فصل: قَاعِدَةٌ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَائِدَةٌ:

قوله: {إِلَّا عشية أو ضحاها} أي ضحى يَوْمِهَا فَدَلَّ بِالْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ.
قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَإِنَّمَا أَضَافَ الضُّحَى إِلَى نَهَارِ الْعَشِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَهَا مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ لَمْ يَحْسُنِ التَّرْدِيدُ بِـ: (أَوْ) لِأَنَّ عَشِيَّةَ كُلِّ نَهَارٍ مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْغُرُوبِ وَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ وَضُحَاهَا مِقْدَارُ رُبْعِهِ مَثَلًا وَهُوَ مِقْدَارُ نِصْفِ الْعَشِيَّةِ فَلَمَّا أَضَافَهُ إِلَى نَهَارِهَا عُلِمَ تَقَارُبُهُمَا فَحَسُنَ التَّرْدِيدُ لِإِفَادَتِهِ التَّرْدِيدَ بَيْنَ اللُّبْثِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَلَوْ أَطْلَقَهُ لَجَازَ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَشِيَّةُ نَهَارٍ قَصِيرٍ وَضُحَى يَوْمٍ طَوِيلٍ فَتَسَاوَى ذَلِكَ الضُّحَى بِالْعَشِيَّةِ فَلَا يَحْسُنُ التَّرْدِيدُ بينهما.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ قوله: {لَمْ يلبثوا إلا ساعة من نهار} وَهُوَ الْجُزْءُ الْيَسِيرُ مِنَ الزَّمَانِ وَبَيْنَ الضُّحَى وَالْعَشِيَّةِ؟ وَكَيْفَ حَسُنَ التَّرْدِيدِ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْحِسَابَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُهُ طويلا ومنهم من يحسبه قصيرا قال تَعَالَى {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا} ثُمَّ قَالَ {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لبثتم إلا يوما}.
وَقَدْ يَكُونُ بِحَسَبِ شِدَّةِ الْأَمْرِ وَخِفَّتِهِ وَلَبِثْتُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَرْزَخِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

.فَائِدَةٌ:

وَقَدْ يَتَجَوَّزُ بِحَذْفِ الضَّمِيرِ لِلْعِلْمِ بِهِ كَقوله: {أَهَذَا الذي بعث الله رسولا} أَيْ بَعَثَهُ وَهُوَ كَثِيرٌ.
وَمِنْهُ قوله: {وَالَّذِينَ يتوفون منكم} إِلَى قوله: {يَتَرَبَّصْنَ} إِذَا جَعَلْنَاهُ الْخَبَرَ فَالْأَصْلُ يَتَرَبَّصْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فَوَضَعَ الضَّمِيرَ مَوْضِعَ الْأَزْوَاجِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِنَّ فَأَغْنَى عَنِ الضَّمِيرِ.

.فَائِدَةٌ:

الْمُضْمَرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الظَّاهِرِ لَفْظًا أَوْ مَرْتَبَةً أَوْ لَفْظًا وَمَرْتَبَةً وَلَا يَكُونُ قَبْلَ الظَّاهِرِ لَفْظًا وَمَرْتَبَةً إِلَّا فِي أَبْوَابِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ كَمَا سَبَقَ وَبَابِ نِعْمَ وَبِئْسَ كَقَوْلِهِ تعالى {فنعما هي} و: {ساء مثلا} وَالضَّمِيرِ فِي رُبَّهُ رَجُلًا وَبَابِ الْإِعْمَالِ إِذَا أعملت.
الثَّانِيَ وَالْأَوَّلُ يَطْلُبُ عُمْدَةً فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّكَ تُضْمِرُ فِي الْأَوَّلِ فَتَقُولُ ضَرَبُونِي وَضَرَبْتُ الزَّيْدَيْنِ.

.فَائِدَةٌ:

الضَّمِيرُ لَا يَعُودُ إِلَّا عَلَى مُشَاهَدٍ مَحْسُوسٍ فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فَضَمِيرُ لَهُ عَائِدٌ عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ إِذْ ذَاكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَابِقًا فِي عِلْمِ اللَّهِ كَوْنُهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاهَدِ الْمَوْجُودِ فَصَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ: بَلْ يَرْجِعُ لِلْقَضَاءِ لِدَلَالَةِ قَضَى عَلَيْهِ وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُ لحب الخير لشديد} أَيْ مِنْ أَجْلِ حُبِّهِ.

.قَاعِدَةٌ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ:

الْأَصْلُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ إِذَا كَانَ السُّؤَالُ مُتَوَجِّهًا وَقَدْ يُعْدَلُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا يَقْتَضِيهِ السُّؤَالُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّ السُّؤَالِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَيُسَمِّيهِ السَّكَّاكِيُّ الْأُسْلُوبُ الْحَكِيمُ.
وَقَدْ يَجِيءُ الْجَوَابُ أَعَمَّ مِنَ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي السُّؤَالِ وَأَغْفَلَهُ الْمُتَكَلِّمُ.
وَقَدْ يَجِيءُ أَنْقَصَ لضرورة الحال.
مِثَالُ: مَا عُدِلَ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} فَعَدَلَ عَنِ الْجَوَابِ لَمَّا قَالُوا مَا بَالُ الْهِلَالِ يَبْدُو رَقِيقًا مِثْلَ الْخَيْطِ ثُمَّ يَتَزَايَدُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَمْتَلِئَ وَيَسْتَوِيَ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْقُصُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ فَأُجِيبُوا بما أجيبوا به لينتهوا عَلَى أَنَّ الْأَهَمَّ مَا تَرَكُوا السُّؤَالَ عَنْهُ.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وابن السبيل} سَأَلُوا عَمَّا يُنْفِقُونَ فَأُجِيبُوا بِبَيَانِ الْمَصْرِفِ تَنْزِيلًا لِسُؤَالِهِمْ مَنْزِلَةَ سُؤَالِ غَيْرِهِ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ قَدْ تَضَمَّنَ قوله: {قُلْ مَا أنفقتم من خير} بَيَانَ مَا يُنْفِقُونَهُ وَهُوَ خَيْرٌ ثُمَّ زِيدُوا عَلَى الْجَوَابِ بَيَانَ الْمَصْرِفِ.
وَنَظِيرُهُ {وَمَا تِلْكَ بيمينك يا موسى} فَيَكُونُ طَابَقَ وَزَادَ نَعَمْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَهُ مَالٌ عَظِيمٌ فَقَالَ مَاذَا أُنْفِقُ مِنْ أَمْوَالِنَا؟ وَأَيْنَ نَضَعُهَا؟ فَنَزَلَتْ فَعَلَى هَذَا لَيْسَتِ الْآيَةُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ السَّائِلَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِغَيْرِ مَا يَطْلُبُ بَلْ أُجِيبَ بِبَعْضِ مَا سَأَلَ عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: السُّؤَالُ الْأَوَّلُ كَانَ سُؤَالًا عَنِ النَّفَقَةِ إِلَى مَنْ تُصْرَفُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ وَالْجَوَابُ يَخْرُجُ عَلَى وَفْقِ السُّؤَالِ وَأَمَّا هَذَا السُّؤَالُ الثَّانِي فَعَنْ قَدْرِ الْإِنْفَاقِ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ أَيْضًا.
وَمِنْ ذَلِكَ أَجْوِبَةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفِرْعَوْنَ حَيْثُ قَالَ فِرْعَوْنُ {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} لِأَنَّ (مَا) سُؤَالٌ عَنِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ عَنِ الْجِنْسِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا السُّؤَالُ خَطَأً لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ لَيْسَ تُرَى مَاهِيَّتُهُ فَتُبَيَّنُ وَلَا جنس له فَيُذْكَرُ عَدَلَ الْكَلِيمُ عَنْ مَقْصُودِ السَّائِلِ إِلَى الجواب بما يعرف الصواب عِنْدَ كَيْفِيَّةِ الْخِطَابِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَرَيَانَ مَعَهُ فَأَجَابَهُ بِالْوَصْفِ الْمُنَبِّهِ عَنِ الظَّنِّ الْمُؤَدِّي لِمَعْرِفَتِهِ لكنه لما لم يطابق السؤال عنه فِرْعَوْنَ لِجَهْلِهِ وَاعْتَقَدَ الْجَوَابَ خَطَأً {قَالَ لِمَنْ حوله ألا تستمعون} فَأَجَابَهُ الْكَلِيمُ بِجَوَابٍ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَيَتَضَمَّنُ الْإِبْطَالَ لِعَيْنِ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ رُبُوبِيَّةِ فِرْعَوْنَ لَهُمْ بقوله: {ربكم ورب آبائكم الأولين} فَأَجَابَ بِالْأَغْلَظِ وَهُوَ ذِكْرُ الرُّبُوبِيَّةِ لِكُلِّ مَا هو من عالمهم نصا وَلَمَّا لَمْ يَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تَفَطَّنُوا غَلُظَ عَلَيْهِمْ فِي الثَّالِثَةِ، بِقَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ تعقلون} فَكَأَنَّهُ شَكَّ فِي حُصُولِ عَقْلِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: قوله تعالى {يسألونك عن الشهر الحرام} وَلَمْ يَقُلْ عَنْ قِتَالٍ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا إِلَّا مِنْ أَجْلِ الْقِتَالِ فِيهِ فَكَانَ ذِكْرُهُ أَوْلَى!
وَقِيلَ: لَمْ يَقَعِ السؤال إلا بعد القتال فَكَانَ الِاهْتِمَامُ بِالسُّؤَالِ عَنْ هَذَا الشَّهْرِ هَلْ أُبِيحَ فِيهِ الْقِتَالُ وَأَعَادَهُ بِلَفْظِ الظَّاهِرِ وَلَمْ يقل هو كبير ليعلم حكم قِتَالٍ وَقَعَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وَقَدْ يُعْدَلُ عَنِ الْجَوَابِ إِذَا كَانَ السَّائِلُ قَصْدُهُ التَّعَنُّتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ من أمر ربي} فَذَكَرَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ إِنَّ الْيَهُودَ إِنَّمَا سَأَلُوا تَعْجِيزًا وَتَغْلِيظًا إِذَا كَانَ الرُّوحُ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى رُوحِ الْإِنْسَانِ وَجِبْرِيلَ وَمَلَكٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ الرُّوحُ وَصِنْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْقُرْآنِ وَعِيسَى فَقَصَدَ الْيَهُودُ أَنْ يَسْأَلُوهُ فَبِأَيٍّ يُسَمَّى أَجَابَهُمْ قَالُوا لَيْسَ هُوَ فَجَاءَهُمُ الْجَوَابُ مُجْمَلًا فَكَانَ هَذَا الْإِجْمَالُ كَيْدًا يُرْسِلُ به كيدهم.
وَقِيلَ: إِنَّمَا سَأَلُوا عَنِ الرُّوحِ: هَلْ هِيَ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ أَمْ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؟ فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ جَوَابٌ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَوَابِ ذَلِكَ أَوْ يَقُولَ مِنْ أَمْرِ رَبِّي لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا مِنْ فِعْلِهِ وَخَلْقِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْقُرْآنَ رُوحًا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ وَحِينَئِذٍ فَوَقَعَ الْجَوَابُ مَوْقِعَهُ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ الرُّوحُ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ يَجْعَلُهُ دَلَالَةً وَعِلْمًا عَلَى صِدْقِهِ وَلَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي إِمْكَانِهِمْ.
وَحَكَاهُ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِي الْغُرَرِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} فكأنه قال تعالى إِنَّ الْقُرْآنَ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَلَوْ شَاءَ لَرَفَعَهُ.
وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ فِي الْجَوَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وما تلك بيمينك يا موسى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غنمي ولي فيها مآرب أخرى} فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهِمَ أَنَّ السُّؤَالَ يَعْقُبُهُ أمر عظيم يحدثه الله فِي الْعَصَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبِّهَ لِصِفَاتِهَا حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَكَذَا قوله: {وما تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} وَحَسَّنَهُ إِظْهَارُ الِابْتِهَاجِ بِعِبَادَتِهَا وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَى مُوَاظَبَتِهَا لِيَزْدَادَ غَيْظُ السَّائِلِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى {اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ منها ومن كل كرب} بَعْدَ قوله: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ البر والبحر تدعونه تضرعا} الْآيَةَ وَلَوْلَا قَصْدُ بَسْطِ الْكَلَامِ لِيُشَاكِلَ مَا تَقَدَّمَ لَقَالَ: (يُنَجِّيكُمُ اللَّهُ).
وَمِثَالُ النُّقْصَانِ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ذَاكِرًا عَنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لي أن أبدله من تلقاء نفسي} أَيِ ائْتِ بِقُرْآنٍ لَيْسَ فِيهِ سَبُّ آلِهَتِنَا أو بدله بأن تجعل مكان آية العذاب آية الرحمة وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ آلِهَتِنَا فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ عَلَى التَّبْدِيلِ وَطَوَى الْجَوَابَ عَنِ الِاخْتِرَاعِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لِأَنَّ التَّبْدِيلَ فِي إِمْكَانِ الْبَشَرِ بِخِلَافِ الِاخْتِرَاعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَقْدُورِ فَطَوَى ذِكْرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ سُؤَالٌ مُحَالٌ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ التَّبْدِيلَ قَرِيبٌ مِنَ الِاخْتِرَاعِ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَى جَوَابٍ وَاحِدٍ لَهُمَا وَخَطَرَ لِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّبْدِيلُ أَسْهَلَ مِنَ الِاخْتِرَاعِ وَقَدْ نَفَى إِمْكَانَ التَّبْدِيلِ كَانَ الِاخْتِرَاعُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى.

.فَائِدَةٌ:

قِيلَ أَصْلُ الْجَوَابِ أَنْ يُعَادَ فِي نَفْسِ سُؤَالِ السَّائِلِ لِيَكُونَ وَفْقَ السَّائِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أإنك لأنت يوسف قال أنا يُوسُفَ} وَأَنَا فِي جَوَابِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ أنت في سؤالهم قال {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} فَهَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ إِنَّهُمْ أَتَوْا عِوَضَ ذَلِكَ مَحْذُوفَ الْجَوَابِ اخْتِصَارًا وَتَرْكًا لِلتَّكْرَارِ.
وَقَدْ يُحْذَفُ السُّؤَالُ ثِقَةً بِفَهْمِ السَّامِعِ بِتَقْدِيرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ الله يبدأ الخلق ثم يعيده} فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مِنْ وَاحِدٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ {قُلِ اللَّهُ} جَوَابَ سُؤَالٍ كَأَنَّهُمْ سَأَلُوا لَمَّا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ {من يبدأ الخلق ثم يعيده} فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} فَتَرَكَ ذِكْرَ السُّؤَالِ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قل الله يهدي للحق}.