فصل: تفسير الآيات (41- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (38- 39):

{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)}
{فَرَضَ الله لَهُ} قسم له وأوجب، من قولهم: فرض لفلان في الديوان كذا. ومنه فروض العسكر لرزقاتهم {سُنَّةَ الله} اسم موضوع موضع المصدر- كقولهم: تربا، وجندلا-: مؤكد لقوله تعالى: {مَّا كَانَ عَلَى النبى مِنْ حَرَجٍ} كأنه قيل: سنّ الله ذلك سنة في الأنبياء الماضين، وهو أن لا يحرج عليهم في الاقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره، وقد كانت تحتهم المهائر والسراري، وكانت لداود عليه السلام مائة امرأة وثلثمائة سرية، ولسليمان عليه السلام ثلثمائة وسبعمائة {فِى الذين خَلَوْاْ} في الأنبياء الذين مضوا {الذين يُبَلّغُونَ} يحتمل وجوه الاعراب: الجرّ، على الوصف للأنبياء، والرفع والنصب، على المدح على هم الذين يبلغون. أو على: أعني الذين يبلغون. وقرئ: {رسالة الله}. قدراً مقدوراً: قضاء مقضياً، وحكماً مبتوتاً، ووصف الأنبياء بأنهم لا يخشون إلاّ الله: تعريض بعد التصريح في قوله تعالى {وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه} [الأحزاب: 37]. {حَسِيباً} كافياً للمخاوف، أو محاسباً على الصغيرة والكبيرة، فيجب أن يكون حق الخشية من مثله.

.تفسير الآية رقم (40):

{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)}
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} أي لم يكن أبا رجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح {ولكن} كان {رَسُولِ الله} وكل رسول أبو أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم. ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه، لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء، وزيد واحد من رجالكم الذين ليسوا بأولاده حقيقة، فكان حكمه حكمكم، والادعاء والتبني من باب الاختصاص والتقريب لا غير {و} كان {وخَاتَمَ النبيين} يعني أنه لو كان له ولد بالغ مبلغ الرجال لكان نبياً ولم يكن هو خاتم الأنبياء، كما يروى: أنه قال في إبراهيم حين توفي: «لو عاش لكان نبياً» فإن قلت: أما كان أبا للطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم؟ قلت: قد أخرجوا من حكم النفي بقوله: {مِّن رّجَالِكُمْ} من وجهين، أحدهما: أنّ هؤلاء لم يبلغوا مبلغ الرجال.
والثاني: أنه قد أضاف الرجال إليهم وهؤلاء رجاله لا رجالهم.
فإن قلت: أما كان أبا للحسن والحسين؟ قلت: بلى، ولكنهما لم يكونا رجلين حينئذ، وهما أيضاً من رجاله لا من رجالهم، وشيء آخر: وهو أنه إنما قصد ولده خاصة، لا ولد ولده؛ لقوله تعالى: {وَخَاتَمَ النبيين} ألا ترى أن الحسن والحسين قد عاشا إلى أن نيّف أحدهما على الأربعين والآخر على الخمسين. قرئ: {لكن رسول الله} بالنصب، عطفاً على {أَبَآ أَحَدٍ} بالرفع على: ولكن هو رسول الله، ولكنّ، بالتشديد على حذف الخبر، تقديره: ولكنّ رسول الله من عرفتموه، أي: لم يعش له ولد ذكر. وخاتم بفتح التاء بمعنى الطابع، وبكسرها بمعنى الطابع وفاعل الختم. وتقوّيه قراءة ابن مسعود: ولكنّ نبياً ختم النبيين.
فإن قلت: كيف كان آخر الأنبياء وعيسى ينزل في آخر الزمان؟ قلت: معنى كونه آخر الأنبياء أنه لا ينبأ أحد بعده، وعيسى ممن نبئ قبله، وحين ينزل ينزل عاملاً على شريعة محمد صلى الله عايه وسلم، مصلياً إلى قبلته، كأنه بعض أمته.

.تفسير الآيات (41- 42):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}
{اذكروا الله} أثنوا عليه بضروب الثناء من التقديس والتحميد والتهليل والتكبير وما هو أهله، وأكثروا ذلك {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي في كافة الأوقات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذكر الله على فم كل مسلم» وروي: «في قلب كل مسلم» وعن قتادة: قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، وعن مجاهد: هذه كلمات يقولها الطاهر والجنب. والفعلان، أعني اذكروا وسبحوا موجهان إلى البكرة والأصيل، كقولك: صم وصلّ يوم الجمعة، والتسبيح من جملة الذكر، وإنما اختصه من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة، ليبين فضله عى سائر الأذكار، لأن معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال، وتبرئته من القبائح. ومثال فضله على غيره من الأذكار فضل وصف العبد بالنزاهة من أدناس المعاصي، والطهر من أرجاس المآثم، على سائر أوصافه من كثرة الصلاة والصيام، والتوفر على الطاعات كلها، والاشتمال على العلوم، والاشتهار بالفضائل ويجوز أن يريد بالذكر وإكثاره: تكثير الطاعات، والإقبال على العبادات؛ فإن كل طاعة وكل خير من جملة الذكر، ثم خصّ من ذلك التسبيح بكرة وأصيلاً وهي الصلاة في جميع أوقاتها لفضل الصلاة على غيرها. أو صلاة الفجر والعشاءين؛ لأنّ أداءها أشقّ ومراعاتها أشدّ.

.تفسير الآيات (43- 44):

{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)}
لما كان من شأن المصلي أن ينعطف في ركوعه وسجوده استعير لمن ينعطف على غيره حنوّاً عليه ترؤفاً. كعائد المريض في انعطافه عليه، والمرأة في حنوّها على ولدها، ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم: صلّى الله عليك، أي ترحم عليك وترأف.
فإن قلت: قوله: {هُوَ الذى يُصَلّى عَلَيْكُمْ} إن فسرته بيترحم عليكم ويترأف، فما تصنع بقوله: {وملائكته} وما معنى صلاتهم؟ قلت: هي قولهم: اللَّهم صلّ على المؤمنين، جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة. ونظيره قوله: حياك الله، أي حياك وأبقاك، وحييتك، أي: دعوت لك بأن يحييك الله؛ لأنك لا تكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة، وكذلك: عمرك الله، وعمرتك، وسقاك الله، وسقيتك، وعليه قوله تعالى: {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى ياأيها الذين ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] أي ادعوا الله بأن يصلّي عليه. والمعنى: هو الذي يترحم عليكم ويترأف: حيث يدعوكم إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة {لِيُخْرِجَكُم} من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} دليل على أنّ المراد بالصلاة الرحمة. ويروى أنه لما نزل قوله تعالى: {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى} [الأحزاب: 56] قال أبو بكر رضي الله عنه: ما خصك يا رسول الله بشرف إلاّ وقد أشركنا فيه، فأنزلت {تَحِيَّتُهُمْ} من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: يحيون يوم لقائه بسلام. فيجوز أن يعظمهم الله بسلامه عليهم، كما يفعل بهم سائر أنواع التعظيم، وأن يكون مثلاً كاللقاء على ما فسرنا. وقيل: هو سلام ملك الموت والملائكة معه عليهم وبشارتهم بالجنة. وقيل: سلام الملائكة عند الخروج من القبور. وقيل: عند دخول الجنة، كما قال: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ} [الرعد: 23 24] والأجر الكريم: الجنة.

.تفسير الآيات (45- 46):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)}
{شاهدا} على من بعثت إليهم، وعلى تكذيبهم وتصديقهم، أي: مقبولاً قولك عند الله لهم وعليهم، كمل يقبل قول الشاهد العدل في الحكم.
فإن قلت: وكيف كان شاهداً وقت الإرسال، وإنما يكون شاهداً عند تحمل الشهادة أو عند أدائها؟ قلت: هي حال مقدرة كمسألة الكتاب: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً أي: مقدراً به الصيد غداً.
فإن قلت: قد فهم من قوله: إنا أرسلناك داعياً: أنه مأذون له في الدعاء، فما فائدة قوله: {بِإِذْنِهِ}؟ قلت: لم يرد به حقيقة الإذن. وإنما جعل الإذن مستعاراً للتسهيل والتيسير؛ لأن الدخول في حقّ المالك متعذر، فإذا صودف الإذن تسهل وتيسر، فلما كان الإذن تسهيلاً لما تعذر من ذلك، وضع موضعه، وذلك أن دعاء أهل الشرك والجاهلية إلى التوحيد والشرائع أمر في غاية الصعوبة والتعذر، فقيل: بإذنه للإيذان بأن الأمر صعب لا يتأتى ولا يستطاع إلاّ إذا سهله الله ويسّره، ومنه قولهم في الشحيح: أنه غير مأذون له في الإنفاق، أي: غير مسهل له الإنفاق لكونه شاقاً عليه داخلاً في حكم التعذر. [{وَسِرَاجاً منيراً}] جلى به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به. أو أمدّ الله بنور نبوّته نور البصائر، كما يمدّ بنور السراج نور الأبصار، وصفه بالإنارة لأن من السرج ما لا يضيء إذا قل سليطة ودقت فتيلته. وفي كلام بعضهم: ثلاثة تضني: رسول بطيء، وسراج لا يضيء، ومائدة ينتظر لها من يجيء. وسئل بعضهم عن الموحشين؟ فقال: ظلام ساتر، وسراج فاتر. وقيل: وذا سراج منير. أو وتاليا سراجاً منيراً. ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف {أرسلناك}.

.تفسير الآية رقم (47):

{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)}
الفضل: ما يتفضل به عليهم زيادة على الثواب، وإذا ذكر المتفضل به وكبره فما ظنك بالثواب. ويجوز أن يريد بالفضل: الثواب، من قولهم للعطايا: فضول وفواضل، وأن يريد أنّ لهم فضلاً كبيراً على سائر الأمم، وذلك الفضل من جهة الله، وأنه آتاهم ما فضلوهم به.

.تفسير الآية رقم (48):

{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}
{وَلاَ تُطِعِ الكافرين} معناه: الدوام والثبات على ما كان عليه. أو التهييج {أَذَاهُمْ} يحتمل إضافته إلى الفاعل والمفعول، يعني: ودع أن تؤذيهم بضرر أو قتل، وخذ بظاهرهم، وحسابهم على الله في باطنهم. أو: ودع ما يؤذونك به ولا تجازهم عليه حتى تؤمر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هي منسوخة بآية السيف {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فإنه يكفيكهم {وكفى بالله وكيلاً}، وكفى به مفوّضاً إليه، ولقائل أن يقول: وصفه الله تعالى بخمسة أوصاف، وقابل كلاً منها بخطاب مناسب له، قابل الشاهد بقوله: {وبشر المؤمنين}، لأنه يكون شاهداً على أمّته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم، وهو الفضل الكبير والمبشر بالإعراض عن الكافرين والمنافقين، لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين، وهو مناسب للبشارة والنذير بدع أذاهم، لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر- والأذى لابد له من عقاب عاجل أو آجل- كانوا منذرين به في المستقبل، والداعي إلى الله بتيسيره بقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} لأنّ من توكل على الله يسرّ عليه كل عسير، والسراج المنير بالاكتفاء به وكيلاً، لأنّ من أناره الله برهاناً على جميع خلقه، كان جديراً بأن يكتفي به عن جميع خلقه.

.تفسير الآية رقم (49):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)}
النكاح: الوطء، وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له، من حيث أنه طريق إليه. ونظيره تسميتهم الخمر إثماً: لأنها سبب في اقتراف الإثم، ونحوه في علم البيان قول الراجز:
أَسْنِمَةُ الآبَالِ في سَحَابِهْ

سمى الماء بأسنمة الآبال؛ لأنه سبب سمن المال وارتفاع أسنمته، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلاّ في معنى العقد؛ لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به. ومن آداب القرآن: الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان.
فإن قلت: لم خصّ المؤمنات والحكم الذي نطقت به الآية تستوي فيه المؤمنات والكتابيات؟ قلت: في اختصاصهنّ تنبيه على أن أصل أمر المؤمن والأولى به. أن يتخير لنطفته، وأن لا ينكح إلاّ مؤمنة عفيفة، ويتنزّه عن مزاوجة الفواسق فما بال الكوافر، ويستنكف أن يدخل تحت لحاف واحدة عدوّة الله ووليه، فالتي في سورة المائدة: تعليم ما هو جائز غير محرّم، من نكاح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب. وهذه فيها تعليم ما هو الأولى بالمؤمنين من نكاح المؤمنات.
فإن قلت: ما فائدة ثم في قوله: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} قلت: فائداته نفي التوهم عمن عسى يتوهم تفاوت الحكم: بين أن يطلقها وهي قريبة العهد من النكاح، وبين أن يبعد عهدها بالنكاح ويتراخى بها المدة في حبالة الزواج ثم يطلقها: فإن قلت: إذا خلا بها خلوة يمكنه معها المساس، هل يقوم ذلك مقام المساس؟ قلت: نعم. عند أبي حنيفة وأصحابه حكم الخلوة الصحيحة حكم المساس، وقوله: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} دليل على أن العدة حق واجب على النساء للرجال {تَعْتَدُّونَهَا} تستوفون عددها، من قولك: عددت الدراهم فاعتدها، كقولك: كلته فاكتاله، ووزنته فاتزنه. وقرئ: {تعتدونها} مخففاً؛ أي: تعتدون فيها، كقوله:
وَيَوْمٌ شَهِدْنَاهُ

والمراد بالاعتداد ما في قوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ} [البقرة: 231].
فإن قلت: ما هذا التمتيع أواجب أو مندوب إليه؟ قلت: إن كانت غير مفروض لها كانت المتعة واجبة، ولا تجب المتعة عند أبي حنيفة إلاّ لها وحدها دون سائر المطلقات، وإن كان مفروضاً لها؛ فالمتعة مختلف فيها: فبعض على الندب والاستحباب، ومنهم أبو حنيفة. وبعض على الوجوب {سَرَاحاً جَمِيلاً} من غير ضرار ولا منع واجب.