فصل: تفسير الآيات (24- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (24- 25):

{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)}
{والمحصنات} القراءة بفتح الصاد.
وعن طلحة بن مصرف أنه قرأ بكسر الصاد. وهنّ ذوات الأزواج. لأنهنّ أحصنّ فروجهنّ بالتزويج. فهنّ محصنات ومحصنات {إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم} يريد: ما ملكت أيمانهم من اللاتي سبين ولهنّ أزواج في دار الكفر فهنّ حلال لغزاة المسلمين وإن كنّ محصنات. وفي معناه قول الفرزدق:
وَذَاتُ حَلِيلٍ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا ** حَلاَلٌ لِمَنْ يَبْنِي بِهَا لَمْ تُطَلَّقِ

{كتاب الله عَلَيْكُمْ} مصدر مؤكد، أي كتب الله ذلك عليكم كتاباً وفرضه فرضاً، وهو تحريم ما حرّم.
فإن قلت: علام عطف قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ}؟ قلت: على الفعل المضمر الذي نصب {كتاب الله} أي كتب الله عليكم تحريم ذلك، وأحلّ لكم ما وراء ذلكم. ويدل عليه قراءة اليماني: {كتب الله عليكم}، {وأحلّ لكم}. وروى عن اليماني: كتب الله عليكم، على الجمع والرفع أي هذه فرائض الله عليكم. ومن قرأ: {وأحلّ لكم}، على البناء للمفعول، فقد عطفه على حرمت. {أَن تَبْتَغُواْ} مفعول له بمعنى بين لكم ما يحلّ مما يحرم، إرادة أن يكون ابتغاؤكم {بأموالكم} التي جعل الله لكم قياماً في حال كونكم {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مسافحين} لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم، ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين. والإحصان: العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام، والأموال: المهور وما يخرج في المناكح.
فإن قلت: أين مفعول تبتغوا؟ قلت: يجوز أن يكون مقدّراً وهو النساء. والأجود أن لا يقدر، وكأنه قيل: أن تخرجوا أموالكم. ويجوز أن يكون {أن تبتغوا} بدلاً من {وراء ذلك} والمسافح الزاني، من السفح وهو صبّ المنيّ. وكان الفاجر يقول للفاجرة: سافحيني وماذيني من المذي {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ} فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهنّ {فآتوهن أجورهن} عليه، فأسقط الراجع إلى (ما) لأنه لا يلبس، كقوله: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور} [لقمان: 17] بإسقاط منه. ويجوز أن تكون (ما) في معنى النساء، و(من) للتبعيض أو البيان، ويرجع الضمير إليه على اللفظ في به، وعلى المعنى في {فَئَاتُوهُنَّ} وأجورهن مهورهن لأن المهر ثواب على البضع {فَرِيضَةً} حال من الأجور بمعنى مفروضة أو وضعت موضع إيتاء لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد. أي فرض ذلك فريضة {فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة} فيما تحط عنه من المهر، أو تهب له من كله أو يزيد لها على مقداره.
وقيل فيما تراضيا به من مقام أو فراق وقيل: نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسوله عليه الصلاة والسلام ثم نسخت، كان الرجل ينكح المرأة وقتاً معلوماً ليلة أو ليلتين أو أسبوعاً بثوب أو غير ذلك، ويقضي منها وطره ثم يسرحها.
سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها.
وعن عمر: لا أوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلا رجمتهما بالحجارة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباحها، ثم أصبح يقول: «يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء: ألا إن الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة»، وقيل: أبيح مرتين وحرّم مرتين.
وعن ابن عباس هي محكمة يعني لم تنسخ، وكان يقرأ: {فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمى}. ويروى أنه رجع عن ذلك عند موته وقال: اللَّهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة، وقولي في الصرف.
الطول: الفضل، يقال: لفلان على فلان طول أي زيادة وفضل. وقد طاله طولاً فهو طائل. قال:
لَقَدْ زَادَنِي حُبًّا لِنَفْسِي أَنَّنِي ** بَغِيضٌ إِلَى كُلِّ امرئ غَيْرِ طَائِلِ

ومنه قولهم: ما حلا منه بطائل، أي بشيء يعتدّ به مما له فضل وخطر. ومنه الطول في الجسم لأنه زيادة فيه، كما أن القصر قصور فيه ونقصان. والمعنى: ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرّة فلينكح أَمَةً. قال ابن عباس: من ملك ثلاثمائة درهم فقد وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الإماء وهو الظاهر، وعليه مذهب الشافعي رحمه الله. وأمّا أبو حنيفة رحمه الله فيقول: الغنيّ والفقير سواء في جواز نكاح الأمة، ويفسر الآية بأن من لم يملك فراش الحرّة، على أن النكاح هو الوطء، فله أن ينكح أمة. وفي رواية عن ابن عباس أنه قال: ومما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة واليهودية والنصرانية وإن كان موسراً. وكذلك قوله: {مِّن فتياتكم المؤمنات} الظاهر أن لا يجوز نكاح الأمة الكتابية، وهو مذهب أهل الحجاز. وعند أهل العراق يجوز نكاحها، ونكاح الأمة المؤمنة أفضل، فحملوه على الفضل لا على الوجوب، واستشهدوا على أن الإيمان ليس بشرط بوصف الحرائر به، مع علمنا أنه ليس بشرط فيهن على الاتفاق، ولكنه أفضل.
فإن قلت: لم كان نكاح الأمة منحطاً عن نكاح الحرة؟ قلت: لما فيه من اتباع الولد الأم في الرق، ولثبوت حق المولى فيها وفي استخدامها، ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة، والعزة من صفات المؤمنين. وقوله: {مّن فتياتكم} أي من فتيات المسلمين، لا من فتيات غيركم وهم المخالفون في الدين.
فإن قلت: فما معنى قوله: {والله أَعْلَمُ بإيمانكم}؟ قلت: معناه أن الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة، والمرأة أفضل في الإيمان من الرجل وحق المؤمنين أن لا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب، وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه {بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ} أي أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم في الإيمان، لا يفضل حر عبداً إلا برجحان فيه {بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} اشتراط لإذن الموالي في نكاحهن.
ويحتج به لقول أبي حنيفة أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهن، لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم. {وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ب المعروف} وأدّوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار وإحواج إلى الاقتضاء واللز.
فإن قلت: الموالي هم ملاك مهورهن لا هن، والواجب أداؤها إليهم لا إليهن، فلم قيل: وآتوهن؟ قلت: لأنهن وما في أيديهن مال الموالي، فكان أداؤها إليهن أداء إلى الموالي. أو على أن أصله: فآتوا مواليهن، فحذف المضاف {المحصنات} عفائف. والأخدان: الأخلاء في السرّ، كأنه قيل: غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له {فَإِذَا أُحْصِنَّ} بالتزويج. وقرئ: {أحصن} {نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات} أي الحرائر {مّنَ العذاب} من الحدّ كقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} [النور: 2] {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب} [النور: 8] ولا رجم عليهن، لأن الرجم لا يتنصف {ذلك} إشارة إلى نكاح الإماء {لِمَنْ خَشِىَ العنت} لمن خاف الإثم الذي يؤدي إليه غلبة الشهوة. وأصل العنت: انكسار العظم بعد الجبر، فاستعير لكل مشقة وضرر، ولا ضرر أعظم من مواقعة المآثم. وقيل: أريد به الحدّ، لأنه إذا هويها خشي أن يواقعها فيحدّ فيتزوجها {وَأَن تَصْبِرُواْ} في محل الرفع على الابتداء، أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين {خَيْرٌ لَّكُمْ} وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «الحرائر صلاح البيت، والإماء هلاك البيت».

.تفسير الآيات (26- 28):

{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)}
{يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ} أصله يريد الله أن يبين لكم فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التبين كما زيدت في: لا أبالك، لتأكيد إضافة الأب. والمعنى: يريد الله أن يبين لكم ما هو خفي عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم، وأن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين والطرق التي سلكوها في دينهم لتقتدوا بهم {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ويرشدكم إلى طاعات إن قمتم بها كانت كفارات لسيآتكم فيتوب عليكم ويكفر لكم {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} أن تفعلوا ما تستوجبون به أن يتوب عليكم {وَيُرِيدُ} الفجرة {الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} وهو الميل عن القصد والحق، ولا ميل أعظم منه بمساعدتهم وموافقتهم على اتباع الشهوات. وقيل: هم اليهود. وقيل: المجوس: كانوا يحلون نكاح الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت، فلما حرمهنّ الله قالوا: فإنكم تحلون بنت الخالة والعمة، والخالة والعمة عليكم حرام، فانكحوا بنات الأخ والأخت، فنزلت، يقول تعالى يريدون أن تكونوا زناة مثلهم (يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ) إحلال نكاح الأمة وغيره من الرخص {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} لا يصبر عن الشهوات وعلى مشاق الطاعات.
وعن سعيد بن المسيب: ما أيس الشيطان من بني آدم قط إلا أتاهم من قبل النساء، فقد أتى عليّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عينيّ وأنا أعشو بالأخرى. وإن أخوف ما أخاف عليّ فتنة النساء. وقرئ: {أن يميلوا} بالياء. والضمير للذين يتبعون الشهوات.
وقرأ ابن عباس: {وخلق الإنسانَ} على البناء للفاعل ونصب الإنسان وعنه رضي الله عنه: ثمان آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت: {يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ}، {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}، {يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ}، {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31]، {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 40]، {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 48] {ومَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء: 110]، {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ} [النساء: 147].

.تفسير الآيات (29- 30):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
{بالباطل} بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا {إِلا أَن تَكُونَ تجارة} إلا أن تقع تجارة. وقرئ {تجارة} على: إلا أن تكون التجارة تجارة. {عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ} والاستثناء منقطع. معناه: ولكن اقصدوا كون تجارة عن تراض منكم. أو ولكن كون تجارة عن تراض غير منهى عنه. وقوله: (عن تراض) صفة لتجارة، أي تجارة صادرة عن تراض. وخص التجارة بالذكر. لأنّ أسباب الرزق أكثرها متعلق بها. والتراضي رضا المتبايعين بما تعاقدا عليه في حال البيع وقت الإيجاب والقبول، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وعند الشافعي رحمه الله تفرّقهما عن مجلس العقد متراضيين. {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} من كان من جنسكم من المؤمنين.
وعن الحسن: لا تقتلوا إخوانكم، أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة.
وعن عمرو بن العاص: أنه تأوله في التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.
وقرأ علي رضي الله عنه: {ولا تقتلوا} بالتشديد {إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} ما نهاكم عما يضركم إلا لرحمته عليكم. وقيل: معناه أنه أمر بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصاً لخطاياهم، وكان بكم يا أمة محمد رحيماً حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة. {ذلك} إشارة إلى القتل، أي ومن يقدم على قتل الأنفس {عدوانا وَظُلْماً} لا خطأ ولا اقتصاصاً. وقرئ: {عدواناً} بالكسر. و {نصلَيه} بتخفيف اللام وتشديدها. و {نصليه} بفتح النون من صلاة يصليه. ومنه شاة مصلية، {ويصليه} بالياء والضمير لله تعالى، أو لذلك، لكونه سبباً للصلي {نَارًا} أي ناراً مخصوصة شديدة العذاب {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً} لأنّ الحكمة تدعو إليه، ولا صارف عنه من ظلم أو نحوه.

.تفسير الآية رقم (31):

{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}
{كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ} وقرئ: {كبير ما تنهون عنه}، أي ما كبر من المعاصي التي ينهاكم الله عنها والرسول {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سيئاتكم} نمط ما تستحقونه من العقاب في كل وقت على صغائركم، ونجعلها كأن لم تكن، لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها، على عقاب السيئات. والكبيرة والصغيرة إنما وصفتا بالكبر والصغر بإضافتهما إما إلى طاعة أو معصية أو ثواب فاعلهما. والتكفير: إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد، أو بتوبة. والإحباط: نقيضه، وهو إماطة الثواب المستحق بعقاب أزيد أو بندم على الطاعة.
وعن علي رضي الله عنه: الكبائر سبع: الشرك، والقتل، والقذف، والزنا، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، والتعرُّب بعد الهجرة. وزاد ابن عمر: السحر، واستحلال البيت الحرام.
وعن ابن عباس: أن رجلاً قال له: الكبائر سبع؟ فقال: هي إلى سبعمائة أقرب، لأنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. وروى إلى سبعين. وقرئ: {يكفر}، بالياء. و {مَُدْخلاً} بضم الميم وفتحها، بمعنى المكان والمصدر فيهما.