فصل: تفسير الآيات (80- 90):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (80- 90):

{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}
{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِي الله} وكانوا حاجوه في توحيد الله ونفي الشركاء عنه منكرين لذلك {وَقَدْ هدان} يعني إلى التوحيد {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} وقد خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء {إِلاَّ أَن يَشَاء رَبّى شَيْئاً} إلاّ وقت مشيئة ربي شيئاً يخاف، فحذف الوقت، يعني لا أخاف معبوداتكم في وقت قط؛ لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة، إلاّ إذا شاء ربي أن يصيبني بمخوف من جهتها إن أصبت ذنباً استوجب به إنزال المكروه، مثل أن يرجمني بكوكب أو بشقة من الشمس أو القمر، أو يجلعها قادرة على مضرتي {وَسِعَ رَبّى كُلَّ شَيْء عِلْماً} أي ليس بعجب ولا مستبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بي من جهتها {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} فتميزوا بين الصحيح والفاسد والقادر والعاجز {وَكَيْفَ أَخَافُ} لتخويفكم شيئاً مأمون الخوف لا يتعلق به ضرر بوجه {و} أنتم {لا تخافون} ما يتعلق به كل مخوف وهو إشراككم بالله ما لم ينزل بإشراكه {سلطانا} أي حجة، لأن الإشراك لا يصحّ أن يكون عليه حجة، كأنه قال: وما لكم تنكرون علي الأمن في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف. ولم يقل: فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم، احترازاً من تزكيته نفسه، فعدل عنه إلى قوله: {فَأَىُّ الفريقين} يعني فريقي المشركين والموحدين. ثم استأنف الجواب على السؤال بقوله: {الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ} أي لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم. وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس {وَتِلْكَ} إشارة إلى جميع ما احتج به إبراهيم عليه السلام على قومه من قوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اليل} إلى قوله: {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ}. ومعنى {ءاتيناهآ} أرشدناه إليها ووفقناه لها {نَرْفَعُ درجات مَّن نَّشَاء} يعني في العلم والحكمة. وقرئ بالتنوين {وَمِن ذُرّيَّتِهِ} الضمير لنوح أو لإبراهيم. و{دَاوُودُ} عطف على نوحاً، أي وهدينا داود {وَمِنْ ءابَائِهِمْ} في موضع النصب عطفاً على كلاًّ، بمعنى: وفضلنا بعض آبائهم {وَلَوْ أَشْرَكُواْ} مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات. لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم، كما قال تعالى وتقدّس {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]. {ءاتيناهمالكتاب} يريد الجنس {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا} بالكتاب والحكمة والنبوّة. أو بالنبوّة {هؤلاء} يعني أهل مكة {قَوْماً} هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم بدليل قوله: {أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} وبدليل وصل قوله: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء} بما قبله. وقيل: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكل من آمن به. وقيل: كل مؤمن من بني آدم.
وقيل: الملائكة وادّعى الأنصار أنها لهم.
وعن مجاهد: هم الفرس. ومعنى توكيلهم بها: أنهم وفقوا للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكّل الرجل بالشيء ليقوم به، ويتعهده ويحافظ عليه. والباء في {بِهَا} صلة كافرين. وفي {بكافرين} تأكيد النفي. {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} فاختص هداهم بالاقتداء، ولا تقتد إلاّ بهم. وهذا معنى تقديم المفعول، والمراد بهداهم طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع، فإنها مختلفة وهي هدى، ما لم تنسخ. فإذا نسخت لم تبق هدى، بخلاف أصول الدين فإنها هدى أبداً. والهاء في {اقتده} للوقف تسقط في الدرج. واستحسن إيثار الوقف لثبات الهاء في المصحف.

.تفسير الآية رقم (91):

{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} وما عرفوه حق معرفته في الرحمة على عباده واللطف بهم حين أنكروا بعثة الرسل والوحي إليهم، وذلك من أعظم وأجلّ نعمته {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] أو ما عرفوه حق معرفته في سخطه على الكافرين وشدّة بطشه بهم، ولم يخافوه حين جسروا على تلك المقالة العظيمة من إنكار النبوّة. والقائلون هم اليهود، بدليل قراءة من قرأ: {تجعلونه} بالتاء. وكذلك {تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ} وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألزموا ما لابد لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى عليه السلام وأدرج تحت الإلزام توبيخهم وأن نعي عليهم سوء جهلهم لكتابهم وتحريفهم، وإبداء بعض وإخفاء بعض فقيل: {جَاء بِهِ موسى} وهو نور وهدى للناس، حتى غيروه، ونقصوه وجعلوه قراطيس مقطعة وورقات مفرقة، ليتمكنوا مما راموا من الإبداء والإخفاء.
وروي: أن مالك بن الصيف من أحبار اليهود ورؤسائهم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيها أنّ الله يبغض الحبر السمين؟ فأنت الحبر السمين، قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود» فضحك القوم، فغضب، ثم التفت إلى عمر فقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له قومه: ويلك ما هذا الذي بلغنا عنك؟ قال: إنه أغضبني، فنزعوه وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف. وقيل: القائلون قريش وقد ألزموا إنزال التوراة لأنهم كانوا يسمعون من اليهود بالمدينة ذكر موسى والتوراة، وكانوا يقولون لو أنا أنزل علينا الكتاب، لكنا أهدى منهم {وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ} الخطاب لليهود، أي علمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم مما أوحى إليه ما لم تعلموا أنتم، وأنتم حملة التوراة، ولم يعلمه آباؤكم الأقدمون الذين كانوا أعلم منكم {إِنَّ هذا القرءان يَقُصُّ على بَنِى إسراءيل أَكْثَرَ الذى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل: 76] وقيل الخطاب لمن آمن من قريش، كقوله تعالى: {لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم} [يس: 6]. {قُلِ الله} أي أنزله الله، فإنهم لا يقدرون أن يناكروك {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ} في باطلهم الذي يخوضون فيه، ولا عليك بعد إلزام الحجة. ويقال لمن كان في عمل لا يجدي عليه: إنما أنت لاعب. و{يَلْعَبُونَ} حال من ذرهم، أو من خوضهم، ويجوز أن يكون {فِى خَوْضِهِمْ} حالاً من يلعبون، وأن يكون صلة لهم أو لذرهم.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}
{مُّبَارَكٌ} كثير المنافع والفوائد {وَلِتُنذِرَ} معطوف على ما دلّ عليه صفة الكتاب، كأنه قيل: أنزلناه للبركات، وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار. وقرئ: {ولينذر} بالياء والتاء. وسميت مكة {أُمَّ القرى} لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى كلها ومحجهم. لأنها أعظم القرى شأناً لبعض المجاورين:
فَمَنْ يَلْقَى فِي الْقُرَيَّاتِ رَحْلَه ** فَأُمُّ الْقُرَى مُلْقَى رِحَالِي وَمُنْتَابِي

{والذين يُؤْمِنُونَ بالاخرة} يصدّقون بالعاقبة ويخافونها {يُؤْمِنُونَ} بهذا الكتاب. وذلك أنّ أصل الدين خوف العاقبة، فمن خافها لم يزل به الخوف حتى يؤمن. وخصّ الصلاة لأنها عماد الدين. ومن حافظ عليها كانت لطفاً في المحافظة على أخواتها.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}
{افترى عَلَى الله كَذِبًا} فزعم أن الله بعثه نبياً {أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء} وهو مسيلمة الحنفي الكذاب. أو كذاب صنعاء الأسود العنسي.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت فيما يرى النائم كأنّ في يديّ سوارين من ذهب فكبرا عليّ وأهماني فأوحى الله إليّ أن أنفخهما، فنفختهما فطارا عني، فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما: كذاب اليمامة مسيلمة. وكذاب صنعاء الأسود العنسي» {وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ الله} هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أملى عليه سميعاً عليماً، كتب هو: عليماً حكيماً. وإذا قال: عليماً حكيماً، كتب غفوراً رحيماً. فلما نزلت: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ} [المؤمنون: 12] إلى آخر الآية، عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان: فقال: تبارك الله أحسن الخالقين. فقال عليه الصلاة والسلام اكتبها: فكذلك نزلت، فشك عبد الله وقال: لئن كان محمداً صادقاً لقد أوحي إليّ مثل ما أُوحي إليه. ولئن كان كاذباً فلقد قلت كما قال: فارتدّ عن الإسلام ولحق بمكة، ثم رجع مسلماً قبل فتح مكة. وقيل: هو النضر بن الحرث والمستهزؤن {وَلَوْ تَرَى} جوابه محذوف. أي: رأيت أمراً عظيماً {إِذِ الظالمون} يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة، فتكون اللام للعهد. ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه هؤلاء لاشتماله. و{غَمَرَاتِ الموت} شدائده وسكراته، وأصل الغمرة: ما يغمر من الماء فاستعيرت للشدّة الغالبة {بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} يبسطون إليهم أيديهم يقولون: هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم. وهذه عبارة عن العنف في السياق، والإلحاح، والتشديد في الإزهاق، من غير تنفيس وإمهال، وإنهم يفعلون بهم فعل الغريم المسلط يبسط يده إلى من عليه الحق، ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله، ويقول له: أخرج إليّ ما لي عليك الساعة، ولا أريم مكاني، حتى أنزعه من أحداقك. وقيل: معناه باسطو أيديهم عليهم بالعذاب {أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ} خلصوها من أيدينا، أي لا تقدرون على الخلاص {اليوم تُجْزَوْنَ} يجوز أن يريدوا وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة النزع، وأن يريدوا الوقت الممتدّ المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ والقيامة. والهون الشديد، وإضافة العذاب إليه كقولك: رجل سوء يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه {عَنْ ءاياته تَسْتَكْبِرُونَ} فلا تؤمنون بها.

.تفسير الآية رقم (94):

{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}
{فرادى} منفردين عن أموالكم وأولادكم وما حرصتم عليه، وآثرتموه من دنياكم، وعن أوثانكم التي زعمتم أنها شفعاؤكم وشركاء لله {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} على الهيئة التي ولدتم عليها في الانفراد {وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم} ما تفضلنا به عليكم في الدنيا فشغلتم به عن الآخرة {وَرَاء ظُهُورِكُمْ} لم ينفعكم ولم تحتملوا منه نقيراً ولا قدّمتموه لأنفسكم {فِيكُمْ شُرَكَاء} في استبعادكم، لأنهم حين دعوهم آلهة وعبدوها، فقد جعلوها لله شركاء فيهم وفي استعبادهم. وقرئ: {فرادى} بالتنوين. وفراد، مثل ثلاث. وفردى، نحو سكرى: فإن قلت: كما خلقناكم، في أي محل هو؟ قلت: في محل النصب صفة لمصدر جئتمونا، أي مجيئنا مثل خلقنا لكم {تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} وقع التقطع بينكم، كما تقول: جمع بين الشيئين، تريد أوقع الجمع بينهما على إسناد الفعل إلى مصدره بهذا التأويل ومن رفع فقد أسند الفعل إلى الظرف كما تقول قوتل خلفكم وأمامكم. وفي قراءة عبد الله: {لقد تقطع ما بينكم}.

.تفسير الآية رقم (95):

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}
{فَالِقُ الحب والنوى} بالنبات والشجر.
وعن مجاهد: أراد الشقين الذين في النواة والحنطة {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} أي الحيوان، والنامي من النطف. والبيض والحب والنوى {وَمُخْرِجُ} هذه الأشياء الميتة من الحيوان والنامي.
فإن قلت: كيف قال: {مُخْرَجَ الميت مِنَ الحى} بلفظ اسم الفاعل، بعد قوله: {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} قلت: عطفه على فالق الحب والنوى، لا على الفعل. ويخرج الحيَّ من الميت: موقعة موقع الجملة المبينة لقوله: {فَالِقُ الحب والنوى} لأنّ فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحيّ من الميت، لأنّ النامي في حكم الحيوان. ألا ترى إلى قوله: {يحيي الأرض بعد موتها} [الروم: 50]، {ذَلِكُمُ الله} أي ذلكم المحي والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية {فأنى تُؤْفَكُونَ} فكيف تصرفون عنه وعن توليه إلى غيره.