فصل: تفسير الآيات (66- 67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (59):

{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}
{وامتازوا} وانفردوا عن المؤمنين، وكونوا على حدة، وذلك حين يحشر المؤمنون ويسار بهم إلى الجنة. ونحوه قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ}.. الآية [الروم: 14]. يقال: مازه فانماز وامتاز.
وعن قتادة: اعتزلوا عن كل خير.
وعن الضحاك: لكل كافر بيت من النار يكون فيه، لا يرى ولا يرى. ومعناه: أنّ بعضهم يمتاز من بعض.

.تفسير الآيات (60- 61):

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)}
العهد: الوصية، وعهد إليه: إذا وصاه. وعهد الله إليهم: ما ركز فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم من دلائل السمع. وعبادة الشيطان: طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم. وقرئ: {إعهد} بكسر الهمزة. وباب (فعل) كله يجوز في حروف مضارعته الكسر، إلا في الياء. وأعهد، بكسر الهاء. وقد جوز الزجاج أن يكون من باب نعم ينعم وضرب يضرب. وأحهد: بالحاء. وأحد: وهي لغة تميم. ومنه قولهم: دحا محا {هذا} إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن، إذ لا صراط أقوم منه، ونحو التنكير فيه ما في قول كثيِّرُ:
لَئِنْ كَانَ يُهْدَى بَرْدُ أَنْيَابِهَا الْعُلى ** لأَفْقَرَ مِنِّي إنَّنِي لَفَقِيرُ

أراد: إنني لفقير بليغ الفقر، حقيق بأن أوصف به لكمال شرائطه فيّ، وإلا لم يستقم معنى البيت، وكذلك قوله: {هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} يريد: صراط بليغ في بابه، بليغ في استقامته، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه. ويجوز أن يراد: هذا بعض الصرط المستقيمة، توبيخاً لهم على العدول عنه، والتفادي عن سلوكه، كما يتفادى الناس عن الطريق المعوج الذي يؤدي إلى الضلالة والتهلكة، كأنه قيل: أقل أحوال الطريق الذي هو أقوم الطرق: أن يعتقد فيه كما يعتقد في الطريق الذي لا يضل السالك، كما يقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ الذي ليس بعده: هذا فيما أظنّ قول نافع غير ضار، توبيخاً له عن الإعراض عن نصائحه.

.تفسير الآيات (62- 64):

{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)}
قرئ: {جبلا} بضمتين، وضمة وسكون، وضمتين وتشديدة، وكسرتين، وكسرة وسكون، وكسرتين وتشديدة. وهذه اللغات في معنى الخلق. وقرئ: {جبلا} جمع جبلة، كفطر وخلق، وفي قراءة علي رضي الله عنه: واحد الأجيال (جيلا).

.تفسير الآية رقم (65):

{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)}
يروى أنهم يجحدون ويخاصمون؛ فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم، فيحلفون ما كانوا مشركين، فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم. وفي الحديث: «يقول العبد يوم القيامة: إني لا أجيز عليّ شاهداً إلا من نفسي، فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعداً لكنّ وسحقاً، فعنكن كنت أناضل»، وقرئ: {يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم}. وقرئ: {ولتكلمنا أيديهم وتشهد} بلام كي والنصب على معنى: ولذلك نختم على أفواههم: وقرئ: {ولتكلمنا أيديهم ولتشهد} بلام الأمر والجزم على أنّ الله يأمر الأعضاء بالكلام والشهادة.

.تفسير الآيات (66- 67):

{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)}
الطمس: تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة {فاستبقوا الصراط} لا يخلو من أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل. والأصل: فاستبقوا إلى الصراط. أو يضمن معنى ابتدروا. أو يجعل الصراط مسبوقاً لا مسبوقاً إليه. أو ينتصب على الظرف. والمعنى: أنه لو شاء لمسح أعينهم، فلو راموا أن يستبقوا إلى الطريق المهيع الذي اعتادوا سلوكه إلى مساكنهم وإلى مقاصدهم المألوفة التي تردّدوا إليها كثيراً- كما كانوا يستبقون إليه ساعين في متصرفاتهم موضعين في أمور دنياهم- لم يقدروا، وتعايى عليهم أن يبصروا ويعلموا جهة السلوك فضلاً عن غيره. أو لو شاء لأعماهم، فلوا أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف- كما كان ذلك هجيراهم- لم يستطيعوا. أو لو شاء لأعماهم، فلو طلبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقاً، يعني أنهم لا يقدرون إلا على سلوك الطريق المعتاد دون ما وراءه من سائر الطرق والمسالك، كما ترى العميان يهتدون فيما ألفوا وضروا به من المقاصد دون غيرها {على مكانتهم} وقرئ: {على مكاناتهم} والمكانة والمكان واحد، كالمقامة والمقام. أي: لمسخناهم مسخاً يجمدهم مكانهم لا يقدرون أن يبرحوه بإقبال ولا إدبار ولا مضيّ ولا رجوع واختلف في المسخ، فعن ابن عباس: لمسخناهم قردة وخنازير. وقيل: حجارة. عن قتادة: لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم. وقرئ: {مضياً} بالحركات الثلاث، فالمضيّ والمضي كالعتيّ والعتي. والمضيّ كالصبيّ.

.تفسير الآية رقم (68):

{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)}
{ننكسه في الخلق} نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقناه من قبل، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال ويرتقي من درجة إلى درجة، إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته، ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص، حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبيّ في ضعف جسده وقلة عقله وخلّوه من العلم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله. قال عزّ وجلّ: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَىْ لاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [الحج: 5]، {ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين} [التين: 5] وهذه دلالة على أنّ من ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوّة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز ومن العلم إلى الجهل بعد ما نقلهم خلاف هذا النقل وعكسه- قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويفعل بهم ما شاء وأراد: وقرئ: بكسر الكاف {وننكِسه} و {ننكسه} من التنكيس والإنكاس {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} بالياء والتاء.

.تفسير الآيات (69- 70):

{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)}
كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: شاعر، وروى أنّ القائل: عقبة بن أبي معيط، فقيل: {وَمَا علمناه الشعر} أي: وما علمناه بتعليم القرآن الشعر، على معنى: أنّ القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شيء. وأين هو عن الشعر، والشعر إنما هو كلام موزون مقفى، يدل على معنى، فأين الوزن؟ وأين التقفية؟ وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء عن معانيه؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه؟ فإذاً لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت، اللهمّ إلا أنّ هذا لفظه عربي، كما أنّ ذاك كذلك {وَمَا يَنبَغِى لَهُ} وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه، أي: جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل، كما جعلناه أمّياً لا يتهدّى للخط ولا يحسنه، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض.
وعن الخليل: كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام، ولكن كان لا يتأتى له.
فإن قلت: فقوله: «أَنَا النَّبيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ»
وقوله: «هَلْ أَنْتَ إلاَّ أُصْبُعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ» قلت: ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة، من غير صنعة ولا تكلف، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه إن جاء موزوناً، كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعراً ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز، على أن الخليل ما كان يعدّ المشطور من الرجز شعراً، ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال: {إنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ} يعني: ما هو إلا ذكر من الله تعالى يوعظ به الإنس والجنّ، كما قال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} [التكوير: 27] وما هو إلا قرآن كتاب سماوي، يقرأ في المحاريب، ويتلى في المتعبدات، وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين؟ {لّيُنذِرَ} القرآن أو الرسول وقرئ: {لتنذر} بالتاء. ولينذر: من نذر به إذا علمه {مَن كَانَ حَيّاً} أي عاقلاً متأملاً، لأن الغافل كالميت. أو معلوماً منه أنه يؤمن فيحيا بالإيمان {وَيَحِقَّ القول} وتجب كلمة العذاب {عَلَى الكافرين} الذي لا يتأملون ولا يتوقع منهم الإيمان.

.تفسير الآيات (71- 73):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)}
{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا، وإنما قال ذلك لبدائع الفطرة والحكمة فيها، التي لا يصحّ أن يقدر عليها إلا هو. وعمل الأيدي: استعارة من عمل من يعملون بالأيدي {فَهُمْ لَهَا مالكون} أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم، فهم متصرفون فيها تصرف الملاك، مختصون بالانتفاع فيها لا يزاحمون. أو فهم لها ضابطون قاهرون، من قوله:
أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلاَ ** أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إنْ نَفَرَا

أي لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها، كما قال القائل:
يُصَرِّفُهُ الصَّبِيُّ بِكُلِّ وَجْهٍ ** وَيَحْبِسُهُ عَلَى الْخَسْفِ الْجَرِيرُ

وَتَضْرِبُهُ الْوَلِيدَةُ بِالْهَرَاوَى ** فَلاَ غِيَرٌ لَدَيْهِ وَلاَ نَكِيرُ

ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله: {سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين} [الزخرف: 13]. وقرئ: {ركوبهم} وركوبتهم. وهما ما يركب، كالحلوب والحلوبة. وقيل: الركوبة جمع. وقرئ: {ركوبهم} أي ذو ركوبهم. أو فمن منافعها ركوبهم {منافع} من الجلود والأوبار والأصواف وغير ذلك {ومشارب} من اللبن، ذكرها مجملة، وقد فصلها في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا} [النحل: 80] الآية، والمشارب: جمع مشرب وهو موضع الشرب، أو الشرب.

.تفسير الآيات (74- 76):

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)}
اتخذوا الآلهة طمعاً في أن يتقوّوا بهم ويتعضدوا بمكانهم، والأمر على عكس ما قدّروا حيث هم جند لآلهتهم معدّون {مُحْضَرُونَ} يخدمونهم ويذبون عنهم، ويغضبون لهم؛ والآلهة لا استطاعة بهم ولا قدرة على النصر، أو اتخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم، والأمر على خلاف ما توهموا، حيث هم يوم القيامة جند معدّون لهم محضرون لعذابهم؛ لأنهم يجعلون وقوداً للنار. وقرئ: {فلا يحزنك} بفتح الياء وضمها، من حزنه أحزنه. والمعنى: فلا يهمنك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم، فإنا عالمون بما يسرون لك من عداوتهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} وإنا مجاوزهم عليه، فحقّ مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهمّ ولا يرهقه الحزن.
فإن قلت: ما تقول فيمن يقول: إن قرأ قارئ: {أنا نعلم} بالفتح: انتقضت صلاته، وإن اعتقد ما يعطيه من المعنى: كفر؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون على حذف لام التعليل، وهو كثير في القرآن وفي الشعر، وفي كل كلام وقياس مطرد، وهذا معناه ومعنى الكسر سواء. وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الحمد والنعمة لك»، كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي، وكلاهما تعليل.
والثاني: أن يكون بدلاً من {قَوْلُهُمْ} كأنه قيل: فلا يحزنك، أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون. وهذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالماً وعدم تعلقه لا يدوران على كسر إن وفتحها، وأنما يدوران على تقديرك، فتفصل إن فتحت بأن تقدّر معنى التعليل ولا تقدّر البدل، كما أن تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدّر معنى المفعولية، ثم إن قدّرته كاسراً أو فاتحاً على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل، فما فيه إلا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على كون الله عالماً بسرهم وعلانيتهم، وليس النهي عن ذلك مما يوجب شيئاً، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً للكافرين} [القصص: 86]، {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [القصص: 87]، {وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} [القصص: 88].