فصل: لا ينتفع بنعمة الله بالإيمان والعلم إلا من عرف نفسه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفوائد (نسخة منقحة)



.لا ينتفع بنعمة الله بالإيمان والعلم إلا من عرف نفسه:

لا ينتفع بنعمة الله بالإيمان والعلم إلا من عرف نفسه ووقف بها عند قدرها ولم يتجاوزه إلى ما ليس له ولم يتعد طوره ولم يقل هذا لي، وتيقن أنه الله ومن الله وبالله فهو المانُّ به ابتداء وإدامة بلا سبب من العبد ولا استحقاق منه، فتذله نعم الله عليه وتكسره كسرة من لا يرى لنفسه ولا فيها خيرا ألبتة، وأن الخير الذي وصل إليه فهو لله وبه ومنه فتحدث له النعم ذلا وانكسارا عجيبا لا يعبر عنه. فكلما جدد له نعمة ازداد له ذلا وانكسارا وخشوعا ومحبة وخوفا ورجاء، وهذا نتيجة علمين شريفين: علمه بربه وكماله وبره وغناء وجودة وإحسانه ورحمته، وأن الخير كله في يديه وهو ملكه يؤتي منه من يشاء ويمنع منه من يشاء، وله الحمد على هذا، وهذا أكمل حمد وأتمه. وعلمه بنفسه ووقوفه على حدها وقدرها ونقصها وظلمها وجهلها، وأنها لا خير فيها ألبتة ولا لها ولا بها ولا منها وأنها ليس لها من ذاتها إلا العدم فكذلك من صفاتها وكمالها ليس لها إلا العدم الذي لا شيء أحقر منه ولا أنقص، فما فيها من الخير تابع لوجودها الذي ليس لها ولا بها.
فإذا صار هذان العلمان صبغة لها لا صبغة على لسانها علمت حينئذ أن الحمد كله لله والأمر كله والخير كله في يديه، وأنه هو المستحق للحمد والثناء والمدح دونها، وأنها هي أولى بالذم والعيب واللوم. ومن فاته التحقيق بهذين العلمين تلونت به أقواله وأعماله وأحواله وتخبطت عليه ولم يهتد إلى الصراط المستقيم الموصل له إلى الله. فإيصال العبد بتحقيق هاتين المعرفتين علما وحالا، وانقطاعه بفواتهما. وهذا معنى قولهم: من عرف نفسه عرف ربه، فإنه من عرف نفسه بالجهل والظلم والعيب والنقائص والحاجة والفقر والذل والمسكنة والعدم، عرف ربه بضد ذلك فوقف بنفسه عند قدرها ولم يتعد بها طورها وأثنى على ربه ببعض ما هو أهله، وانصرفت قوة حبه وخشيته ورجائه وإنابته وتوكله إليه وحده، وكان أحب شيء إليه وأخوف شيء عنده وأرجاه له، وهذا هو حقيقة العبودية، والله المستعان.
ويحكى أن بعض الحكماء كتب على باب بيته: إنه لن ينتفع بحكمتنا إلا من عرف نفسه ووقف بها عند قدرها، فمن كان كذلك فليدخل وإلا فليرجع حتى يكون بهذه الصفة.

.مساوئ الشهوات:

الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تذهب مالا بقاؤه خير له من ذهابه، وإما أن تضيع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسى علما ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تشمت عدوا وتحزن وليا وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيبا يبقى صفة لا تزول، فإن الأعمال تورث للصفات والأخلاق.

.حدود الأخلاق:

للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانا، ومتى قصرت عنه كان نقصا ومهانة:
فللغضب حد وهو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص، وهذا كماله، فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار، وإن نقص عنه جبن ولم يأنف من الرذائل.
وللحرص حد وهو الكفاية في أمور الدنيا وحصول البلاغ منها، فمتى نقص تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود ويحرص على إيذائه، ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطة على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس» رواه أحمد بن حنبل والبخاري ولفظه عند البخاري في باب التمني: «لا تحاسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل والنهار يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل: ورجل آتاه الله مالا ينفقه في حقه فيقول: لو أوتيت، مثل ما أوتي لفعلت كما يفعل».، فهذا حسد منافسة يطالب الحاسد به نفسه أن يكون مثل المحسود لا حسد مهانة يتمنى به زوال النعمة عن المحسود.
وللشهوة حد وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والاستعانة بقضائها على ذلك، فمتى زادت على ذلك صارت نهمة وشبقا والتحق صاحبها بدرجة الحيوان، ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغا في طلب الكمال والفضل كانت ضعفا وعجزا ومهانة.
وللراحة حد وهو إجماع النفس والقوى المدركة والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك بحيث لا يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها، فمتى زاد على ذلك صار توانيا وكسلا وإضاعة وفات به أكثر مصالح العبد، ومتى نقص عنه صار مضرا بالقوى موهنا لها وربما انقطع به كالمنبتِّ الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.
والجود له حد بين طرفين، فمتى جاوز حده صار إسرافا وتبذيرا. ومتى نقص عنه كان بخلا وتقتيرا.
وللشجاعة حد متى جاوزته صارت تهوراً، ومتى نقصت عنه صارت جبنا وخوراً، وحدها الإقدام في مواضع الإقدام والإحجام، كما قال معاوية لعمرو بن العاص: أعياني أن أعرف أشجاع أنت أم جبان تقدم حتى أقول من أشجع الناس، وتجبن حتى أقول من أجبن الناس، فقال:
شجاع إذا أمكنتني فرصة ** فإن لم تكن لي فرصة فجبان

والغيرة لها حد إذا جاوزته صارت تهمة وظنا سيئاً بالبريء، وإذا قصرت عنه كانت تغافلاً ومبادئ دياثة.
وللتواضع حد إذا جاوزه كان ذلا ومهانة، ومتى قصر عنه انحرف إلى الكبر والفخر.
وللعز حد إذا جاوزه كان كبراً وخلقاً مذموماً، وإن قصر عنه انحرف إلى الذل والمهانة.

.خير الأمور الوسط:

وضابط هذا كله العدل، وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط، وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة، بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به، فإنه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك، وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك، إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا وأثمرت نقصا.
فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود، ولا سيما حدود المشروع المأمور والمنهي. فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود، حتى لا يدخل فيها ما ليس منها ولا يخرج منها ما هو داخل فيها. قال تعالى: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} سورة التوبة: الآية رقم: 97. فأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلا، وبالله التوفيق.

.التقوى في القلوب:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم، والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين. وهذا من جواهر الكلام وأدله على كمال فقه الصحابة وتقدمهم على من بعدهم في كل خير، رضي الله عنهم.
فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه. والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح. قال تعالى {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} سورة الحج: الآية رقم: 32، وقال: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} الحج: الآية رقم: 37، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «التقوى ههنا: وأشار إلى صدره» رواه الترمذي وأحمد بن حنبل.
فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل، أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق، فإن العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير، والقدم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة، فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل، فإن ساواه في همته تقدم عليه بعمله، وهذا موضع يحتاج إلى تفصيل يوافق فيه الإسلام الإحسان.

.أكمل الهدي:

فأكمل الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان موفيا كل واحد منهما حقه، فكان مع كماله وإرادته وأحواله مع الله حتى تَرِم قدماه، ولا يترك شيئا من النوافل والأوراد لتلك الواردات التي تعجز عن حملها قوى البشر. والله تعالى أمر عباده أن يقوموا بشرائع الإسلام على ظواهرهم وحقائق الإيمان على بواطنهم، ولا يقبل واحدا منهما إلا بصاحبه وقرينه.
وفي المسند مرفوعا: «الإسلام علانية والإيمان في القلب» فكل إسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه إلى حقيقة الإيمان الباطنة فليس بنافع حتى يكون معه شيء من الإيمان الباطن، وكل حقيقة باطنة لا يقوم صاحبها بشرائع الإسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت. فلو تمزق القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبد بالأمر وظاهر الشرع لم ينجه ذلك من النار.
وإذا عرف هذا، فالصادقون السائرون إلى الله والدار الآخرة قسمان:
قسم صرفوا ما فضل من أوقاتهم بعد الفرائض إلى النوافل البدنية وجعلوها دأبهم من غير حرص منهم على تحقيق أعمال القلوب ومنازلها وأحكامها،وإن لم يكونوا خالين من أصلها ولكن هممهم مصروفة إلى الاستكثار من الأعمال.
وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن إلى الاهتمام بصلاح قلوبهم وعكفوها على الله وحده والجمعية عليه وحفظ الخواطر والإرادات معه. وجعلوا قوة تعبدهم بأعمال القلوب من تصحيح المحبة والخوف والرجاء والتوكل والإنابة ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات التي ترد على قلبه من الله أحب إليهم من كثير من التطوعات البدنية، فإذا حصل لأحدهم جمعية ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل، لم يستبدل به شيئا سواه ألبتة، إلا أن يجيء الأمر فيبادر إليه بذلك الوارد إن أمكنه، وإلا بادر إلى الأمر ولو ذهب الوارد. فإذا جاءت النوافل فههنا معترك التردد، فإن أمكن القيام بها فذاك وإلا نظر في الأرجح. والأحب إلى الله هل هو القيام إلى تلك النافلة ولو ذهب وارده كإغاثة الملهوف وإرشاد ضال وجبر مكسور واستفادة إيمان ونحو ذلك، فههنا ينبغي تقديم النافلة الراجحة، ومتى قدمها لله رغبة فيه وتقربا إليه فإنه يرد عليه ما فات من وارده أقوى مما كان في وقت آخر، وإن كان الوارد أرجح من النافلة فالحزم له الاستمرار في وارده حتى يتوارى عنه فإنه يفوت والنافلة لا تفوت.
وهذا موضع يحتاج إلى فضل فقه في الطريق ومراتب الأعمال وتقديم الأهم منها فالأهم، والله الموفق لذلك لا إله غيره ولا رب سواه.

.أصل الأخلاق الممدوحة والمذمومة:

أصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر والمهانة والدناءة، وأصل الأخلاق المحمودة كلها الخشوع وعلو الهمة، فالفخر والبطر والأشر والعجب والحسد والبغي والخيلاء والظلم والقسوة والتجبر والإعراض وإباء قبول النصيحة والاستئثار وطلب العلو وحب الجاه والرئاسة وأن يحمد بما لم يفعل وأمثال ذلك كلها ناشئة من الكبر.
وأما الكذب والخسة والخيانة والرياء والمكر والخديعة والطمع والفزع والجبن والبخل والعجز والكسل والذل لغير الله واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير ونحو ذلك، فإنها من المهانة والدناءة وصغر النفس.
وأما الأخلاق الفاضلة كالصبر والشجاعة والعدل والمروءة والعفة والصيانة والجود والحلم والعفو والصفح والاحتمال والإيثار وعزة النفس عن الدناءات والتواضع والقناعة والصدق والإخلاص والمكافأة على الإحسان بمثله أو أفضل والتغافل عن زلات الناس وترك الاشتغال بما لا يعنيه وسلامة القلب من تلك الأخلاق المذمومة ونحو ذلك، فكلها ناشئة عن الخشوع وعلو الهمة. والله سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة ثم ينزل عليها الماء فتهتز وتربو وتأخذ زينتها وبهجتها، فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق.
وأما النار فطبعها العلو والإفساد ثم تخمد فتصير أحقر شيء وأذله، وكذلك المخلوق منها، فهي دائما بين العلو إذا هاجت واضطربت، وبين الخسة والدناءة إذا خمدت وسكنت، والأخلاق المذمومة تابعة للنار والمخلوق منها،والأخلاق الفاضلة تابعة للأرض والمخلوق منها. فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل.

.مستلزمات المطالب العليا:

المطلب الأعلى موقوف حصوله على همة عالية ونية صحيحة، فمن فقدهما تعذر عليه الوصول إليه، فإن الهمة إذا كانت عالية تعلقت به وحده دون غيره. وإذا كانت النية صحيحة سلك العبد الطريق الموصلة إليه، فالنية تفرد له الطريق والهمة تفرد له المطلوب، فإذا توحد مطلوبه والطريق الموصلة إليه كان الوصول غايته، وإذا كانت همته سافلة تعلقت بالسفليات ولم تتعلق بالمطلب الأعلى، وإذا كانت النية غير صحيحة كانت طريقه غير موصلة إليه، فمدار الشأن هل همة العبد ونيته وهما مطلوبه وطريقه ولا يتم له إلا بترك ثلاثة أشياء: العوائد والرسوم والأوضاع التي أحدثها الناس.
الثاني: هجر العوائق التي تعوقه عن إفراد مطلوبه وطريقه وقطعها.
الثالث: قطع علائق القلب التي تحول بينه وبين تجريد التعلق بالمطلوب. والفرق بينهما أن العوائق هي الحوادث الخارجية والعلائق هي التعلقات القلبية بالمباحات ونحوها. وأصل ذلك ترك الفضول التي تشغل عن المقصود من الطعام والشراب والمنام والخلطة، فيأخذ من ذلك ما يعينه على طلبه ويرفض منه ما يقطعه عنه أو يضعف طلبه، والله المستعان.

.من حكم ابن مسعود:

من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
قال رجل عنده: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أحب أن أكون من المقربين. فقال عبد الله: لكن ههنا رجل وَدَّ أنه إذا مات لم يبعث؛ يعني نفسه.
وخرج ذات يوم فاتبعه ناس فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا لا، ولكن أردنا أن نمشي معك، قال: ارجعوا، فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع.
وقال: لو تعلمون مني ما أعلم من نفسي لحثوتم على رأسي التراب.
وقال: حبذا المكروهان: الموت والفقر، وأيم الله إن هو إلا الغنى والفقر وما أبالي بأيهما بليت، أرجو الله في كل واحد منهما، إن كان الغنى أن فيه العطف، وإن كان الفقر أن فيه الصبر.
وقال: إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيرا فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع، لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له.
من أعطي خيرا فالله أعطاه،ومن وقي شرا فالله وقاه.
المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة.
إنما هما اثنتان: الهدي والكلام، فأفضل الكلام كلام الله، وأفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة فلا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل فإن كل ما هو آت قريب، ألا وإن البعيد ما ليس آتيا، ألا وإن الشقي من شقي في بطن أمه، وإن السعيد من وعظ بغيره، إلا وإن قتال المسلم كفر وسبابه فسوق، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام حتى يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويعوده إذا مرض. ألا وإن شر الروايا روايا الكذب، ألا وإن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا أن يعد الرجل صبيه شيئا ثم لا ينجزه ألا وإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، والصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، وإنه يقال للصادق صدق وبر، ويقال للكاذب كذب وفجر، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم حدثنا أن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
إن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقى، وخير الملة ملة إبراهيم، وأحسن السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هدي الأنبياء، وأشرف الحديث ذكر الله وخير القصص القرآن وخير الأمور عواقبها وشر الأمور محدثاتها، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ونفس تنجيها خير من نفس أمارة لا تحصبها، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والريب من الكفر، وشر العمى عمى القلب، والخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، والنوح من عمل الجاهلية.
من الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا ولا يذكر الله إلا هجرا. وأعظم الخطايا الكذب، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يصبر على الرزية يعقبه الله، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المآكل مال اليتيم، وإنما يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه، وإنما يصير إلى أربعة أذرع والأمر إلى آخره، وملاك العمل خواتمه، وأشرف الموت قتل الشهداء، ومن يستكبر يضعه الله، ومن يعص الله يطع الشيطان.
ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون. وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حكيما حليما سكينا. ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا.
من تطاول تعظما حطه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله. وإن للملك لمة وللشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله. ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فإذا رأيتم ذلك فتعوذوا بالله.
إن الناس قد أحسنوا القول، فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فذاك إنما يوبخ نفسه.
لا ألفين أحدكم جيفة ليل قطرب نهار، إني لأبغض الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة، ومن لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا.
من اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله، ولا تحمد أحدا على رزق الله، ولا تلوم أحدا على ما لم يؤتك الله، فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة كاره، وإن الله بقسطه وحلمه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط.
ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك، ومن يقرع باب الملك، يفتح له.
إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها.
كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت سرج الليل، جدد القلوب، خلقان الثياب، تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض.
إن للقلوب شهوة وإدبارا فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها ودعوها عند فترتها وإدبارها.
ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية.
إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضه قلبا، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضه جسما، وأيم الله لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان.
لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته، ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى والتواضع أحب إليه من الشرف، وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء، وإن الرجل ليخرج من بيته ومعه دينه فيرجع وما معه منه شيء، يأتي الرجل ولا يملك له ولا لنفسه ضرا ولا نفعا، فيقسم له بالله إنك لذيت وذيت، فيرجع وما حبى من حاجته بشيء ويسخط الله عليه.
لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا.
الإثم جَوَّاز القلوب.
ما كان من نظرة فإن للشيطان فيها مطمعا.
مع كل فرحة ترحة وما ملئ بيت حبرة إلا ملئ عبرة، وما منكم إلا ضيف وما له عارية، فالضيف مرتحل والعارية مؤداة إلى أهلها.
يكون في آخر الزمان أقوام أفضل أعمالهم التلاوم بينهم يسمون الأنتان.
إذا أحب الرجل أن ينصف من نفسه فليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه.
الحق ثقيل مريء والباطل خفيف وبيء.
رب شهوة تورث حزنا طويلا.
ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.
إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن بهلاكها.
من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث لا يأكله السوس ولا يناله السراق فليفعل، فإن قلب الرجل مع كنزه.
لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، فإن آمن آمن وإن كفر كفر، وإن كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
لا يكن أحدكم إمعة، قالوا وما الإمعة؟ قال: يقول أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت، ألا ليوطن أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس لا يكفر.
وقال له رجل: علمني كلمات جوامع نوافع، فقال اعبد الله لا تشرك به شيئا وزل مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا، ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وإن كان حبيبا قريبا.
يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له أد أمانتك فيقول يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا فتمثل على هيئتها يوم أخذها في قعر جهنم، فينزل فيأخذها فيضعها على عاتقه فيصعد بها، حتى إذا ظن أنه خارج بها هوت وهوى في أثرها أبد الآبدين.
اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر وفي أوقات الخلوة، فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك.
قال الجنيد دخلت على شاب فسألني عن التوبة فأجبته، فسألني عن حقيقتها، فقلت: أن تنصب ذنبك بين عينيك حتى يأتيك الموت، فقال لي: مه، ما هذا حقيقة التوبة، فقلت له فما حقيقة التوبة عندك يا فتى؟ قال: أن تنسى ذنبك، وتركني ومضى. فكيف هو عندك يا أبا القاسم؟ فقلت: القول ما قال الفتى قال: كيف قلت إذا كنت معه في حال ثم نقلني من حال الجفا إلى حال الوفا، فذكري للجفا في حال الوفا جفا.