فصل: تفسير الآيات (50- 51):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (43):

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)}
لما دنا فرج يوسف، رأى ملك مصر «الريان بن الوليد» رؤيا عجيبة هالته: رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس. وسبع بقرات عجاف، فابتلعت العجاف السمان. ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها، وسبعاً أخر يابسات قد استحصدت وأدركت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها، فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها {سِمَانٍ} جمع سمين وسمينة، وكذلك رجال ونسوة كرام.
فإن قلت: هل من فرق بين إيقاع {سِمَانٍ} صفة للمميز وهو {بقرات} دون المميز وهو {سَبْعَ} وأن يقال: سبع بقرات سمانا؟ قلت: إذا أوقعتها صفة لبقرات. فقد قصدت إلى أن تميز السبع بنوع من البقرات وهي السمان منهنّ لا بجنسهنّ. ولو وصفت بها السبع لقصدت إلى تمييز السبع بجنس البقرات لا بنوع منها، ثم رجعت فوصفت المميز بالجنس بالسمن.
فإن قلت: هلا قيل: سبع عجاف على الإضافة؟ قلت، التمييز موضوع لبيان الجنس، والعجاف وصف لا يقع البيان به وحده.
فإن قلت: فقد يقولون: ثلاثة فرسان وخمسة أصحاب؟ قلت: الفارس والصاحب والراكب ونحوها: صفات جرت مجرى الأسماء فأخذت حكمها وجاز فيها ما لم يجز في غيرها. ألا تراك لا تقول: عندي ثلاثة ضخام وأربعة غلاظ.
فإن قلت: ذاك مما يشكل وما نحن بسبيله لا إشكال فيه. ألا ترى أنه لم يقل بقرات سبع عجاف، لوقوع العلم بأنّ المراد البقرات؟ قلت: ترك الأصل لا يجوز مع وقوع الاستغناء عما ليس بأصل، وقد وقع الاستغناء بقولك {سَبْعٌ عِجَافٌ} عما تقترحه من التمييز بالوصف. والعجف: الهزال الذي ليس بعده، والسبب في وقوع {عجاف} جمعا (لعجفاء) وأفعل وفعلاء لا يجمعان على فعال: حمله على سمان، لأنه نقيضه، ومن دأبهم حمل النظير على النظير، والنقيض على النقيض.
فإن قلت: هل في الآية دليل على أنّ السنبلات اليابسة كانت سبعاً كالخضر؟ قلت: الكلام مبني على انصبابه إلى هذا العدد في البقرات السمان والعجاف والسنابل الخضر، فوجب أن يتناول معنى الأخر السبع، ويكون قوله: {وَأُخَرَ يابسات} بمعنى وسبعاً أخر.
فإن قلت: هل يجوز أن يعطف قوله {وَأُخَرَ يابسات} على {سنبلات خُضْرٍ} فيكون مجرور المحل؟ قلت: يؤدي إلى تدافع، وهو أن عطفها على {سنبلات خُضْرٍ} يقتضي أن تدخل في حكمها فتكون معها مميزاً للسبع المذكورة، ولفظ الأخر يقتضي أن تكون غير السبع، بيانه: أنك تقول: عندي سبعة رجال قيام وقعود، بالجرّ، فيصح؛ لأنك ميزت السبعة برجال موصوفين بالقيام والقعود، على أنّ بعضهم قيام وبعضهم قعود؛ فلو قلت: عنده سبعة رجال قيام وآخرين قعود، تدافع ففسد {ياأيها الملا} كأنه أراد الأعيان من العلماء والحكماء.
واللام في قوله {لِلرُّؤْيَا} إما أن تكون للبيان، كقوله {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهِدِينَ} [يوسف: 20] وإماأن تدخل؛ لأنّ العامل إذا تقدّم عليه معموله لم يكن في قوّته على العمل فيه مثله إذا تأخر عنه، فعضد بها كما يعضد بها اسم الفاعل، إذا قلت: هو عابر للرؤيا؛ لانحطاطه عن الفعل في القوة. ويجوز أن يكون للرؤيا خبر كان، كما تقول: كان فلان لهذا الأمر إذا كان مستقلا به متمكنا منه. و{تَعْبُرُونَ} خبر آخر، أو حال، وأن يضمن {تَعْبُرُونَ} معنى فعل يتعدى باللام، كأنه قيل: إن كنتم تنتدبون لعبارة الرؤيا. وحقيقة (عبرت الرؤيا) ذكرت عاقبتها وآخر أمرها، كما تقول: عبرت النهر، إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه وهو عبره. ونحوه: أولت الرؤيا إذا ذكرت مآلها وهو مرجعها. وعبرت الرؤيا- بالتخفيف، هو الذي اعتمده الأثبات، ورأيتهم ينكرون (عبرت) بالتشديد والتعبير والمعبر. وقد عثرت على بيت أنشده المبرد في كتاب الكامل لبعض الأعراب:
رَأَيْتُ رُؤْيَا ثُمَّ عَبَّرْتُهَا ** وَكُنْتُ للأَحْلاَمِ عَبَّارَا

.تفسير الآية رقم (44):

{قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)}
{أضغاث أَحْلاَمٍ} تخاليطها وأباطيلها، وما يكون منها من حديث نفس أو وسوسة شيطان. وأصل الأضغاث: ما جمع من أخلاط النبات وحزم، الواحد: ضغث، فاستعيرت لذلك، والإضافة بمعنى (من) أي أضغاث من أحلام والمعنى: هي أضغاث أحلام.
فإن قلت: ما هو إلا حلم واحد، فلم قالوا: أضغاث أحلام فجمعوا؟ قلت: هو كما تقول: فلان يركب الخيل ويلبس عمائم الخز، لمن لا يركب إلا فرساً واحداً وما له إلا عمامة فردة، تزيدا في الوصف، فهؤلاء أيضاً تزيدوا في وصف الحلم بالبطلان، فجعلوه أضغاث أحلام. ويجوز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا رؤيا غيرها {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بعالمين} إما أن يريدوا بالأحلام المنامات الباطلة خاصة، فيقولوا: ليس لها عندنا تأويل، فإن التأويل إنما هو للمنامات الصحيحة الصالحة، وإما أن يعترفوا بقصور علمهم وأنهم ليسوا في تأويل الأحلام بنحارير.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)}
قرئ: {وادكر} بالدال وهو الفصيح.
وعن الحسن: {واذكر}، بالذال المعجمة. والأصل تذكر، أي تذكر الذي نجا من الفتيين من القتل يوسف وما شاهد منه {بَعْدَ أُمَّةٍ} بعد مدّة طويلة، وذلك أنه حين استفتى الملك في رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها، تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه، وطلبه إليه أن يذكره عند الملك.
وقرأ الأشهب العقيلي {بعد إمّة} بكسر الهمزة، والإمّة النعمة. قال عدي:
ثُمَّ بَعْدَ الفَلاَحِ وَالْمُلْكِ وَالإِمَّـ ** ـةِ وَارَتْهُمُ هُنَاكَ القُبُورُ

أي بعد ما أنعم عليه بالنجاة. وقرئ: {بعد أمه} بعد نسيان. يقال: أمه يأمه أمها، إذا نسي. ومن قرأ بسكون الميم فقد خطئ {أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ} أنا أخبركم به عمن عنده علمه. وفي قراءة الحسن: {أنا آتيكم بتأويله} {فَأَرْسِلُونِ} فابعثوني إليه لأسأله، ومروني باستعباره وعن ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة.

.تفسير الآية رقم (46):

{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}
المعنى فأرسلوه إلى يوسف، فأتاه فقال {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق} أيها البليغ في الصدق، وإنما قال له ذلك لأنه ذاق أحواله وتعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاء كما أوّل، ولذلك كلمه كلام محترز فقال {لَّعَلّى أَرْجِعُ إِلَى الناس لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} لأنه ليس على يقين من الرجوع، فربما اخترم دونه ولا من علمهم فربما لم يعلموا، أو معنى {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} لعلهم يعلمون فضلك ومكانك من العلم، فيطلبوك ويخلصوك من محنتك.

.تفسير الآيات (47- 49):

{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
{تَزْرَعُونَ} خبر في معنى الأمر، كقوله: {تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وتجاهدون} [الصف: 11] وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به، فيجعل كأنه يوجد، فهو يخبر عنه. والدليل على كونه في معنى الأمر قوله: {فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ}. {دَأَبًا} بسكون الهمزة وتحريكها، وهما مصدرا: دأب في العمل، وهو حال من المأمورين، أي دائبين: إمّا على تدأبون دأباً، وإمّا على إيقاع المصدر حالاً، بمعنى: ذوي دأب {فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ} لئلا يتسوس. و{يَأْكُلْنَ} من الإسناد المجازي: جعل أكل أهلهنّ مسنداً إليهنّ {تحصنون} تحرزون وتخبؤن {فِيهِ يُغَاثُ الناس} من الغوث أو من الغيث. يقال: غيثت البلاد، إذا مطرت. ومنه قول الأعرابية: غثنا ماشئنا. {يَعْصِرُونَ} بالياء والتاء: يعصرون العنب والزيتون والسمسم. وقيل: يحلبون الضروع. وقرئ: {يعصرون}، على البناء للمفعول، من عصره إذا أنجاه، وهو مطابق للإغاثة ويجوز أن يكون المبني للفاعل بمعنى ينجون، كأنه قيل: فيه يغاث الناس وفيه يغيثون أنفسهم، أي يغيثهم الله ويغيث بعضهم بعضاً وقيل {يَعْصِرُونَ} يمطرون، من أعصرت السحابة. وفيه وجهان: إمّا أن يضمن أعصرت معنى مطرت، فيعدّى تعديته. وإمّا أن يقال: الأصل أعصرت عليهم فحذف الجار وأوصل الفعل. تأوّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأنّ العام الثامن يجيء مباركاً خصيباً كثير الخير غزير النعم، وذلك من جهة الوحي.
وعن قتادة: زاده الله علم سنة.
فإن قلت: معلوم أنّ السنين المجدبة إذا انتهت كان انتهاؤها بالخصب، وإلا لم توصف بالانتهاء، فلم قلت إنّ علم ذلك من جهة الوحي؟ قلت: ذلك معلوم علماً مطلقاً لا مفصلاً. وقوله {فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} تفصيل لحال العام، وذلك لا يعلم إلا بالوحي.

.تفسير الآيات (50- 51):

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)}
إنما تأنى وتثبت في إجابة الملك، وقدّم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما قرف به وسجن فيه، لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده، ويجعلوه سلماً إلى حط منزلته لديه، ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير حق به أن يسجن ويعذب ويستكف شرّه. وفيه دليل على أنّ الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها، قال عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهم».
ومنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمارّين به في معتكفه وعنده بعض نسائه: (هي فلانة) اتقاء للتهمة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره- والله يغفر له- حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني. ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال: ارجع إلى ربك. ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث، لأسرعت الإجابة وبادرتهم الباب ولما ابتغيت العذر، إن كان لحليماً ذا أناة» وإنما قال: سل الملك عن حال النسوة ولم يقل سله أن يفتش عن شأنهن، لأنّ السؤال مما يهيج الإنسان ويحركه للبحث عما سئل عنه، فأراد أن يورد عليه السؤال ليجدّ في التفتيش عن حقيقة القصة وفصّ الحديث حتى يتبين له براءته بياناً مكشوفاً يتميز فيه الحق من الباطل. وقرئ: {النُسوة} بضم النون ومن كرمه وحسن أدبه: أنه لم يذكر سيدته مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب، واقتصر على ذكر المقطعات أيديهنّ {إِنَّ رَبّى} إنّ الله تعالى: {بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} أراد أنه كيد عظيم لا يعلمه إلا الله، لبعد غوره. أو استشهد بعلم الله على أنهنّ كدنه، وأنه بريء مما قرف به، أو أراد الوعيد لهنّ، أي: هو عليم بكيدهنّ فمجازيهنّ عليه {مَا خَطْبُكُنَّ} ما شأنكنّ {إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ} هل وجدتنّ منه ميلا إليكنّ {قُلْنَ حاش لِلَّهِ} تعجباً من عفته وذهابه بنفسه عن شيء من الريبة ومن نزاهته عنها {قَالَتِ امرأت العزيز الأن حصحص الحق} أي ثبت واستقرّ وقرئ: {حُصْحِص} على البناء للمفعول، وهو من حصحص البعير إذا ألقى ثفناته للإناخة. قال:
فَحَصْحَصَ في صُمِّ الصَّفَا ثَفَنَاتِه ** وَنَاءَ بِسَلْمَى نَوْءَةً ثُمَّ صَمَّمَا

ولا مزيد على شهادتهنّ له بالبراءة والنزاهة واعترافهنّ على أنفسهنّ بأنه لم يتعلق بشيء مما قرفنه به، لأنهنّ خصومه. وإذا اعترف الخصم بأنّ صاحبه على الحق وهو على الباطل، لم يبق لأحد مقال. وقالت المجبرة والحشوية نحن قد بقي لنا مقال، ولا بدّ لنا من أن ندق في فروة من ثبتت نزاهته.

.تفسير الآية رقم (52):

{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}
{ذلك لِيَعْلَمَ} من كلام يوسف، أي ذلك التثبت والتشمر لظهور البراءة ليعلم العزيز {أَنّى لَمْ أَخُنْهُ} بظهر الغيب في حرمته. ومحل {بالغيب} الحال من الفاعل أو المفعول، على معنى: وأنا غائب عنه خفي عن عينه أو وهو غائب عني خفي عن عيني. ويجوز أن يكون ظرفاً، أي بمكان الغيب، وهو الخفاء والاستتار وراء الأبواب السبعة المغلقة {و} ليعلم {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى كَيْدَ الخائنين} لا ينفذه ولا يسدّده، وكأنه تعريض بامرأته في خيانتها أمانة زوجها، وبه في خيانته أمانة الله حين ساعدها بعد ظهور الآيات على حبسه، ويجوز أن يكون تأكيداً لأمانته، وأنه لو كان خائناً لما هدى الله كيده ولا سدّده.