فصل: تفسير الآيات (12- 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (12- 14):

{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}
{وَلَوْ تَرَى} يجوز أن يكون خطاباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه وجهان: أن يراد به التمني، كأنه قال: وليتك ترى، كقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة: (لو نظرت إليها) والتمني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان الترجي له في {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لأنه تجرع منهم الغصص ومن عداوتهم وضرارهم، فجعل الله له تمني أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الحياء والخزي والغم ليشمت بهم، وأن تكون لو الامتناعية قد حذف جوابها، وهو: لرأيت أمراً فظيعاً. أو: لرأيت أسوأ حال ترى. ويجوز: أن يخاطب به كل أحد، كما تقول: فلان لئيم، إن أكرمته أهانك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، فلا تريد به مخاطباً بعينه، فكأنك قلت: إن أكرم وإن أحسن إليه، ولو وإذ: كلاهما للمضي، وإنما جاز ذلك؛ لأن المترقب من الله بمنزلة الوجود المقطوع به في تحققه، ولا يقدر لنرى ما يتناوله، كأنه قيل: ولو تكون منكم الرؤية، وإذ ظرف له. يستغيثون بقولهم {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} فلا يغاثون، يعني: أبصرنا صدق وعدك ووعيدك وسمعنا منك تصديق رسلك. أو كنا عمياً وصماً فأبصرنا وسمعنا {فارجعنا} هي الرجعة إلى الدنيا {لأتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} على طريق الإلجاء والقسر، ولكننا بنينا الأمر على الاختيار دون الاضطرار، فاستحبوا العمى على الهدى، فحقت كلمة العذاب على أهل العمى دون البصراء ألا ترى إلى ما عقبه به من قوله: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ} فجعل ذوق العذاب نتيجة فعلهم: من نسيان العاقبة، وقلة الفكر فيها، وترك الاستعداد لها. والمراد بالنسيان: خلاف التذكر، يعني: أن الانهماك في الشهوات أذهلكم وألهاكم عن تذكر العاقبة وسلط عليكم نسيانها، ثم قال: {إِنَّا نسيناكم} على المقابلة، أي: جازيناكم جزاء نسيانكم. وقيل: هو بمعنى الترك، أي: تركتم الفكر في العاقبة، فتركناكم من الرحمة، وفي استئناف قوله إنا نسيناكم وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم. والمعنى فذوقوا هذا أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم بسبب نسيان اللقاء، وذوقوا العذاب المخلد في جهنم بسبب ما عملتم من المعاصي والكبائر الموبقة.

.تفسير الآيات (15- 17):

{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}
{إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا} أي وعظوا: سجدوا تواضعاً لله وخشوعاً، وشكراً على ما رزقهم من الإسلام {وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ} ونزهوا الله من نسبة القبائح إليه، وأثنوا عليه حامدين له {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} كما يفعل من يصر مستكبراً كأن لم يسمعها، ومثله قوله تعالى: {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا} [الإسراء: 107]. {تتجافى} ترتفع وتتنحى {عَنِ المضاجع} عن الفرش ومواضع النوم، داعين ربهم عابدين له؛ لأجل خوفهم من سخطه وطمعهم في رحمته، وهم المتهجدون.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيرها: «قيام العبد من الليل» وعن الحسن رضي الله عنه: أنه التهجد.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم. ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؛ فيقومون وهم قليل، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون الله في البأساء والضراء، فيقومون وهم قليل، فيسرحون جميعاً إلى الجنة، ثم يحاسب سائر الناس» وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء الآخرة. فنزلت فيهم. وقيل: هم الذين يصلون صلاة العتمة لا ينامون عنها {مَّآ أُخْفِىَ لَهُم} على البناء للمفعول. ما أخفى لهم على البناء للفاعل، وهو الله سبحانه، وما أخفى لهم. وما نخفي لهم. وما أخفيت لهم: الثلاثة للمتكلم، وهو الله سبحانه. وما: بمعنى الذي، أو بمعنى أي. وقرئ: {من قرّة أعين} {وقرات أعين}. والمعنى: لا تعلم النفوس- كلهنّ ولا نفس واحدة منهنّ لا ملك مقرب ولا نبيّ مرسل- أيّ نوع عظيم من الثواب ادخر الله لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو مما تقربه عيونهم، ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها، ثم قال: {جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} فحسم أطماع المتمنين، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقولُ اللَّهُ تعالَى: أعددتُ لعبادِي الصالحينَ ما لاَ عينُ رأتْ ولا أذنَ سمعَت ولا خطر على قلبِ بشرٍ، بَلْهَ ما أطلعتُهم عليهِ. اقرؤُوا إن شئتمُ: فلا تعلمُ نفسُ ما أخفيَ لهمُ منْ قرةِ أعينٍ» وعن الحسن رضي الله عنه: أخفى القوم أعمالاً في الدنيا، فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.

.تفسير الآيات (18- 21):

{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)}
{كَانَ مُؤْمِناً} و{كَانَ فَاسِقاً} محمولان على لفظ من و{لاَّ يَسْتَوُونَ} محمول على المعنى، بدليل قوله تعالى: {أَمَّا الذين ءَامَنُواْ} {وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ} ونحوه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} [محمد: 16] و{جنات المأوى} نوع من الجنان؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أخرى عِندَ سِدْرَةِ المنتهى عِندَهَا جَنَّةُ المأوى} [النجم: 15] سميت بذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: تأوي إليها أرواح الشهداء. وقيل: هي عن يمين العرش. وقرئ: {جنة المأوى}، على التوحيد {نُزُلاً} عطاء بأعمالهم. والنزل: عطاء النازل، ثم صار عاماً {فَمَأْوَاهُمُ النار} أي ملجؤهم ومنزلهم. ويجوز أن يراد: فجنة مأواهم النار، أي النار لهم، مكان جنة المأوى للمؤمنين؛ كقوله: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21]، [التوبة: 34]، [الإنشقاق: 24]، {العذاب الأدنى} عذاب الدنيا من القتل والأسر، وما محنوا به من السنة سبع سنين.
وعن مجاهد رضي الله عنه، عذاب القبر. و{العذاب الأكبر} عذاب الآخرة، أي: نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي يتوبون عن الكفر، أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه. كقوله تعالى: {فارجعنا نَعْمَلْ صالحا} [السجدة: 12] وسميت إرادة الرجوع رجوعاً، كما سميت إرادة القيام قياماً في قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] ويدل عليه قراءة من قرأ: {يرجعون} على البناء للمفعول.
فإن قلت: من أين صح تفسير الرجوع بالتوبة؟ و (لعل) من الله إرادة، وإذا أراد الله شيئاً كان ولم يمتنع، وتوبتهم مما لا يكون، ألا ترى أنها لو كانت مما يكون لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر؟ قلت: إرادة الله تتعلق بأفعاله وأفعال عباده، فإذا أراد شيئاً من أفعاله كان ولم يمتنع، للاقتدار وخلوص الداعي. وأما أفعال عباده: فإما أن يريدها وهم مختارون لها، أو مضطرون إليها بقسره وإلجائه، فإن أرادها وقد قسرهم عليها فحكمها حكم أفعالها، وإن أرادها على أن يختاروها وهو عالم أنهم لا يختارونها لم يقدح ذلك في اقتداره، كما لا يقدح في اقتدارك إرادتك أن يختار عبدك طاعتك وهو لا يختارها، لأنّ اختياره لا يتعلق بقدرتك، وإذا لم يتعلق بقدرتك لم يكن فقده دالاً على عجزك.
وروي في نزولها: أنه شجر بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط يوم بدر كلام، فقال له الوليد: اسكت فإنك صبيّ: أنا أشبّ منك شباباً، وأجلد منك جلداً، وأذرب منك لساناً، وأحدّ منك سناناً، وأشجع منك جناناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة. فقال له علي رضي الله عنه: اسكت، فإنك فاسق، فنزلت عامة للمؤمنين والفاسقين، فتناولتهما وكل من كان في مثل حالهما.
وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما: أنه قال للوليد: كيف تشتم علياً وقد سماه الله مؤمناً في عشر آيات؟ وسماك فاسقاً؟.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)}
ثم في قوله: {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} للاستبعاد. والمعنى: أنّ الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل والعدل، كما تقول لصاحبك: وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعاداً لتركه الانتهاز. ومنه ثم في بيت الحماسة:
لاَ يَكْشِفُ الغُمَّاءَ إلاَّ ابْنُ حُرَّةٍ ** يَرَى غَمَرَاتِ المَوْتِ ثُمَّ يَزُورُهَا

استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدّتها.
فإن قلت: هلا قيل: إنا منه منتقمون؟ قلت: لما جعله أظلم كل ظالم ثم توعد المجرمين عامة بالانتقام منهم، فقد دلّ على إصابة الأظلم النصيب الأوفر من الانتقام، ولو قاله بالضمير لم يفد هذه الفائدة.

.تفسير الآيات (23- 25):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)}
{الكتاب} للجنس والضمير في {لّقَائِهِ} له. ومعناه: إنا آتينا موسى عليه السلام مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحي، فلا تكن في شك من أنك لقيت مثله ولقيت نظيره كقوله تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءونَ الكتاب مِن قَبْلِك} [يونس: 94] ونحو قوله: {مّن لّقَائِهِ} وقوله: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرءان مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] وقوله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً} [الإسراء: 13]. وجعلنا الكتاب المنزل على موسى عليه السلام {هُدًى} لقومه {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ} الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه، لصبرهم وإيقانهم بالآيات. وكذلك لنجعلنّ الكتاب المنزل إليك هدى ونوراً، ولنجعلنّ من أمّتك أئمة يهدون مثل تلك الهداية لما صبروا عليه من نصرة الدين وثبتوا عليه من اليقين. وقيل: من لقائك موسى عليه السلام ليلة الإسراء أو يوم القيامة وقيل: من لقاء موسى عليه السلام الكتاب، أي: من تلقيه له بالرضا والقبول. وقرئ: {لما صبروا} {ولما صبروا} أي لصبرهم.
وعن الحسن رضي الله عنه: صبروا عن الدنيا. وقيل: إنما جعل الله التوراة هدى لبني إسرائيل خاصة، ولم يتعبد بما فيها ولد إسماعيل عليه السلام {يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} يقضي، فيميز المحق في دينه من المبطل.

.تفسير الآية رقم (26):

{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)}
الواو في {أَوَ لَمْ يَهْدِ} للعطف على معطوف عليه منوي من جنس المعطوف، والضمير في {لَهُمْ} لأهل مكة. وقرئ بالنون والياء، والفاعل ما دلّ عليه {كَمْ أَهْلَكْنَا} لأنّ كم لا تقع فاعلة، لا يقال: جاءني كم رجل، تقديره: أو لم يهد لهم كثرة إهلاكنا القرون. أو هذا الكلام كما هو بمضمونه ومعناه، كقولك: يعصم لا إله إلا الله الدماء والأموال. ويجوز أن يكون فيه ضمير الله بدلالة القراءة بالنون. و{القرون} عاد وثمود وقوم لوط {يَمْشُونَ فِي مساكنهم} يعني أهل مكة، يمرون في متاجرهم على ديارهم وبلادهم. وقرئ: {يمشون} بالتشديد.

.تفسير الآية رقم (27):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)}
{الجرز} الأرض التي جرز نباتها أي قطع: إمّا لعدم الماء، وإمّا لأنه رعي وأزيل، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ: جرز. ويدل عليه قوله: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً} وعن ابن عباس رضي الله عنه: إنها أرض اليمن.
وعن مجاهد رضي الله عنه: هي أبين. {بِهِ} بالماء {تَأْكُلُ} من الزرع {أنعامهم} من عصفه {وَأَنفُسِهِمْ} من حبه. وقرئ: {يأكل} بالياء.