فصل: تفسير الآيات (91- 92):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (80):

{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}
سأل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلاً صالحاً أن يستغفر لأبيه في مرضه ففعل، فنزلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله قد رخص لي فسأزيد على السبعين» فنزلت: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [المنافقون: 6] وقد ذكرنا أن هذا الأمر في معنى الخبر، كأنه قيل: لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، وإن فيه معنى الشرط، وذكرنا النكتة في المجيء به على لفظ الأمر، والسبعون جار مجرى المثل في كلامهم للتكثير، قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام:
لاّصْبَحَنَّ الْعَاصِ وَابْنَ الْعَاصِي ** سَبْعِينَ أَلْفاً عَاقِدِي النَّوَاصِي

فإن قلت: كيف خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته، والذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرة الاستغفار، كيف وقد تلاه بقوله: {ذلك بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ}... الآية فبين الصارف عن المغفرة لهم حتى قال: «قد رخص لي ربي فسأزيد على السبعين» قلت: لم يخف عليه ذلك، ولكنه خيل بما قال إظهاراً لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه، كقول إبراهيم عليه السلام {وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم: 36] وفي إظهار النبي صلى الله عليه وسلم الرأفة والرحمة: لطف لأمّته ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض.

.تفسير الآية رقم (81):

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)}
{المخلفون} الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين فأذن لهم وخلفهم في المدينة في غزوة تبوك، أو الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم والشيطان {بِمَقْعَدِهِمْ} بقعودهم عن الغزو {خلاف رَسُولِ الله} خلفه. يقال: أقام خلاف الحي. بمعنى بعدهم ظعنوا ولم يظعن معهم، وتشهد له قراءة أبي حيوة: خلف رسول الله. وقيل: هو بمعنى المخالفة لأنهم خالفوه حيث قعدوا ونهض، وانتصابه على أنه مفعول له أو حال، أي قعدوا لمخالفته أو مخالفين له {أَن يجاهدوا بأموالهم وَأَنْفُسِهِمْ} تعريض بالمؤمنين وبتحملهم المشاقّ العظام لوجه لله تعالى وبما فعلوا من بذل أموالهم وأرواحهم في سبيل الله تعالى وإيثارهم ذلك على الدعة والخفض. وكره ذلك المنافقون. وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان وداعي الإيقان {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا} استجهال لهم، لأنّ من تصوّن من مشقة ساعة فوقع بسبب ذلك التصوُّن في مشقة الأبد، كان أجهل من كل جاهل: ولبعضهم:
مَسَرَّةُ أَحْقَابٍ تَلَقَّيْتُ بَعْدَهَا ** مَسَاءَةَ يَوْمٍ أَرْيُهَا شِبْهُ الصَّاب

فَكَيْفَ بَأَنْ تَلْقَى مَسَرَّةَ سَاعَة ** وَرَاءَ تَقَضِّيهَا مَسَاءَة أَحْقَابِ

.تفسير الآية رقم (82):

{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)}
معناه: فسيضحكون قليلاً، ويبكون كثيراً {جَزَاءً} إلاّ أنه أخرج على لفظ الأمر للدلالة على أنه حتم واجب لا يكون غيره. يروى أن أهل النفاق يبكون في النار عمر الدنيا، لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم.

.تفسير الآية رقم (83):

{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)}
وإنما قال {إلى طَائِفَةٍ مّنْهُمْ} لأنّ منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف، أو اعتذر بعذر صحيح. وقيل: لم يكن المخلقون كلهم منافقين، فأراد بالطائفة: المنافقين منهم {فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ} يعني إلى غزوة بعد غزوة تبوك. {أَوَّلَ مَرَّةٍ} هي الخروج إلى غزوة تبوك، وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلفهم الذي علم الله أنه لم يدعهم إليه إلاّ النفاق، بخلاف غيرهم من المتخلفين {مَعَ الخالفين} قد مرّ تفسيره. وقرأ مالك بن دينار رحمه الله: {مع الخلفين} على قصر الخالفين.
فإن قلت: {مَرَّةٍ} نكرة وضعت موضع المرات للتفضيل، فلم ذكر اسم التفضيل المضاف إليها وهو دال على واحدة من المرات؟ قلت: أكثر اللغتين: هند أكبر النساء، وهي أكبرهنّ. ثم إنّ قولك: هي كبرى امرأة، لا تكاد تعثر عليه. ولكن هي أكبر امرأة، وأول مرة وآخر مرة.
وعن قتادة: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلاً قيل فيهم ما قيل.

.تفسير الآيات (84- 85):

{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)}
روي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم على قبور المنافقين ويدعو لهم فلما مرض رأس النفاق عبد الله بن أبيّ بعث إليه ليأتيه، فلما دخل عليه قال: أهلكك حبّ اليهود. فقال: يا رسول الله بعثت إليك لتستغفر لي لا لتؤنبني وسأله أن يكفنه في شعاره الذي يلي جلده ويصلّي عليه، فلما مات دعاه ابنه حباب إلى جنازته، فسأله عن اسمه فقال: أنت عبد الله ابن عبد الله. الحباب: اسم شيطان، فلما همّ بالصلاة عليه قال له عمر: أتصلّي على عدوّ الله، فنزلت وقيل: أراد أن يصلّي عليه فجذبه جبريل.
فإن قلت: كيف جازت له تكرمة المنافق وتكفينه في قميصه؟ قلت: كان ذلك مكافأة له على صنيع سبق له. وذلك أنّ العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ أسيراً ببدر لم يجدوا له قميصاً وكان رجلاً طوالاً، فكساه عبد الله قميصه.
وقال له المشركون يوم الحديبية: إنا لا نأذن لمحمد ولكنا نأذن لك، فقال: لا، إن لي في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فشكر رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك، وإجابة له إلى مسئلته إياه، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يردّ سائلاً، وكان يتوفر على دواعي المروءة ويعمل بعادات الكرام، وإكراماً لابنه الرجل الصالح، فقد روي: أنه قال له: أسألك أن تكفنه في بعض قمصانك، وأن تقوم على قبره، ولا يشمت به الأعداء، وعلماً بأن تكفينه في قميصه لا ينفعه مع كفره، فلا فرق بينه وبين غيره من الأكفان، وليكون إلباسه إياه لطفاً لغيره، فقد روي أنه قيل له: لم وجهت إليه بقميصك وهو كافر؟ فقال: «إنّ قميصي لن يغني عنه من الله شيئاً، وإني أؤمل من الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب» فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ترحمه واستغفاره كان للدعاء إلى التراحم والتعاطف، لأنهم إذا رأوه يترحم على من يظهر الإيمان وباطنه على خلاف ذلك، دعا المسلم إلى أن يتعطف على من واطأ قلبه لسانه ورآه حتماً عليه.
فإن قلت: فكيف جازت الصلاة عليه؟ قلت: لم يتقدم نهي عن الصلاة عليهم، وكانوا يجرون مجرى المسلمين لظاهر إيمانهم، لما في ذلك من المصلحة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: ما أدري ما هذه الصلاة، إلاّ أني أعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخادع {مَّاتَ} صفة لأحد. وإنما قيل: مات، وماتوا بلفظ الماضي- والمعنى على الاستقبال- على تقدير الكون والوجود؛ لأنه كائن موجود لا محالة {أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} تعليل للنهي، وقد أعيد قوله: {وَلاَ تُعْجِبْكَ} لأنّ تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه، وأن يعتقد أن العمل به مهمّ يفتقر إلى فضل عناية به، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه، فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ويتخلص إليه، وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه.

.تفسير الآيات (86- 89):

{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)}
يجوز أن يراد السورة بتمامها، وأن يراد بعضها في قوله: {وَإِذَا نُزّلَتْ سُورَةٌ} كما يقع القرآن والكتاب على كله وعلى بعضه. وقيل: هي براءة، لأنّ فيها الأمر بالإيمان والجهاد {أَنْ ءَامِنُوا} هي أن المفسرة {أُوْلُو الطول} ذوو الفضل والسعة، من طال عليه طولاً {مَعَ القاعدين} مع الذين لهم علة وعذر في التخلف {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} ما في الجهاد من الفوز والسعادة وما في التخلف من الشقاء والهلاك {لكن الرسول} أي إن تخلف هؤلاء فقد نهد إلى الغزو من هو خير منهم وأخلص نية ومعتقداً، كقوله: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً} [الأنعام: 89]، {فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبّكَ} [فصلت: 38]. {الخَيْرَاتِ} تتناول منافع الدارين لإطلاق اللفظ. وقيل: الحور، لقوله: {فِيهِنَّ خيرات} [الرحمن: 70].

.تفسير الآية رقم (90):

{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)}
{المعذرون} من عذر في الأمر، إذا قصر فيه وتوانى ولم يجدّ: وحقيقته أنه يوهم أن له عذراً فيما يفعل ولا عذر له: أو المعتذرون بإدغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين ويجوز في العربية كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها لإتباع الميم، ولكن لم تثبت بهما قراءة، وهم الذين يعتذرون بالباطل، كقوله: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ} وقرئ: {المعذرون} بالتخفيف: وهو الذي يجتهد في العذر ويحتشد فيه. قيل: هم أسد وغطفان. قالوا: إن لنا عيالاً: وإن بنا جهداً فائذن لنا في التخلف. وقيل: هم رهط عامر بن الطفيل قالوا: إن غزونا معك أغارت أعراب طيّ على أهالينا ومواشينا، فقال صلى الله عليه وسلم: «سيغنيني الله عنكم».
وعن مجاهد. نفر من غفار، اعتذروا فلم يعذرهم الله تعالى: وعن قتادة: اعتذروا بالكذب. وقرئ: {المعذرون} بتشديد العين والذال، من تعذر بمعنى اعتذر، وهذا غير صحيح؛ لأنّ التاء لا تدغم في العين إدغامها في الطاء والزاي والصاد، في المطوّعين، وأزكى وأصدق. وقيل: أريد المعتذرون بالصحة، وبه فسر المعذرون والمعذرون، على قراءة ابن عباس رضي الله عنه الذين لم يفرطوا في العذر {وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} هم منافقو الأعراب الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا، وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم الإيمان.
وقرأ أبيّ: {كذبوا} بالتشيد {سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} من الأعراب {عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار.

.تفسير الآيات (91- 92):

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}
{الضعفاء} الهرمى والزمنى. والذين لا يجدون: الفقراء. وقيل: هم مزينة وجهينة وبنو عذرة. والنصح لله ورسوله: الإيمان بهما، وطاعتهما في السرّ والعلن، وتوليهما، والحبّ والبغض فيهما كما يفعل الموالي الناصح بصاحبه {عَلَى المحسنين} على المعذورين الناصحين، ومعنى: لا سبيل عليهم: لا جناح عليهم. ولا طريق للعاتب عليهم {قُلْتَ لاَ أَجِدُ} حال من الكاف في {أَتَوْكَ} وقد قبله مضمرة، كما قيل في قوله: {أَوْ جَاءوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] أي إذا ما أتوك قائلاً لا أجد {تَوَلَّوْاْ} ولقد حصر الله المعذورين في التخلف الذين ليس لهم في أبدانهم استطاعة، والذين عدموا آلة الخروج، والذين سألوا المعونة فلم يجدوها. وقيل: (المستحملون) أبو موسى الأشعري وأصحابه. وقيل: البكاؤون، وهم ستة نفر من الأنصار {تَفِيضُ مِنَ الدمع} كقولك: تفيض دمعاً، وهو أبلغ من يفيض دمعها، لأنّ العين جعلت كأن كلها دمع فائض، و (من) للبيان كقولك: أفديك من رجل، ومحل الجار والمجرور النصب على التمييز {أَلاَّ يَجِدُواْ} لئلا يجدوا. ومحله نصب على أنه مفعول له، وناصبه المفعول له الذي هو حزناً.

.تفسير الآيات (93- 94):

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)}
فإن قلت: {رَضُواْ} ما موقعه؟ قلت: هو استئناف، كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟ فقيل: رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف {وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} يعني أن السبب في استئذانهم رضاهم بالدناءة وخذلان الله تعالى إياهم.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون قوله: {قُلْتَ لاَ أَجِدُ} استئنافاً مثله، كأنه قيل: إذا ما أتوك لتحملهم تولوا، فقيل: ما لهم تولوا باكين؟ فقيل: قلت لا أجد ما أحملكم عليه. إلاّ أنه وسط بين الشرط والجزاء كالاعتراض {قُلْتَ} نعم ويحسن {لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ} علة للنهي عن الاعتذار؛ لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، فإذا علم أنه مكذب وجب عليه الإخلال وقوله: {قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ} علة لانتفاء تصديقهم لأنّ الله عزّ وجلّ إذا أوحى إلى رسوله الإعلام بأخبارهم وما في ضمائرهم من الشرّ والفساد، لم يستقم مع ذلك تصديقهم في معاذيرهم {وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} أتنيبون أم تثبتون على كفركم {ثُمَّ تُرَدُّونَ} إليه وهو عالم كل غيب وشهادة وسرّ وعلانية، فيجازيكم على حسب ذلك.