فصل: تفسير الآيات (56- 57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (53- 54):

{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)}
والذين {فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} المنافقون والشاكون {والقاسية قُلُوبُهُمْ} المشركون المكذبون {وَإِنَّ الظالمين} يريد: وإن هؤلاء المنافقين والمشركين. وأصله: وإنهم، فوضع الظاهر موضع الضمير قضاء عليهم بالظلم {أَنَّهُ الحق مِن رَّبّكَ} أي ليعلموا أن تمكين الشيطان من الإلقاء: هو الحق من ربك والحكمة {وإِنَّ الله لَهَادِ الذين ءامنوا إلى} أن يتأولوا ما يتشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة، ويطلبوا لما أشكل منه المحمل الذي تقتضيه الأصول والمحكمة والقوانين الممهدة، حتى لا تلحقهم حيرة ولا تعتريهم شبهة ولا تزل أقدامهم. وقرئ: {لهادٍ الذين آمنوا} بالتنوين.

.تفسير الآية رقم (55):

{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)}
الضمير في {مِرْيَةٍ مّنْهُ} للقرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم. اليوم العقيم: يوم بدر، وإنما وصف يوم الحرب بالعقيم لأنّ أولاد النساء يقتلون فيه، فيصرن كأنهن عقم لم يلدن، أو لأن المقاتلين يقال لهم أبناء الحرب، فإذا قتلوا وصف يوم الحرب بالعقيم على سبيل المجاز. وقيل: هو الذي لا خير فيه، يقال: ريح عقيم إذا لم تنشيء مطراً ولم تلقح شجراً. وقيل: لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة عليهم السلام فيه.
وعن الضحاك أنه يوم القيامة، وأن المراد بالساعة مقدّماته، ويجوز أن يراد بالساعة وبيوم عقيم: يوم القيامة، كأنه قيل: حتى تأتيهم الساعة أو يأتيهم عذابها، فوضع {يَوْمٍ عَقِيمٍ} موضع الضمير.

.تفسير الآيات (56- 57):

{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)}
فإن قلت: التنوين في {يَوْمَئِذٍ} عن أي جملة ينوب؟ قلت: تقديره: الملك يوم يؤمنون. أو يوم تزول مريتهم، لقوله: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مّنْهُ حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة} [الحج: 55].

.تفسير الآيات (58- 59):

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)}
لما جمعتهم المهاجرة في سبيل الله سوّى بينهم في الموعد، وأن يعطى من مات منهم مثل ما يعطي من قتل تفضلاً منه وإحساناً. والله عليم بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم {حَلِيمٌ} عن تفريط المفرط منهم بفضله وكرمه، روي أن طوائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم قالوا: يا نبي الله، هؤلاء الذي قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا، فما لنا إن متنا معك؟ فأنزل الله هاتين الآيتين.

.تفسير الآية رقم (60):

{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}
تسمية الابتداء بالجزاء لملابسته له من حيث أنه سبب وذاك مسبب عنه كما يحملون النظير على النظير والنقيض على النقيض للملابسة.
فإن قلت: كيف طابق ذكر العفوّ الغفور هذا الموضع؟ قلت: المعاقب مبعوث من جهة الله عزّ وجلّ على الإخلال بالعقاب، والعفو عن الجاني- على طريق التنزيه لا التحريم- ومندوب إليه، ومستوجب عند الله المدح إن آثر ما ندب إليه وسلك سبيل التنزيه، فحين لم يؤثر ذلك وانتصر وعاقب، ولم ينظر في قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} [الشورى: 40]، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237]، {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: 43]: إنَّ الله لعفو غفور، أي: لا يلومه على ترك ما بعثه عليه، وهو ضامن لنصره في كرته الثانية من إخلاله بالعفو وانتقامه من الباغي عليه. ويجوز أن يضمن له النصر على الباغي، ويعرّض مع ذلك بما كان أولى به من العفو، ويلوّح به بذكر هاتين الصفتين. أو دلّ بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة، لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضدّه.

.تفسير الآية رقم (61):

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)}
{ذلك} أي ذلك النصر بسبب أنه قادر. ومن آيات قدرته البالغة أنه {يُولِجُ اليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي اليل} أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشرّ والبغي والإنصاف، وأنه {سَمِيعُ} لما يقولون {بَصِيرٌ} بما يفعلون.
فإن قلت: ما معنى إيلاج أحد الملوين في الآخر؟ قلت: تحصيل ظلمة هذا في مكان ضياء، ذاك بغيبوبة الشمس. وضياء ذاك في مكان ظلمة هذا بطلوعها، كما يضيء السرب بالسراج ويظلم بفقده. وقيل: هو زيادته في أحدهما ما ينقص من الآخر من الساعات.

.تفسير الآية رقم (62):

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}
وقرئ: {تَدْعُونَ} بالتاء والياء.
وقرأ اليماني. وأن ما تُدعون. بلفظ المبني للمفعول، والواو راجعة إلى (ما) لأنه في معنى الآلهة، أي: ذلك الوصف بخلق الليل والنهار والإحاطة بما يجري فيهما وإدراك كل قول وفعل، بسبب أنه الله الحق الثابت إلهيته، وأن كل ما يدعي إلهاً دونه باطل الدعوة، وأنه لا شيء أعلى منه شأناً وأكبر سلطاناً.

.تفسير الآيات (63- 64):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)}
قرئ: {مُخْضَرَّةً} أي ذات خضر، على مفعلة، كمقبلة ومسبعة.
فإن قلت: هلا قيل: فأصبحت؟ ولم صرف إلى لفظ المضارع؟ قلت: لنكتة فيه، وهي إفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان، كما تقول: أنعم عليَّ فلان عام كذا، فأروح وأغدوا شاكراً له. ولو قلت: فرحت وغدوت؛ ولم يقع ذلك الموقع، فإن قلت: فما له رفع لم ينصب جواباً للاستفهام؟ قلت: لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض، لأنّ معناه إثبات الاخضرار، فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار، مثاله أن تقول لصاحبك: ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر: إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه فيه، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر. وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله {لَطِيفٌ} وأصل علمه أو فضله إلى كل شيء {خَبِيرٌ} بمصالح الخلق ومنافعهم.

.تفسير الآيات (65- 66):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)}
{مَّا فِي الأرض} من البهائم مذللة للركوب في البر، ومن المراكب جارية في البحر، وغير ذلك من سائر المسخرات. وقرئ: {والفلك} بالرفع على الابتداء {أَن تَقَعَ} كراهة أن تقع {إِلا} بمشيئته {أَحْيَاكُمْ} بعد أن كنتم جماداً تراباً، ونطفة، وعلقة، ومضغة {لَكَفُورٌ} لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم.

.تفسير الآية رقم (67):

{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)}
هو نهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: لا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك. أو هو زجر لهم عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنازعة في الدين وهم جهال لا علم عندهم وهم كفار خزاعة. روى: أن بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما قالوا للمسلمين: ما لكم تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله الله! يعنون الميتة. وقال الزجاج: هو نهي له صلى الله عليه وسلم عن منازعته، كما تقول: لا يضاربنك فلان، أي: لا تضاربه. وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا بين اثنين {فِى الأمر} في أمر الدين. وقيل: في أمر النسائك، وقرئ: {فلا ينزعنك} أي اثبت في دينك ثباتاً لا يطمعون أن يجذبوك ليزيلوك عنه. والمراد: زيادة التثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم بما يهيج حميته ويلهب غضبه لله ولدينه. ومنه قوله: {وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءايات الله} [القصص: 87]، {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14]، [يونس: 105]، [القصص: 87]، {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً للكافرين} [القصص: 86]. وهيهات أن ترتع همة رسول الله صلى الله عليه وسلم حول ذلك الحمى، ولكنه وارد على ما قلت لك من إرادة التهييج والإلهاب. وقال الزجاج: هو من نازعته فنزعته أنزعه، أي: غلبته، أي: لا يغلبنك في المنازعة.
فإن قلت: لم جاءت نظيرة هذه الآية معطوفة بالواو وقد نزعت عن هذه؟ قلت: لأنّ تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الواردة في أمر النسائك، فعطفت على أخواتها. وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفاً.

.تفسير الآية رقم (68):

{وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68)}
أي: وإن أبوا للجاجهم إلا المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك وبينهم تنازع، فادفعهم بأن الله أعلم بأعمالكم وبقبحها وبما تستحقون عليها من الجزاء فهو مجازيكم به. وهذا وعيد وإنذار، ولكن برفق ولين.

.تفسير الآيات (69- 70):

{اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)}
{الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} خطاب من الله للمؤمنين والكافرين، أي: يفصل بينكم بالثواب والعقاب ومسلاة للنبي صلى الله عليه وسلم مما كان يلقى منهم، وكيف يخفى عليه ما يعملون، ومعلوم عند العلماء بأن الله يعلم كل ما يحدث في السموات والأرض، وقد كتبه في اللوح قبل حدوثه. والإحاطة بذلك وإثباته وحفظه عليه {يَسِيرٌ} لأن العالم بالذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)}
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ} ما لم يتمسكوا في صحة عبادته ببرهان سماوي من جهة الوحي والسمع، ولا ألجأهم إليها علم ضروري، ولا حملهم عليها دليل عقلي {وَمَا} للذين ارتكبوا مثل هذا الظلم من أحد ينصرهم ويصوّب مذهبهم.

.تفسير الآية رقم (72):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)}
{المنكر} الفظيع من التجهم والبسور. أو الإنكار، كالمكرم بمعنى الإكرام. وقرئ: {يعرف} والمنكر. والسطو: الوثب والبطش. وقرئ: {النار} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، كأنّ قائلاً قال: ما هو؟ فقيل: النار، أي: هو النار. وبالنصب على الاختصاص. وبالجرّ على البدل من {بِشَرٍّ مّن ذلكم} من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم. أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم {وَعَدَهَا الله} استئناف كلام. ويحتمل أن تكون {النار} مبتدأ و{وَعَدَهَا} خبراً، وأن يكون حالاً عنها إذا نصبتها أو جررتها بإضمار (قد).

.تفسير الآية رقم (73):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)}
فإن قلت: الذي جاء به ليس بمثل، فكيف سماه مثلاً؟ قلت: قد سميت الصفة أو القصة الرائعة الملتقاة بالاستحسان والاستغراب: مثلاً، تشبيهاً لها ببعض الأمثال المسيرة، لكونها مستحسنة مستغربة عندهم. قرئ: {تدعون} بالتاء والياء ويدعون: مبنياً للمفعول {لَن} أخت (لا) في نفي المستقبل، إلا أن (لن) تنفيه نفياً مؤكداً، وتأكيده هاهنا الدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم، كأنه قال: محال أن يخلقوا، فإن قلت: ما محل. {وَلَوِ اجتمعوا لَهُ}؟ قلت: النصب على الحال، كأنه قال: مستحيل أن يخلقوا الذباب مشروطاً عليهم اجتماعهم جميعاً لخلقه وتعاونهم عليه، وهذا من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل قريش واستركاك عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد خزمهم بخزائمه حيث وصفوا بالإلهية- التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها- صوراً وتماثيل يستحيل منها أن تقدر على أقلّ ما خلقه الله وأذله وأصغره وأحقره، ولو اجتمعوا لذلك وتساندوا. وأدلّ من ذلك على عجزهم وانتفاء قدرتهم: أن هذا الخلق الأقل الأذل لو اختطف منهم شيئاً فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا. وقوله: {ضَعُفَ الطالب والمطلوب} كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف. ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف، لأن الذباب حيوان، وهو جماد، وهو غالب وذاك مغلوب.
وعن ابن عباس: أنهم كانوا يطلونها بالزعفران، ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب، فيدخل الذباب من الكوي فيأكله.