فصل: من هداية الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (29- 32):

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)}

.شرح الكلمات:

{وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن}: أي واذكر إذ أملنا إليك نفراً من الجن جن نصيبين أو نينوي.
{فلما حضروه قالوا انصتوا}: أي حضروا سماع القرآن قالوا أي بعضهم لبعض أصغوا لاستماع القرآن.
{فلما قضي ولّوا إلى قومهم منذرين}: أي فرغ من قراءته رجعوا إلى قومهم مخوفين لهم من العذاب.
{مصدقا لما بين يديه}: أي من الكبت السابقة كالتوراة والانجيل والزبور وغيرها.
{يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم}: أي من العقائد في الشرئع والإسلام.
{ويجركم من عذاب أليم}: أي ويحفظكم هو عذاب يوم القيامة.
{فليس بمعجز في الأرض}: أي فليس بمعجز الله هرباً منه فيفوته.
{أولئك في ضلال مبين}: أي الذين لا يجيبوا داعي الله وهو محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإِيمان.
: أي في ضلال عن طريق الإِسعاد والكمال ظاهر بيّن.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في طلب هداية قوم النبي صلى الله عليه وسلم إنه بعد أن ذكرهم بعاد وما أصابهم من دمار وهلاك نتيجة شركها وكفرها وإصرارها على ذلك فقال تعالى: {واذكر أخا عاد} إلى آخر الآيات ذكرهم هنا بما هو تقريع له وتوبيخ إذ أراهم أن الجن خير منهم لسرعة استجابتهم للدعوة والقيام بتبليغها فقال تعالى: {وإذ صرفا إليك نفراً من الجن} أي اذكر لقومك من كفار مكة وغيرها إذ صرفنا إليك نفراً من الجن وهم عد ما بين السبعة إلى التسعة من جن نصيبين وكانوا من أشراف الجن وسادتهم صرفناهم إليك أي أملناهم إليك وأنت تقرأ في صلاة الصبح ببطن نخلة بين مكة والطائف صرفناهم إليك يستمعون القرآن فلما حرضوه قالوا أنصتوا أي أصغوا واستمعوا ولا تشوشوا، قاله بعضهم لبعض، فلما قضي أي القرآن فرغ منه، ولّوا إلى قومهم أي رجعوا إلى قومهم من الجن بنصيبين ونينوي منذرين إياهم أي مخوفينهم من عذاب الله إذا استمروا على الشرك والمعاصي فماذا قالوا لهم قالوا ما أخبر تعالى به عنهم قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أُنزل من بعد موسى وهو القرآن مصدقا لما بين يديه أي من الكتب الإِلهية التي سبق نزلوها كصحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل، ووصفوا القرآن بما يلي يهدي إلى الحق والصواب في كل شيء اختلف فيه الناس من العقائد والديانات والأحكام، ويهدي إلى صراط مستقيم أي طريق قاصد غير جور ألا وهو الإِسلام ين الأنبياء عامة.
وقالوا مبلغين منذرين {يا قومنا أجيبوا داعي الله} وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم {وآمنوا به} أجيبوه إلى ما يدعو إليه من توحيد الله وطاعته وآمنوا بعموم رسالته وبكل ما جاء به من الهدى ودين الحق ويكون جزاؤكم على ذلك أن {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} أي يغفر لكم الذنوب التي بينكم وبين الله تعالى بسترها عليكم ولا يؤاخذكم بها، وأما الذنوب التي بينكم وبين بعضكم بعضاً فإِنها لا تغفر إلا من قِبل المظلوم نفسه باستسماحه أو ردِّ الحق إليه، وقوله ويجركم من عذاب أليم أي ويحفظكم منقذاً لكم من عذاب أليم أي ذي ألمٍ موجع وهو عذاب النار، ثم قالوا: {ومن لا يجب داعي الله} أي لم يستجب لنداء محمد فيؤمن به ويوحد الله تعالى فليس بمعجز في الأرض أي لله بل الله غالب على أمره ومهما حاول الهرب فإِن الله مدركه لا محالة {وليس له من دون الله أولياء} يتولون أمره ولا أنصار ينصرونه.
قال تعالى: {أولئك} أي المذكورون في هذا السياق ممن لم يجيبوا داعي الله محمد صلى الله عليه وسلم {في ضلال مبين} أي في عمى وغواية بين أمرهم واضح لا يستره شيء.

.من هداية الآيات:

1- إثبات عالم الجن وتقريره في هذا السياق ولذا كان إنكار الجن كإِنكار الملائكة كفراً.
2- وجوب التأدب عند تلاوة القرآن بالإِصغاء التام.
3- وجوب البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث: «بلغو عني ولو آية».
4- الإِعراض عن دين الله يوجب الخذلان والحرمان.

.تفسير الآيات (33- 35):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}

.شرح الكلمات:

{ولم يعيى بخلقهن}: أي لم يتعب ولم ينصب لخلق السموات والأرض.
{بقادر على أن يحييى الموتى بلى}: أي انه قادر على إحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم للحشر.
{ويوم يعرض الذين كفروا على النار}: أي ليعذبوا فيها.
{أليس هذا بالحق}: أي يقال له تقريعاً: أليس هذا أي العذاب بحق؟.
{قالوا بلى وربنا}: أي انه لحق وربنا حلفوا بالله تأكيداً لخبرهم.
{فاصبر}: أي يا رسولنا محمد على أذى قومك.
{أولوا العزم}: أي أصحاب الحزم والصبر والعزم وهم نوح إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم وهم أصحاب الشرائع.
{ولا تستعجل لهم}: أي ولا تستعجل نزول العذاب لأجلهم.
{كأنهم يوم يرون العذاب}: أي في الآخرة.
{لم يلبثوا إلا ساعة}: أي لم يقيموا في الدنيا إلا ساعة من نهار وذلك لطول العذاب.
{بلاغ}: أي هذا القرآن بلاغ للناس أي تبليغ لهم.
{هل يهلك إلا القوم الفاسقون}: أي ما يهلك إلا القوم التاركون لأمر الله المعرضون عنه الخارجون عن طاعته.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في مطلب هداية قريش الكافرة بالتوحيد المكذبة بالبعث والنبوة فقال تعالى: {أو لم يروا} أي أعمُوا {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض} إنشاءًا وإِبداعا من غير مثال سابق {ولم يعي} أي ينصب ويتعب {بخلقهن} أي السموات والأرض بقادر على أن يحييى الموتى لحشرهم إليه ومحاسبتهم ومجازاتهم بحسب أعمالهم في الدنيا الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها {بلى إنه على كل شيء قدير} وقوله تعالى: {ويوم يعرض الذين كفرو على النار} لما أثبت البعث وقرره ذكر بعض ما يكون فيه فقال ويوم يعرض الذين كفروا على النار أي تعرضهم الزبانية على النار فيقولون لهم تقريعاً وتوبيخاً {أليس هذا بالحق} أي أليس هذا التعذيب بحق؟ فيقولون مقسمين على ثبوته بما أخبر تعالى عنهم في قوله: {قالوا بلى وربنا} فلما اعترفوا قيل لهم {فذوقوا العذاب ما كنتم تكفرون} أي بسبب كفركم أي جحودكم لتوحيد الله ولقائه. قم أمر تعالى رسوله أن يتدرَّع بالصبر وأن يتمثل صبر أولي العزم ليكون أقوى منهم صبراً كما هو أعلى منهم درجة فقال له فاصبر يا رسولنا لى ما تلاقي من أذى قومك من تكذيب وأذى فاثبت لذلك كما ثبت أولوا العزم من قبلك، والظاهر انهم المذكورون في قوله تعالى في سورة الأحزاب {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم}، ومن الجائز أن يكون عدد أولي العزم أكثر من مما ذُكر وقوله تعالى: {ولا تستعجل لهم} لما أمره بالصبر نهاه عن استعجال العذاب لقومه فقال فاصبر ولا تستعجل العذاب لهم. {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} تعليل لعدم استعجال العذاب لأنه قريب جداً حتى إنهم يوم ينزل بهم ويرونه كأنهم لم يلبثوا في الدنيا على طول الحياة فيها إلا ساعة من نهار وقوله تعالى: {بلاغ} أي هذا القرآن وما حواه من تعليم وبيان للهدى تبليغ للناس وقوله: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} ينفي تعالى هلاك غير الفاسقين عن أوامره الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- الكفر هو الموجب للناس والكفر هو تكذيب بوجود الله تعالى وهو الإِلحاد أو تكذيب بلقائه تعالى أو بآياته أو رسله، أو شرائعه بعضا أو كُلاًّ.
3- وجوب الصبر على الطاعات فعلا، وعن المعاصي تركا، وعلى البلاء بعدم التّضجُّروا والسّخط.
4- اطلاق الفسق على الكفر باعتباره خروجا عن طاعة الله فيما يأمر به من العقائد والعبادات وينهى عنه من الشرك والمعاصي.

.سورة محمد:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}

.شرح الكلمات:

{الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله}: أي كفروا بتوحيد الله ولقائه وبآياته ورسوله وصدوا غيرهم عن الدخول في الإِسلام.
{أضل أعمالهم}: أي أحبط أعمالهم الخيرية كإِطعام الطعام وصلة الأرحام فلا يرى لها أَثَرُ يوم القيامة.
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات}: أي آمنوا بالله وآياته ورسوله ولقائه وأدوا الفرائض وجتنبوا النواهي.
{وآمنوا بما نزل على محمد}: أي بالقرآن الكريم.
{كفر عن سيئاتهم}: أي محا عنه ذنوبهم وغفرها لهم.
{وأصلح بالهم}: أي شأنهم وحالهم فهم لا يعصون الله تعالى.
{ذلك}: أي اضلال أعمال الكافرين وتكفير سيئات المؤمنين.
{بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل}: أي الشيطان في كل ما يمليه عليهم ويزينه لهم من الكفر.
والشرك والمعاصي.
{وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم}: أي التوحيد والعمل الصالح.
{كذلك يضرب الله للناس أمثالهم}: أي كما بيّن تعالى حال الكافرين، وحال المؤمنين في هذه الآية يبين للناس أمثالهم ليعتبروا.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {الذين كفرا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم} هذه جملة خبريّة أخبر تعالى فيها عن حال من كفر بالله ورسوله وصد عن سبيل الله أي الإِسلام غيره من الناس أضل الله عمله فأحبطه فلم يحصل له ثواب في الآخرة، ولازمه انه هالك في النار، وتكون هذه الجملة كأنها جواب السؤال نشأ عن قوله تعالى في خاتمة سورة الأحقاف قبل هذه السورة وهي فهل يُهلك إلاّ القوم الفاسقون أي ما يهلك إلاّ القوم الفاسقون فقال قائل من هم القوم الفاسقون؟ فكان الجواب الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وهو وجه ارتباط بين السورتين حسن. هذا وقوله تعالى: {والذين آمنوا} أي بالله ورسوله وآياته ولقائه وعملوا الصالحات أي أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحجوا البيت الحرام ووصلوا الأرحام وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولو بالاستعداد للقيام بذلك إذ بعض هذه الصالحات لم يشرع بعد وآمنا بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة لأنها وحي إلهي يتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحيح الحديث: «ألا وإني أُوتيت القرآن ومثله معه» وقوله تعالى: {وهو الحق من ربهم} أي القرآن لأنه ناسخ للكتب قبله ولا ينسخ بكتاب بعده. فهو الحق الثابت الباقي إلى نهاية الحياة. وقوله: {كفّر عنهم سيئاتهم} أي محا عنهم ذنوبهم وأصلح بالهم أي شأنهم وحالهم فلم يفسدوا بعد بشرك ولا كفر هذ جزاؤهم على إيمانهم وصالح أعمالهم. وقوله تعالى: {ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل} وهو الشيطان وما يزينه من أعمال الشرك والشر والفساد، {وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم} وهو القرآن وما جاء به ودعا إليه من العقائد الصحيحة والعبادات المزكية للنفس المهذبة للأرواح.
أي ذلك الجزاء للذين كفرروا والذين آمنوا بسبب أن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم. وقوله تعالى: {كذلك يضرب الله للناس أمثالهم} أي مثل هذا التبيين لحال الكفرين وحال المؤمنين في هذه الآيات يبّين الله للناس أمثالهم أي أحوالهم بالخسران والنجاح ليعتبروا فيسلكوا سبيل النجاح، ويتجنبوا سبيل الخسران، فضلا منه تعالى.

.من هداية الآيات:

1- بيان طريقي الفلاح والخسران فطريق الفلاح الإِيمان والعمل الصالح وطريق الخسران الشرك والمعاصي.
2- بيان أن أعمال البر مع الكفر والشرك لا تنفع صاحبها يوم القيامة ولا تشفع له وقد يثاب عليها في الدنيا فيبارك الله في ماله وولده.
3- بيان الحكمة في ضرب الأمثال وهي هداية الناس إلى ما يُفلحون به، فينجون من النار ويدخلون الجنة.

.تفسير الآيات (4- 9):

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}

.شرح الكلمات:

{فإذا لقيتم الذين كفروا}: أي إذا كان الأمر كما ذُكر فإِذا لقيتم الذين كفروا في ساحة المعركة فاضربوا رقابهم ضرباً شديداً تفصلون فيه الرقاب عن الأبدان.
{حتى إذا أثخنتموهم}: أي أكثرتم فيهم القتل ولم يصبح لهم أمل في الانتصار عليكم.
{فشدوا الوثاق}: أي فأسروهم بدل قتلهم وشدوا الوثاق أي ما يوثق به الأسير من إسار قِدّاً كان أو حبلا حتى لا يتفلتوا ويهربوا.
{فإِما مناً بعد وإما فداء}: أي عبد أسركم لهم وشد وثاقهم فإِما أن تمنوا منّا أي تفكوهم من الأسر مجاناً، وإما تفادونهم بمال أو أسير مسلم، وهذا بعد نهاية المعركة.
{حتى تضع الحرب أوزارها}: أي واصلوا القتال والأخذ والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها وهي آلاتها وذلك عند إسلام الكفار أو دخولهم في عهدكم فهذه غاية انتهاء الحارب حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
{ذلك}: أي الأمر ذلك الذي علمتم من استمرار القتال إلى غاية إسلام الكفار أو دخولهم في عهدكم وذمتكم.
{ولو يشاء الله لانتصر منهم}: أي بغير قتال منكم كأن يخسف بهم الأرض أو يصيبهم بوباء ونحوه.
{ولكن ليبلو بعضكم ببعض}: ولكن أمركم بالقتال وشرعه لكم لحكمة هي أن يبلو بعضكم ببعض أي يختبركم من يقاتل منكم ومن لا يقاتل، والمؤمن يُقتل فيدخل الجنة والكافر يُقتل فيدخل النار.
{والذين قتلوا في سبيل الله}: أي قتلهم العدو، وقرى، قاتلوا في سبيل الله. {فلن يضل أعمالهم}: فلن يضل أعمالهم: أي لا يحبطها ولا يبطلها.
{سيهديهم ويصلح بالهم}: أي سيوفقهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم ويصلح شأنهم.
{ويدخلهم الجنة عرفها لهم}: أي ويدخل يوم القيامة الجنة بينها لهم فعرفوها بما وصفها لهم في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
{ان تنصروا الله}: أي في دينه ورسوله وعباده المؤمنين.
{ينصركم ويثبت أقدامكم}: أي على عدوكم ويثبت أقدامكم في المعارك.
{والذين كفروا فتعساً لهم}: أي تعسوا تعسا أي هلاكا وخيبة لهم.
{وأضل أعمالهم}: أي احبطها وأبطلها فلم يحصلوا بها على طائل.
{ذلك}: أي الضلال والتعس.
{بأنهم كرهوا ما أنزل الله}: أي من القرآن المشتمل على أنواع الهدايات والاصلاحات.
{فأحبط أعمالهم}: أي أبطلها وأضلها فلا ينتفعون بها لا في الدنيا ولا في الآخرة.

.معنى الآيات:

لقد تقدم أن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد أضل أعمالهم وذلك لكفرهم وصدهم عن سبيل الله إذا كان الأمر كذلك فليقاتلوا لانهاء كل من المفسدتين كفرهم وصدهم غيرهم عن الإِسلام وهذا ما دل عليه قوله تعالى: {فإِذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} أي فاضربوا رقابهم ضربا يفصل الرأس عن الجسد وواصلوا قتالهم {حتى إذا أثخنتموهن} أي كثرتم فيهم القتل، {فشدوا الوثاق} أي احكموا ربط الأسرى بوضع الوثاق وهو الحبل في أيديهم وأرجلهم حتى لا يتمكنوا من قتلكم ولا الهرب منكم وبعد ذلك أنتم وما يراه إمامكم من المصلحة العليا فإِن رأى المن فمنوا عليهم مجانا بلا مقابل، وإما تفادونهم فداء بمال، أو برجال، وستظل تلك حالكم قتل وأخذ وأسر ثم من وعفو مجاني، أو فداء بعوض ومقابل إلى أن {تضع الحرب أوزارها} أي أثقالها من عُدد وعتاد حربي، وذلك لوصولكم إلى الغاية من الحرب وهي أن يسلم الكافر، أو يدخل في ذمة المسلمين، وهو معنى قوله تعالى في سورة البقرة: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقوله تعالى: {ذلك} أي الأمر الذي علمتم من استمرار القتل والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها بالدخول في الإسلام أو في ذمة المسلمين وقوله: {ولو شاء الله لانتصر منهم} أي بدون قتالٍ منكم ولكن بخسف أو وباء أو صواعق من السماء ولكن لم يفعل ذلك من أجل أن يَبْلُوَ بعضكم ببعض أي ليختبركم بهم. فيعلم المجاهدين. منكم والصابرين، ويبلوهم بكم فيعاقب من شاء منهم بأيديكم، ويتوب على من يشاء منهم كذلك. إذ انتصاركم عليهم ووقوعهم تحت سلطانكم يساعدهم على التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق فيسلموا فيفلحوا بالنجاة من النار ودخلو الجنة، وقوله تعالى: {والذين قاتلوا في سبيل الله} وفي قراءة {والذين قُتلوا في سبيل الله} وهذه عامة في شهداء أُحد وغيرهم وإن نزلت الآية فيهم فإِن الله تعالى يخبر عن إنعامه عليهم بقوله {فلن يضل أعمالهم سيهديهم} في الدنيا ويوفقهم إلى كل خير ويصلح شأنهم، ويدخلهم في الآخرة الجنة عرفها لهم أي بينها لهم في كتابه ولسان رسوله وطيّبيها لهم أيضا، وفي الآخرة يهديهم إلى منازلهم في الجنة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا». البخاري، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} أي يامن آمنتم بالله ربا وبالإِسلام دنيا وبمحمد رسولا إن تنصروا الله بنصر دينه ونبيّه وأوليائه بقتال أعدائه ينصركم الله ويجعل الغلبة لكم، ويثبت أقدامكم في كل معترك لقيتم فيه المشركين والكافرين. وهذا وعد من الله تعالى كم أنجزه لعباده المؤمنين في تاريخ الجهاد في سبيل الله، وقوله تعالى: {والذين كفروا فتعساً لهم} أي تعسوا تعسا وهلكوا هلاكا وخابوا وخسروا، {وأضل أعمالهم} فلم يعثروا عليها ولم يروا لها أدنى فائدة {ذلك} الجزاء وتلك العقوبة {بأنهم} أي بسبب أنهم {كرهوا ما أنزل الله} أي من القرآن من آيات التوحيد والشرائع والأحكام {فأحبط} أي لذلك {أعمالهم} فخسروا في الحياتين.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الجهاد على أمة الإِسلام ومواصلته كما بيّن تعالى في هذه الآيات إلى أن لا يبقى كافر يحارب بأن يدخلوا في الإسلام أو يعاهدوا ويدخلوا في ذمة المسلمين ويقبلوا على إصلاح أنفسهم وإعدادها للخير والفلاح.
2- إمام المسلمين مخير في الأسرى بين المنّ والفداء، القتل أيضاً لأدلة من السنة.
3- بشرى المجاهدين في سبيل الله بإكرام الله لهم وإنعامه عليهم في الدنيا والآخرة.
4- يظفر بالنصر الحقيقي من نصر الله تعالى في دنيه وأوليائه.
5- إنذار الكفارين بالتعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة.

.تفسير الآيات (10- 14):

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)}

.شرح الكلمات:

{أفلم يسيروا في الأرض}: أي أغفل هؤلاء المشركون فلم يسيروا في البلاد.
{فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}: أي كيف كانت نهاية الذين من قبلهم كعاد وثمود.
{دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها}: أي دمر عليهم مساكنهم فأهلكهم وأولادهم وأموالهم وللكافرين أمثال تلك العاقبة السيئة.
{وأن الكافرين لا مولى لهم}: أي لا ناصر لهم.
{والذين كفروا يتمتعون ويأكلون}: أي بمُتع الدنيا من مطاعم ومشارب وملابس ويأكلون.
{كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}: أي كأكل الأنعام بنهم وازدراد والنار مأواهم.
{وكأين من قرية هي أشد قوة}: أي وكثير من أهل قرية هي أشد قوة.
{من قريتك التي أخرجتك}: أي مكة إذ أخرج أهلها النبي صلى الله عليه وسلم.
{أفمن كان علي بينة من ربه}: أي على حجة وبرهان من أمر دينه فهو يعبد الله على علم.
{كن زين له سوء علمه}: أي كمن زين الشيطان له سوء عمله.
{واتبعوا أهواءهم}: أي واتبعوا أهواءهم في عبادة الأصنام والجواب ليسوا سواء ولا مماثلة بينهما أبدا.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض} يوبخ تعالى المشركين المصرين على الشرك والكفر على إصرارهم على الشرك والعناد فيقول أغفلوا {أفلم يسيروا في الأرض فينظر كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم} كعاد وثمود وقوم لوط إذ دمر تعالى عليهم بلادهم فأهلكم وأولادهم وأموالهم فيعتبروا بذلك، وقوله تعالى: {وللكافرين} أمثال تلك العاقبة المدمّرة، وعيد لكفار مكة بأن ينزل عليهم عقوبة كعقوبة الأولين إن لم يتوبوا من شكرهم وإصرارهم عليه، وعنادهم فيه. وقوله: {ذلك} أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين بسبب أن الله مولى الذين آمنوا أي وليهم ومتولي أمرهم وناصرهم، وأن الكفارين لا مولى لهم لأن الله تعالى خاذلهم ومن يخذله الله فلا ناصر له، وقوله تعالى: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} هذا وعد من الله تعالى لأهل الإِيمان والعمل الصالح بأن يدخلهم يوم القيامة جنات أي بساتين تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار وقوله: {والذين كفروا يتمتعون} في الدنيا بملاذها وشهواتها، {ويأكلون كما تأكل الأنعام} إذ ليس لهم هَمٌ إلا بطونهم وفروجهم، ولذا هم لا يلتفتون إلى الآخرة. {والنار مثوى لهم} أي مقام ومنزل ومصير، وهذا وعيد شديد للكافرين، وهذا هو الترغيب والترهيب الذي هو سمة بارزة في أسلوب القرآن في الهداية البشرية وقوله تعالى: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم} هذه الآية نزلت ساعة خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته إلى غار ثور مهاجراً فقد التفت إلى مكة وقال أنت أحب البلاد إلى الله وأحب بلاد الله إليَّ ولو أن المشركين لم يُخرجوني لم أخرج منك.
ومعنى الآية الكريمة: وكثيرة من القرى أهلا أشد قوة من أهل قريتك مكة التي أخرجك أهلها حيث حكموا بإِعدامه صلى الله عليه وسلم أهلكناه أي أهل تلك القرى فلا ناصر وجد لهم عند إهلاكنا لهم. فكانت هذه الآية تحمل تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأي تسلية!! وقوله تعالى: {أفمن كان على بيّنة من ربه} أي على علم وبرهان من صحة معتقده وعبادته لله تعالى راجياً ثوابه خائفا من عقابه وهؤلاء هم المؤمنون، كمن زين له سوء أي قبيح عمله من الشرك والكفر فهو يعبد الأصنام، واتبعوا أهواءهم هم في ذلك فلم يتعبوا وحياً إلهياً ولا عقلا إنسانيا فهل حالهم كحال من ذُكروا قبله والجواب لا يتماثلان إذ بينهما من الفوارق كما بين الحياة والموت، والجنة والنار.

.من هداية الآيات:

1- تقرير قاعدة: العاقل من اعتبر بغيره.
2- تقرير ولاية الله لأهل الإِيمان والتقوى.
3- بيان الفرق بين الماديين وأهل الإِيمان والاستقامة على منهج الإِسلام.
4- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم تخفيفا من آلامه التي يعانيها من إعراض المشركين وصدوفهم عن الإسلام.