فصل: تفسير الآيات (20- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (17):

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
{وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} من مرض أو فقر أو غير ذلك من بلاياه، فلا قادر على كشفه إلا هو {وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} من غنى أو صحة {فَهُوَ على كُلّ شَيْء قَدُيرٌ} فكان قادراً على إدامته أو إزالته.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}
{فَوْقَ عِبَادِهِ} تصوير للقهر والعلوّ بالغلبة والقدرة، كقوله: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهرون} [الأعراف: 127] الشيء أعم العام لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، فيقع على القديم والجرم والعرض والمحال والمستقيم. ولذلك صحّ أن يقال في الله عزّ وجلّ: شيء لا كالأشياء، كأنك قلت: معلوم لا كسائر المعلومات، ولا يصح: جسم لا كالأجسام.

.تفسير الآية رقم (19):

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}
وأراد: أي شهيد {أَكْبَرُ شهادة} فوضع شيئاً مقام شهيد ليبالغ في التعميم {قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} يحتمل أن يكون تمام الجواب عند قوله: {قُلِ الله} بمعنى الله أكبر شهادة، ثم ابتدئ {شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} أي هو شهيد بيني وبينكم، وأن يكون {الله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ} هو الجواب، لدلالته على أنّ الله عزّ وجلّ إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم، فأكبر شيء شهادة شهيد له {وَمَن بَلَغَ} عطف على ضمير المخاطبين من أهل مكة. أي: لأنذركم به وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم. وقيل: من الثقلين. وقيل: من بلغه إلى يوم القيامة.
وعن سعيد بن جبير: من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً صلى الله عليه وسلم {أئنكم لتشهدون} تقرير لهم مع إنكار واستبعاد {قُل لاَّ أَشْهَدُ} شهادتكم.

.تفسير الآيات (20- 21):

{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}
{الذين ءاتيناهم الكتاب} يعني اليهود والنصارى يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته ونعته الثابت في الكتابين معرفة خالصة {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} بحلاهم ونعوتهم لا يخفون عليهم ولا يلتبسون بغيرهم. وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوّته. ثم قال: {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} من المشركين من أهل الكتاب الجاحدين {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} به، جمعوا بين أمرين متناقضين، فكذبوا على الله بما لا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة، والبرهان الصحيح، حيث قالوا: {لَوْ شَاء الله مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ءَابَاؤُنَا} [الأنعام: 148] وقالوا: {والله أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 28] وقالوا: {الملائكة بَنَاتُ الله} و{هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} [يونس: 18] ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات، وسموها سحراً، ولم يؤمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (22- 24):

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} ناصبه محذوف تقديره: ويوم نحشرهم كان كيت وكيت، فترك ليبقى على الإبهام الذي هو داخل في التخويف {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله. وقوله: {الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} معناه تزعمونهم شركاء، فحذف المفعولان. وقرئ: {يحشرهم}. {ثم يقول} بالياء فيهما. وإنما يقال لهم ذلك على وجه التوبيخ، ويجوز أن يشاهدوهم، إلا أنهم حين لا ينفعونهم ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة. فكأنهم غيب عنهم، وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء فيها، فيروا مكان خزيهم، وحسرتهم {فِتْنَتُهُمْ} كفرهم. والمعنى: ثم لم تكن عاقبة كفرهم- الذي لزموه أعمارهم، وقاتلوا عليه وافتخروا به، وقالوا دين آبائنا- إلا جحوده والتبرؤ منه، والحلف على الانتفاء من التدين به. ويجوز أن يراد: ثم لم يكن جوابهم إلا أن قالوا فسمي فتنة؛ لأنه كذب. وقرئ: {تكن} بالتاء و(فتنتهم)، بالنصب. وإنما أنث {أَن قَالُواْ} لوقوع الخبر مؤنثاً، كقولك: من كانت أمّك؟ وقرئ بالياء ونصب الفتنة. وبالياء والتاء مع رفع الفتنة. وقرئ: {ربنا} بالنصب على النداء {وَضَلَّ عَنْهُم} وغاب عنهم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي يفترون إلهيته وشفاعته.
فإن قلت: كيف يصحّ أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟ قلت: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشاً: ألا تراهم يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظالمون} [المؤمنون: 107] وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه، {وَنَادَوْاْ يامالك مالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] وقد علموا أنه لا يقضى عليهم. وأما قول من يقول: معناه: ما كنا مشركين عند أنفسنا وما علمنا أنا على خطأ في معتقدنا، وحملُ قوله: {انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ} يعني في الدنيا فتمحل وتعسف وتحريف لأفصح الكلام إلى ما هو عيّ وإقحام، لأن المعنى الذي ذهبوا إليه ليس هذا الكلام بمترجم عنه ولا منطبق عليه، وهو نابٍ عنه أشدّ النبوّ. وما أدري ما يصنع من ذلك تفسيره بقوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَيْء أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون} [المجادلة: 18] بعد قوله: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14] فشبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا.

.تفسير الآيات (25- 26):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)}
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} حين تتلوا القرآن. روي: أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأبو جهل، وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا للنضر: يا أبا قُتَيْلَة، ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها بيته- يعني الكعبة- ما أدري ما يقول، إلا أنه يحرّك لسانه ويقول أساطير الأوّلين، مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية، فقال أبو سفيان: إني لأراه حقاً. فقال أبو جهل: كلا، فنزلت. والأكنة على القلوب، والوقر في الأذان: مثلٌ في نبوّ قلوبهم ومسامعهم عن قبوله واعتقاد صحته. ووجه إسناد الفعل إلى ذاته وهو قوله: {وَجَعَلْنَا} للدلالة على أنه أمر ثابت فيهم لا يزول عنهم، كأنهم مجبولون عليه. أو هي حكاية لما كانوا ينطقون به من قولهم {وفي آذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب} [فصلت: 5] وقرأ طلحة: {وقراً} بكسر الواو {حتى إِذَا جاءوك يجادلونك} هي حتى التي تقع بعدها الجمل. والجملة قوله: {إِذَا جاءوك} {يَقُولُ الذين كَفَرُواْ} و{يجادلونك} موضع الحال. ويجوز أن تكون الجارة ويكون إذا جاؤك في محل الجرّ بمعنى حتى وقت مجيئهم، ويجادلونك حال، وقوله: يقول {الذين كفروا}. وتفسير له. والمعنى بأنه بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم يجادلونك ويناكرونك. وفسر مجادلتهم بأنهم يقولون: {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} فيجعلون كلام الله وهو أصدق الحديث، خرافات وأكاذيب، وهي الغاية في التكذيب {وَهُمْ يَنْهَوْنَ} الناس عن القرآن أو عن الرسول عليه الصلاة والسلام وأتباعه، ويثبطونهم عن الإيمان به {عَنْهُ وَيَنْئَوْنَ} بأنفسهم فيضلون ويضلون {وَإِن يُهْلِكُونَ} بذلك {إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} ولا يتعداهم الضرر إلى غيرهم، وإن كانوا يظنون أنهم يضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو أبو طالب لأنه كان ينهى قريشاً عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينأى عنه ولا يؤمن به.
وروي أنهم اجتمعوا إلى أبي طالب وأرادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم سوءاً. فقال:
وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ بِجَمْعِهِم ** حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا

فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ ** وَابْشِرْ بِذَاكَ وَقَرَّ مِنْهُ عُيُونَا

وَدَعَوتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ نَاصِحٌ ** وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ ثَمَّ أَمِينَا

وَعَرَضْتُ دِيناً لاَ مَحَالَةَ أَنَّهُ ** مِنْ خَيْرِ أَدْيانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا

لَوْلاَ الْمَلاَمَةُ أَوْ حَذَارِيَ سُبَّةً ** لَوَجَدْتَنِي سَمْحاً بِذَاكَ مُبِينَا

فنزلت.

.تفسير الآيات (27- 28):

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}
{وَلَوْ تَرَى} جوابه محذوف تقديره. ولو ترى لرأيت أمراً شنيعاً {وُقِفُواْ عَلَى النار} أروها حتى يعاينوها. أو اطلعوا عليها اطلاعاً هي تحتهم، أو أدخلوها فعرفوا مقدار عذابها من قولك: وقفته على كذا إذا فهمته وعرفته، وقرئ: {وقفوا} على البناء للفاعل، ومن وقف عليه وقوفاً {ياليتنا نُرَدُّ} تم تمنيهم. ثم ابتدؤا {وَلاَ نُكَذّبَ بئايات رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} واعدين الإيمان، كأنهم قالوا: ونحن لا نكذب ونؤمن على وجه الإثبات. شبهة سيبويه بقولهم: دعني ولا أعود، بمعنى: دعني وأنا لا أعود، تركتني أو لم تتركني. ويجوز أن يكون معطوفاً على نردّ، أو حالاً على معنى: يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين، فيدخل تحت حكم التمني.
فإن قلت: يدفع ذلك قوله: {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} لأن المتمنّي لا يكون كاذباً.
قلت: هذا تمنٍّ قد تضمن معنى العدة، فجاز أن يتعلق به التكذيب، كما يقول الرجل: ليت الله يرزقني مالاً فأحسن إليك وأكافئك على صنيعك، فهذا متمنّ في معنى الواعد، فلو رزق مالاً ولم يحسن إلى صاحبه ولم يكافئه كذب، كأنه قال: إن رزقني الله مالاً كافأتك على الإحسان. وقرئ: {ولا نكذب ونكون} بالنصب بإضمار أن على جواب التمني ومعناه: إن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ} من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم وبشهادة جوارحهم عليهم؛ فلذلك تمنوا ما تمنوا ضجراً؛ لا أنهم عازمون على أنهم لو ردّوا لآمنوا. وقيل: هو في المنافقين وأنه يظهر نفاقهم الذي كانوا يسرونه. وقيل: هو في أهل الكتاب وأنه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ رُدُّواْ} إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار {لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} من الكفر والمعاصي {وَإِنَّهُمْ لكاذبون} فيما وعدوا من أنفسهم لا يفون به.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)}
{وَقَالُواْ} عطف على لعادوا. أي: ولو ردّوا لكفروا ولقالوا: {إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة. ويجوز أن يعطف على قوله: وإنهم لكاذبون، على معنى: وإنهم لقوم كاذبون في كل شيء، وهم الذين قالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا. وكفى به دليلاً على كذبهم.

.تفسير الآيات (30- 31):

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}
{وُقِفُواْ على رَبّهِمْ} مجاز على الحبس للتوبيخ والسؤال، كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاتبه. وقيل: وقفوا على جزاء ربهم. وقيل: عرفوه حق التعريف {قَالَ} مردود على قول قائل قال: ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه؟ فقيل: قال: {أَلَيْسَ هذا بالحق} وهذا تعيير من الله تعالى لهم على التكذيب. وقولهم- لما كانوا يسمعون من حديث البعث والجزاء-: ما هو بحق وما هو إلا باطل {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} بكفركم بلقاء الله ببلوغ الآخرة وما يتصل بها. وقد حقق الكلام فيه في مواضع أخر. و{حتى} غاية لكذبوا لا لخسر، لأن خسرانهم لا غاية له. أي ما زال بهم التكذيب إلى حسرتهم وقت مجيء الساعة.
فإن قلت: أما يتحسرون عند موتهم؟ قلت: لما كان الموت وقوعاً في أحوال الآخرة ومقدماتها جعل من جنس الساعة وسمي باسمها، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات فقد قامت قيامته» أو جعل مجيء الساعة بعد الموت لسرعته كالواقع بغير فترة {بَغْتَةً} فجأة وانتصابها على الحال بمعنى باغتة، أو على المصدر كأنه قيل: بغتتهم الساعة بغتة {فَرَّطْنَا فِيهَا} الضمير للحياة الدنيا، جيء بضميرها وإن لم يجر لها ذكر لكونها معلومة، أو للساعة على معنى: قصرنا في شأنها وفي الإيمان بها، كما تقول: فرّطت في فلان. ومنه فرّطت في جنب الله {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ} كقوله: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور، كما ألف الكسب بالأيدي {سَاء مَا يَزِرُونَ} بئس شيئاً يزرون وزرهم، كقوله {سَاء مَثَلاً القوم} [الأعراف: 177].