فصل: تفسير الآيات (29- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (24- 25):

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)}
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} في الضمير وجهان: أن يرجع إلى ما تعدنا، وأن يكون مبهماً قد وضح أمره بقوله: {عَارِضًا} إما تمييزاً وإما حالاً. وهذا الوجه أعرب وأفصح. والعارض: السحاب الذي يعرض في أفق السماء. ومثله: الحبى والعنان، من حبا وعنّ: إذا عرض. وإضافة مستقبل وممطر مجازية غير معروفة؛ بدليل وقوعهما وهما مضافان إلى معرفتين وصفاً للنكرة {بَلْ هُوَ} القول قبله مضمر، والقائل: هود عليه السلام، والدليل عليه قراءة من قرأ: {قال هود، بل هو} وقرئ: {قل بل ما استعجلتم به هي ريح}، أي قال الله تعالى: قل {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْء} تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير، فعبر عن الكثرة بالكلية. وقرئ يدمر كل شيء من دمر دماراً إذا هلك {لاَّ ترى} الخطاب للرائي من كان. وقرئ: {لا يرى}، على البناء للمفعول بالياء والتاء، وتأويل القراءة بالتاء وهي عن الحسن رضي الله عنه: لا ترى بقايا ولا أشياء منهم إلا مساكنم. ومنه بيت ذي الرمّة:
وَمَا بَقِيَتْ إِلاَّ الضُّلُوعُ الْجَرَاشِعُ

وليست بالقوية. وقرئ: {لا ترى إلا مسكنهم}، و {لا يرى إلا مسكنهم}. وروى أنّ الريح كانت كانت تحمل الفسطاط والظعينة فترفعها في الجوّ حتى ترى كأنها جرادة. وقيل: أوّل من أبصر العذاب امرأة منهم قالت: رأيت ريحاً فيها كشهب النار.
وروي: أوّل ما عرفوا به أنه عذاب: أنهم رأوا ما كان في الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير به الريح بين السماء والأرض، فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم؛ فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم، وأمال الله عليهم الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين، ثم كشفت الريح عنه، فاحتملتهم فطرحتهم في البحر. وروى أنّ هوداً لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: اعتزل هود ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما يلين على الجلود وتلذه الأنفس. وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء وتدمغهم بالحجارة وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى الريح فزع وقال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به وإذا رأى مخيلة: قام وقعد، وجاء وذهب، وتغير لونه، فيقال له: يا رسول الله ما تخاف؟ فيقول: إني أخاف أن يكون مثل قوم عاد حيث قالوا: هذا عارض ممطرنا» فإن قلت: ما فائدة إضافة الرب إلى الريح؟ قلت: الدلالة على أن الريح وتصريف أعنتها مما يشهد لعظم قدرته، لأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده. وذكر الأمر وكونها مأمورة من جهته عز وجل يعضد ذلك ويقوّيه.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)}
{إِن} نافية، أي: فيما ما مكناكم فيه، إلا أنّ {إِن} أحسن في اللفظ؛ لما فيه مجامعة (ما) مثلها من التكرير المستبشع. ومثله مجتنب، ألا ترى أن الأصل في {مهما}: (ماما) فلبشاعة التكرير: قلبوا الألف هاء. ولقد أغث أبو الطيب في قوله:
لَعَمْرُكَ مامَا بَانَ مِنْكَ لِضَارِبِ

وما ضره لو اقتدى بعذوبة لفظ التنزيل فقال: لعمرك ما إن بان منك لضارب وقد جعلت إنْ صلة، مثلها فيما أنشده الأخفش:
يُرَجّى الْمَرْءُ مَا إنْ لاَ يَرَاهُ ** وَتَعْرِضُ دُونَ أَدْنَاهُ الْخُطُوبُ

وتؤوّل بإنا مكناهم في مثل ما مكناكم فيه، والوجه هو الأوّل، ولقد جاء عليه غير آية في القرآن {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورئيا}، [مريم: 74] {كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً} [غافر: 82] وهو أبلغ في التوبيخ، وأدخل في الحث على الاعتبار {مِّن شَيْء} أي من شيء من الإغناء، وهو القليل منه. فإن قلت بم انتصب {إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ}؟ قلت: بقوله تعالى: {فَمَا أغنى}.
فإن قلت: لم جرى مجرى التعليل؟ قلت: لاستواء مؤدى التعليل والظرف في قولك: ضريته لإساءته وضربته إذا أساء؛ لأنك إذا ضربته في وقت إساءته؛ فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه؛ إلا أن (إذ)، وحيث، غلبتا دون سائر الظروف في ذلك.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)}
{مَا حَوْلَكُمْ} يا أهل مكة {مِّنَ القرى} من نحو حجر ثمود وقرية سدوم وغيرهما. والمراد: أهل القرى. ولذلك قال: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

.تفسير الآية رقم (28):

{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)}
القربان: ما تقرب به إلى الله تعالى، أي: اتخذوهم شفعاء متقرباً بهم إلى الله، حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وأحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين المحذوف، والثاني: آلهة. وقرباناً: حال ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً وآلهة بدلاً منه لفساد المعنى. وقرئ {قربانا} بضم الراء. والمعنى: فهلا منعهم من الهلاك آلهتهم {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} أي غابوا عن نصرتهم {وَذَلِكَ} إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم وضلالهم عنهم، أي: وذلك أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة، وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب من كونه ذا شركاء. وقرئ {إفكهم}، والأفك والإفك: كالحذر والحذر. وقرئ: {وذلك إفكهم} أي: وذلك الاتخاذ الذي هذا أثره وثمرته صرفهم عن الحق. وقرئ: {أفكهم} على التشديد للمبالغة. وآفكهم: جعلهم آفكين. وآفكهم، أي: قولهم الآفك ذو الإفك، كما تقول قول كاذب، وذلك إفك مما كانوا يفترون، أي: بعض ما كانوا يفترون من الإفك.

.تفسير الآيات (29- 32):

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)}
«وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى صرط مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين»
{صرفنا إليك نفرا} أملناهم إليك وأقبلنا بهم نحوك. وقرئ: صرفنا بالتشديد لأنهم جماعة. والنفر: دون العشرة. ويجمع أنفارا. وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا {فلما حضروه} الضمير للقرآن. أي: فلما كان بمسمع منهم. أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وتعضده قراءة من قرأ فلما قضى أي أتم قراءته وفرغ منها {قالوا} قال بعضهم لبعض {أنصتوا} اسكتوا مستمعين. يقال: أنصت لكذا واسنتصت له. روى: أن الجن كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا: ما هذا إلا لنبأ حدث فنهض سبعة نفر أو تسعة من أشراف جن نصيبين أو نينوى: منهم زوبعة فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا إلى وادي نخلة فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم في جوف الليل يصلي أو في صلاة الفجر فاستمعوا لقراءته وذلك عند منصرفه من الطائف حين خرج إليهم يستنصرهم فلم يجيبوه إلى طلبته وأغروا به سفهاء ثقيف.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم وإنما كان يتلو في صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه الله باستماعهم. وقيل: بل أمر الله رسوله أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فصرف إليه نفرا منهم جمعهم له فقال: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعني: قالها ثلاثا فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لم يحضره ليلة الجن أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون فخط لي خطا وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم افتتح القرآن وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انقطعوا كقطع السحاب فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت شيئا؟ قلت: نعم رجالا سودا مستثفري ثياب بيض فقال: اولئك جن نصيبين وكانوا اثنى عشر ألفاً والسورة التي قرأها عليهم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ} [العلق 1] فإن قلت كيف قالوا مِن بَعْدِ مُوسَى قلت عن عطاء رضي الله عنه أنهم كانوا على اليهودية وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنّ الجنّ لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام فلذلك قالت مِن بَعْدِ مُوسَى فإن قلت لم بعَّض في قوله مّن ذُنُوبِكُمْ قلت لأن من الذنوب مالا يغفر بالإيمان كذنوب المظالم ونحوها ونحوه قوله عزّ وجل: {أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} [نوح 34] فإن قلت هل للجن ثواب كما للإنس قلت اختلف فيه فقيل لا ثواب لهم إلا النجاة من النار لقوله تعالى وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وإليه كان يذهب أبو حنيفة رحمه الله والصحيح أنهم في حكم بني آدم لأنهم مكلفون مثلهم فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الاْرْضَ أي لا ينجي منه مهرب ولا يسبق قضاءه سابق ونحوه قوله تعالى: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الاْرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} [الجن 12].

.تفسير الآية رقم (33):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)}
{بقادر} محله الرفع؛ لأنه خبر أن، يدل عليه قراءة عبد الله {قادر} وإنما دخلت الباء لاشتمال النفي في أوّل الآية على أن وما في حيزها. وقال الزجاج: لو قلت: ما ظننت أنّ زيداً يقائم: جاز، كأنه قيل: أليس الله بقادر. ألا ترى إلى وقوع بلى مقرّره للقدرة على كل شيء من البعث وغيره، لا لرؤيتهم. وقرئ: {يقدر}، ويقال: عييت بالأمر، إذا لم تعرف وجهه. ومنه: {أَفَعَيِينَا بالخلق الاول} [ق: 15].

.تفسير الآية رقم (34):

{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34)}
{أَلَيْسَ هذا بالحق} محكى بعد قول مضمر، وهذا المضمر هو ناصب الظرف. وهذا إشارة إلى العذاب، بدليل قوله تعالى: {فَذُوقُواْ العذاب} والمعنى: التهكم بهم، والتوبيخ لهم على استهزائهم بوعد الله ووعيده، وقولهم: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 138].

.تفسير الآية رقم (35):

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}
{أُوْلُواْ العزم} أولوا الجد والثبات والصبر. و{مِنْ} يجوز أن تكون للتبعيض، ويراد بأولى العزم: بعض الأنبياء. قيل: هم نوح، صبر على أذى قومه: كانوا يضربونه حتى يغشى عليه، وإبراهيم على النار وذبح ولده، وإسحاق على ا لذبح، ويعقوب على فقد ولده وذهاب بصره، ويوسف على الجب والسجن، وأيوب على الضرّ، وموسى قال له قومه: إنا لمدركون، قال: كلا إنّ معي ربي سيهدين، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال: إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها. وقال الله تعالى في آدم: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115] وفي يونس: {وَلاَ تَكُن كصاحب الحوت} [القلم: 48] ويجوز أن تكون للبيان، فيكون أولو العز صفة الرسل كلهم {وَلاَ تَسْتَعْجِل} لكفار قريش بالعذاب، أي: لا تدع لهم بتعجيله؛ فإنه نازل بهم لا محالة، وإن تأخر، وأنهم مستقصرون حينئذٍ مدّة لبثهم في الدنيا حتى يحسبوها {سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ} أي هذا الذي وعظتم به كفاية في الموعظة. أو هذا تبليغ من الرسول عليه السلام {فَهَلْ يُهْلَكُ} إلا الخارجون عن الاتعاظ به، والعمل بموجبه. ويدل على معنى التبليغ قراءة من قرأ: بلغ فهل يهلك: وقرئ {بلاغاً}، أي بلغوا بلاغاً: وقرئ {يهلك} بفتح الياء وكسر اللام وفتحها، من هلك وهلك. ونهلك بالنون {إِلاَّ القوم الفاسقون}.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا».