فصل: تفسير الآيات (39- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (37- 38):

{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
كانوا يستعجلون عذاب الله ونزول آياته الملجئة إلى العلم والإقرار {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} فأراد نهيهم عن الاستعجال وزجرهم، فقدم أولاً ذم الإنسان على إفراط العجلة، وأنه مطبوع عليها، ثم نهاهم وزجرهم، كأنه قال: ليس ببدع منكم أن تستعجلوا فإنكم مجبولون على ذلك وهو طبعكم وسجيتكم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: أنه أراد بالإنسان آدم عليه السلام، وأنه حين بلغ الروح صدره ولم يتبالغ فيه أراد أن يقوم.
وروي: أنه لما دخل الروح في عينه نظر إلى ثمار الجنة، ولما دخل جوفه اشتهى الطعام.
وقيل خلقه الله تعالى في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس، فأسرع في خلقه قبل مغيبها.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه النضر بن الحارث. والظاهر أن المراد الجنس. وقيل: (العجل): الطين، بلغة حِمْيَر. وقال شاعرهم:
وَالنَّخْلُ يَنْبُتُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْعَجَلِ

والله أعلم بصحته.
فإن قلت: لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} وقوله: {وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} [الإسراء: 11] أليس هذا من تكليف ما لا يطاق؟ قلت: هذا كما ركب في الشهوة وأمره أن يغلبها. لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة. وقرئ: {خلق الإنسان}.

.تفسير الآيات (39- 40):

{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}
جواب {لَوْ} محذوف. و{حِينَ} مفعول به ليعلم، أي لو يعلمون الوقت الذي يستعلمون عنه بقولهم {متى هذا الوعد} وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من وراء وقدّام، فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم، ولا يجدون ناصراً ينصرهم: لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال، ولكن جهلهم به هو الذي هوّنه عندهم. ويجوز أن يكون {يَعْلَمْ} متروكاً بلا تعدية، بمعنى: لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين. وحين: منصوب بمضمر، أي حين {لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار} يعلمون أنهم كانوا على الباطل وينتفي عنهم هذا الجهل العظيم، أي: لا يكفونها، بل تفجؤهم فتغلبهم يقال للمغلوب في المحاجة: مبهوت ومنه: {فبهت الذي كفر} [البقرة: 253]، أي: غلب إبراهيم عليه السلام الكافر.
وقرأ الأعمش: يأتيهم. فيبهتهم، على التذكير. والضمير للوعد أو للحين.
فإن قلت: فإلام يرجع الضمير المؤنث في هذه القراءة؟ قلت: إلى النار أو إلى الوعد، لأنه في معنى النار وهي التي وعدوها أو على تأويل العدة أو الموعدة. أو إلى الحين، لأنه في معنى الساعة. أو إلى البغتة.
وقيل في القراءة الأولى: الضمير للساعة.
وقرأ الأعمش: بغتة، بفتح الغين {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} تذكير بإنظاره إياهم وإمهاله، وتفسيح وقت التذكر عليهم، أي: لا يمهلون بعد طول الإمهال.

.تفسير الآية رقم (41):

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)}
سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم به بأن له في الأنبياء عليهم السلام أسوة وأن ما يفعلونه به يحيق بهم، كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء عليهم السلام ما فعلوا.

.تفسير الآية رقم (42):

{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)}
{مّنَ الرحمن} أي من بأسه وعذابه {بَلْ هُمْ} معرضون عن ذكره لا يخطرونه ببالهم، فضلاً أن يخافوا بأسه، حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكاليء وصلحوا للسؤال عنه. والمراد أنه أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بسؤالهم عن الكاليء، ثم بين أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم.

.تفسير الآية رقم (43):

{أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)}
ثم أضرب عن ذلك بما في (أم) من معنى (بل) وقال: {أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ} من العذاب تتجاوز منعنا وحفظنا. ثم استأنف فبين أنّ ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من الله بالنصر والتأييد، كيف يمنع غيره وينصره؟

.تفسير الآية رقم (44):

{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)}
ثم قال: بل ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو منا، لا من مانع يمنعهم من إهلاكنا، وما كلأناهم وآباءهم الماضين إلا تمتيعاً لهم بالحياة الدنيا وإمهالاً، كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم {حتى طَالَ عَلَيْهِمُ} الأمد، وامتدت بهم أيام الروح والطمأنينة، فحسبوا أن لا يزالوا على ذلك لا يغلبون ولا ينزع عنهم ثوب أمنهم واستمتاعهم، وذلك طمع فارغ وأمد كاذب {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا} ننقص أرض الكفر ودار الحرب، ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردّها دار إسلام.
فإن قلت: أي فائدة في قوله: {نَأْتِى الأرض}؟ قلت فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها، ناقصة من أطرافها.

.تفسير الآيات (45- 46):

{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)}
قرئ: {وَلاَ يَسْمَعُ الصم} ولا تسمع الصم، بالتاء والياء، أي: لا تسمع أنت الصم، ولا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يسمع الصم، من أسمع.
فإن قلت: الصم لا يسمعون دعاء المبشر كما لا يسمعون دعاء المنذر. فكيف قيل: {إِذَا مَا يُنذَرُونَ}؟ قلت: اللام في الصم إشارة إلى هؤلاء المنذرين، كائنة للعهد لا للجنس. والأصل: ولا يسمعون إذا ما ينذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدّهم أسماعهم إذا أنذروا. أي: هم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصامّ من آيات الأنذار {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ} من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء، لأذعنوا وذلوا، وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا. وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات، لأنّ النفح في معنى القلة والنزارة. يقال: نفحته الدابة وهو رمح يسير، ونفحه بعطية: رضخه. ولبناء المرة.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)}
وصفت {الموازين} بالقسط وهو العدل، مبالغة، كأنها في أنفسها قسط. أو على حذف المضاف، أي: ذوات القسط. واللام في {لِيَوْمِ القيامة} مثلها في قولك: جئته لخمس ليال خلون من الشهر. ومنه بيت النابغة:
تَرَسَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا ** لِسِتَّةِ أعْوَامِ وَذَا الْعَامُ سَابِعُ

وقيل: لأهل يوم القيامة، أي لأجلهم.
فإن قلت: ما المراد بوضع الموازين؟ قلت: فيه قولان، أحدهما: إرصاد الحساب السويّ، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والنصفة، من غير أن يظلم عباده مثقال ذرّة، فمثل ذلك بوضع الموازين لتوزن بها الموزونات.
والثاني: أنه يضع الموازين الحقيقية ويزن بها الأعمال. عن الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان. ويروى: أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان، فلما رآه غشي عليه، ثم أفاق فقال: يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات، فقال: يا داود، إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة.
فإن قلت: كيف توزن الأعمال وإنما هي أعراض؟ قلت: فيه قولان، أحدهما: توزن صحائف الأعمال.
والثاني: تجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة. وقرئ: (مِثْقَالُ حَبَّةٍ) على (كان) التامة، كقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] وقرأ ابن عباس ومجاهد: {أَتَيْنَا بِهَا} وهي مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة، لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء وقرأ حميد {أثبنا بها} من الثواب. وفي حرف أُبيّ {جئنا بها}. وأنث ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة، كقولهم: ذهبت بعض أصابعه، أي: آتيناهما.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}
أي: آتيناهما {ا لْفُرْقَانَ} وهو التوراة وأتينا به {ضِيَاء وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} والمعنى: أنه في نفسه ضياء وذكر. أو آتيناهما بما فيه من الشرائع والمواعظ ضياء وذكراً.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الفرقان: الفتح، كقوله: {يَوْمَ الفرقان} [الأنفال: 41] وعن الضحاك: فلق البحر.
وعن محمد بن كعب: المخرج من الشبهات.
وقرأ ابن عباس: {ضياء} بغير واو: وهو حال عن الفرقان. والذكر: الموعظة، أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ومصالحهم، أو الشرف.

.تفسير الآية رقم (49):

{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)}
محل {الذين} جرّ على الوصفية. أو نصب على المدح. أو رفع عليه.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
{وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ} هو القرآن. وبركته: كثرة منافعه، وغزارة خيره.

.تفسير الآيات (51- 54):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)}
الرشد: الاهتداء لوجوه الصلاح. قال الله تعالى: {فَإِنْ آنستم منهم رشداً فادفغوا إليهم أموالهم} [النساء: 6] وقرئ: {رشده} والرشد والرشد، كالعدم والعدم. ومعنى إضافته إليه: أنه رشد مثله. وأنه رشد له شأن {مِن قَبْلُ} أي من قبل موسى وهارون عليهما السلام. ومعنى علمه به: أنه علم منه أحوالاً بديعة وأسراراً عجيبة وصفات قد رضيها وأحمدها، حتى أهله لمخالته ومخالصته، وهذا كقولك في خير من الناس: أنا عالم بفلان، فكلامك هذامن الاحتواء على محاسن الأوصاف بمنزل {إِذْ} إما أن يتعلق بآتينا، أو برشده، أو بمحذوف، أي: اذكر من أوقات رشده هذا الوقت. قوله: {مَا هذه التماثيل} تجاهل لهم وتغاب، ليحقر آلهتهم ويصغر شأنها، مع علمه بتعظيمهم وإجلالهم لها. لم ينو للعاكفين مفعولاً، وأجراه مجرى ما لا يتعدى، كقولك: فاعلون العكوف لها أو واقفون لها.
فإن قلت: هلا قيل: عليها عاكفون، كقوله تعالى: {يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [الأعراف: 138]؟ قلت: لو قصد التعدية لعدّاه بصلته التي هي (على).
ما أقبح التقليد والقول المتقبل بغير برهان، وما أعظم كيد الشيطان للمقلدين حين استدرجهم إلى أن قلدوا آباءهم في عبادة التماثيل وعفروا لها جباههم، وهم معتقدون أنهم على شيء، وجادّون في نصرة مذهبهم، ومجادلون لأهل الحق عن باطلهم، وكفى أهل التقليد سبة أنّ عبدة الأصنام منهم {أَنتُمْ} من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال به، لأنّ العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع. ونحوه: اسكن أنت وزوجك الجنة، أراد أن المقلدين والمقلدين جميعاً، منخرطون في سلك ضلال لا يخفى على من به أدنى مسكة، لاستناد الفريقين إلى غير دليل، بل إلى هوى متبع وشيطان مطاع، لاستبعادهم أن يكون ما هم عليه ضلالاً.