فصل: تفسير الآيات (6- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (7- 9):

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)}
{كَلاَّ} ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن ذكر البعث والحساب، ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه ويندم عليه، ثم أتبعه وعيد الفجار على العموم. وكتاب الفجار: ما يكتب من أعمالهم.
فإن قلت: قد أخبر الله عن كتاب الفجار بأنه في سجين، وفسر سجيناً بكتاب مرقوم؛ فكأنه قيل: إن كتابهم في كتاب مرقوم. فما معناه: قلت {سِجِّينٍ} كتاب جامع هو ديوان الشر: دوّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس، وهو كتاب مرقوم مسطور بين الكتابة. أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه فالمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان، وسمى سجيناً: فعيلاً من السجن، وهو الحبس والتضييق. لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروح كما روي تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم، وهو مسكن إبليس وذرّيته استهانة به وإذالة، وليشهده الشياطين المدحورون، كما يشهد ديوان الخير الملائكة المقرّبون.
فإن قلت: فما سجين، أصفة هو أم اسم؟ قلت: بل هو اسم علم منقول من وصف كحاتم. وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف.

.تفسير الآيات (10- 17):

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}
{الذين يُكَذِّبُونَ} مما وصف به للذم لا للبيان، كقولك فعل ذلك فلان الفاسق الخبيث {كَلاَّ} ردع للمعتدي الأثيم عن قوله: {رَانَ على قُلُوبِهِمْ} ركبها كما يركب الصدأ وغلب عليها: وهو أن يصر على الكبائر ويسوّف التوبة حتى يطبع على قلبه، فلا يقبل الخير ولا يميل إليه.
وعن الحسن: الذنب بعد الذنب حتى يسودّ القلب. يقال: ران عليه الذنب وغان عليه، رينا وغينا، والغين: الغيم، ويقال: ران فيه النوم رسخ فيه، ورانت به الخمر: ذهبت به. وقرئ بإدغام اللام في الراء وبالإظهار، والإدغام أجود. وأميلت الألف وفخمت {كَلاَّ} ردع عن الكسب الرائن على قلوبهم. وكونهم محجوبين عنه: تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم، لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء المكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء المهانون عندهم. قال:
إذَا اعْتَرَوْا بَابَ ذِي عُبْيَةٍ رُجِبُوا ** وَالنَّاسُ مِنْ بَيْنِ مَرْجُوبٍ وَمَحْجُوبٍ

عن ابن عباس وقتادة وابن أبي مليكة: محجوبين عن رحمته.
وعن ابن كيسان: عن كرامته.

.تفسير الآيات (18- 21):

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)}
{كَلآ} ردع عن التكذيب. وكتاب الأبرار: ما كتب من أعمالهم. وعليون: علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين، منقول من جمع (عليّ) فعيل من العلو كسجين من السجن، سمى بذلك إمّا لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة، وإمّا لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون، تكريماً له وتعظيماً.
وروي «إن الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقلونه، فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانة أوحى إليهم إنكم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه، وأنه أخلص عمله فاجعلوه في عليين، فقد غفرت له؛ وإنها لتصعد بعمل العبد فيزكونه، فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحي إليهم: أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه لم يخلص لي عمله فاجعلوه في سجين».

.تفسير الآيات (22- 28):

{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)}
{الأرآئك} الأسرة في الحجال {يَنظُرُونَ} إلى ما شاؤا مدّ أعينهم إليه من مناظر الجنة، وإلى ما أولاهم الله من النعمة والكرامة، وإلى أعدائهم يعذبون في النار، وما تحجب الحجال أبصارهم عن الإدراك {نَضْرَةَ النعيم} بهجة التنعم وماءه ورونقه، كما ترى في وجوه الأغنياء وأهل الترفه، وقرئ {تعرف} على البناء للمفعول ونضرة النعيم بالرفع. الرحيق الشراب الخالص الذي لا غش فيه {مَّخْتُومٍ} تختم أوانيه من الأكواب والأباريق بمسك مكان الطينة.
وقيل {ختامه مِسْكٌ} مقطعه رائحة مسك إذا شرب. وقيل: يمزج بالكافور، ويختم مزاجه بالمسك. وقرئ {خاتمه}، بفتح التاء وكسرها، أي: ما يختم به ويقطع {فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون} فليرتغب المرتغبون {تَسْنِيمٍ} علم لعين بعينها: سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه: إمّا لأنها أرفع شراب في الجنة وإمّا لأنها تأتيهم من فوق، على ما روي أنها تجري في الهواء متسنمة فتنصبّ في أوانيهم. و{عَيْناً} نصب على المدح. وقال الزجاج: نصب على الحال. وقيل: هي للمقربين، يشربونها صرفاً، وتمزج لسائر أهل الجنة.

.تفسير الآيات (29- 33):

{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33)}
هم مشركو مكة: أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأشياعهم: كانوا يضحكون من عمار وصهيب وخباب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين ويستهزؤن بهم. وقيل: جاء علي ابن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا، ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع فضحكوا منه، فنزلت قبل أن يصل عليّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَتَغَامَزُونَ} يغمز بعضهم بعضاً، ويشيرون بأعينهم {فَكِهِينَ} ملتذين بذكرهم والسخرية منهم، أي: ينسبون المسلمين إلى الضلال {وَمَا أُرْسِلُواْ} على المسلمين {حافظين} موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم، ويهيمنون على أعمالهم، ويشهدون برشدهم وضلالهم؛ وهذا تهكم بهم. أو هو من جملة قول الكفار، وإنهم إذا رأوا المسلين قالوا: إنّ هؤلاء لضالون؛ وإنهم لم يرسلوا عليهم حافظين إنكاراً لصدّهم إياهم عن الشرك، ودعائهم إلى الإسلام وجدّهم في ذلك.

.تفسير الآيات (34- 36):

{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}
{عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ (23)} حال من {يَضْحَكُونَ} أي: يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الهوان والصغار بعد العزة والكبر ومن ألوان العذاب بعد النعيم والترفه: وهم على الأرائك آمنون. وقيل: يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم: اخرجوا إليها؛ فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم، يفعل ذلك بهم مراراً، فيضحك المؤمنون منهم {ثوبه} وأثابه: بمعنى، إذا جازاه قال أوس:
سَأَجزِيِك أَوْ يَجْزِيِك عَنِّى مُثَوِّب ** وَحَسْبُكِ أَنْ يُثْنَى عَلَيْكِ وَتُحْمَدِى

وقرئ بإدغام اللام في الثاء.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المطففين سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة».

.سورة الانشقاق:

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)}
حذف جواب إذا ليذهب المقدر كل مذهب أو اكتفاء بماعلم في مثلها من سورتي التكوير والانفطار. وقيل: جوابها ما دلّ عليه (فملاقيه) أي إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه. ومعناه: إذا انشقت بالغمام، كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} [الفرقان: 25]، وعن علي رضي الله عنه: تنشق من المجرّة أذن له: استمع له. ومنه قوله عليه السلام: «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبيّ يتغنى بالقرآن» وقول حجاف بن حكيم:
أَذِنْتُ لَكُمْ لَمَّا سَمِعْتُ هَرِيرَكُمْ

والمعنى: أنها فعلت في انقيادها لله حين أراد انشقاقها فعل المطواع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له وأذعن ولم يأب ولم يمتنع، كقوله: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]، {وَحُقَّتْ} من قولك هو محقوق بكذا وحقيق به، يعني: وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع. ومعناه الإيذان بأنّ القادر بالذات يجب أن يتأتى له كل مقدور ويحق ذلك {مُدَّتْ} من مدّ الشيء فامتدّ: وهو أن تزال جبالها وآكامها وكل أمت فيها، حتى تمتدّ وتنبسط ويستوي ظهرها، كما قال تعالى: {قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه: 106 107]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: مدّت مدّ الأديم العكاظي؛ لأن الأديم إذا مدّ زال كل انثناء فيه وأمت واستوى أو من مدّه بمعنى أمدّه، أي: زيدت سعة وبسطة {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} ورمت بما في جوفها مما دفن فيها من الموتى والكنوز {وَتَخَلَّتْ} وخلت غاية الخلو حتى لم يبق شيء في باطنها، كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو، كما يقال: تكرم الكريم، وترحم الرحيم: إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة، وتكلفا فوق ما في طبعهما {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} في إلقاء ما في بطنها وتخليها.

.تفسير الآيات (6- 15):

{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}
الكدح: جهد النفس في العمل والكدّ فيه حتى يؤثر فيها، من كدح جلده: إذا خدشه ومعنى {كَادِحٌ إلى رَبّكَ} جاهد إلى لقاء ربك، وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء {فملاقيه} فملاق له لا محالة لا مفرّ لك منه، وقيل: الضمير في ملاقيه للكدح {يَسِيراً} سهلاً هينا لا يناقش فيه ولا يعترض بما يسوءه ويشق عليه، كما يناقش أصحاب الشمال.
وعن عائشة رضي الله عنها: هو أن يعرّف ذنوبه، ثم يتجاوز عنه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من يحاسب يعذب» فقيل يا رسول الله: فسوف يحاسب حساباً يسيراً. قال: «ذلكم العرض، من نوقش في الحساب عذب» {إلى أَهْلِهِ} إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين. أو إلى فريق المؤمنين. أو إلى أهله في الجنة من الحور العين {وَرَاءَ ظَهْرِهِ} قيل: تغلّ يمناه إلى عنقه، وتجعل شماله وراء ظهره، فيؤتى كتابه بشماله من روءا ظهره.
وقيل تخلع يده اليسرى من وراء ظهره، {يَدْعُو ثُبُوراً} يقول: يا ثبوراه. والثبور: الهلاك. وقرئ {ويصلى سعيراً} كقوله: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94]، ويصلى: بضم الياء والتخفيف، كقوله: {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115]، {فِى أَهْلِهِ} فيما بين ظهرانيهم، أو معهم، على أنهم كانوا جميعاً مسرورين، يعني أنه كان في الدنيا مترفا بطرا مستبشراً كعادة الفجار الذين لا يهمهم أمر الآخرة ولا يفكرون في العواقب. ولم يكن كئيباً حزيناً متفكراً كعادة الصلحاء والمتقين وحكاية الله عنهم {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26] {ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} لن يرجع إلى الله تعالى تكذيباً بالمعاد. يقال: لا يحور ولا يحول، أي: لا يرجع ولا يتغير. قال لبيد:
يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ

وعن ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها: حوري، أي: أرجعي {بلى} إيجاب لما بعد النفي في {لَّن يَحُورَ} أي: بلى ليحورنّ {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} وبأعماله لا ينساها ولا تخفى عليه، فلا بدّ أن يرجعه ويجازيه عليها. وقيل: نزلت الآيتان في أبي سلمة بن عبد الأشدّ وأخيه الأسود بن عبد الأشد.

.تفسير الآيات (16- 19):

{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)}
الشفق: الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء، إلا ما يروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه في إحدى الروايتين: أنه البياض. وروى أسد بن عمرو: أنه رجع عنه، سمي لرقته. ومنه الشفقة على الإنسان: رقة القلب عليه {وَمَا وَسَقَ} وما جمع وضم، يقال: وسقه فاتسق واستوسق. قال:
مُسْتَوْسِقَاتٌ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا

ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين: اتسع واستوسع. ومعناه: وما جمعه وستره وآوى إليه من الدواب وغيرها {إِذَا اتسق} إذا اجتمع واستوى ليلة أربع عشرة. قرئ: {لتركبن} على خطاب الإنسان في {ياأيها الإنسان} ولنركبن، بالضم على خطاب الجنس، لأن النداء للجنس؛ ولتركبن بالكسر على خطاب النفس، وليركبن بالياء على: ليركبن الإنسان. والطبق: ما طابق غيره. يقال: ما هذا بطبق لذا، أي: لا يطابقه. ومنه قيل للغطاء الطبق. وإطباق الثرى: ما تطابق منه، ثم قيل للحال المطابقة لغيرها: طبق. ومنه قوله عز وعلا {طَبَقاً عَن طَبقٍ} أي حالاً بعد حال: كل واحدة مطابقة لأختها في الشدّة والهول: ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة، من قولهم: هو على طبقات. ومنه: طبق الظهر لفقاره الواحدة: طبقة، على معنى: لتركبنّ أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدّة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها.
فإن قلت: ما محل عن طبق؟ قلت: النصب على أنه صفة لطبقاً، أي: طبقا مجاوزاً لطبق. أو حال من الضمير في لتركبنّ، أي: لتركبن طبقاً مجاوزين لطبق. أو مجاوزاً أو مجاوزة، على حسب القراءة: وعن مكحول: كل عشرين عاماً تجدون أمراً لم تكونوا عليه.