فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (75- 88):

{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)}

.شرح الكلمات:

{لما خلقت بيديّ}: أي للذي خلقته بيديَّ وهو آدم فدل ذلك على شرفه.
{استكبرت أم كنت من العالين}: استكبرت الآن أم كنت من قبل من العالين المتكبرين والاستفهام للتوبيخ. والتقريع لإِبليس.
{فاخرج منها}: أي من الجنة.
{فإِنك رجيم}: أي مرجوم مطرود.
{وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين}: أي طرده من الجنة وألحقه لعنة وهي الطرد من الرحمة إلى يوم الدين أي الجزاء وهو يوم القيامة.
{قال رب فانظرني}: أي أخر موتي وأبق عليَّ حيَّا إلى يوم يبعثون أي الناس.
{إلى يوم الوقت المعلوم}: أي إلى النفخة الأولى وهي نفخة الموت والفناء.
{إلا عبادك منهم المخلصين}: أي الذين استخلصتهم للإِيمان بك وعبادتك ومجاورتك في الجنة.
{قل ما أسألكم عليه من أجر}: لا اسألكم على البلاغ أجراً تعطونه لي.
{وما أنا من المتكلفين}: أي المتقولين القرآن ومات أنذركم به من تلقاء نفسي.
{إن هو إلا ذكر للعالمين}: أي ما أتلوه من القرآن وما أقوله من الهدى إلا ذكر للعالمين.
{ولتعلمن نبأه بعد حين}: أي ولتعلمن أيها المكذبون نبأ القرآن الذي أنبأ به من الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين بعد حين.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر ما دار بين الربّ تعالى وعدوه إبليس من حديث في الملأ الأعلى إذ قال تعالى بعد ان امتنع إبليس من السجود لآدم {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ} أي أيُّ شيء جعلك تمتنع من السجود لآدم وقد أمرتك بذلك {استكبرت} أي الآن {أم كنت} من قبل {من العالين} أي المستكبرين، وهذا الاستفهام من الله تعالى توبيخ لإِبليس وتقريع له. وأجابه إبليس بما أخبر تعالى به عنه في قوله: {قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين} فاستعمل اللعين القياس الفاسد المردود عند أرباب العقول، إذ النار لم تكن أبداً خيرا من الطين، النار تحرق ونهايتها رماد، والطين لا يحرق ومنه سائر أنواع المغذيات التي بها الحياة الحبوب والثمار والفواكه والخضر واللحوم وحسبه أنه أصل الإِنسان ومادة خلقته. فأيُّ شرف للنّار أعظم لو كان اللعين يعقل. وها قال تعالى له {فاخرج منها} أي من الجنة {فإِنك رجيم} أي مطرود مبعد لا ينبغي أن تبقى في رحمة الله، {وأن عليك لعنتي} لا تفارقك على مدى الحياة وهي بُعد من رحمتي طوال الحياة.
وهنا قال اللعين لما آيس من الرحمة {بّ فانظرني} أي ابق عليَّ حياً لا تمتني {إلى يوم يبعثون} حتى يتمكن من إغواء بني آدم ولا يموت إذا ماتوا في النفخة الأولى فلا يذوق هو الموت وعلم الله ما أضمره في نفسه فرد عليه بقوله: {فإنك من المنظرين} أي الممهلين المبقى على حياتهم {إلى يوم الوقت المعلوم} وهو النفخة الأولى حتى يموت مع سائر الخلائق ولما علم اللعين أنه أنظر قال في صفاقة وجه ووقاحة قول مقسماً بعزة الله {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} فاستثنى اللعين عباد الله المؤمنين المتبقين الذين استخلصهم الله لطاعته وجواره في دار كرامته.
وهنا قال تعالى ردا على اللعين {قال فالحق} أي أنا الحق {والحق أقول} {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم} أي من الإِنس والجن أجمعين. وإلى هنا انتهى ما دار من خصومة في الملأ الأعلى، وكيف عرف محمد صلى الله عليه وسلم هذا وأخبر به لولا انه وحي يوحى إليه. وهنا قال تعالى لرسوله قل لقومك المكذبين برسالتك {ما اسألكم عليه} أي على البلاغ {من أجر وما أنا من المتكلفين} الذين يتقولون على الله ويقولون ما لم يقل {إن هو} أي القرآن {إلا ذكر للعالمين} من الإِنس والجن يذكرون به فيؤمنون ويهتدون {ولتعلمن نبأه بعد حين} أي ولتعرفن صدق ما أخبر به من وعد ووعيد وصلاحية ما تضمنه من تشريع بعد حين، وقد عرف بعضهم ذلك يوم بدر، ويوم الفتح، ويوم موته.

.من هداية الآيات:

.من هداية الآيات:

1- ذم الكبر والحسد وحرمتهما وبيان جزائهما.
2- مشروعية القياس إن كان قياس صحيحا، وبيان اخطار القياس الفاسد.
3- مشروعية القسم بالله وبصفاته وأسمائه.
4- بيان أن من كتب إلله سعادتهم لا يقوى الشيطان على اغوائهم وإضلالهم.
5- لا يجوز أخذ الأجرة على بيان الحق والدين.
6- ذم التكلُّف المفضي إلى الكذب والتقول على الله وعلى الرسول والمؤمنين.
7- ظهر مصداق ما أخبر به القرآن بعد حين قصير وطويل.

.سورة الزمر:

.تفسير الآيات (1- 4):

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)}

.شرح الكلمات:

{تنزيل الكتاب}: أي القرآن من الله.
{العزيز الحكيم}: أي العزيز في مُلكه وانتقامه الحكيم في صنعه وتدبير خلقه.
{مخلصا له الدين}: أي مفرداً إياه بالعبادة فلا تشرك بعبادته أحداً.
{لله الدين الخالص}: أي له وحده خالص العبادة لا يشاركه في ذلك احد سواه.
{أولياء}: أي شركاء وهي الأصنام.
{ليقربونا إلى الله زلفى}: أي تقريباً وتشفع لنا عند الله.
{من هو كاذب كفار}: أي كاذب أي على الله كفار بعبادته غير الله تعالى.
{سبحانه}: أي تنزيها له عن الولد والشريك.
{هو الله الواحد القهار}: أي المعبود الحق الواحد الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه القهار لخلقه.

.معنى الآيات:

تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم يخبر تعالى أن تنزيل القرآن كان منه سبحانه وتعالى وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه. ولم يكن عن غيره بحال من الأحوال وقوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} يخبر تعالى رسوله بقوله: {إنا أنزلنا إليك الكتاب} أي القرآن العظيم {بالحق} في كل ما جاء فيه ودعا إليه من العقائد والعبادات والأحكام وعليه {فاعبد الله مخلصاً له الدين} في كل ما جاء فيه ودعا إليه من العقائد والعبادات والأحكام وعليه {فاعبد الله مخلصاً له الدين} أي العبادة فلا تعبد معه غيره فإِن العبادة لا تصلح لغيره أبداً {ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء} أي شركاء يعبدونهم ويقولون {ما نعبدهم إلاَّ ليقربونا إلى الله زلفى} أي تقريبا ويشفعوا لنا عند الله في قضاء حوائجنا هؤلاء يحكم الله بينهم في ما هم فيه مختلفون مع المؤمنين الموحدين وذلك يوم القيامة وسيجزي بعدله كلا بما يستحقه من إنعام وتكريم أو شقاء وتعذيب. وقوله تعالى: {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} يخبر تعالى بحرمان أناس من هدايته وهم الذين توغلوا في الفساد فكذبوا على الله تعالى وعلى عباده وأصبح الكذب وصفاً لازما لهم، وكفروا وبالغوا في الكفر بالله وآياته ورسوله ولقائه فأصبح الكفر وصفاً ثابتاً لهم، ‘ذ هذه سنته في حرمان العبد من الهداية ليمضي فيه حكم الله باشقائه وتعذيبه يوم القيامة. وقوله تعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولداً} كما يزعم المشركون الذين قالوا الملائكة بنات الله، وكما قال النصارى المسيح ابن الله، وكما قال اليهود عزير بن الله، ولو أراد الله أن يكون له ولدٌ لاصطفى واختار مما يخلق ما يشاء، ولا يتركهم ينسبون إليه الولد افتراء عليه وكذبا، ولكنه تعالى منزه عن صفات المحدثين وافتقار المخلوقين إذ هو الله ذو الألوهية على سائر خلقه الواحد الذي لا شريك له في ملكه وسلطانه وحكمه القهار لسائر خلقه فسبحانه لا إله غيره ولا رب سواه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية.
2- تقرير التوحيد.
3- بطلان الشرك والتنديد بالمشركين.
4- تقرير البعث والجزاء يوم القيامة.

.تفسير الآيات (5- 7):

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}

.شرح الكلمات:

{خلق السموات والأرض بالحق}: أي من أجل أن يذكر ويشكر لا من أجل اللهو العبث.
{يكور الليل على النهار}: أي يدخل أحدهما في الآخرة فإِذا جاء الليل ذهب النهار والعكس كذلك.
{وسخر الشمس والقمر}: أي ذللهما فلا يزالان يدوران في فلكيهما إلى نهاية الحياة وبدورتهما تتم مصالح سكان الأرض.
{خلقكم من نفس واحدة}: هي آدم عليه السلام.
{ثم جعل منها زوجها}: هي حواء خلقها الله تعالى من ضلع آدم الأيسر.
{وأنزل لكم من الأنعام}: أي أنزل المطر فأنبت العشب فخلق الأنعام فهذا وجه لإِنزالها.
{ثمانية أزواج}: أي من الإِبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين.
{يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق}: أي أطواراً أطواراً بعد طور نطفة فعلقة فمضغة.
{في ظلمات ثلاث}: أي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة.
{ولا تزر وازرة وزر أُخرى}: أي لا تحمل نفس ذات وزر وزر نفس أخرى.
{إنه عليم بذات الصدور}: أي ما يخفيه المرء في صدره وما يسره في ضميره.

.معنى الآيات:

هذه الآيات الكريمة في تقرير التوحيد بذكر الأدلة والبراهين التي لا تدع للشك مجالاً في نفوس العقلاء فقال تعالى في الآية (5): {خلق السموات والأرض} أي أوجدهما خلقا على غير مثال سابق وخلقهما بالحق لغايات سامية شريفة وليس للباطل والعبث ومن تلك الغايات أن يعبد فيها فيذكر ويشكر. وقوله: {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل} أي يغشى هذا هذا فيغطيه به ويستره كأنما لفَّه عليه وغشاه به وهذا برهان ثان فالأول برهان الخلق للسموات والأرض وبرهان ثالث في قوله: {وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى} يدوران في فلكيهما إلى قيام الساعة وفي ذلك من الفوائد والمصالح للعباد مالا يقادر قدره من ذلك معرفة عدد السنين والحساب. وقوله: {ألا هو العزيز الغفار} إعلان وتنبيه بأنه تعالى عزيز في بطشه وانتقامه من أعدائه غفّار لعباده التائبين غليه. وقوله تعالى في الآية (6): {خلقكم من نفس واحدة} هي آدم عليه السلام فقد صح أنه لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ذرّيته وأشهدهم على أنفسهم، ولهذا جاء العطف بثم {إذ قال خلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها} أي بعد أن مسح على ظهر آدم وأخرج ذرّيته من ظهره وأشهدهم على أنفسهم خلق حواء من ضلعه اليسر، وهذا برهان وآخر في قوله: {وأنزل لكم من الأنعام} وهي الإِبل والبقر والغنم ضأن وماعز وهي ذكر وأنثى فالذكر زوج والأنثى زوج فهي ثمانية أزواج وجائز أن يكون أصل هذه الأنعام قد أنزله من السماء كما أنزل آدم وحواء من السماء، وجائز أن يكون أنزل الماء فنبت العشب وتكونت هذه الأنعام من ذلك فالأصل الإِنزال من السماء وتدرج الخلق كان في الأرض.
وبرهان رابع في قوله: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق} أي نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم نكسو العظام لحماً فإِذا هو إنسان كامل وقوله: {في ظلمات ثلاث} هي ظلمة بطن الأم، ثم ظلمة الرحم، ثم ظلمة المشيمة، وهي غشاء يكون للولد وفي الحيوان يقال له السَّلي وقوله بعد ذكر هذه البراهين قال: {ذلكم الله ربكم} أي خالقكم ومعبودكم {الحق له الملك لا إله إلا هو} أي لا معبود إلا هو إذ لا تصلح العبادة إلاّ له {فأنى تصرفون} أي كيف تصرفون عن الحق إلى الباطل، وعن الهدى إلى الضلال إن أمركم عجبٌ. وقوله في الآية (7): {إن تكفروا فإِن الله غنيٌّ عنكم} أي بعد أن بيّن بالأدلة القاطعة وجوب الإِيمان به ووجوب عباجته، وأنه الرب الحق وإِله الحق أعلم عباده أن كفرهم به لا يضره ابدا لأنه غنيٌ عنهم وعن سائر خلقه إلا أنه لرحمته بعباده لا يرضى لهم الكفر لما يسببه لهم من شقاء وخسران، كما انهم إن آمنوا وشكروا يرضه لهم فيثبتهم أحسن ثواب ويجزيهم أحسن جزاء. وقلوه {ولا تزر وازرة وزر أخرى} هذا مظهر من مظاهر عدله بين عباده وهو أن نفسا ذات وزر أي ذنب لا تحمل وزر أي ذنب نفس أخرى بل كل نفس تحمل وزرها وتتحمل تبعته ونتائجه وحدها. وقوله تعالى: {ثم إلى ربكم مرجعكم} أي بعد الموت {فينبئكم بما كنتم تعملون} أي فيخبركم بأعمالكم خفيها وجليها صغيرها وكبيرها {إنه عليم بذات الصدور} فضلا عما كان عملا ظاهراً غير باطن ويجزيكم بذلك الخير بمثله والشر بمثله. فهذا ربكم الحق وإلهكم الصدق فآمنوا به ووحدوه ولا تشركوا به وأطيعوه ولا تعصوه تنجوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة. ولا يهلك على الله إلا هالك.

.من هداية الآيات:

1- بيان آيات الله في الكون وإيرادها أدلة على التوحيد.
2- بيان إفضال الله تعالى على العباد في خلقهم ورزقهم.
3- بيان أن الكفر أعجب من الإِيمان إِذ أدلة الإِيمان لا تعد كثرة وأما الكفر فلا دليل عليه البتة ومع هذا أكثر الناس كافرون.
4- بيان غنى الله تعالى عن خلقه وافتقار الخلق إليه.
5- بيان عدالة الله تعالى يوم القيامة وتقريرها.
6- بيان إحاطة علم الله بالخلق وعلمه بأفعالهم وأحوالهم ظاهراً وباطناً.

.تفسير الآيات (8- 9):

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)}

.شرح الكلمات:

{وإذا مس الإِنسان}: الإِنسان أي المشرك.
{ضر}: أي مرض أو خوف غرق ونحوه من كل مكروه لا يقدر على دفعه.
{دعا ربه منيباً إليه}: أي سال ربّه كشف ما أصابه من ضر راجعاً إليه معرضا عمن سواه.
{إذا خوله نعمة منه}: أي أعطاه نعمة منه بأن كشف ما به من ضر.
{نسى ما كان يدعو إليه منقبل}: أي ترك ما كان يتضرع إليه من قبل وهو الله سبحانه وتعالى.
{وجعل لله أنداداً}: أي شركاء.
{ليضل عن سبيله}: أي ليضل نفسه وغيره عن الإِسلام.
{قل تمتع بكفرك قليلا}: أي قل يا نبيّنا لهذا الكافر الضال المضل تهديداً تمتع بكفرك بقية أجلك.
{إنك من أصحاب النار}: أي أهلها المتأهلين لها بخبث نفوسهم وظلمة أرواحهم.
{قانت آناء الليل}: أي مطيع لله آناء الليل أي ساعات الليل ساجداً وقائما في الصلاة.
{إنما يتذكر أولوا الألباب}: أي يتعظ بما يسمع من الآيات أصحاب العقول النيِّرة.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال التنديد، فقال تعالى مخبراً عن حال المشرك بربه المتخذ له أنداداً يعبدها معه {وإذ مسّ الإِنسان ضرّ دعا ربّه منيبا إليه} أي سأل ربّه راجعا إليه رافعا إليه يديه يا رباه رباه سائلا تفريج ما به وكشف ما نزل به {ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل} حتى إذا فرَّج الله كربه ومجاه، وترك دعاء الله، وأقبل على عبادة غير الله، {وجعل لله أنداداً} أي شركاء {ليضل} نفسه وغيره. وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول له نيابة عن الله تعالى قل يا رسولنا لهذا المشرك الكافر تمتع بكفرك قليلا أي مدة بقية عمرك إنك من اصحاب النار، هكذا هدده ربّه وخوفه بعاقبة أمر الشرك والتنديد لعله ينتهي فيتوب توبة صادقة ويرجع إلى الله رجوعاً حسناً جميلا. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (8) أما الآية الثانية (9) فيقول تعالى: {أمنَّ هو قانت} أي مطيع لله ورسوله في أمرهما ونهيهما {آناء الليل} أي ساعات الليل تراه ساجداً في صلاته أو قائماً يتلو آيات الله في صلاته، وفي نفس الوقت هو يحذر عذاب الآخرة ويسأل الله تعالى في يقيه منه، ويرجو رحمة ربّه وهي الجنة أن يجعله الله من أهلها أهذا خير أم ذلك الكافر الذي قيل له تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار، والجواب معلوم للعقلاء وقوله تعالى: {هل يستوى الذين يعلمون} محاب الله ومكارهه وهم يعملون على الإِتيان بمحابّ الله تقرباً إليه، وعلى ترك مكارهه تحبُباً إليه، هل يستوى هؤلاء العاملون مع الذين لا يعلمون ما يحب وما يكره فهم يتخبطون في الضلال تخبط الجاهلين؟ والجواب لا يستوون وإنما يتذكر بمثل هذا التزجيه الإِلهي والإِرشاد الرباني أصحاب الألباب أي العقول السليمة الراجحة.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
2- الكشف عن داخلية الإِنسان قبل أن يؤمن ويُسلم وهو أنه إنسان متناقض لا خير فيه ولا رشد له، فلا يرشد ولا يكمل إلا بالإِيمان والتوحيد.
3- بشرى الضالين عن سبيل الله المضلين عنه بالنار.
4- مقارنة بين القانت المطيع، والعاصي المضل المبين، وبين العالم والجاهل، وتقرير افضلية المؤمن المطيع على الكافر العاصي. وأفضلية العالم بالله وبمحابة ومكارهه والجاهل بذلك.
5- فضل العالم على الجاهل لعمله ولولا العمل بالعلم لاستويا في الخسّة والانحطاط.

.تفسير الآيات (10- 16):

{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)}

.شرح الكلمات:

{اتقوا ربكم}: أي اجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بالإِيمان والتقوى.
{للذين أحسنوا}: أي أحسنوا العبادة.
{حسنة}: أي الجنة.
{ارض الله واسعة}: أي فهاجروا فيها لتتمكنوا من عبادة الله إن منعتهم منها في دياركم.
{أُمرت}: أي أمرني ربّي عز وجل.
{مخلصا له الدين}: أي مفرداً إياه بالعبادة.
{أول المسلمين}: أي أول من يسلم في هذه الأمة فينقاد لله تعالى والإِخلاص له فيها.
{عذاب يوم عظيم}: أي عذاب يوم القيامة.
{قل}: أي يا رسولنا للمشركين.
{الله أعبد}: أي لا أعبد معه سواه.
{مخلصا له ديني}: أي مفرداً إياه بطاعتي وانقيادي.
{فاعبدوا ما شئتم}: أي إن أبيتم أيها المشركون عبادة الله وحده فاعبدوا ما شئتم من الأوثان فإِنكم خاسرون.
{خسروا أنفسهم}: أي فحرموها الجنة وخلدوها في النار.
{وأهليهم}: أي الحور العين اللائي كن لهم في الجنة لو آمنوا واتقوا بفعل الطاعات وترك المنهيات.
{ظلل من النار}: أي دخان ولهب وحر من فوقهم ومن تحتهم.
{ذلك}: أي المذكور من عذاب النار.
{يا عباد فاتقون}: أي يا من أنا خالقهم ورازقهم ومالكهم وما يملكون فلذلك اتقون بالإِيمان والتقوى.

.معنى الآيات:

لقد تضمنت هذه الآيات الخمس توجيهات وإرشادات ربَّانيَّة للمؤمنين والرسول صلى الله عليه وسلم ففي الآية الأولى (10) يأمر تعالى رسوله أن يقول للمؤمنين اتقوا ربكم أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية وذلك بطاعته وطاعة رسوله، ويُعلمهم معللا أمره إياهم بالتقوى بأن للذين أحسنوا الطاعة المطلوبة منهم الجنة، كما يعلمهم أنهم إذا لم يقدروا على الطاعة بين المشركين فليهاجروا إلى أرض يتمكنون فيها من طاعة الله ورسوله فيقول {وأرض الله واسعة} أي فهاجروا فيها ويشجعهم على الهجرة لآجل الطاعة فيقول {إنما يوفّى الصابرون} أي على الاغتراب والهجرة لأجل طاعة الله والرسول {أجرهم بغير حساب} أي بلا كيل ولا وزن ولا عد وذلك لأنه فوق ذلك. وفي الآية الثانية (11) والثالثة (12) يأمر تعالى رسوله موجها له بأن يقول للناس {أني أُمرت} أي أمرني ربي أن أعبد الله باعتقاد وقول وفعل ما يأمرني به وترك ما ينهاني عنه في ذلك مخلصا له الدين، فلا أشرك في دين الله أحداً أي في عبادته أحداً، كما أمرني أن أكون أول المسلمين في هذه الأمة أي أوّل من يسلم قلبه وجوارحه الظاهرة والباطنة لله تعالى وفي الآيات الرابعة (13) والخامسة (14) يأمر الله تعالى رسوله أن يقول للمشركين إني أخاف إن عصيت ربي، فرضيت بعبادة غيره وأقررتها عذاب يوم عظيم كما يأمره أن يقول الله أعبدُ أي الله وحده لا شريك له اعبد حال كوني مخلصا له ديني. وأما أنتم أيها المشركون إن ابيتم التوحيد فاعبدوا ما شئتم من آلهة دونه تعالى ويأمره أن يقول لهم إن الخاسرين بحق ليسوا أولئك الذي يخسرون دنياهم فيفقدون الدار والبعير أو المار والأهل والولد بل هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك بتخليدهم في النار، وبعدم وصولهم إلى الحور العين المعدة لهم في الجنة لو أنهم آمنوا واتقوا.
إلا ذلك أي هذا هو الخسران المبين ثم يوضح ذلك الخسران بالحال التالية وهي أن لهم وهم في النار من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل أي طبقات من فوقهم طبقة ومن تحتهم أخرى وكلها دخان ولهب وحر وأخيراً قوله تعالى: {ذلك} أي المذكور من الخسران وعذاب الظلل يخوف الله تعالى به عباده المؤمنين ليواصلوا طاعتهم وصبرهم عليها فينجوا من النار ويظفروا بالجنان وقوله يا عباد فاتقون أي يا عبادي المؤمنين فاتقون ولا تعصون يحذرهم تعالى نفسه، والله رءوف بالعباد.

.من هداية الآيات:

1- بيان عناية الله تعالى برسوله والمؤمنين إذ أرشدهم إلى ما يكملهم ويسعدهم.
2- وجوب التقوى والصبر على الأذى في ذلك.
3- تقرير التوحيد بأن يعبد الله وحده.
4- فضل الإِسلام وشرف المسلمين.
5- تقرير البعث والجزاء بيان شيء من أهوال الآخرة وعذاب النار فيها.
6- كل خسران في الدنيا إذا قيس بخسران الآخرة لا يعد خسراناً أبداً.