فصل: من هداية الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (7- 10):

{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}

.شرح الكلمات:

{نصيب}: الحظ المقدر في كتاب الله.
{الوالدان}: الأب والأم.
{الأقربون}: جمع قريب وهو هنا الوارث بسب أو مصاهرة أو ولاء.
{نصيبا مفروضا}: قدراً واجباً لازماً.
{أولوا القربى}: أصحاب القرابات الذين لا يرثون لبعدهم عن عمودى النسب.
{فارزقوهم منه}: أعطوهم شيئا يرزقونه.
{قولا معروفا}: لا إهانة فيه ولا عتاب، ولا تأفيف.
{الخشية}: الخوف في موضع الأمن.
{قولا سديداً}: عدلا صائبا.
{ظلما}: بغير حق يخول له أكل مال اليتيم.
{وسيصلون سعيرا}: سيدخلون سعيراً ناراً مستعرة يشوون فيها ويحرقون بها.

.معنى الآيات:

لقد كان أهل الجاهلية لا يُورَثون النساء ولا الأطفال بحجة أن الطفل كالمرأة لا تركب فرساً ولا تحمل كلاَّ ولا تنكى عدواً، يُكْسِب ولا تكسب، وحدث أن امرأة يقال لها أم كُحَّة مات زوجها وترك لها بنتين فمنعهما أخو الهالك من الإِرث فشكت ام كحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية الكريمة: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون واللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} ومن ثم اصبحت المرأة كالطفل الصغير يرثان كالرجال، وقوله تعالى: {ما قل منه} من المال المتروك أو كثر حال كون ذلك نصيباً مفروضاً لابد من اعطائه الوارث ذكراً كان أو أنثى صغيراً أو كبيراً. والمراد من الوالدين الأب والأم، والأقربون كالأبناء والإِخوان والبنات والاخوات، والزوج والزوجات هذا ما تضمنته الآية الأولى وأما الآية الثانية فقد تضمنت فضيلة جميلة غفل عنها المؤمنون وهى أن من البر والصلة والمعروف إذا هلك هالك، وقدمت تركته للقسمة بين الورثة، وحضر قريب غير وارث لحجبه أو بعده أو حضر يتيم أو مسكين من المعروف ان يعطوا شيئاً من تلك التركة قبل قسمتها وان تعذر العطاء لأن الورثة يتامى أو غير عقلاء يصرف أولئك الراغبون من قريب ويتيم ومسكين بكلمةٍ طيبة كاعتذار جميع تطيب به نفوسهم هذا ما تضمنته الآية الثانية وهى قوله تعالى: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه}- أي من المال- المتروك وقولوا لهم قولا معروفا إن تعذر إعطاؤهم لمانع يتم أو عقل. أما الآية الثالثة وهي قوله تعالى: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله واليقولوا قولا سديداً} فقد تضمنت إرشاد الله تعالى للمؤمن الذي يحضر مريضا على فراش الموت بأن لا يسمح له ان يحيف في الوصية بأن يوصى لوارث أو يوصى بأكثر من الثلث أو يذكر دينا ليس عليه وإنما يريد حرمان الورثة. فقال تعالى آمراً عباده المؤمنين وليخش الذين لو تركوا من خلفهم أَيْ من بعد موتهم، ذرية ضعافاً خافوا عليهم. أي فليخشوا هذه الحال على أولاد غيرهم ممن حضروا وفاته. كما شخشونها على أولادهم.
إذاً فعليهم أن يتقوا الله في أولاد غيرهم. وليقولوا لمن حضروا وفاته ووصيته قولا سديداً: صائباً لا حيف فيه ولا جور معه. هذا ما تضمنته الآية الثالثة (9) أما الآية الرابعة (10) فقد تضمنت وعيدا شديداً لمن يأكل مال اليتيم ظلما إذ قال تعالى فيها: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً} والمراد من الظلم انهم أكلوها بغير حق اباح لهم ذلك كأجرة عمل ونحوه، ومعنى يأكلون في بطونهم ناراً انهم يأكلون النر يوم القيامة فقوله إنما يأكلون في بطونهم ناراً هو باعتبار ما يؤول إليه أمر أكلهم اليوم، والعياذ بالله من نار السعير.

.من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ التوارث في الإِسلام.
2- استحباب إعطاء من حضر قسمة التركة من قريب أو يتيم ومسكين وإن تعذر إعطاؤهم صرُفوا بالكلمة الطيبة، وفي الحديث: «الكلمة الطيبة صدقة».
3- وجوب النصح والإِرشاد للمختضر حتى لا يجور في وصيته عن موته.
4- على من يخاف على أطفاله بعد موته أن يحسن إلى أطفال غيره فإن الله تعالى يكفيه فيهم.
5- حرمة أكل مال اليتامى ظلمّاً، والوعيد الشديد فيه.

.تفسير الآية رقم (11):

{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}

.شرح الكلمات:

{يوصيكم}: يعهد إليكم.
{في أولادكم}: في شأن أولادكم والولد يطلق على الذكر والأنثى.
{حظ}: الحظ الحصة أو النصيب.
{نساء}: بنات كبيرات أو صغيرات.
{ثلثا ما ترك}: الثلث واحد من ثلاثة، والثلثان اثنان من ثلاثة.
{السدس}: واحد من ستة.
{ان كان له ولد}: ذكراً كان أو أنثى، أو كان له وَلَدُ وَلَدٍ أيضا ذكراً أو أنثى فالحكم واحد.
{فإن كان له اخوة}: اثنان فأكثر.
{من بعد وصية}: أي يَخْرُجُ الدين ثم الوصية ويقسم الباقى على الورثة.
{فريضة}: فرض الله ذلك عليكم فريضة.
{عليما حكيما}: عليما بخلقه وما يصلح لهم، حكيما في تصرفه في شؤون خلقه وتدبيره لهم.

.معنى الآيات:

هذه الآية الكريمة {يوصيكم الله في أولادك للذكر مثل حظ الأنثتين} الخ والتي بعدها وهي قوله تعالى: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} إلخ نزلت لتفصيل حكم الآية والتي تضمنت شرعية التوارث بين الأقارب المسلمين، فالآية الأولى يسن تعالى فيها توارث الأبناء مع الآباء فقال تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} أي في شأن أولادكم {للذكر مثل حظ الانثتين} يريد إذا مات الرجل وترك أولاداً ذكرا وإناثا فإن التركة تسم على أساس أن للذكر مثلّ نصيب الأنثيين فلو ترك ولداً وبنتاً وثلاثة دنانير فإن الولد يأخذ دينارين والبنت تأخذ دينارً وإنترك بنات أثنتين أو أكثر ولم يترك معهن ذكراً فإن للبنتين فأكثر الثلثين والباقى للعصبة إذ قال تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}. وإن ترك بنتاً فإن لها النصف والباقى للعصبة وهو معنى قوله تعالى: {وإن كانت واحدة فلها النصف}، وإن كان الميت ق ترك أبويه أي أمه وأباه وترك أولاداً ذكوراً إو إناثاً فان لكل واحد من أبويه السدس والباقى للأولاد، وهو معنى قوله تعالى: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد}، يريد ذكراً كان أو أنثى. فإن لم يكن للهالك وُلِدٌ ولاَ وَلَدْ وَلَدٍ فلأمه الثلث وان كان له أخوة اثنان فأكثر فلأمه السدس، هذا معنى قوله تعالى: {فإن كان له اخوة فلأمه السدس}. أي تسقط من الثلث إلى السدس وهذا يسمى بالحجب فجبها إخوة ابنها الميت من الثلث إلى السدس. وقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} يريد أن قسمة التركة على النحو الذي بين تعالى يكون بعد قضاء دين الميت واخراج ما أوصى به ان كان الثلث فأقل وهو معى قوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}. وقوله تعالى: {آباؤكم وابناؤكم لا تدرون ايهم أقرب لكم نفعاً} معناه نفذوا هذه الوصية المفروضة كما علمكم الله ولا تحاولوا ان تفضلوا أحداً على أحد فإن هؤلاء الوارثين آباؤكم وبناؤكم ولا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً في الدنيا والآخرة.
ولذا فاقسموا التركة كما علمكم بلا محاباة فان الله تعالى هو القاسم والمعطي عليم بخلقه وبما ينفعهم أو يضرهم حكيم في تدبيره لشؤونهم فليفوض الأمر إليه، وليرض بقسمته فإنها قسمة عليم حكيم.

.من هداية الآية الكريمة:

1- ان الله تعالى تولى قسمة التركات بنفسه فلا يحل لأحد أن يغير منها شيئاً.
2- الاثنان يعتبران جمعا.
3- ولد الولد حكمه حكم الولد نفسه في الحجب.
4- الأب عاصب فقد يأخذ فرضه مع أًحاب الفرائض وما بقى يرثه بالتعصيب لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألحفوا الفرائض بأهلها فما ابقت الفرائض فالأولى رجل ذكر».

.تفسير الآية رقم (12):

{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)}

.شرح الكلمات:

{ازواجكم}: الأزواج هنا الزوجات.
{ولد}: المراد هنا بالولد ابن الصلب ذكراً كان أو أنثى وولد الولد مثله.
{الربع}: واحد من أربعة.
{كَلاَلَة}: الكلالة أن يهلك هالك ولا يترك ولداً ولا والداً ويرثه إخوته لأمه.
{له أخ أو أخت}: أي من الأم.
{غير مضار}: بهما- أي الوصية والدين- احداً من الورثة.
{حليم}: لا يعاجل بالعقوبة على المعصية.

.معنى الآية الكريمة:

كانت الآية قبل هذه في بيان الوارثة بالنسب وجاءت هذه في بيان الوارثة بالمصاهرة والوارثون بالمصاهرة الزوج والزوجات قال تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم فمن ماتت وتركت مالاً ولم تترك وَلَداً ولا وَلَدَ ولدٍ ذكراً كان أو أنثى فإن لزوجها من تركتها النصف، وإن تركت ولداً أو ولد ذكراً كان أو أنثى فإن لزوجها من تركتها الربع لاغير لقول الله تعالى: {فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن}. وهذا من بعد سداد الدين ان كان على الهالكة دين، وبعد اخراج الوصية إن أوصت الهالكة بشيء، لقوله تعالى: {من بعد وصية يوصين بها أو دين}. هذا ميراث الزوج أما ميراث الزوجة من زوجها فهو الربع إن لم يترك الزوج ولداً ولا ولد ولد ذكراً أو أنثى فان ترك ولداًأو ولد ولد فللزوجة الثمن، وهذا معنى قوله تعالى: {ولهن الربع مما تركتكم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن ما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين}. هذا وان كان للزوج الهالك زوجتان أو أكثر فإنهن يشتركن في الربع بالتساوي إن لم يكن للهالك ولد، وان كان له ولد فلهن الثمن يشتركن فيه بالتساوى وقوله تعالتى وان كان رجلٌ يورث كلالة أو امرأة أي تورث كلالة أيضاً، والموروث كلالة وهو من ليس له والد ولا ولد، وإنما يرثة إخوته لأمه كما في هذه الآية أو إخوته لأبيه وأمه كم في آية الكلالة في آخر هذه السورة، فإن كان له أخ من أمه فله السدس وكذا إن كانت له أخت فلها السدس، وإن كانوا اثنين فأكثر فلهم الثلث لقوله تعالى: {وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصيّة يُوصى بها أو دين غير مضار}، بأن يوصى بأكثر من الثلث، أو يقر بدين وليس عليه دين وانما حسدا للورثة أو بغضا لهم لا غير، فإن تبين ذلك فلا تنفذ الوصية ولا يسدد الدين وتقسم التركة كلها على الورثة، وقوله تعالى: {وصّية من الله} أي وصاكم أيها المؤمنون بهذا وصيّة فهي جديرة بالاحترام والامتثال. والله عليم بنياتكم وأحوالكم وما يضركم وما ينفعكم فسلموا له قسمته وأطيعوه فيها وهو حليم لا يعاجل بالعقوبة فلا يغركم حلمه إن بطشه شديد وعذابه أليم.

.من هداية الآية:

1- بيان ميراث الزوج من زوجته، والزوجة والزوجات من زوجهن.
2- بيان ميراث الكلالة وهو من لا يترك والداً ولا ولداً فيرثه إخوته فقط يحوطون به إحاطة الإِكليل بالرأس فلذا سُمِيّت الكلالة.
3- إهمال الوصيّة أو الدين ان علم إن الغرض منها الإِضرار بالورثة فقط.
4- عظم شأن المواريث فيجب معرفة ذلك وتنفيذه كما وصى الله تعالى.

.تفسير الآيات (13- 14):

{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}

.شرح الكلمات:

{تلك حدود الله}: تلك اسم إشارة أشير به إلى سائر ما تقدم من أحكام النكاح وكفالة اليتامى وتحريم أكل مال اليتيم، وقسمة التركات. وحدود الله هي ما حده لنا وبينه من طاعته وحرم علينا الخروج عنه والتعدى له.
{الفوز العظيم}: هو النجاة من النار ودخول الجنة.
{العذاب المهين}: ما كان فيه اهانة للمعذب بالتقريع والتوبيخ ونحو ذلك.

.معنى الآيتين:

لما بين تعالى ما شاء من احكام الشرع وحدود الدين أشار إلى ذلك بقوله: {تلك حدود الله} قد بينتها لكم وأمرتكم بالتزامها، ومن يطع الله ورسوله فيها وفى غيرها من الشرائع والأحكام فجزاؤه أنه يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار، أنهار العسل واللبن والخمر والماء، وهذا هو الفوز العظيم حيث نجاه من النار وأدخله الجنة يخلد فيها أبدا. ومن يعص الله تعالى ورسوله بتعد تلك الحدود وغيرها من الشرائع والأحكام ومات على ذلك فجزاؤه أن يدخله ناراً يخلد فيها وله عذاب مهين. والعياذ بالله من عذابه وشر عقابه.

.من هداية الآيتين:

1- بيان حرمة تعدي حدود الله تعالى.
2- بيان ثواب طاعة الله ورسوله وهو الخلو في الجنة.
3- بيان جزاء معصية الله ورسوله وهو الخلود في النار والعذاب المهين فيها.

.تفسير الآيات (15- 18):

{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)}

.شرح الكلمات:

{اللاتى}: جمع التي اسم موصول للمؤنث المفرد واللاتى للجمع المؤنث.
{الفاحشة}: المراد بها هنا الزنى.
{من نسائكم}: المحصنات.
{سبيلا}: طريقا للخروج من سجن البيوت.
{يأتيانها}: الضمير عائد إلى الفاحشة المتقدم ذكرها.
{فأعرضوا عنهما}: اتركوا أذيتهما بعد أن ظهرت توبتهما.
{التوبة}: أصل التوبة الرجوع وحقيقتها الندم على فعل القبيح مع تركه. والعزم على عدم العودة إليه.
{السوء}: كل ما أساء إلى النفس والمراد به هنا السيئات.
{بجهالة}: لا مع العمد والإِصرار وعدم المبالاة.
{اعتدنا}: أعددنا وهيأنا.
{أليما}: موجعاً شديد الإِيجاع.

.معنى الآيات:

لما ذكر تعالى بحدوده وذكر جزاء متعديها، ذكر هنا معصية من معاصيه وهى فاحشة الزنى، ووضع لها حداً وهى الحبس في البيوت حتى الموت أو إلى ان ينزل حكما آخر يخرجهن من الحبسوهذا بالنسبة إلى المحصنات. فقال تعالى: {واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم} أي من المسلمين يشهدون بأن فلانة زنت بفلان فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا. أما غير المحصنات وهن الأبكرار فقد قال تعالى في شأنهن. واللذان يأتيهانها منك فآذوها أي بالضرب الخفيف والتقريع والعتاب، مع الحبس للنساء أما الرجال فلا يحبسون وانما يكتفى بأذاهم إلى ان يتوبوا ويصلحوا فحينئذ يعفى عنه ويكف عن أذيتهم هذا معنى قوله تعالى: {واللذان يأتيانها منك فأذوهما فإن تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان توبا رحيما}.
ولم يمض على هذين الحدين الا القليل من الزمن حتى أنجز الرحمن ما وعد وجعل لهن سبيلاً فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان جالساً بين أصحبه حتى أنزل الله تعالى عليه الحكم النهائى في جريمة الزنى فقال صلى الله عليه وسلم: خذوا عنى خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والمرا من الثيب بالثيب أي إذا زنى نثيب بثيب وكذا البكر بالبكر. وبهذا اوقف الحد الأول في النساء والرجال معاً ومضى الثاني أما جلد البكرين فقد نزل فيه آية النور: {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وأما رجم المحصنين فقد مضت فيه السنة فقد رجم ماعز، والغامدية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حد قائم إلى يوم القيامة. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (15) والثانية (16) وأما الآيتان بعدهما وهما (17) (18) فقد أخبر تعالى أن الذين يستحقون التوبة وثبتت لهم من الله تعالى هم المذنبون الذين يرتكبون المعصية بسبب جهالة منهم، ثم يتوبون من قريب لا يسوفون التوبة ولا يؤخرونها أما الذين يجترحون السيآت مع علم منهم وإصرار، ولا يتوبون إثر غشيان الذنب فلا توبة تضمن لهم فقد يموتون بلا توبة شأنهم شأن الذين يعملون السيئآت ولا يتوبون حتى إذا مرض احدهم وظهرت عليه علامات الموت وأيقن انه ميت لا محالة قال انه تائب كشأن الكفرين إذا تابوا عند معاينة الموت فلا تقبل منهم توبة أبداً.
هذا معنى الآيتين الكريمتين {انما التوبة عل الله للذين يعملون السوء بجالهة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم} أي يقبل توبتهم لأنه عليم بضعف عباده حكيم يضع كل شيء في موضعه اللائق به ومن ذلك قبول توبة من عصوه بجاهلة لا بعناد ومكابرة وتحد، ثمتابوا من قريب لم يطيلوا مدة المعاصي والثانية {وليست التوبة للذين يعملون السيئآت حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}، كما هي ليست للذين يعيشون على الكفر فإذا جاء أحدهم الموت قال تبت كفرعون فإنه لما عاين الموت بالغرق قال آمن انه لا إله ال الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فرد الله تعالى عليه: {الآن وقد عصيت وكنت من الفاسقين} وقوله تعالى: {أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما} إشارة إلى كل من مات على غير توبة بارتكابه كبائر الذنوب، أو بكفر وشرك، الا أن المؤمن الموحد يخرج من النار بإيمانه، والكافر يخلد فيها. نعوذ بالله من النار وحال أهلها.

.من هداية الآيات:

1- عظم قبح فاحشة الزنى.
2- بيان حد الزنى قبل نسخه بآية سورة النور، وحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في رجم الحصن والمحصنة.
3- التوبة التي تفضل الله بها هي ما كان صاحبها أتى ما أتى من الذنوب بجهالة لا بعلم وإصرار ثم تاب من قريب زمن.
4- الذين يسوفون التوبة ويؤخرونها يخشى عليهم أن لا يتوبوا حتى يدركهم الموت وهم على ذلك فيكونون من أهل النار، وقد يتوب أحدهم، لكن بندرة وقلة وتقبل توبته إذا لم يعاين امارات الموت لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» رواه الترمذى وأحمد وغيرهما وإسناده حسن.
5- لا تقبل توبة من حشرجت نفسه وظهرت عليه علامات الموت، وكذا الكافر من باب أولى لا تقبل له توبة بالإِيمان إذا عاين علامات الموت كما لم تقبل توبة فرعون.