسلامية إذ لا يوجد من يخلفه فيها إذا مات نظراً إلى ان الموجود من بني عمه ومواليه ليس بينهم كفؤ لذلك بل هم دعاة إلى السوء فنادى ربه نداً خفياً قائلاً: {رب إني وهن العظم مني} أي رق وضعف، {واشتعل الرأس شيباً} أي شاب شعر رأسي لكبر سني، {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي في يوم من الأيام بمعنى أنك عودتي الاستجابة لما ادعوك له ولم تحرمني استجابة دعائي فأشقى به دون الحصول على رغبتي. {وإني} يا ربي قد {حفت الموالي} أن يضيعوا هذه الدعوة دعوة الحق التي هي عبادتك بما شرعت وحدك لا شريك لك، وذلك بعد موتي {فهب لي من لدنك} أي من عندك تفضلاً به على إذ الأسباب غير متوفرة للولد: المرأة عاقر وأنا شيخ كبير هرم، {ولياً} أمر هذه الدعوة بعد وفاتي فيرثني فيها {ويرث من آل يعقوب} جدي ما تركوه بعدهم من دعوة أبيهم وهي الحنفية عبادة الله وحده لا شريك له {واجله رب رضيا} أي وأجعل الرب تبارك وتعالى بما في قوله: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا} أي من سمي باسمه يحيى قط.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإخباره بهذا الذي أخبر به عن زكريا عليه السلام.
2- استحباب السرية في الدعاء لأنه أقرب إلى الاستجابة.
3- وجود العقم في بعض النساء.
4- قدرة الله تعالى فوق الأسباب إن شاء تعالى أوقف الأسباب وأعطى بدونها.
5- تقرير مبدأ أن الأنبياء لا يورثون فيما يخلفون من المال كالشاه والبعير وإنما يورثهم الله أولادهم في النبوة والعلم والحكمة.

.تفسير الآيات (8- 15):

{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)}

.شرح الكلمات:

{أنى يكون لي غلام}: أي من أي وجهٍ وَجِهَةٍ يكون لي ولد.
{عتياً}: أي يبست مفاصلي وعظامي.
{آية}: أي علامة تدلني على حمل أمراتي.
{سوياً}: أي حال كونك سوي الخلق ما بك عليه خرس.
{من المحراب}: المصلى الذي يصلي فيه وهو المسجد.
{فأوحى إليهم}: أومأ إليهم وأشار عليهم.
{وآتيناه الحكم صبياً}: الحكم الحكمة بمعنى واحد وهما الفقه في الدين ومعرفة اسرار الشرع.
{وحناناً من لدنا}: أي عطفاً على الناس موهوباً له من عندنا.
{وزكاة}: أي طهارة من الذنوب والآثام.
{جبرا عصياً}: أي متعاليا لا يقبل الحق عصياً لا يطيع أمر الله عز وجل وأمر والديه.
{وسلام عليه}: أي أمان له من الشيطان أن يمسه بسوء يوم يولد، وأمان له من فتاني القبر يوم يموت، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حياً.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر رحمة الله وعبده زكريا إنه لما بشره ربه تعالى بيحيى قال: ما أخبر به تعالى عنه في قوله: {قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امراتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً} أي من أي وجه يأتيني الولد أمن غير أمراتي، أم منها ولكن تهبني قوة على مباضعتها وتجعل رحمها قادرة على العلوق، لأني كما تعلم يا ربي قد بلغت من الكبر حداً بس فيه عظمي ومفاصلي وهو العتى كما أن امراتي عاقر لا يولد لها. فأجابه الرب تبارك وتعالى بما في قوله عز وجل: {قال كذلك} أي الأمر كما قلت يا زكريا، ولكن {قال ربك هو على هين} أي إعطاؤك الولد على ما أنت عليه من الضعف والكبر وامرأتك من العقر سهل يسير لا صعوبة فيه ويدلك على ذلك أني {قد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً} فكما قدر ربك على خلقك ولم تك شيئاً فهو قادر على هبتك الولد على ضعفك وعقر امرأتك وهنا طالب زكريا ربه بان يجعل له علامة تدل على وقت حمل امرأته بالولد فقال ما أخبر به تعال في قوله: {قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً} فأعطاه تعالى علامة على وقت حمل امراته وهي ان يصبح يوم بداية الحمل لا يقدر على الكلام وهو سوي البدن ما به خرس ولا مرض يمنعه من الكلام، {فخرج على قومه من المحراب} أي المصلى الذي يصلي فيه {فأوحى إليهم} أي أومأ وأشار إليهم {ان سبحوا بكرة وعشياً} أي اذكروا الله في هذين الوقتين بالصلاة والتسبيح. وهنا علم بحمل ارمرأته إذا إمتناعه عن الكلام مع سلامة جسمه وحواسه آية على بداية الحمل، وهنا علم بحمل أمراته إذ إمتناعه عن الكلام مع سلامة جسمه وحواسه آية على بداية الحمل.
وقوله تعالى: {يا يحيى خذا الكتاب بقوة} هذا قول الله تعالى للغلام بعد بلوغه ثلاث سنين أمره الله تعالى أن يتعلم التوارة ويعمل بها بقوة جد وحزم وقوله: {وآتيناه الحكم صبياً} أي وهبناه الفقه في الكتاب ومعرفة أسرار الشرع وهو صبي لم يبلغ سن الاحتلام. وقوله تعالى: {وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً} أي ورحمة منا به ومحبة له آتيناه الحكم صبياً أنه عليه السلام كان ذا حنان على أبويه وغيرهما من المسلمين وقوله: {وزكاة} أي طهارة من الذنوب باستعمال بدنه في طاعة ربه عز وجل {وكان تقياً} أي خائفاً من ربه فلا يعصه بترك فريضة ولا يفعل حرام.
وقوله تعالى: {وبراً بوالديه} أي محسنا بهما مطيعاً لهما لا يؤذيهما أدنى أذى وقوله: {ولم يكن جباراً عصياً} أي لم يكن عليه السلام مستكبراً ولا ظالماً، ولا متمرداً عاصياً لربه ولا لأبويه وقوله: {وسلام عليه يوم ولد} أي أمان له من الشيطان يوم ولد، وأمان له من فتانى القبر يوم يموت، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حياً، فسبحان الله ما أعظم فضله وأجزل عطاءه على أوليائه، اللهم أمنا كما أمنته فإنك ذو فضل عظيم.

.من هداية الآيات:

1- طلب معرفة السبب الذي يتأتى به الفعل غير قادح في صاحبه فسؤال زكريا عن الوجه الذي يأتي به الولد، كسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى.
2- جواز طلب العلامات الدالة على الشيء.
3- آية عجيبة أن يصبح زكريا لا يتكلم فيفهم غيره بالإشارة فقط.
4- فضل التسبيح في الصباح والمساء.
5- وجوب أخذ القرآن بجد وحزم وحفظاً وعملاً بما فيه.
6- صدق قول أهل العلم من حفظ القرآن في سن ما قبل البلوغ فقد أوتي الحكم صبياً.
7- وجوب البر بالوالدين ورحمتهما والحنان عليهما والتواضع لهما.