فصل: تفسير الآيات (23- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (23- 26):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)}

.شرح الكلمات:

{اعبدوا الله}: أي وحدوه بالعبادة إذ ليس لكم من إله غيره.
{افلا تعقلون}: أي أتعبدون معه غيره فغلا تخافون غضبه وعقابه.
{الملأ}: أي أعيان البلاد وكبراء القوم.
{ما هذا إلا بشر مثلكم}: أي مانوح إلا بشر مثلكم فكيف تطيعونه بقبول ما يدعوكم إليه.
{ولو شاء الله لأنزل ملائكة}: أي لو شاء الله إرسال رسول لأنزل ملائكة رسلا.
{رجل به جنة}: أي مصاب بمس من جنون.
{فتربصوا به حتى حين}: أي فلا تسمعوا له ولا تطيعوه وانتظروا به هلاكه أو شفاءه.

.معنى الآيات:

هذا السياق بداية عدة قصص ذكرت على إثر قصة بدأ خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام فقال تعالى: {ولقد أرسلنا نوحاً} أي قبلك يا رسولنا فكذبوه. كما كذبك قومك وإليك قصته إذ قال يا قوم ابعدوا الله أي وحدوه في العبادة، ولا تعبدوا معه غيره {مالكم من إله غيره} أي إذ ليس لكم من إله غيره يتسحق عبادتكم. وقوله: {أفلا تتقون} أي أتعبدون معه غيره أفلا تخافون غضبه عليكم ثم عقابه لكم؟.
فأجابه قومه المشركون بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {فقال الملأ الذين كفروا من قومه} أي فرد عليه قوله أشرافهم وأهل الحل والعقد فيهم من أغنياء وأعيان ممن كفروا من قومه {ما هذا} أي نوح {إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم} أي يسود ويشرف فادعى أنه رسول الله إليكم {ولو شاء الله} أي أن لا نعبد معه سواه {لأنزل ملائكة} تخبرنا بذلك {ما سمعنا بهذا} أي بالذي جاء به نوح ودعا إليه من ترك عبادة آلهتنا {في آبائنا الأولين} أي لم يقل به أحد من أجدادنا السابقين {إن هو إلا رجل به جنة} أي ما نوح إلا رجل به مس من جنون، وإلا لما قال هذا الذي يقول من تسفيهنا وتسفيه آبائنا {فتربصوا به حتى حين} أي انتظروا به أجله حتى يموت، ولا تتركوا دينكم لأجله وهنا وبعد قرون طويلة بلغت ألف سنة إلا خمسين شكا نوح إلى ربه وطلب النصر منه فقال ما أخبر تعالى به عنه {قال ربّ انصرني بما كذبون} أي أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي وانصرني عليهم.

.من هداية الآيات:

1- إثبات النبوة المحمدية بذكر أخبار الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي.
2- تقرير التوحيد بذكر دعوة الرسل أقوامهم إليه.
3- بيان سنة نم سنن البشر وهي أن دعوة الحق أول من يردها الكبراء من أهل الكفر.
4- بيان كيف يرد لاالمون دعوة الحق بإتهام الدعاة بما هم براء منه كالجنون وغيره من الاتهامات كالعمالة لفلان والتملق لفلان..

.تفسير الآيات (27- 30):

{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)}

.شرح الكلمات:

{فأوحينا إليه أن اصنع}: أي أعلمناه بطريق سريع خفي أي اصنع الفلك.
{بأعيننا ووحيينا}: أي بمرأى منا ومنظر، وبتعليمنا إياك صنعها.
{وفار التنور}: تنور الخباز فاز منه الماء آيية بداية الطوفان.
{فاسلك فيها}: أي أدخل في السفينة.
{وأهلك}: أولادك ونساءك.
{ولا تخاطبنى في الذين ظلموا}: أي لا تكلمني في شأن الظالمين فإني حكمت بإغراقهم.
{وقل رب}: أي وادعني قائلاً يا رب أنزلني منزلاَ مباركاَ من الأرض.
{إن في ذلك لآيات}: أي لدلائل وعبر.
{وإن كنا لمبتلين}: أي لمختبرين.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر قصة نوح عليه السلام مع قومه فقد جاء في الآيات السابقة أن نوحاَ عليه السلام دعا ربه مستنصراً إياه لينصره على قومه الذين كذبوه قائلاً: {رب انصرني بما كذبوا} فاستجاب الله تعالى دعاءه فأوحى إليه أي أعلمه بطريق الوحي الخاص {أن أصنع الفلك} أي السفينة {بأعيننا ووحينا} أي بمرأى منا ومنظر وبتعليمنا إياك وجعل له علامة على بداية هلاك القوم أن يفور التنور تنور طبخ الخبز بالماء وأمره إذا راى تلك العلامة أن يدخل في السفينة من كل زوج أي ذكر وأنثى اثنين من سائر الحيوانات التي أمكنه ذلك منه وأن يركب فهيا أيضاً أهله من زوجة وولد إلا من قضى الله بهلاكه ونهاه أن يكلمه في شأن الظالمين لأنهم مغرقون قطعاَ. هذا ما تضمنته الآية الأولى (27): {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا} أي بإهلاك الظالمين المشركين {وفار التنور فاسلك فيها} أي في السفينة {من كل زوجين اثنين وأهلك} أي أزواجك وأولادك {إلا من سبق عليه القول منهم} أي بإهلاكهم كامرأته، {ولا تخاطبين في الذين ظلموا} أي لا تسألني عنهم فإني مهلكهم.
وقوله تعالى: {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} أي إذا ركبت واستقررْت على متن السفينة أنت ومن معك من المؤمنين فاحمدنا فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وادعنا ضارعاً إلينا قائلاً {رب أنزلني منزلاً مباركاً} أي من الأرض، وَأثْن علينا خيراً فقل {وأنت خير المنزلين} وقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات} أي المذكور من قصة نوح لدلائل على قدرة الله تعلمه ورحمته وحكمته ووجوب الإيمان به وتوحيده في عبادته. وقوله: {وإن كنا لمبتلين} أي مختبرين عبادنا بالخير والشر ليرى الكافر من المؤمن، والمطيع من العاصي ويتم الجزاء حسب ذلك بإظهار للعدالة الإلهية والرحمة الربانية.

.من هداية الآيات:

1- إثبات الوحي الإلهي وتقرير النبوة المحمدية.
2- تقرير حادثة الطوفان المروفة لدى المؤرخين.
3- بيان عاقبة الظلم وأنه هلاك للظالمين.
4- سنية قول بسم الله والحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون عند ركوب الدابة أو السفينة ونحوها كالسيارة والطيارة.
5- استحباب الدعاء وسؤال الله تعالى ما العبد في حاجة إليه من خير الدنيا.
6- بيان سر ذكر قصة نوح وهو ما فيها من العظات والعبر.

.تفسير الآيات (31- 38):

{ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)}

.شرح الكلمات:

{ثم أنشأنا من بعدهم قَرْناً آخرين}: أي خلقنا من بعد قوم نوح الهالكين قوماً آخرين هم عاد قوم هود.
{رسولاً منهم}: هو هود عليه السلام.
{أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}: أي قولوا لا إله إلا الله فاعبدوا الله وحده.
{وأترفناهم}: أي أنعمنا عليهم بالمال وسعة العيش.
{أنكم مخرجون}: أي أحياء من قبوركم بعد موتكم.
{هيهات هيهات}: أي بَعُدَ بُعْداً كبيراً وقوعُ ما يعدكم.
{إن هي إلا حياتنا الدنيا}: أي ما هي إلا حياتنا الدنيا وليس وراءها حياة أخرى.
{إن هو إلا رجل}: أي ما هو إلا رجلٌ افترى على الله كذباً أي كذب على الله تعالى.

.معنى الآيات:

هذه بداية قصة هود عليه السلام بعد قصة نوح عليه السلام أيضاً فقال تعالى: {ثم أنشأنا من بعدهم} أي خلقنا وأوجدنا من بعد قوم نوح الهالكين قوماً آخرين هم عاد قوم هود {فأرسلنا فيهم رسولاَ منهم} هو هود عليه السلام بأن قال لهم: {أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} أي اعبدوا الله بطاعته وإفراده بالعبادة إذا لا يوجد لكم إله غير الله تصح عبادته إذ الخالق لكم الرازق الله وحده فغيره لا يستحق العبادة بحال من الأحوال وقوله: {أفلا تتقون} يحثهم على الخوف من الله ويأمرهم به قبل أن تنزل بهم عقوبته.
وقوله تعالى: {وقال الملأ من قومه الذين كفروا} أي وقال أعيان البلاد وأشرافها من قوم هود ممن كفروا بالله ورسوله وكذبوا بالبعث والجزاء في الدار الآخرة وقد أترفهم الله تعالى: بالمال وسعة الرزق فأسرفوا في الملاذ والشهوات: قالوا: وماذا قالوا؟:
قالوا ما أخبرنا تعالى به عنهم بقوله: {ما هذا إلا بشر مثلكم} أي ما هذا الرسول إلا بشر مثلكم {يأكل مما تأكلون منه} من أنواع الطعام {ويشرب مما تشربون} من ألوان الشراب أي فلا فرق بينكم وبينه فكيف ترضون بسيادته عليكم يأمركم وينهاهم. وقالوا: {ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون} أي خاسرون حياتكم ومكانتكم، وقالوا: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً} أي فنيتم وصرتم تراباً {أنكم مُخْرِجون} أي أحياء من قبوركم. وقالوا: {هيهات هيهات} أي بَعُد بُعْداً كبيراً ما يعدكم به هود إنهاما {هي إلا حياتنا الدنيا} أي {نموت ونحيا} جبل يموت وجيل يحيا {وما نحن بمبعوثين} وقالوا: {إن هو إلا رجل افترى على الله كذباً} أي اختلق الكذب على الله وقال عنه أنه يبعثكم ويحاسبكم ويجزيكم بكسبكم. {وقالوا ما نحن بمبعوثين} هذه مقالتهم ذكرها تعالى عنهم وهي مصرحة بكفرهم وتكذيبهم وإلحادهم وما سيقوله هود عليه السلام سيأتي في الآيات بعد.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل، وما تبتدئ به دعوتهم وهو لا إله إلا الله.
2- أهل الكفر لا يصدر عنهم إلا ما هو شر وباطل لفساد قلوبهم.
3- الترف يسبب كثيراً من المفاسد والشرور، ولهذا يجب أن يُحذَرْ بالاقتصاد.
4- تقرير عقيدة البعث والجزاء وإثباتها وهي ما ينكره الملاحدة هروباً من الاستقامة.
5- تُكأة عامة المشتركين وهي كيف يكون الرسول رجلاَ من البشر، دفعاً للحق وعدم قبوله.

.تفسير الآيات (39- 44):

{قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)}

.شرح الكلمات:

{عما قليل}: أي عن قليل من الزمن.
{ليصبحن نادمين}: ليصيرن نادمين على كفرهم وتكذيبهم.
{فأخذتهم الصيحة}: أي صيحة العذاب والهلاك.
{فجعلناهم غثاء}: كغثاء السيل وهو ما يجمعه الوادي من العيدان والنبات اليابس. {فبعداً}: أي هلاكاً لهم.
{ثم أنشأنا}: أي أوجدنا من بعدهم أهل قرون آخرين كقوم صالح وإبراهيم. ولوط وشعيب.
{تترا}: أي يتبع بعضها بعضاً الواحدة عقب الأخرى.
{وجعلناهم أحاديث}: أي أهلكناهم وتركناهم قصصاً تقص وأخباراً تتناقل.

.معنى الآيات:

هذا ما قال هود عليه السلام بعد الذي ذكر تعالى من أقوال قومه الكافرين {قال رب} أي يا رب {انصرني بما كذبون} أي بسبب تكذيبهم لي وردهم دعوتي وإصرارهم على الكفر بك وعبادة غيرك فأجابه الرب تبارك وتعالى بقوله: {عما قليل ليصبحن نادمين} أي بعد قليل من الوقت وعزتنا وجلالنا ليصبحن نادمين أي ليصيرن نادمين على كفرهم بي وإشراكهم في عبادتي وتكذيبهم إياك ولم يمض إلا قليل زمن حتى أخذتهم الصيحة صيحة الهلاك ضمن ريح صرصر في أيام نحسات فإذا هم غثاء كغثاء السبيل لا حياة فيهم ولا فائدة ترجى منهم {فبعداً للقوم الظالمين} أي هلاكاً للظالمين بالشرك والتكذيب والمعاصي وقوله تعالى: {ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين} أي ثم أوجدنا بعد إهلاكنا عاداً أهل قرون آخرين كقوم صالح وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب. وقوله تعالى: {وما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون} أي أن كل أمة حكمنا بهلاكها لا يمكنها أن تسبق أجلها أي وقتها المحدود لها فتتقدمه كما لا يمكنها أن تتأخر عنه بحال.
وقوله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترا} أي يتبع بعضها بعضاً {كلما جاء أمة رسولها كذبوه فاتبعنا بعضهم بعضاً} أي في الهلاك فكلما كذبت أمة روسلها ورفضت التوبة إلى الله والإنابة إليه أهلكها، وقوله تعالى: {وجعلناهم أحاديث} أي لمن بعدهم يذكرون أحوالهم ويروون أخبارهم {فبعداً} أي هلاكاً منا {لقوم لا يؤمنون} في هذا تهديد قوي لقريش المصرة على الشرك والتكذيب والعناد. وقد مضت فيهم سنة الله فأهلك المجرمين منها.

.من هداية الآيات:

1- استجابة الله دعوة المظلومين من عباده لاسيما إن كانوا عبادنا صالحين.
2- الآجال للأفراد أو الأمم لا تتقدم ولا تتأخر سنة من سنن الله تعالى في خلقه.
3- تقرير حقيقة تاريخية علمية وهي أن الأمم السابقة كلها هلكت بتكذيبها وكفرها ولم ينج منها عند نزول العذاب بها إلا المؤمنون مع رسولهم.
4- كرامة هذه الأمة المحمدية أن الله تعالى لا يهلكها هلاكاً عاماَ بل تبقى بقاء الحياة تقوم بها الحجة لله تعالى على الأمم والشعوب المعاصرة لها طيلة الحياة.

.تفسير الآيات (45- 50):

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)}

.شرح الكلمات:

{بآياتنا وسلطان مبين}: الآيات هي التسع الآيات وهي الحدة والسلطان المبين.
{وكانوا قوماً عالين}: أي علوا أهل تلك البلاد قهراً واستبداداً وتحكماً.
{وقومهما لنا عابدون}: أي مطيعون ذليلون نستخدمهم فيما نشاء وكيف نشاء.
{ولقد آتينا موسى الكتاب}: أي التوراة.
{وجعلنا ابن مريم}: أي عيسى حجة وبرهاناً على وجود الله وقدرته وعلمه ووجوب توحيده.
{إلى ربوة ذات فرار معين}: إلى مكان مرتفع ذي استقرار وفيه ماء جار عذب وفواكه وخضر.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في ذكر نبذ من قصص الأولين للعظة والاعتبار، ولإقامة الحجة على مشركي قريش فقال تعالى: {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين} أي بعد تلك الأمم الخالية أرسلنا موسى بن عمران وأخاه هارون بسلطان مبين أي بحجج وبراهين بينة دالة على صدق موسى وما يدعو إليه من عبادة الله وتوحيده فيها والخروج بيني إسرائيل إلى الأرض المباركة أرض الشام إلى فرعون ملك مصر يومئذ وملئه من أشراف قومه وعليتهم فاستكبروا عن قبول دعوة الحق وكانوا عالين على أهل تلك البلاد فاهرين لها مستبدين بها وقالوا رداً على دعوة موسى وهارون ما أخبر تعالى به في قوله: {فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} أي خاضعون مطيعون. هكذا أعلنوا متعجبين من دعوة موسى وهارون إلى الإيمان برسالتهما فقالوا: أنؤمن لبشر من مثلنا أي كيف يكون هذا أنتبع رجلين مثلنا فنصبح نأتمر بأمرهما وننتهي بنهيمهما وكيف يتم ذلك وقومهما يعنون بني إسرائيل لنا عابدون. أي خاضعون لنا ومطيعون لأمرنا ونهينا. قال تعالى: {فكذبوهما}، فيما دعواهما إليه من الإيمان والتوحيد وإرسال بني إسرائيل إلى أرض الميعاد فترتب على تكذيبهم لرسولي الله موسى وهارون هلاكهم فكانوا من المهلكين حيث أغرقهم الله أجمعين، وقوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون}، ويخبر تعالى أنه بعد إهلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل آتى موسى التوراة من أجل هداية بني إسرائيل عليها لأنها تحمل النور والهدى. هذه أيدى الله على خلقه وآياته فيهم فسبحانه من إله عزيز رحيم.
وقوله تعالى: {وجعلنا ابن مريم وأمه} أي جعل عيسى ووالدته مريم {آية} حيث ونجاة بني إسرائيل آتى موسى التوراة من أجل هداية بني إسرائيل عليها لأنها تحمل النور والهدى. هذه أيادي الله على خلقه وآياته فيهم فسبحانه من إله عزيز رحيم. وقوله تعالى: {وجعلنا ابن مريم وأمه} أي جعل عيسى ووالدته مريم {آية} حيث خلق عيسى من غير أب فهي آية دالة على قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته وهذه موجبة الإيمان به عبادته وتوحيده والتوكل عليه والإنابة والتوبة إليه. قوله تعالى: {وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} أي أنزلنا مريم وولدها بعد اضطهاد اليهود لهما ربوة عالية صالحة للإستقرار عليها بها فاكهة وماء عذب جار إكرام الله تعالى له ولوالدته فسبحان المنعم على عباده المكرم لأوليائه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة كل من موسى وأخيه هارون عليهما السلام.
2- التنديد بالإستكبار، وأنه علة مانعة من قبول الحق.
3- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته في إرسال الرسل بالآيات وفي إهلاك المكذبين.
4- آية ولادة عيسى من غير أب مقررة قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، وبعث الناس من قبورهم للحساب والجزاء.

.تفسير الآيات (51- 56):

{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)}

.شرح الكلمات:

{كلوا من الطيبات}: أي من الحلال.
{واعلموها صالحاًَ}: أي بأداء الفرائض وكثير من النوافل.
{وإن هذه أمتكم}: أي ملتكم الإسلامية.
{فاتقون}: أي بامتثال أمري واجتناب نهيي.
{فتقطعوا أمرهم}: أي اختلفوا في دينهم فأصبحوا طوائف هذه يهودية وتلك نصرانية.
{في غمرتهم}: أي في ضلالتهم.
{نسارع لهم}: أي نعجل.
{بل لا يشعرون}: أن ذلك استدراج منا لهم.

.معنى الآيات:

بعد أن أكرم الله تعالى عيسى ووالدته بما أكرمهما به من إيوائهما إلى ربوة ذات قرار ومعين خاطب عيسى عبده ورسوله قائلاً: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} أي الحلال فكان عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه إذا كانت تغزل الصوف بأجرة فكانا يأكلان من ذلك أكلا من الطيب كما أمرهما الله تعالى وقوله: {واعملوا صالحاًَ} كلوا من الحلال واعملوا صالحاً بأداء الفرائض والإكثار من النوافل، وقوله: {إني بما تعملون عليم} فيه وعد بأن الله تعالى سيثيبهم على ما يعلمون من الصالحات. وقوله: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} أعلمهم أن ملتهم وهي الدين الإسلامي دين واحد فلا ينبغي الاختلاف فيه واعلمهم أيضاً أنه ربهم أي مالك أمرهم والحاكم عليهم فليبتغوه بفعل ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه، لينجوا من عذابه ويظفروا برحمته ودخول جنته.
وقوله تعالى: {فتقطعوا أمرهم بينهم} أي دينهم {زبراً كل حزب بما لديهم فرحون} أي فرقوا دينهم فرقاً فذهب كل فرقة بقطعة منه وقسموا الكتاب إلى كتب فهذه يهودية وهذه نصرانية واليهودية فرق والنصرانية فرق والإنجيل أصبح أناجيل متعددة وصارت كل جماعة فرحة بما عندها مسرورة به لا ترى الحق إلاَّ فيه.. {كل حزب بما لديهم فرحون} وهنا أمر الله رسوله أن يتركهم في غمرة ضلالتهم إلى حين أن ينزل بهم ما قضى به الرب تعالى على أهل الاختلاف في دينه {فذرهم في غمرتهم حتى حين} إذ قال له في سورة الأنعام {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} وفيه من التهديد ما فيه. وهذا الذي نعاه تعالى على تلك الأمم قد وقعت فيه أمة الإسلام فاختلفوا في دينهم مذاهب وطرقاً عديدة، وياللأسف وقد حلت بهم المحن ونزل بهم البلاء نتيجة ذلك الخلاف. وقوله: {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين} مع اختلافهم وانحرافهم مسارعة لهم منا في الخيرات لا بل ذلك استدراج لهم ليهلكوا ولكنهم لا يشعرون بذلك. لشدة غفلتهم واستيلاء غمرة الضلالة عليهم.

.من هداية الآيات:

1- وجوب الأكل من الحلال، ووجوب الشكر بالطاعة لله ورسوله.
2- الإسلام دين البشرية جمعاء ولا يحل الاختلاف فيه بل يجب التمسك به وترك ما سواه.
3- حرمة الاختلاف في الدين وأنه سبب الكوارث والفتن والمحن.
4- إذا انحرفت الأمة عن دين الله، ثم رزقت المال وسعة العيش كان ذلك استدراجاً لها، ولم يكن إكراماَ من الله لها دالاَ على رضى ربها عنها بل ما هو إلا فتنة ليس غير.