فصل: تفسير الآيات (40- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (32):

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}
جعل أعمال الدنيا لعباً ولهواً واشتغالاً بما لا يعني ولا يعقب منفعة، كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة. وقوله: {لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} دليل على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنه: (ولدار الآخرة) وقرئ: {تعقلون} بالتاء والياء.

.تفسير الآية رقم (33):

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}
{قَدْ} في {قد نعلم} بمعنى (ربما) الذي يجيء لزيادة الفعل وكثرته، كقوله:
أَخُو ثِقَةٍ لاَ تُهْلِكُ الْخَمْرُ مَالَه ** وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهْ

والهاء في {إِنَّهُ} ضمير الشأن {لَيَحْزُنُكَ} قرئ بفتح الياء وضمها. و{الذى يَقُولُونَ} هو قولهم: ساحر كذاب {لاَ يُكَذّبُونَكَ} قرئ بالتشديد والتخفيف من كذبه إذا جعله كاذباً في زعمه وأكذبه إذا وجده كاذباً. والمعنى أن تكذيبك أمر راجع إلى الله، لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته، فاله عن حزنك لنفسك وإن هم كذبوك وأنت صادق، وليشغلك عن ذلك ما هو أهمّ وهو استعظامك بجحود آيات الله تعالى والاستهانة بكتابه. ونحوه قول السيد لغلامه- إذا أهانه بعض الناس- إنهم لم يهينوك وإنما أهانوني. وفي هذه الطريقة قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} [الفتح: 10] وقيل: فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم، ولكنهم يجحدون بألسنتهم. وقيل: فإنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق، ولكنهم يجحدون بآيات الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الأمين فعرفوا أنه لا يكذب في شيء، ولكنهم كانوا يجحدون. وكان أبو جهل يقول: ما نكذبك لأنك عندنا صادق، وإنما نكذب ما جئتنا به.
وروي: أنّ الأخنس بن شريق قال لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب، فإنه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال له: والله إن محمداً لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والنبوّة، فماذا يكون لسائر قريش، فنزلت، وقوله: {ولكن الظالمين} من إقامة الظاهر مقام المضمر، للدلالة على أنهم ظلموا في جحودهم.

.تفسير الآية رقم (34):

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}
{وَلَقَدْ كُذّبَتْ} تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا دليل على أن قوله: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ} [الأنعام: 33] ليس بنفي لتكذيبه، وإنما هو من قولك لغلامك: ما أهانوك ولكنهم أهانوني {على مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ} على تكذيبهم وإيذائهم {وَلاَ مُبَدّلَ لكلمات الله} لمواعيده من قوله: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} [الصافات: 171] {وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ المرسلين} بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين.

.تفسير الآيات (35- 36):

{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}
كان يكبر على النبي صلى الله عليه وسلم كفر قومه وإعراضهم عما جاء به فنزل: {لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ} [الشعراء: 3]، {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِي الأرض} منفذاً تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها {أَوْ سُلَّماً فِي السماء فَتَأْتِيَهُمْ} منها {بئَايَةٍ} فافعل. يعني أنك لا تستطيع ذلك. والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وتهالكه عليه، وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم. وقيل: كانوا يقترحون الآيات فكان يودُّ أن يجابوا إليها لتمادي حرصه على إيمانهم. فقيل له: إن استطعت ذلك فافعل، دلالة على أنه بلغ من حرصه أنه لو استطاع ذلك لفعله حتى يأتيهم بما اقترحوا من الآيات لعلهم يؤمنون. ويجوز أن يكون ابتغاء النفق في الأرض أو السلم في السماء هو الإتيان بالآيات، كأنه قيل: لو استطعت النفوذ إلى ما تحت الأرض أو الرقي إلى السماء لفعلت، لعل ذلك يكون لك آية يؤمنون عندها. وحذف جواب (إن) كما تقول إن شئت أن تقوم بنا إلى فلان نزوره ولو شاء الله لجمعهم على الهدى بأن يأتيهم بآية ملجئة، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين} من الذين يجهلون ذلك ويرومون ما هو خلافه {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ} يعني أن الذين تحرص على أن يصدّقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، وإنما يستجيب من يسمع، كقوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} [النمل: 80] {والموتى يَبْعَثُهُمُ الله} مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} للجزاء فكان قادراً على هؤلاء الموتى بالكفر أن يحييهم بالإيمان. وأنت لا تقدر على ذلك. وقيل: معناه: وهؤلاء الموتى- يعني الكفرة- يبعثهم الله. ثم إليه يرجعون، فحينئذ يسمعون. وأما قبل ذلك فلا سبيل إلى استماعهم وقرئ: {يرجعون}، بفتح الياء.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)}
{لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ} نزل بمعنى أنزل. وقرئ: {أن ينزل} بالتشديد والتخفيف. وذكر الفعل والفاعل مؤنث. لأن التأنيث آية غير حقيقي، وحسن للفصل. وإنما قالوا ذلك مع تكاثر ما أنزل من الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتركهم الاعتداد بما أنزل عليه، كأنه لم ينزل عليه شيء من الآيات عناداً منهم {قُلْ إِنَّ الله قَادِرٌ على أَن يُنَزّلٍ ءايَةً} تضطرهم إلى الإيمان. كنتق الجبل على بني إسرائيل ونحوه، أو آية إن جحدوها جاءهم العذاب {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية، وأن صارفاً من الحكمة يصرفه عن إنزالها.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
{أُمَمٌ أمثالكم} مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبت أرزاقكم وآجالكم وأعمالكم {مَّا فَرَّطْنَا} ما تركنا وما أغفلنا {فِى الكتاب} في اللوح المحفوظ {مِن شَيْء} من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت مما يختص به {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ} يعني الأمم كلها من الدواب والطير فيعوضها وينصف بعضها من بعض، كما روي: «أنه يأخذ للجماء من القرناء»، فإن قلت: كيف قيل: {إِلاَّ أُمَمٌ} مع إفراد الدابة والطائر؟ قلت: لما كان قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ} دالاً على معنى الاستغراق ومغنياً عن أن يقال: وما من دواب ولا طير، حمل قوله: {إِلاَّ أُمَمٌ} على المعنى، فإن قلت: هلا قيل: وما من دابة ولا طائر إلا أمم أمثالكم؟ وما معنى زيادة قوله: {وفِى الأرض} و{يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} قلت: معنى ذلك زيادة التعميم والإحاطة، كأنه قيل: وما من دابة فقط في جميع الأرضين السبع، وما من طائر قط في جو السماء من جميع ما يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم محفوظة أحوالها غير مهمل أمرها.
فإن قلت: فما الغرض في ذكر ذلك؟ قلت: الدلالة على عظم قدرته، ولطف علمه، وسعة سلطانه وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس، المتكاثرة الأصناف، وهو حافظ لما لها وما عليها، مهيمن على أحوالها، لا يشغله شأن عن شأن، وأنّ المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان.
وقرأ ابن أبي عبلة: {ولا طائر}، بالرفع على المحل، كأنه قيل: وما دابة ولا طائر.
وقرأ علقمة {ما فرطنا} بالتخفيف.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)}
فإن قلت: كيف أتبعه قوله: {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا}؟ قلت: لما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته وينادي على عظمته قال: والمكذبون {صُمٌّ} لايسمعون كلام المنبه {وَبُكْمٌ} لا ينطقون بالحق، خابطون في ظلمات الكفر، فهم غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه، ثم قال إيذاناً بأنهم من أهل الطبع {مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ} أي يخذله ويخله وضلاله لم يلطف به، لأنه ليس من أهل اللطف {وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي يلطف به لأنّ اللطف يجدي عليه.

.تفسير الآيات (40- 41):

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}
{أَرَأَيْتُكُم} أخبروني. والضمير الثاني لا محل له من الإعراب؛ لأنك تقول: أرأيتك زيداً ما شأنه، فلو جعلت للكاف محلاً لكنت كأنك تقول: أرأيت نفسك زيداً ما شأنه؟ وهو خلف من القول، ومتعلق الاستخبار محذوف، تقديره: إن أتاكم عذاب الله {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة} من تدعون. ثم بكتهم بقوله: {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ، أم تدعون الله دونها {بَلْ إياه تَدْعُونَ} بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} أي ما تدعونه إلى كشفه {إِن شَاء} إن أراد أن يتفضل عليكم ولم يكن مفسدة {وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} وتتركون آلهتكم أو لا تذكرونها في ذلك الوقت: لأن أذهانكم في ذلك الوقت مغمورة بذكر ربكم وحده، إذ هو القادر على كشف الضرّ دون غيره، ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله: {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} كأنه قيل: أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله.
فإن قلت: إن علقت الشرط به فما تصنع بقوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} مع قوله: {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة} وقوارع الساعة لا تكشف عن المشركين؟ قلت: قد اشترط في الكشف المشيئة، وهو قوله: {إِن شَاء} إيذاناً بأنه إن فعل كان له وجه من الحكمة، إلا أنه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه.

.تفسير الآيات (42- 45):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}
البأساء، والضراء: البؤس، والضر. وقيل: البأساء: القحط والجوع. والضراء: المرض ونقصان الأموال والأنفس. والمعنى: ولقد أرسلنا إليهم الرسل فكذبوهم فأخذناهم {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} معناه: نفي التّضرع، كأنه قيل: فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا. ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ} من البأساء والضراء: أي تركوا الاتعاظ به ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْء} من الصحة والسعة وصنوف النعمة، ليزاوج عليهم بين نوبتي الضراء والسراء، كما يفعل الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى، طلباً لصلاحه {حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ} من الخير والنعم، لم يزيدوا على الفرح والبطر، من غير انتداب لشكر ولا تصدّ لتوبة واعتذار {أخذناهم بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ} واجمون، متحسرون آيسون {فَقُطِعَ دَابِرُ القوم} آخرهم لم يترك منهم أحد، قد استؤصلت شأفتهم {والحمد للَّهِ رَبّ العالمين} إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة، وأنه من أجلّ النعم وأجزل القسم. وقرئ: {فَتَحْنَا} بالتشديد.

.تفسير الآية رقم (46):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)}
{إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وأبصاركم} بأن يصمكم ويعميكم {وَخَتَمَ على قُلُوبِكُمْ} بأن يغطي عليها ما يذهب عنده فهمكم وعقلكم {يَأْتِيكُمْ بِهِ} أي يأتيكم بذلك، إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة أو بما أخذ وختم عليه {يَصْدِفُونَ} يعرضون عن الآيات بعد ظهورها.