فصل: تفسير الآيات (56- 57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (56- 57):

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}
{لَمِنكُمْ} لمن جملة المسلمين {يَفْرَقُونَ} يخافون القتل وما يفعل بالمشركين، فيتظاهرون بالإسلام تقية {مَلْجَئاً} مكاناً يلتجئون إليه متحصنين به من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة {أَوْ مغارات} أو غيراناً. وقرئ بضم الميم، من أغار الرجل وغار إذا دخل الغور. وقيل: هو تعدية غار الشيء وأغرته أنا، يعني: أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم. ويجوز أن يكون من: أغار الثعلب، إذا أسرع، بمعنى مهارب ومفارّ {أَوْ مُدَّخَلاً} أو نفقاً يندسون فيه وينجحرون، وهو مفتعل من الدخول. وقرئ مدخلاً من دخل ومدخلاً من أدخل: مكاناً يدخلون فيه أنفسهم.
وقرأ أبيّ بن كعب رضي الله عنه: متدخلاً وقرئ: لو ألوا إليه لالتجؤا إليه {يَجْمَحُونَ} يسرعون إسراعاً لا يردّهم شيء؛ من الفرس الجموح، وهو الذي إذا حمل لم يردّه اللجام.
وقرأ أنس رضي الله عنه: يجمزون. فسئل فقال: يجمحون ويجمزون ويشتدّون واحد.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
{يَلْمِزُكَ} يعيبك في قسمه الصدقات ويطعن عليك. قيل: هم المؤلفة قلوبهم. وقيل: هو ابن ذي الخويصرة رأس الخوارج، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم حنين فقال: اعدل يا رسول الله، فقال صلوات الله عليه وسلامه «ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟» وقيل: هو أبو الجواظ، من المنافقين، قال: ألا ترون إلى صاحبكما إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم، وهو يزعم أنه يعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أبالك أما كان موسى راعياً أما كان داود راعياً» فلما ذهب قال عليه الصلاة والسلام «احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون». وقرئ: {يلمزك} بالضم، ويلمزك ويلامزك. التثقيل والبناء على المفاعلة مبالغة في اللمز. ثم وصفهم بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم، لا للدين وما فيه صلاح أهله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفير الغنائم عليهم فضجر المنافقون منه. وإذا للمفاجأة: أي وإن لم يعطوا منها فاجؤا للسخط.

.تفسير الآية رقم (59):

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}
جواب (لو) محذوف تقديره: لو أنهم رضوا لكان خيراً لهم. والمعنى: ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفوسهم وإن قلّ نصيبهم وقالوا: كفانا فضل الله وصنعه، وحسبنا ما قسم لنا سيرزقنا الله غنيمة أخرى فيؤتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما أتانا اليوم {إِنَّا إِلَى الله} في أن يغنمنا ويخولنا فضله لراغبون.

.تفسير الآية رقم (60):

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}
{إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء} قصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة وأنها مختصة بها، لا تتجاوزها إلى غيرها، كأنه قيل: إنما هي لهم لا لغيرهم. ونحوه قولك: إنما الخلافة لقريش، تريد لا تتعداهم ولا تكون لغيرهم فيحتمل أن تصرف إلى الأصناف كلها وأن تصرف إلى بعضها، وعليه مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه.
وعن حذيفة وابن عباس وغيرهما من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أنهم قالوا: في أي صنف منها وضعتها أجزاك.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: لو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعففين فجبرتهم بها كان أحبّ إليّ. وعند الشافعيّ رضي الله عنه، لابد من صرفها إلى الأصناف الثمانية وعن عكرمة رضي الله عنه أنها تفرق في الأصناف الثمانية.
وعن الزهري أنه كتب لعمر بن عبد العزيز تفريق الصدقات على الأصناف الثمانية {والعاملين عَلَيْهَا} السعاة الذين يقبضونها {والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} أشراف من العرب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألفهم على أن يسلموا فيرضخ لهم شيئاً منها حين كان في المسلمين قلة. والرقاب: المكاتبون يعانون منها. وقيل: الأسارى. وقيل: تبتاع الرقاب فتعتق {والغارمين} الذين ركبتهم الديون ولا يملكون بعدها ما يبلغ النصاب. وقيل: الذين تحملوا الحمالات فتداينوا فيها وغرموا {وَفِى سَبِيلِ الله} فقراء الغزاة والحجيج المنقطع بهم {وابن السبيل} المسافر المنقطع عن ماله فهو فقير حيث هو غنيّ حيث ماله {فَرِيضَةً مّنَ الله} في معنى المصدر المؤكد، لأن قوله إنما الصدقات للفقراء معناه فرض الله الصدقات لهم. وقرئ: {فريضة} بالرفع على: تلك فريضة.
فإن قلت: لم عدل عن اللام إلى (في) في الأربعة الأخيرة؟ قلت: للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره، لأن (في) للوعاء، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصباً، وذلك لما في فكّ الرقاب من الكتابة أو الرقّ أو الأسر، وفي فكّ الغارمين من الغرم من التخليص والإنقاذ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال، وتكرير (في) في قوله: {وَفِى سَبِيلِ الله وابن السبيل} فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين.
فإن قلت: فكيف وقعت هذه الآية في تضاعف ذكر المنافقين ومكايدهم؟ قلت: دلّ بكون هذه الأصناف مصارف الصدقات خاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم، حسماً لأطماعهم وإشعاراً باستيجابهم الحرمان، وأنهم بعداء عنها وعن مصارفها، فما لهم وما لها؟ وما سلطهم على التكلم فيها ولمز قاسمها صلوات الله عليه وسلامه؟.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}
الأذن: الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل أحد، سمي بالجارحة التي هي آلة السماع، كأن جملته أذنٌ سامعة، ونظيره قولهم للربيئة. عين. وإيذاؤهم له: هو قولهم فيه {هُوَ أُذُنٌ}. وأذن خير، كقولك: رجل صدق، تريد الجودة والصلاح، كأنه قيل: نعم هو أذن، ولكن نعم الأذن. ويجوز أن يريد: هو أذن في الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله، وليس بأذن في غير ذلك ودلّ عليه قراءة حمزة {ورحمةٍ} بالجرّ عطفاً عليه أي: هو أذن خير ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله. ثم فسر كونه أذن خير بأنه يصدق بالله، لما قام عنده من الأدلة ويقبل من المؤمنين الخلص من المهاجرين والأنصار، وهو رحمة لمن آمن منكم، أي أظهر الإيمان أيها المنافقون حيث يسمع منكم ويقبل إيمانكم الظاهر، ولا يكشف أسراركم ولا يفضحكم، ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين، مراعاة لما رأى الله من المصلحة في الإبقاء عليكم، فهو أذن كما قلتم، إلاّ أنه أذن خير لكم لا أذن سوء فسلم لهم قولهم فيه، إلا أنه فسر بما هو مدح له وثناء عليه، وإن كانوا قصدوا به المذمّة والتقصير بفطنته وشهامته، وأنه من أهل سلامة القلوب والغرّة. وقيل: إنّ جماعة منهم ذمّوه صلوات الله عليه وسلامه وبلغه ذلك، فاشتغلت قلوبهم فقال بعضهم: لا عليكم فإنما هو أذن سامعة قد سمع كلام المبلغ فأذن، ونحن نأتيه ونعتذر إليه فيسمع عذرنا أيضاً فيرضى، فقيل: هو أذن خير لكم. وقرئ: {أذن خير لكم}، على أن أذن خبر مبتدإ محذوف؛ وخير كذلك، أي هو أذن هو خير لكم يعني إن كان كما تقولون فهو خير لكم، لأنه يقبل معاذيركم ولا يكافئكم على سوء دخلتكم.
وقرأ نافع بتخفيف الذال.
فإن قلت: لم عدّي فعل الإيمان بالباء إلى الله تعالى، وإلى المؤمنين باللام؟ قلت: لأنه قصد التصديق بالله الذي هو نقيض الكفر به، فعدّي بالباء وقصد السماع من المؤمنين، وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدّقه، لكونهم صادقين عنده، فعدّي باللام، ألا ترى إلى قوله: {وَما أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صادقين} [يوسف: 17] ما أنبأه عن الباء. ونحوه: {فما آمن لموسى إلاّ ذرية من قومه} [يونس: 83]، {أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون} [الشعراء: 111]، {ءامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ} [طه: 71] فإن قلت: ما وجه قراءة ابن أبي عبلة: ورحمة بالنصب؟ قلت: هي علة معللها محذوف تقديره: ورحمة لكم يأذن لكم، فحذف لأنّ قوله: {أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} يدلّ عليه.

.تفسير الآية رقم (62):

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)}
{لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} الخطاب للمسلمين وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن أو يتخلفون عن الجهاد، ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالحلف ليعذروهم ويرضوا عنهم، فقيل لهم: إن كنتم مؤمنين كما تزعمون فأحق من أرضيتم الله ورسوله بالطاعة والوفاق. وإنما وحد الضمير لأنه لا تفاوت بين رضا الله ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم، فكانا في حكم مرضيّ واحد، كقولك: إحسان زيد وإجماله نعشني وجبر مني. أو والله أحقّ أن يرضوه، ورسوله كذلك.

.تفسير الآية رقم (63):

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}
المحادة مفاعلة من الحدّ كالمشاقة من الشقّ {فَأَنَّ لَهُ} على حذف الخبر، أي: فحق أن له {نَارِ جَهَنَّمَ} وقيل: معناه فله، وأنّ: تكرير؛ لأن في قوله: {أَنَّهُ} تأكيداً، ويجوز أن يكون {فأَنَّ لَهُ} معطوفاً على أنه، على أن جواب {مَن} محذوف تقديره: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فأن له نار جهنم. وقرئ: {ألم تعلموا} بالتاء.

.تفسير الآية رقم (64):

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)}
كانوا يستهزؤن بالإسلام وأهله وكانوا يحذرون أن يفضحهم الله بالوحي فيهم؛ حتى قال بعضهم: والله لا أرانا إلاّ شرّ خلق الله، لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة؛ وأن لا ينزل فينا شيء يفضحنا. والضمير في عليهم وتنبئهم للمؤمنين. وفي قلوبهم: للمنافقين. وصحّ ذلك لأن المعنى يقود إليه. ويجوز أن تكون الضمائر للمنافقين؛ لأن السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم. ومعنى تنبئهم بما في قلوبهم كأنها تقول لهم: في قلوبكم كيت وكيت، يعني أنها تذيع أسرارهم عليهم حتى يسمعوها مذاعة منتشرة فكأنها تخبرهم بها. وقيل: معنى يحذر: الأمر بالحذر، أي ليحذر المنافقون.
فإن قلت: الحذر واقع على إنزال السورة في قوله: {يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} فما معنى قوله: {مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}؟ قلت: معناه محصل مبرز إنزال السورة. أو أنّ الله مظهر ما كنتم تحذرونه، أي تحذرون إظهاره من نفاقكم.

.تفسير الآيات (65- 66):

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)}
بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا: انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام وحصونه، هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه عليه السلام على ذلك فقال: احبسوا عليّ الركب، فأتاهم فقال: قلتم كذا وكذا، فقالوا: يا نبي الله لا والله ما كنا في شيء من أمرك ولا من أمر أصحابك، ولكن كنا في شيء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر {أبالله وءاياته وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ} لم يعبأ باعتذارهم لأنهم كانوا كاذبين فيه، فجعلوا كأنهم معترفون باستهزائهم، وبأنه موجود منهم، حتى وبخوا بأخطائهم موقع الاستهزاء، حيث جعل المستهزأ به يلي حرف التقرير، وذلك إنما يستقيم بعد وقوع الاستهزاء وثبوته {لاَ تَعْتَذِرُواْ} لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة، فإنها لا تنفعكم بعد ظهور سركم {قَدْ كَفَرْتُمْ} قد ظهر كفركم باستهزائكم {بَعْدَ إيمانكم} بعد إظهاركم الإيمان {إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ} بإحداثهم التوبة وإخلاصهم الإيمان بعد النفاق {نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} مصرين على النفاق غير تائبين منه. أو أن نعف عن طائفة منكم لم يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يستهزؤوا فلم نعذبهم في العاجل نعذب في العاجل طائفة بأنهم كانوا مجرمين مؤذين لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستهزئين.
وقرأ مجاهد: إن تعف عن طائفة على البناء للمفعول مع التأنيث، والوجه التذكير: لأنّ المسند إليه الظرف، كما تقول: سير بالدابة. ولا تقول: سيرت بالدابة، ولكنه ذهب إلى المعنى، كأنه قيل: إن ترحم طائفة، فأنث لذلك وهو غريب، والجيد قراءة العامّة: إن يعف عن طائفة، بالتذكير. وتعذب طائفة، بالتأنيث. وقرئ: إن يعف عن طائفة يعذب طائفة، على البناء للفاعل وهو الله عزّ وجلّ.