فصل: تفسير الآيات (113- 114):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (109- 112):

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)}
{إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} أي عالم بالسحر ماهر فيه، قد أخذ عيون الناس بخدعة من خدعه، حتى خيل إليهم العصى حية، والآدم أبيض.
فإن قلت: قد عزى هذا الكلام إلى فرعون في سورة الشعراء، وأنه قاله للملأ وعُزي هاهنا إليهم قلت قد قاله هو وقالوه هم، فحكى قوله ثم وقولهم ههنا: أو قاله ابتداء فتلقته منه الملأ، فقالوه لأعقابهم. أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ، كما يفعل الملوك يرى الواحد منهم الرأي فيكلم به من يليه من الخاصة ثم تبلغه الخاصة العامة. والدليل عليه أنهم أجابوه في قولهم: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المدائن حاشرين يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ}. وقرئ: {سحار}، أي يأتوك بكل ساحر مثله في العلم والمهارة: أو بخير منه. وكانت هذه مؤامرة مع القبط. وقولهم: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} من أمرته فأمرني بكذا إذا شاورته فأشار عليك برأي. وقيل: قال فماذا تأمرون؟ من كلام فرعون، قاله للملأ لما قالوا له: إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم، كأنه قيل قال: فماذا تأمرون؟ قالوا: أرجئه وأخاه، ومعنى أرجئه وأخاه: أخرهما وأصدرهما عنك، حتى ترى رأيك فيهما وتدبر أمرهما. وقيل: احبسهما. وقرئ: أرجئه، بالهمزة: {وأرجه}، من أرجاءه وأرجاه.

.تفسير الآيات (113- 114):

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}
فإن قلت: هلا قيل: وجاء السحرة فرعون فقالوا: قلت: هو على تقدير سائل سأل: ما قالوا إذ جاؤه؟ فأجيب بقوله: {قَالُواْ أإنّ لَنَا لأجْرًا} أي جعلا على الغلبة: وقرئ: {إن لنا لأجراً} على الإخبار وإثبات الأجر العظيم وإيجابه: كأنهم قالوا: لابد لنا من أجر، والتنكير للتعظيم، كقول العرب: إنّ له لإبلاً، وإنّ له لغنما، يقصدون الكثرة.
فإن قلت: {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} ما الذي عطف عليه؟ قلت: هو معطوف على محذوف سدّ مسدّه حرف الأيجاب، كأنه قال إيجاباً لقولهم: إن لنا لأجراً: نعم إنّ لكم لأجراً، وإنكم لمن المقرّبين، أراد: إني لأقتصر بكم على الثواب وحده، وإنّ لكم مع الثواب ما يقل معه الثواب، وهو التقريب والتعظيم، لأنّ المثاب إنما يتهنأ بما يصل إليه ويغتبط به إذا نال معه الكرامة والرفعة.
وروي أنه قال لهم: تكونون أول من يدخل وآخر من يخرج. وروى: أنه دعا برؤساء السحرة ومعلميهم فقال لهم: ما صنعتم؟ قالوا قد علمنا سحراً لا يطيقه سحرة أهل الأرض، إلاّ أن يكون أمراً من السماء فإنه لا طاقة لنا به.
وروي أنهم كانوا ثمانين ألفاً. وقيل: سبعين ألفاً وقيل: بضعة وثلاثين ألفاً. واختلفت الروايات فمن مقل ومن مكثر. وقيل: كان يعلمهم مجوسيان من أهل نينوى. وقيل: قال فرعون: لا نغالب موسى إلاّ بما هو منه، يعني السحر.

.تفسير الآيات (115- 122):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}
تخييرهم إياه أدب حسن راعوه معه، كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين، قبل أن يتخاوضوا في الجدال، والمتصارعين قبل أن يتآخذوا للصراع. وقولهم: {وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين} فيه ما يدلّ على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر، أو تعريف الخبر وإقحام الفصل، وقد سوّغ لهم موسى ما تراغبوا فيه ازدراء لشأنهم، وقلة مبالاة بهم. وثقة بما كان بصدده من التأييد السماوي، وأن المعجزة لن يغلبها سحر أبداً {سَحَرُواْ أَعْيُنَ الناس} أروها بالحيل والشعوذة وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه، كقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} [طه: 66]. روي: أنهم ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً، فإذا هي أمثال الحيات، قد ملأت الأرض وركب بعضها بعضاً {واسترهبوهم} وأرهبوهم إرهاباً شديداً، كأنهم استدعوا رهبتهم {بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} في باب السحر. روي أنهم لونوا حبالهم وخشبهم وجعلوا فيها ما يوهم الحركة. قيل: جعلوا فيها الزئبق {مَا يَأْفِكُونَ} ما موصولة أو مصدرية، بمعنى: ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزوّرونه تسمية للمأفوك بالإفك روي أنها لما تلقفت ملئ الوادي من الخشب والحبال رفعها موسى. أوإفكهم فرجعت عصى كما كانت، وأعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرّقها أجزاء لطيفة قالت للسحرة: لو كان هذا سحراً لبقيت حبالنا وعصينا {فَوَقَعَ الحق} فحصل وثبت. ومن بدع التفاسير: فوقع قلوبهم، أي فأثر فيها من قولهم. قاس وقيع {وانقلبوا صاغرين} وصاروا أذلاء مبهوتين {وَأُلْقِىَ السحرة} وخرّوا سجداً: كأنما ألقاهم ملق لشدّة خرورهم. وقيل: لم يتمالكوا مما رأوا، فكأنهم ألقوا.
وعن قتادة: كانوا أول النهار كفاراً سحرة؛ وفي آخره شهداء بررة.
وعن الحسن: تراه ولد في الإسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا، وكذا، وهؤلاء كفار نشأوا في الكفر، بذلوا أنفسهم لله.

.تفسير الآيات (123- 124):

{قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}
{ءَامَنْتُمْ بِهِ} على الإخبار، أي فعلتم هذا الفعل الشنيع، توبيخاً لهم وتقريعاً. وقرئ: {أآمنتم}، بحرف الاستفهام، ومعناه الإنكار والاستبعاد {إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة} إن صنعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا إلى هذه الصحراء قد تواطأتم على ذلك لغرض لكم، وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوها بني إسرائيل، وكان هذالكلام من فرعون تمويهاً على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان.
وروي أن موسى عليه السلام قال للساحر الأكبر: أتؤمن بي إن غلبتك؟ قال: لآتين بسحر لا يغلبه سحر. وإن غلبتني لأومنن بك، وفرعون يسمع، فلذلك قال ما قال: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وعيد أجمله ثم فصله بقوله: {لأُقَطّعَنَّ} وقرئ: {لأقطعن} بالتخفيف، وكذلك {ثُمَّ لأُصَلّبَنَّكُمْ} {مّنْ خلاف} من كل شقّ طرفاً. وقيل: إن أوّل من قطع من خلاف وصلب لفرعون.

.تفسير الآيات (125- 126):

{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}
{إِنَّا إلى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ} فيه أوجه، أن يريدوا: إنا لا نبالي بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته وخلاصنا منك ومن لقائك. أو ننقلب إلى الله يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب، أو إنا جميعاً يعنون أنفسهم وفرعون ننقلب إلى الله فيحكم بيننا، أو إنا لا محالة ميتون منقلبون إلى الله، فما تقدر أن تفعل بنا إلاّ ما لابد لنا منه {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ ءامَنَّا} وما تعيب منا إلاّ الإيمان بآيات الله، أرادوا: وما تعيب منا إلاّ ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها، وهو الإيمان. ومنه قوله:
وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ

{أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} هب لنا صبراً واسعاً وأكثره علينا، حتى يفيض علينا ويغمرنا، كما يفرغ الماء فراغاً، وعن بعض السلف: إن أحدكم ليفرغ على أخيه ذنوباً ثم يقول: قد مازحتك، أي يغمره بالحياء، والخجل. أو صبّ علينا ما يطهرنا من أوضار الآثام، وهو الصبر على ما توعدنا به فرعون، لأنهم علموا أنهم إذا استقاموا وصبروا كان ذلك مطهرة لهم {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} ثابتين على الإسلام.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
{وَيَذَرَكَ} عطف على {لِيُفْسِدُوا} لأنه إذا تركهم ولم يمنعهم، وكان ذلك مؤدّياً إلى ما دعوه فساداً وإلى تركه وترك آلهته، فكأنه تركهم لذلك. أو هو جواب للاستفهام بالواو كما يجاب بالفاء، نحو قول الحطيئة:
أَلَمْ أَكُ جَارَكُمْ وَيَكُونُ بَيْنِي ** وَبَيْنَيكُمُ المْمَوَدَّةُ وَالإخَاءُ

والنصب بإضمار (إن) تقديره: أيكون منك ترك موسى، ويكون تركه إياك وآلهتك. وقرئ: (ويذرك وآلهتك) بالرفع عطفاً على أتذر موسى، بمعنى: أتذره وأيذرك، يعني: تطلق له ذلك. أو يكون مستأنفاً أو حالاً على معنى: أتذره وهو يذرك وآلهتك.
وقرأ الحسن: (ويذرك) بالجزم، كأنه قيل: يفسدوا، كما قرئ: {وَأَكُن مّنَ الصالحين} [المنافقون: 10] كأنه قيل: {أصدّق}.
وقرأ أنس رضي الله عنه: {ونذرك}، بالنون والنصب، أي يصرفنا عن عبادتك فنذرها. وقرئ: {ويذرك وإلاهتك}، أي عبادتك.
وروي: أنهم قالوا له ذلك، لأنه وافق السحرة على الإيمان ستمائة ألف نفس، فأرادوا بالفساد في الأرض ذلك وخافوا أن يغلبوا على الملك، وقيل: صنع فرعون لقومه أصناماً وأمرهم أن يعبدوها تقرباً إليه كما يعبد عبدة الأصنام الأصنام، ويقولون: ليقربونا إلى الله زلفى، ولذلك قال: أنا ربكم الأعلى {سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ} يعني سنعيد عليهم ما كنا محناهم به من قتل الأبناء، ليعلموا أنا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر، وأنهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا، وأن غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا واستيلائنا، ولئلا يتوهم العامة أنه هو المولود الذي أخبر المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده، فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتباعه، وأنه منتظر بعد.

.تفسير الآيات (128- 129):

{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
{قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله} قال لهم ذلك- حين قال فرعون: سنقتل أبناءهم فجزعوا منه وتضجروا- يسكنهم ويسلبهم، ويعدهم النصرة عليهم، ويذكر لهم ما وعد الله بني إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم.
فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على التي قبلها؟ قلت: هي جملة مبتدأة مستأنفة. وأمّا {وَقَالَ الملا} [الأعراف: 127] فمعطوفة على ما سبقها من قوله: {قَالَ الملا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ} وقوله: {إِنَّ الأرض للَّهِ} يجوز أن تكون اللام للعهد ويراد أرض مصر خاصة، كقوله: {وَأَوْرَثَنَا الأرض} [الزمر: 74] وأن تكون للجنس فيتناول أرض مصر لأنها من جنس الأرض، كما قال ضمرة: إنما المرء بأصغريه، فأراد بالمرء الجنس، وغرضه أن يتناوله تناولاً أولياً {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم ومن القبط، وأن المشيئة متناولة لهم. وقرأ: {والعاقبة للمتقين} بالنصب: أبيّ وابن مسعود، عطفاً على الأرض.
{أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه السلام إلى أن استنبئى، وإعادته عليهم بعد ذلك، وما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن ويمسون به من العذاب {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} تصريح بما رمز إليه من البشارة قبل. وكشف عنه، وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه وشكر النعمة وكفرانها، ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم.
وعن عمرو بن عبيد رحمه الله أنه دخل على المنصور قبل الخلافة وعلى مائدته رغيف أو رغيفان، فطلب زيادة لعمرو فلم توجد، فقرأ عمرو هذه الآية، ثم دخل عليه بعد ما استخلف فذكر له ذلك وقال: قد بقي فينظر كيف تعملون.

.تفسير الآية رقم (130):

{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}
{بالسنين} بسني القحط. و (السنة) من الأسماء الغالبة كالدابة والنجم ونحو ذلك، وقد اشتقوا منها فقالوا: أسنت القوم بمعنى: أقحطوا. وقال ابن عباس رضي الله عنه: أما السنون فكانت لباديتهم وأهل مواشيهم. وأمّا نقص الثمرات فكان في أمصارهم.
وعن كعب: يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة إلاّ تمرة {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيتنبهوا على أن ذلك لإصرارهم على الكفر وتكذيبهم لآيات الله، ولأن الناس في حال الشدّة أضرع خدوداً وألين أعطافاً وأرق أفئدة. وقيل: عاش فرعون أربعمائة سنة ولم ير مكروهاً في ثلثمائة وعشرين سنة، ولو أصابه في تلك المدّة وجع أو جوع أو حمى لما ادعى الربوبية.