فصل: الطِّبَاقُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.التَّجْنِيسُ:

وَهُوَ إِمَّا بِأَنْ تَتَسَاوَى حُرُوفُ الْكَلِمَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لبثوا غير ساعة} {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عاقبة المنذرين} وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَيْسَ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ الْآيَةِ الْأُولَى.
وَإِمَّا بِزِيَادَةٍ فِي إِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْتَفَّتِ الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق}.
وَإِمَّا لَاحِقٌ بِأَنْ يَخْتَلِفَ أَحَدُ الْحَرْفَيْنِ كَقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لشديد}.
{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}.
{وهم ينهون عنه وينأون عنه}.
{بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وبما كنتم تمرحون}.
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الخوف}.
وَإِمَّا فِي الْخَطِّ وَهُوَ أَنْ تَشْتَبِهَا فِي الْخَطِّ لَا اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنهم يحسنون صنعا}.
وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فهو يشفين}.
وَإِمَّا فِي السَّمْعِ لِقُرْبِ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ مِنَ الْآخَرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.

.تَنْبِيهَاتٌ:

.الْأَوَّلُ:

نَازَعَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَقَالَ: عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ بِتَجْنِيسٍ أَصْلًا وَأَنَّ السَّاعَةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالتَّجْنِيسُ أَنْ يَتَّفِقَ اللَّفْظُ وَيَخْتَلِفَ الْمَعْنَى وَأَلَّا تَكُونَ إِحْدَاهُمَا حَقِيقَةً وَالْأُخْرَى مَجَازًا بَلْ تَكُونَا حَقِيقَتَيْنِ وَإِنَّ زَمَانَ الْقِيَامَةِ- وَإِنْ طَالَ- لَكِنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حُكْمِ السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ لَا يُعْجِزُهَا أَمْرٌ وَلَا يَطُولُ عِنْدَهَا زَمَانٌ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ لَفْظَةِ (السَّاعَةِ) عَلَى أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْآخَرِ مَجَازًا وَذَلِكَ يُخْرِجُ الْكَلَامَ مِنَ التَّجْنِيسِ كَمَا لَوْ قُلْتَ: رَكِبْتُ حِمَارًا وَلَقِيتُ حِمَارًا وَأَرَدْتَ بِالثَّانِي الْبَلِيدَ. وَأَيْضًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ السَّاعَةَ الْأُولَى خَاصَّةً وَزَمَانَ الْبَعْثِ فَيَكُونُ لَفْظُ السَّاعَةِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَقِيقَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَيَخْرُجُ عَنِ التَّجْنِيسِ.

.الثَّانِي:

يَقْرُبُ مِنْهُ الِاقْتِضَابُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْكَلِمَاتُ يَجْمَعُهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ فِي اللُّغَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ القيم}.
وقوله: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} وقوله: {وح وريحان}.
وَقَوْلِهِ: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}.
{قال إني لعملكم من القالين}.
{وجنى الجنتين دان}.
{اأسفى على يوسف}.
{تقلب فيه القلوب والأبصار}.
{إني وجهت وجهي}.
{اثاقلتم إلى الأرض}.

.الثَّالِثُ:

اعْلَمْ أَنَّ الْجِنَاسَ مِنَ الْمَحَاسِنِ اللَّفْظِيَّةِ لَا الْمَعْنَوِيَّةِ وَلِهَذَا تَرَكُوهُ عِنْدَ قُوَّةِ الْمَعْنَى بِتَرْكِهِ وَلِذَلِكَ مِثَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وتذرون أحسن الخالقين} فَذَكَرَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ الْكَاتِبَ الْمُلَقَّبَ بالرشيدي قَالَ: لَوْ قِيلَ: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَدَعُونَ أَحْسَنَ الخالقين) أوهم أنه أحسن لأنه كان تَحْصُلُ بِهِ رِعَايَةُ مَعْنَى التَّجْنِيسِ أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِ مُوَازِنًا لِـ: (تَذَرُونَ).
وَأَجَابَ الرَّازِيُّ: بِأَنَّ فَصَاحَةَ الْقُرْآنِ لَيْسَ لِأَجْلِ رِعَايَةِ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ بَلْ لِأَجْلِ قُوَّةِ الْمَعَانِي وَجَزَالَةِ الْأَلْفَاظِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُرَاعَاةُ الْمَعَانِي أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ فَلَوْ كَانَ (أَتَدْعُونَ) (وَتَدَعُونَ) كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَوَقَعَ الْإِلْبَاسُ على القارئ فَيَجْعَلُهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ تَصْحِيفًا مِنْهُ وَحِينَئِذٍ فَيَنْخَرِمُ اللَّفْظُ إِذَا قَرَأَ وَتَدْعُونَ الثَّانِيَةَ بِسُكُونِ الدَّالِ لَا سِيَّمَا وَخَطُّ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ لَا ضَبْطَ (فِيهِ) وَلَا نَقْطَ.
قَالَ: وَمِمَّا صُحِّفَ مِنَ الْقُرْآنِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِقِرَاءَةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قال عذابي أصيب به من أشاء} بالسين المهملة.
وقوله: {عن موعدة وعدها إياه} بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ.
وَقَوْلُهُ: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأن يغنيه} بالعين المهملة.
وقرأ ابن عباس (من فرعون) عَلَى الِاسْتِفْهَامِ.
قُلْتُ: وَأَجَابَ الْجُوَيْنِيُّ عَنْ هَذَا بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ: أَنَّ (يَذَرُ) أَخَصُّ مِنْ (يَدَعُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بِمَعْنَى تَرَكَ الشَّيْءِ اعْتِنَاءً بِشَهَادَةِ الِاشْتِقَاقِ نَحْوَ الْإِيدَاعِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْوَدِيعَةِ مَعَ الِاعْتِنَاءِ بِحَالِهَا وَلِهَذَا يُخْتَارُ لَهَا مَنْ هُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا وَمِنْ ذَلِكَ الدَّعَةُ بِمَعْنَى الرَّاحَةِ وَأَمَّا تذر فمعناها الترك مطلقا والترك مَعَ الْإِعْرَاضِ وَالرَّفْضِ الْكُلِّيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا يُنَاسِبُ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فَأُرِيدَ هُنَا تَبْشِيعُ حَالِهِمْ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ بَلَغُوا الْغَايَةَ فِي الْإِعْرَاضِ.
قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ قول الراغب: يقال فلا يَذَرُ الشَّيْءَ أَيْ يَقْذِفُهُ لِقِلَّةِ الِاعْتِدَادِ بِهِ.
والوزرة قطعة من اللحم وتسميتها بذلك لقلة الاعتداد به نحو قولهم فيم لا يعتد به هُوَ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ قَالَ تَعَالَى: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آباؤنا} وقال تعالى: {ويذرك وآلهتك} {فذرهم وما يفترون} {ذروا ما بقي من الربا}.
وإنما قال: {يذرون} ولم يقل: يتركون، ويخلفون لِذَلِكَ. انْتَهَى.
وَعَنِ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ التَّجْنِيسَ تَحْسِينٌ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَقَامِ الْوَعْدِ وَالْإِحْسَانِ وَهَذَا مَقَامُ تَهْوِيلٍ وَالْقَصْدُ فِيهِ الْمَعْنَى فَلَمْ يَكُنْ لِمُرَاعَاةِ اللَّفْظَةِ فَائِدَةٌ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ}.
الْمِثَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كنا صادقين} قَالَ: مَعْنَاهُ: وَمَا أَنْتَ مُصَدِّقٌ لَنَا فَيُقَالُ: مَا الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْجِنَاسِ وَهَلَّا قِيلَ: (وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَى الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِعَايَةِ التَّجْنِيسِ اللَّفْظِيِّ؟.
وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي (مُؤْمِنٍ لَنَا) مِنَ الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِي (مُصَدِّقٍ) وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: مُصَدِّقٌ لِي، فَمَعْنَاهُ: قَالَ لِي: صَدَقْتَ وَأَمَّا (مُؤْمِنٌ) فَمَعْنَاهُ مَعَ التَّصْدِيقِ إِعْطَاءُ الْأَمْنِ وَمَقْصُودُهُمُ التَّصْدِيقُ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ طلب الأمن فلهذا عدل إليه.
فتأمل هذا اللَّطَائِفَ الْغَرِيبَةَ وَالْأَسْرَارَ الْعَجِيبَةَ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْإِعْجَازِ!.

.فَائِدَةٌ:

قَالَ الْخَفَاجِيُّ: إِذَا دَخَلَ التَّجْنِيسَ نَفْيٌ عُدَّ طِبَاقًا كَقَوْلِهِ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، لأن (الذين لايعلمون) هم الجاهلون قال: وفي هذا يختلط التجينس بالطباق.

.الطِّبَاقُ:

هُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ مَعَ مُرَاعَاةِ التَّقَابُلِ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ قِسْمَانِ: لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وليبكوا كثيرا} طَابَقَ بَيْنَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وَمِثْلُهُ: {لكيلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكم}.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وأحيا}.
{وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}.
{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تشاء} الْآيَةَ.
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يستوي الأحياء ولا الأموات}.
ثُمَّ إِذَا شُرِطَ فِيهِمَا شَرْطٌ وَجَبَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي ضِدَّيْهِمَا ضِدُّ ذَلِكَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الْآيَةَ، لَمَّا جَعَلَ التَّيْسِيرَ.
مشتركا بين الإعطاء والتقى والتصديق وجعل ضِدَّهُ وَهُوَ التَّعْسِيرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَضْدَادِ تِلْكَ الْأُمُورِ وَهِيَ الْمَنْعُ وَالِاسْتِغْنَاءُ وَالتَّكْذِيبُ.
وَمِنْهُ: {فِي جنة عالية قطوفها دانية} قَابَلَ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالدُّنُوِّ.
وَقَوْلُهُ: {فِيهَا سُرُرٌ مرفوعة وأكواب موضوعة}.
وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله}، فَذَكَرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَهُمَا ضِدَّانِ ثُمَّ قَابَلَهُمَا بِضِدَّيْنِ وَهُمَا الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ عَبَّرَ عَنِ الْحَرَكَةِ بِلَفْظِ (الْإِرْدَافِ) فَاسْتَلْزَمَ الْكَلَامُ ضربا من المحاسن زائدة عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَعَدَلَ عَنْ لَفْظِ الْحَرَكَةِ إِلَى لَفْظِ (ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ) لِكَوْنِ الْحَرَكَةِ تَكُونُ لِلْمَصْلَحَةِ دُونَ الْمَفْسَدَةِ وَهِيَ تَسِيرُ إِلَى الْإِعَانَةِ بِالْقُوَّةِ لكون الحركة وَحُسْنِ الِاخْتِيَارِ الدَّالِّ عَلَى رَجَاحَةِ الْعَقْلِ وَسَلَامَةِ الْحِسِّ وَإِضَافَةِ الظَّرْفِ إِلَى تِلْكَ الْحَرَكَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَاقِعَةٌ فِيهِ لِيَهْتَدِيَ الْمُتَحَرِّكُ إِلَى بُلُوغِ الْمَأْرَبِ.
وَمِنَ الطِّبَاقِ الْمَعْنَوِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لمرسلون} مَعْنَاهُ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا لَصَادِقُونَ.
وَقَوْلُهُ: {الَّذِي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء}، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي (الْحُجَّةِ): لَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ رَفْعًا لِلْمَبْنِيِّ قُوبِلَ بِالْفِرَاشِ الَّذِي هُوَ عَلَى خِلَافِ الْبِنَاءِ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الْبِنَاءُ عَلَى مَا فِيهِ ارْتِفَاعٌ فِي نَصِيبِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَدَرًا.
وَمِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى الطِّبَاقُ الْخَفِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا} لِأَنَّ الْغَرَقَ مِنْ صِفَاتِ الْمَاءِ فَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ فِي النَّارِ وَالنَّارِ قَالَ ابْنُ مُنْقِذٍ: وَهِيَ أَخْفَى مُطَابَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ.
قُلْتُ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا} فَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْأَخْضَرِ وَالْأَحْمَرِ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ تَدْبِيجٌ بَدِيعِيٌّ.
وَمِنْهُ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياة} لِأَنَّ مَعْنَى الْقِصَاصِ الْقَتْلُ فَصَارَ الْقَتْلُ سَبَبَ الْحَيَاةِ.
قَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ: وَهَذَا مِنْ أَمْلَحِ الطِّبَاقِ وَأَخْفَاهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الزُّخْرُفِ: {ظَلَّ وجهه مسودا} لِأَنَّ ظَلَّ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا نَهَارًا فَإِذَا لَمَّحَ مَعَ ذِكْرِ السَّوَادِ كَأَنَّهُ طِبَاقٌ يُذْكَرِ الْبَيَاضُ مَعَ السَّوَادِ.
وَقَوْلُهُ: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}.