فصل: تفسير الآيات (27- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (27- 33):

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}
الخطاب لمنكرى البعث، يعني {أَءَنتُمْ} أصعب {خَلْقاً} وإنشاء {أَمِ السمآء} ثم بين كيف خلقها فقال {بناها} ثم بين البناء فقال {رَفَعَ سَمْكَهَا} أي جعل مقدار ذهابها في سمت العلو مديداً رفيعاً مسيرة خمسمائة عام {فَسَوَّاهَا} فعدلها مستوية ملساء، ليس فيها تفاوت ولا فطور. أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها، من قولك: سوى فلان أمر فلان. غطش الليل وأغطشه الله، كقولك: ظلم وأظلمه. ويقال أيضاً: أغطش الليل، كما يقال أظلم {وَأَخْرَجَ ضحاها} وأبرز ضوء شمسها، يدل عليه قوله تعالى: {والشمس وضحاها} [الشمس: 1]، يريد وضوئها. وقولهم: وقت الضحى، للوقت الذي تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها؛ وأضيف الليل والشمس إلى السماء، لأن الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوها {مَاءهَا} عيونها المتفجرة بالماء {ومرعاها} ورعيها، وهو في الأصل موضع الرعى. ونصب الأرض والجبال بإضمار {دحا} و {أرسى} وهو الإضمار على شريطة التفسير. وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء.
فإن قلت: هلا أدخل حرف العطف على أخرج؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون معنى {دحاها} بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لابد منه في تأتي سكناها، من تسوية أمر المأكل والمشرب؛ وإمكان القرار عليها، والسكون بإخراج الماء والمرعى، وإرساء الجبال وإثباتها أوتادا لها حتى تستقر ويستقر عليها.
والثاني: أن يكون {وأَخْرَجَ} حالاً بإضمار (قد) كقوله: {أَوْ جَاؤكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] وأراد بمرعاها: ما يأكل الناس والأنعام. واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله: {نَرتعُ وَنَلْعَبُ} [يوسف: 12] وقرئ: {نرتع} من الرعى؛ ولهذا قيل: دلّ اللَّه سبحانه بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح، لأنه من الماء {متاعا لَّكُمْ} فعل ذلك تمتيعاً لكم {ولأنعامكم} لأن منفعة ذلك التمهيد واصلة إليهم وإلى أنعامهم.

.تفسير الآيات (34- 36):

{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)}
{الطآمة} الداهية التي تطم على الدواهي، أي: تعلو وتغلب. وفي أمثالهم: جرى الوادي فطمَّ على القرى، وهي القيامة لطمومها على كل هائلة. وقيل: هي النفخة الثانية. وقيل: الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ} بدل من إذا جاءت، يعني: إذا رأى أعماله مدونة في كتابه تذكرها وكان قد نسيها، كقوله: {أحصاه الله وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6]، و{مَا} في {مَا سعى} موصولة، أو مصدرية {وَبُرّزَتِ} أظهرت وقرأ أبو نهيك {وبرزت} {لِمَن يرى} للرائين جميعاً، أي: لكل أحد، يعني: أنها تظهر إظهاراً بينا مكشوفاً، يراها أهل الساهرة كلهم، كقوله: قد بين الصبح لذي عينين، يريد: لكل من له بصر؛ وهو مثل في الأمر المنكشف الذي لا يخفى على أحد وقرأ ابن مسعود {لمن رأى} وقرأ عكرمة {لمن ترى} والضمير للجحيم، كقوله: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] وقيل: لمن ترى يا محمد.

.تفسير الآيات (37- 39):

{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)}
{فَأَمَّا} جواب {فَإِذَا} أي: فإذا جاءت الطاقة فإنّ الأمر كذلك والمعنى: فإنّ الجحيم مأواه، كما تقول للرجل: غض الطرف، تريد: طرفك، وليس الألف واللام بدلاً من الإضافة، ولكن لما علم أنّ الطاغى هو صاحب المأوى، وأنه لا يغض الرجل طرف غيره: تركت الإضافة؛ ودخول حرف التعريف في المأوى والطرف للتعريف، لأنهما معروفان، و{هِىَ} فصل أو مبتدأ.

.تفسير الآيات (40- 41):

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)}
{وَنَهَى النفس} الأمارة بالسوء {عَنِ الهوى} المردي وهو اتباع الشهوات وزجرها عنه وضبطها بالصبر والتوطين على إيثار الخير. وقيل: الآيتان نزلتا في أبي عزيز بن عمير ومصعب بن عمير، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزير يوم أحد، ووقى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى نفذت المشاقص في جوفه.

.تفسير الآيات (42- 46):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}
{أَيَّانَ مرساها} متى إرساؤها، أي إقامتها، أرادوا: متى يقيمها الله ويثبتها ويكونها؟ وقيل أيان منتهاها ومستقرّها، كما أنّ مرسى السفينة مستقرّها، حيث تنتهي إليه {فِيمَ أَنتَ} في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به، يعني: ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شيء.
وعن عائشة رضي الله عنها: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت، فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها، كأنه قيل: في أي شغل واهتمام أنت من ذكرها والسؤال عنها. والمعنى: أنهم يسألونك عنها، فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها، ثم قال {إلى رَبّكَ منتهاها} أي منتهى علمها لم يؤت علمها أحداً من خلقه. وقيل: {فِيمَ} إنكار لسؤالهم، أي فيم هذا السؤال، ثم قيل: أنت من ذكراها، أي: إرسالك وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل المبعوث في نسم الساعة ذكر من ذكرها وعلامة من علاماتها، فكفاهم بذلك دليلا على دنوّها ومشارقها ووجوب الاستعداد لها، ولا معنى لسؤالهم عنها {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} أي: لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة الذي لا فائدة لهم في علمه، وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يكون من إنذارك لطفاله في الخشية منها. وقرئ {منذر} بالتنوين، وهو الأصل؛ والإضافة تخفيف، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال؛ فإذا أريد الماضي فليس إلا الإضافة؛ كقولك: هو منذر زيد أمس، أي: كأنهم لم يلبثوا في الدنيا، وقيل: في القبور {إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضحاها} فإن قلت: كيف صحت إضافة الضحى إلى العشية؟ قلت: لما بينهما من الملابسة لاجتماعهما في نهار واحد.
فإن قلت: فهلا قيل: إلا عشية أو ضحى وما فائدة الإضافة؟ قلت: الدلالة على أن مدّة لبثهم كأنها لم تبلغ يوماً كاملاً، ولكن ساعة منه عشيته أو ضحاه؛ فلما ترك اليوم أضافه إلى عشيته، فهو كقوله: {لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} [الأحقاف: 35].
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه الله في القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة».

.سورة عبس:

.تفسير الآيات (1- 10):

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أمّ مكتوم- وأمّ مكتوم أمّ أبيه، واسمه عبد الله بن شريح بن مالك ابن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي- وعنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام. والعباس ابن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة، يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم- فقال: يا رسول اللَّه، أقرئني وعلمني مما علمك الله، وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، فنزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه ويقول إذا رآه: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، ويقول له: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين؛ وقال أنس: رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء. وقرئ {عبس} بالتشديد للمبالغة؛ ونحوه: كلح في كلح {أَن جَآءَهُ} منصوب بتولى، أو بعبس، على اختلاف المذهبين. ومعناه: عبس، لأن جاءه الأعمى. أو أعرض لذلك. وقرئ {ءاأن جاءه} بهمزتين وبألف بينهما، ووقف على {عَبَسَ وتولى} ثم ابتديء، على معنى: ألأن جاءه الأعمى فعل ذلك إنكاراً عليه. وروى أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط، ولا تصدى لغني. وفي الإخبار عما فرط منه، ثم الإقبال عليه بالخطاب: دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانباً جنى عليه، تم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً له بالتوبيخ وإلزام الحجة. وفي ذكر الأعمى نحو من ذلك، كأنه يقول: قد استحق عنده العبوس والإعراض لأنه أعمى، وكان يجب أن يزيده لعماه تعطفا وترؤفاً وتقريباً وترحيباً، ولقد تأدّب الناس بأدب الله في هذا تأدباً حسناً؛ فقد روي عن سفيان الثوري رحمه الله أنّ الفقراء كانوا في مجلسه أمراء {وَمَا يُدْرِيكَ} وأي شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى؟ {لَعَلَّهُ يزكى} أي يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الإثم {أَوْ يَذَّكَّرُ} أو يتعظ {فَتَنفَعَهُ} ذكراك، أي: موعظتك؛ وتكون له لطفاً في بعض الطاعات. والمعنى: أنك لا تدري ما هو مترقب منه، من تزكّ أو تذكر، ولو دريت لما فرط ذلك منك. وقيل: الضمير في {لَعَلَّهُ} للكافر. يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام، أو يتذكر فتقرّبه الذكرى إلى قبول الحق؛ وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. وقرئ {فتنفعه}، بالرفع عطفاً على يذكر. وبالنصب جواباً للعلّ، كقوله: {فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى} [غافر: 37]، {تصدى} تتعرض بالإقبال عليه، والمصاداة، المعارضة؛ وقرئ {تصدى} بالتشديد، بإدغام التاء في الصاد.
وقرأ أبو جعفر: {تصدى}، بضم التاء، أي: تعرّض. ومعناه: يدعوك داع إلى التصدي له: من الحرص والتهالك على إسلامهُ، وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} [الشورى: 48]، {يسعى} يسرع في طلب الخير {وَهُوَ يخشى} الله أو يخشى الكفار، وأذاهم في إتيانك. وقيل: جاء وليس معه قائد، فهو يخشى الكبوة {تلهى} تتشاغل، من لهى عنه. والتهى. وتلهى.
وقرأ طلحة بن مصرف: {تتلهى}، وقرأ أبو جعفر {تلهى} أي: يلهيك شأن الصناديد، فإن قلت: قوله: {فَأَنتَ لَهُ تصدى}، (فأنت عنه تلهى) كأن فيه اختصاصاً قلت: نعم، ومعناه: إنكار التصدي والتلهي عليه، أي: مثلك خصوصاً لا ينبغي له أن يتصدى للغنيّ ويتلهى عن الفقير.

.تفسير الآيات (11- 16):

{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}
{كَلاَّ} ردع عن المعاتب عليه، وعن معاودة مثله {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} أي موعظة يجب الاتعاظ والعمل بموجبها {فَمَن شَآء ذَكَرَهُ} أي كان حافظاً له غير ناس، وذكر الضمير لأنّ التذكرة في معنى الذكر والوعظ {فَى صُحُفٍ} صفة لتذكرة، يعني: أنها مثبتة في صحف منتسخة من اللوح {مُّكَرَّمَةٍ} عند الله {مَّرْفُوعَةٍ} في السماء. أو مرفوعة المقدار {مُّطَهَّرَةٍ} منزهة عن أيدي الشياطين، لا يمسها إلا أيدي ملائكة مطهرين {سَفَرَةٍ} كتبة ينتسخون الكتب من اللوح {بَرَرَةٍ} أتقياء. وقيل: هي صحف الأنبياء كقوله: {إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى} [الأعلى: 18] وقيل السفرة: القرّاء وقيل: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (17- 23):

{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)}
{قُتِلَ الإنسان} دعاء عليه، وهي من أشنع دعواتهم لأنّ القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها. و{مَا أَكْفَرَهُ} تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله، ولا ترى أسلوباً أغلظ منه، ولا أخشن مساً، ولا أدل على سخط، ولا أبعد شوطاً في المذمة، مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للأئمة على قصر متنه ثم أخذ في وصف حاله من ابتداء حدوثه، إلى أن انتهى وما هو مغمور فيه من أصول النعم وفروعها. وما هو غارز فيه رأسه من الكفران والغمط وقلة الالتفات إلى ما يتقلب فيه وإلى ما يجب عليه من القيام بالشكر {مِنْ أَىّ شَيْء خَلَقَهُ} من أي شيء حقير مهين خلقه، ثم بين ذلك الشيء بقوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} فهيأه لما يصلح له ويختص به. ونحو {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]، نصب السبيل بإضمار (يسر) وفسره بيسر والمعنى: ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمّه. أو السبيل الذي يختار سلوكه من طريقي الخير والشر بإقداره وتمكينه، كقوله: {إِنَّا هديناه السبيل} [الإنسان: 3] وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: بين له سبيل الخير والشر {فَأَقْبَرَهُ} فجعله ذا قبر يوارى فيه تكرمة له، ولم يجعله مطروحاً على وجه الأرض جزراً للسباع والطير كسائر الحيوان. يقال: قبر الميت إذا دفنه. وأقبره الميت. إذا أمره أن يقبره ومكنه منه. ومنه قول من قال للحجاج: أقبرنا صالحاً {أَنشَرَهُ} أنشأه النشأة الأخرى. وقرئ {نشره} {كَلاَّ} ردع للإنسان عما هو عليه {لَمَّا يَقْضِ} لم يقض بعد، مع تطاول الزمان وامتداده من لدن آدم إلى هذه الغاية {مَآ أَمَرَهُ} الله حتى يخرج عن جميع أوامره، يعني: أنّ إنساناً لم يخل من تقصير قط.