فصل: تفسير الآيات (36- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (36- 40):

{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}

.شرح الكلمات:

{فلما جاء سليمان}: أي رسول الملكة يحمل الهدية ومعه أتباعه.
{فما آتاني الله خير مما آتاكم}: أي أعطاني النبوة والملك وذلك خير مما أعطاكم من المال فقط.
{بهديتكم تفرحون}: لحبكم للدنيا ورغبتكم في زخارفها.
{إرجع إليهم}: أي بما أتيت به من الهدية.
{بجنود لا قبل لهم بها}: أي لا طاقة لهم بقتالها.
{ولنخرجنهم منها}: أي من مدينتهم سبأ المسماة باسم رجل يقال له سبأ.
{أذلة وهم صاغرون}: أي إن لم يأتوني مسلمين أي منقادين خاضعين.
{قبل أن يأتوي مسلمين}: فإنَّ لي أخذه قبل مجيئهم مسلمين لا بعده.
{قال عفريت من الجن}: أي جني قوي إذ القوي الشديد من الجن يقال له عفرين.
{قبل أن تقوم من مقامك}: أي من مجلس قضائك وهو من الصبح إلى الظهر.
{وإني عليه لقوي أمين}: أي قوي على حمله أمين على ما فيه من الجواهر وغيرها.
{وقال الذي عنده علم من الكتاب}: أي سليمان عليه السلام.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم مع سليمان ومكله سبأ إنه لما بعثت بهديتها تختبر بها سليمان هل هو رجل دنيا يقبل المال أو رجل دين، لتتصرف على ضوء ما تعرف من اتجاه سليمان عليه السلام، فلما جاء سليمان، جاءه سفير الملكة ومعه رجال يحملون الهدية قال لهم ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قال أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم} آتاني النبوة والعلم والحكم والملك فهو خير مما آتاكم من المال {بل أنتم بهديتكم تفرحون} وذلك بحبكم الدنيا ورغبتكم في زخارفها. وقال رسول الملكة {ارجع إليهم} أي بما أتيت به من الهدية، وعلمهم أنهم إن لم يأتوا إلي مسلمين {فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها} أي لا قدرة لهم على قتالهم، {ولنخرجنهم منها} أي من مدينتهم سبأ {أذلة وهم صاغرون} أي خاضعون منقادون. ثم قال سليمان عليه السلام لأشراف دولته وأعيان بلاده {يا أيها الملأُ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} فإني لا آخذه إلا قبل مجيئهم مسلمين لا بعده. فنطق عفريت من الجن قائلاً بما أخبر تعالى عنه به {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي مجلس قضائك والذي ينتهي عادة بنصف النهار، {وإني عليه لقوي أمين} أي قادر على حمله والإِتيان به في هذا الوقت الذي حددت لكم وأمين على ما فيه من جواهر وذهب لا يضيع منه شيء. وهنا {قال الذي عنده علم من الكتاب} وهو سليمان عليه السلام {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك إليك طرفك} فافتح عينيك وانظر فلا يعود غليك طرفك إلا والعرش بين يديك، وسال ربه باسمه الأعظم الذيما دعي به إلا أجاب وإذا العرش بين يديك، وسأل ربه باسمه الأعظم الذي ما دعي به إلا أجاب وإذا العرش بين يديه {فلما رآه مستقراص} بين يديه لهج قائلاً {هذا من فضل ربي} أي علي فلم يكن لي به يد أبداً {ليبلوني} بذلك {أأشكر} نعمته علي {أم أكفرها} {ومن شكر} فلنفسه أي عائد الشكر يعود عليه بحفظ النعمة ونمائها ومن كفر أي النعمة {فإن ربي غني} أي عن شكره وليس مفتقراً إليه، كريم قد يكرم الكافر للنعمة فلا يسلبها كلها منه أو يبقيها له على كفره.

.من هداية الآيات:

1- أهل الآخرة يفرحون بالدنيا، وأهل الدنيا لا يفرحون بالآخرة.
2- استعمال أسلوب الإِرهاب والتخويف مع القدرة على إنفاذه مع العدو أليق.
3- تقرير أن سليمان كان يستخدم الجن وأنهم يخدمونه في اصعب الأمور.
4- استجابة الله تعالى لسليمان فأحضر له العرش من مسافة شهرين أي من اليمن غلى الشام قبل ارتداد طرف الناظر إذا فتح عينه ينظر.
5- وجوب رد الفضل إلى أهله فسليمان قال: {هذا من فضل ربي} والجهال يقولون بثورتنا الخلاقة، وأبطالنا البواسل.
6- وجوب الشكر، وعائدته تعود على الشاكر فقط، ولكرم الله تعالى قد لا يسلب النعمة فور عدم شكرها وذلك لحلمه تعالى وكرمه.

.تفسير الآيات (41- 44):

{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}

.شرح الكلمات:

{قال نكروا لها عرشها}: أي غيروا هيأته وشكله حتى لا يعرف إلا بصعوبة.
{أتهتدي}: أي إلى معرفته.
{أهكذا عرشك}: شبهوا عليها إذ لو قالوا هذا عرشها لقالت نعم.
{قالت كأنه هو}: فشبَّهت عليه فقالت كأنه هو.
{وصدها ما كانت تعبد من دون الله}: أي صرفها عن عبادة الله مع علمها وذكائها ما كانت تعبد من دون الله.
{ادخلي الصرح}: أي بهو الصرح إذ الصرح القصر العالي وفي بهوه بكرة ماء كبيرة مغطاة بسقف زجاجي يرى وكأنه ماء.
{فكشفت عن ساقيها}: ظانة أنها تدخل ماء تمشي عليه فرفعت ثيابها.
{حسبته لجة}: أي من ماء غمر يجري.
{صرح ممرد من قوارير}: أي مملّس من زجاج.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم فيما دار من أحاديث بين سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ لقد خرجت هي في موكبها الملكي بعد أن احتاطت لعرشها أيّما احتياط. إلا أن العرش وصل قبلها بدعوة الذي عنده علم من الكتاب، وقبل وصولها أراد سليمان أن يختبر عقلها من حيث الحصافة أو الضعف فأمر رجاله ان يغيروا عرشها بزيادة ونقصان فيه حتى لا يعرف غلا بصعوبة كما قال عليه السلام {ننظر أتهتدي} إلى معرفته {أم تكون من الذين لا يهتدون} لضعف عقولهم. فلما جاءت {قيل لها أهكذا عرشك} فشبهوا عليها في التغيير وفي التعبير، إذ المفروض أن يقال لها هذا عرشك ومن هنا فطنت لتشبيههم {فقالت كأنه هو} إذ لو قالت: هو لقالوا كيف يكون هو والمسافة مسيرة شهرين ولو قالت ليس هو لقيل لها كيف تجهلين سريرك فكانت ذات ذكاء ودهاء ومن هنا قال سليمان لما أعجب بذكائها {وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين} فحمد الله وأثنى عليه ضمن العبارة التي قالها. وقوله: {وصدها ما كانت تعبد من دون الله} اتباعاً لقومها إذ كانوا يعبدون الشمس من دون الله. {إنها كانت من قوم كافرين} فهذا سبب عدم إيمانها وتوحيدها وهو ما كان عليه قومها، وجلس سليمان في بهو صرحه وكان البهو تحته بركة ماء عظيمة فيها أسماء كثيرة وللماء موج، وسقف البركة مملس من زجاج، ومع سليمان جنوده من الإِنس والجن يحوطون به ويحفونه من كل جانب وأمرت أن تدخل الصرح لأن سليمان الملك يدعوها {فلما رأته حسبته لجة} ماء {فكشفت عن ساقيها} فقال لها سليمان: {إنه صرح ممرد} أي مملّس {من قوارير} زجاجية وهنا وقد بهرها الموقف وعرفت أنها كانت ضالة وظالمة نطقت قائلة {رب إني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين} وبهذا أصبحت مسملة صالحة. ولم يذكر القرآن عنها بعد شيئاً فلنسكت عما سكت عنه القرآن.

.من هداية الآيات:

1- جواز اختبار الفراد إذا أريد إسناد أمر لهم لمعرفة قدرتهم العقلية والبدنية.
2- بيان حصافة عقل بلقيس ولذا أسلمت ظهر ذلك في قولها: {كأنه هو}.
3- مضار التقليد وما يترتب عليه من التنكر للعقل والمنطق.
4- حرمة كشف المراة ساقيها حتى ولو كانت كافرة فكيف بها إذا كانت مسلمة.
5- فضيلة الإِئتساء بالصالحين كما ائتست بلقيس بسليمان في قولها: {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}.

.تفسير الآيات (45- 49):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49)}

.شرح الكلمات:

{أن اعبدوا}: أي بأن اعبدوا الله.
{فريقان يختصمون}: أي طائفتان مؤمنة موحدة وكافرة مشركة يختصمون.
{تستعجلون بالسيئة}: أي تطالبون بالعذاب قبل الرحمة.
{لولا تستغفرون الله}: أي هلا تطلبون المغفرة من ربكم بتوبتكم إليه.
{قالوا اطيرنا بك}: أي تشاءمنا بك وبمن معك من المؤمنين.
{قال طائركم عند الله}: أي ما زجرتم من الطير لما يصيبكم من المكاره عند الله علمه.
{بل أنتم قوم تفتنون}: أي تختبرون بالخير والشر.
{تسعة رهط}: أي تسعة رجال ظلمة.
{تقاسموا بالله}: أي تحالفوا بالله أي طلب كل واحد من الثاني أن يحلف له.
{لنبيتنه وأهله}: أي لنقتلنه والمؤمنين به ليلاً.
{ما ششهدنا مهلك أهله}: أي ما حضرنا قتله ولا قتل أهله.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا} هذا بداية قصص صالح عليه السلام مع قومه ثمود لما ذكر تعالى قصص سليمان مع بلقيس ذكر قصص صالح مع ثمود وذلك تقريراً لنبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ووضع المشركين من قريش أمام أحداث تاريخية تمثيل حالهم مع نبيهم لعلهم يذكرون فيؤمنوا قال تعالى: {ولقد أرسلنا إلى ثمود} أي قبيلة ثمود {أخاهم} أي في النسب {صالحاً أن اعبدوا} أي قال لهم اعبدوا الله أي وحدوه {فإذا هم فريقان} موحدون ومشركون {يختصمون} فريق يدعو إلى عبادة الله وحده وفريق يدعو إلى عبادة الأوثان مع الله وشأن التعارض أن يحدث التخاصم كل فريق يريد ان يخصم الفريق الآخر. وطالبوا صالحاً بالآيات {وقالوا ائتنا بما تعدنا} أي من العذاب {إن كنت من الصادقين} في أنك رسول إلينا مثل الرسل فرد عليهم وقال: {يا قوم لم تستعجلون بالسيئة} أي تطالبونني بعذابكم {قبل الحسنة} فالمفروض أن تطالبوا بالحسنة التي هي الرحمة لا السيئة التي هي العذاب. إن كفركم ومعاصيكم هي سبيل عذابكم، كما أن إيمانكم وطاعتكم هي سبيل نجاتكم وسعادتكم فبادروا بالإيمان والطاعة طلباً لحسنة الدنيا والآخرة. إنكم بكفركم ومعاصيكم تستعجلون عذابكم {لولا} أي هلا {تستغفرون الله} بترككم الشرك والمعاصي {لعلكم ترحمون} أي كن ترحموا بعد هذا الوعظ والإِرشاد. كان جواب القوم ما أخبر تعالى به عنهم في قوله: {قالوا اطيرنا بك وبمن معك} أي تشاءمنا بك وبأتباعك المؤمنين، فرد عليهم بقوله: {طائركم عند الله} أي ما زجرتم من الطير لما يصيبكم من المكاره عند الله علمه وهو كائن لا محالة، وليست القضية تشاؤماً ولا تيامناً {بل أنتم قوم تفتنون} وقوله تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط} أي مدينة الحجر حجر ثمود تسعة رجال {يفسدون في اللأَرض} بالكفر والمعاصي {ولا يصلحون} وهم الذين تمالؤوا على عقر الناقة ومن بينهم قُدَار بن سالف الذي تولى عقر الناقة. هؤلاء التسعة نقر قالوا لبعضهم بعضاً في اجتماع خاص {تقاسموا بالله} أي ليقسم كل واحد من كم قائلاً والله {لنبيتنه} أي صالحاً {وأهله} أي أتباعه، أي لنأتينهم ليلاً فنقتلهم، ثم في الصباح {نقول لوليه} أي لولي دم صالح من اقربائه، والله {ما شهدنا مهلك أهله} ولا مهلكه {وإنا لصادقون} فيما نقسم عليه من انا لم نشهد مهلك صالح ولا مهلك اصحابه.

.من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
2- تقرير حقيقة أن الصراع بين الحق والباطل لا ينتهي إلا بانتهاء الباطل.
3- حرمة التشاؤم والتيامن كذلك، ولم يجز الشارع إلا التفاؤل لا غير.
4- العمل بمعاصي الله تعالى هو الفساد في الأرض، والعمل بطاعته هو الإصلاح في الأرض.
5- تقرير أن المشركين يؤمنون بالله ولذا يحلفون به، ولم يدخلهم ذلك في الإِسلام لشركهم في عبادة الله تعالى غيره من مخلوقاته.

.تفسير الآيات (50- 53):

{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}

.شرح الكلمات:

{ومكروا مكراً}: أي دبروا طريقة خفية لقتل صالح والمؤمنين.
{ومكرنا مكراً}: أي ودبرنا طريقة خفية لنجاة صالح والمؤمنين وإهلاك الظالمين.
{وهم لا يشعرون}: بأنا ندبر لهم طريق هلاكهم.
{بيوتهم خاوية}: أي فارغة ليس فيها أحد.
{بما ظلموا}: أي بسبب ظلمهم وهو الشرك والمعاصي.
{لآية}: أي عبرة.
{وأنجينا الذين آمنوا}: أي صالحاً والمؤمنين.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {ومكروا مكراً} هذا نهاية قصص صالح مع ثمود تقدم أن تسعة رهط من قوم صالح تقاسموا على تبييت صالح والمؤمنين وقتلهم ليلاً ليحولوا في نظرهم دون وقوع العذاب الذي واعدهم به صالح وأنه نازل بهم بعد ثلاثة ايام، وهذا مكرهم وطريقة تنفيذه أنهم أتوا صالحاً وهو يصلي في مسجد له تحت الجبل فسقطت عليهم صخرة من الجبل فأهلكتهم أجميعن وهكذا مكر الله بهم وهم لا يشعرون به، ثم أهلك الله القوم كلهم بالصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. وهو معنى قوله: {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم} أي انظر يا رسولنا كيف كانت نهاية ذلك المكر وعاقبته {أنا دمرناهم وقومهم أجميعن} {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} أي بسبب ظلمهم أنفسهم بالشرك وظلمهم صالحاً والمؤمنين. وقوله تعالى: {إن في ذلك} أي الإهلاك للرهط التسعة ولثمود قاطبة {لآية} أي علامة على قدرة الله وعلمه وحسن تدبيره {لقوم يعلمون} إذ هم الذين يرون الآية ويدركونها.
وقوله تعالى: {وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} يريد صالحاً والمؤمنين الذين آمنوا بالله رباً وإلهاً وبصالح نبياً ورسولاً. وكانوا طوال حياتهم يتقون عقاب الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله في الأمر والنهي.

.من هداية الآيات:

1- تقرير قاعدة: {ولا يحيق المكر السيء إِلا بأهله}
2- تقرير أن ديار الظالمين مآلها الخراب فالظلم يذر الديار بلا قع.
3- تقرير أن الإِيمان والتقوى هما سبب النجاة لأن ولاية الله للعبد تتم بهما.

.تفسير الآيات (54- 55):

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)}

.شرح الكلمات:

{ولوط}: أي واذكر لقومك لوطاً إذ قال لقومه.
{لقومه}: هم سكان مدن عمورية وسدوم.
{الفاحشة}: أي الخصلة القبيحة الشديدة القبح وهي اللواط.
{وأنتم تبصرون}: إذ كانوا يأتونها في أنديتهم عياناً بلا ستر ولا حجاب.
{قوم تجهلون}: أي قبح ما تأتون وما يترتب عليه من خزي وعذاب.

.معنى الآيتين:

هذا بداية قصص لوط عليه السلام مع قومه اللوطيين فقال تعالى: {ولوطاً} أي واذكر كما ذكرت صالحاً وقومه اذكر لوطاً {إذ قال لقومه} منكراً عليهم موبخاً مؤنباً لهم على فعلتهم الشنعاء {أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون} أي قبحها وشناعتها ببصائركم وبأبصاركم حيث كانوا يأتونها علناً وعياناً وهم ينظرون وقوله: {أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء} أي لا للعفة والإِحصان ولا للولد والإِنجاب بل لقضاء الشهوة البهيمية فشأنكم شأن البهائم لا غير. وفي نفس الوقت آذيتم نساءكم حيث تركتم إتيانهن فهضمتم حقوقهن. وقوله تعالى: {بل أنتم قوم تجهلون} أي قال لهم لوط عليه السلام أي ما كان ذلك الشر والفساد منكم إلا لأنكم قوم سوء جهلة بما يجب عليكم لربكم من الإِيمان والطاعة وما يترتب على الكفر والعصيان من العقاب والعذاب.

.من هداية الآيات:

1- بيا ما كان عليه قوم لوط من الفساد والهبوط العقلي والخلقي.
2- تحريم فاحشة اللواط وأنها أقبح شيء وأن فاعلها أحط من البهائم.
3- بيان أن الجهل بالله تعالى وما يجب له من الطاعة، وبما لديه من عذاب وما عنده من نعيم مقيم هو سبب كل شر في الأرض وفساد. ولذا كان الطريق غلى إصلاح البشر هو تعريفهم بالله تعالى حتى إذا عرفوه وآمنوا به أمكنهم أن يستقيموا في الحياة على منهج الإِصلاح المهيء للسعادة والكمال.

.تفسير الآيات (56- 58):

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}

.شرح الكلمات:

{فما كان جواب قومه}: أي لم يكن لهم من جواب إلا قولهم أخرجوا.
{آل لوط}: هو لوط عليه السلام وامرأته المؤمنه وابنتاه.
{من قريتكم}: أي مدينتكم سَدُوم.
{يتطهرون}: أي يتنزهون عن الأقذار والأساخ.
{قدرناها من الغابرين}: أي حكمنا عليها أن تكون من الهالكين.
{فساء مطر المنذرين}: أي قبح مطر المنذرين من أهل الجرائم أنه حجارة من سجيل.

.معنى الآيات:

هذه بقية قصص لوط عليه السلام إنه بعد أن أنكر لوط عليه السلام على قومه فاحشة اللواط وأنَّبَهم عليها، وقبَّح فعلهم لها أجابوه مهددين له بالطرد والإِعاد من القرية كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله: {فما كان جواب قومه} أي لم يكن لهم من جواب يردون به على لوط عليه السلام {إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم} أي إلا قولهم {أخرجوا آل لوط من قريتكم}. وعللوا لقولهم هذا بقولهم {إنهم أناس يتطهرون}. أي يتنزهون عن الفواحش. قالوا هذا تهكماً، لا إقراراً منهم على أن الفاحشة قذر يجب التنزه عنه. ولما بلغ بهم الحد إلى تهديد نبي الله لوط عليه السلام بالطرد والسخرية منه أهلكهم الله تعالى وأنجى لوطاً وأهله إلا إحدى امرأتيه وكانت عجوزاً كافرة وهو معنى قوله تعالى في الآية (57): {فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين} حكمنا ببقائها مع الكافرين لتهلك معهم. وقوله تعالى في الآية (58): {وأمطرنا عليهم} هو بيان لكيفية إهلاك قوم لوط بأن أمطر عليهم حجارة من سجيل منضود فأهلكهم. {فساء مطر المنذرين} أي قبح هذا المطر من مطر المنذرين الذين كذبوا بما أنذروا به واصروا على الكفر والمعاصي. وهذا المطر كان بعد أن جعل الله عالِيَ بلادهم سافلها، أردف خسفها بمطرٍ من حجارة لتصيب من كان بعيداً عن المُدُن.

.من هداية الآيات:

1- بيان سنة أن الظلمة إذا أعيتهم الحجج والبراهين يفزعون إلى القوة.
2- بيان سنة أن المرء إذا أدْمن على قبح قول أو عمل يصبح غير قبيح عنده.
3- سنة إنجاء الله أولياءه وإهلاكه أعداءه بعد إصرار المنذرين على الكفر والمعاصي.