فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.سورة الحجرات:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}
قدّمه وأقدمه: منقولان بتثقيل الحشو والهمزة، مِنْ قَدَمَهُ إذا تقدّمه، في قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} [هود: 98] ونظيرهما معنى ونقلاً: سلفه وأسلفه. وفي قوله تعالى: {لاَ تُقَدّمُواْ} من غير ذلك مفعول: وجهان، أحدهما: أن يحذف ليتناول كل ما يقع في النفس مما يقدّم.
والثاني: أن لا يقصد قصد مفعول ولا حذفه، ويتوجه بالنهي إلى نفس التقدمة، كأنه قيل: لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل، ولا تجعلوه منكم بسبيل كقوله تعالى: {هُوَ الذى * لاَ إله} [غافر: 68] ويجوز أن يكون من قدّم بمعنى تقدّم، كوجه وبين. ومنه مقدّمة الجيش خلاف ساقته، وهي الجماعة المتقدّمة منه. وتعضده قراءة من قرأ: {لا تقدموا} بحذف إحدى تاءي تتقدموا، إلا أن الأوّل أملأ بالحسن وأوجه، وأشدّ ملاءمة لبلاغة القرآن، والعلماء له أقبل. وقرئ: {لا تقدموا} من القدوم، أي لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها، ولا تعجلوا عليهما. وحقيقة قولهم: جلست بين يدي فلان، أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريباً منه، فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعاً، كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه في غير موضع، وقد جرت هذه العبارة هاهنا على سنن ضرب من المجاز، وهو الذي يسميه أهل البيان تمثيلاً. ولجريها هكذا فائدة جليلة ليست في الكلام العريان: وهي تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة: والمعنى: أن لا تقطعوا أمراً إلا بعدما يحكمان به ويأذنان فيه، فتكونوا إما عاملين بالوحي المنزل. وإما مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم. وعليه يدور تفسير ابن عباس رضي الله عنه.
وعن مجاهد: لا تفتاتوا على الله شيئاً حتى يقصه على لسان رسوله. ويجوز أن يجري مجرى قولك: سرني زيد وحسن حاله، وأعجبت بعمرو وكرمه. وفائدة هذا الأسلوب: الدلالة على قوّة الاختصاص، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله بالمكان الذي لا يخفى: سلك له ذلك المسلك. وفي هذا تمهيد وتوطئة لما نقم منهم فيما يتولوه من رفع أصواتهم فوق صوته: لأنّ من أحظاه الله بهذه الأثرة واختصه هذا الاختصاص القوي: كان أدنى ما يجب له من التهيب والإجلال أن يخفض بين يديه الصوت، ويخافت لديه بالكلام. وقيل:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تهامة سرية سبعة وعشرين رجلاً وعليهم المنذر بن عمرو الساعدي، فقتلهم بنو عامر وعليهم عامر بن الطفيل. إلا الثلاثة نفر نجوا فلقوا رجلين من بني سليم قرب المدينة، فاعتزيا لهم إلى بني عامر، لأنهم أعز من بني سليم، فقتلوهما وسلبوهما، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«بئسما صنعتم كانا من سليم، والسلب ما كسوتهما» فوداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت، أي: لا تعملوا شيئاً من ذات أنفسكم حتى تستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن مسروق:
دخلت على عائشة في اليوم الذي يشك فيه، فقالت للجارية: اسقه عسلاً، فقلت: إني صائم، فقالت: قد نهى الله عن صوم هذا اليوم. وفيه نزلت.
وعن الحسن:
أنّ أناساً ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة فنزلت، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا ذبحاً آخر. وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله، إلا أن تزول الشمس. وعند الشافعي: يجوز الذبح إذا مضى من الوقت مقدار الصلاة.
وعن الحسن أيضاً: لما استقرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أتته الوفود من الآفاق فأكثروا عليه بالمسائل، فنهوا أن يبتدؤه بالمسألة حتى يكون هو المبتديء وعن قتادة: ذكر لنا أنّ ناساً كانوا يقولون: لو أنزل فيه كذا لكان كذا، فكره الله ذلك منهم وأنزلها. وقيل: هي عامة في كل قول وفعل؛ ويدخل فيه أنه إذا جرت مسألة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسبقوه بالجواب، وأن لا يمشي بين يديه إلا لحاجة، وأن يستأني في الافتتاح بالطعام {واتقوا} فإنكم إن اتقيتموه عاقتكم التقوى عن التقدمة المنهى عنها وعن جميع ما تقتضي مراقبة الله تجنبه، فإن التقيّ حذر لا يشافه أمراً إلا عن ارتفاع الريب وانجلاء الشك في أن لا تبعة عليه فيه، وهذا كما تقول لمن يقارف بعض الرذائل: لا تفعل هذا وتحفظ مما يلصق بك العار. فتنهاه أوّلاً عن عين ما قارفه، ثم تعم وتشيع وتأمره بما لو امتثل فيه أمرك لم يرتكب تلك الفعلة وكل ما يضرب في طريقها ويتعلق بسببها {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لما تقولون {عَلِيمٌ} بما تعملون، وحق مثله أن يتقى ويراقب.

.تفسير الآية رقم (2):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)}
إعادة النداء عليهم: استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كل خطاب وارد، وتطرية الإنصات لكل حكم نازل، وتحريك منهم لئلا يفترقوا ويغفلوا عن تأملهم وما أخذوا به عند حضور مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدب الذي المحافظة عليه تعود عليهم بعظيم الجدوى في دينهم. وذلك لأنّ في إعظام صاحب الشرع إعظام ما ورد به، ومستعظم الحق لا يدعه استعظامه أن يألو عملاً بما يحدوه عليه. وارتداعاً عما يصده عنه، وانتهاء إلى كل خير، والمراد بقوله: {لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبى} أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحدّ الذي يبلغه بصوت، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عالياً لكلامكم، وجهره باهراً لجهركم؛ حتى تكون مزيته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق غير خاف، لا أن تغمروا صوته بلغطكم وتبهروا منطقه بصخبكم. وبقوله: ولا تجهروا له بالقول: إنكم إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول اللبين المقرّب من الهمس الذي يضادّ الجهر، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم، عاملين بقوله عز اسمه: {وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ} [الفتح: 9] وقيل معنى: {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} لا تقولوا له: يا محمد، يا أحمد، وخاطبوه بالنبوّة. قال ابن عباس:
لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله، وعن عمر رضي الله عنه:
أنه كان يكلم النبي صلى الله عليه وسلم كأخي السرار لا يسمعه حتى يستفهمه.
وكان أبو بكر إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد: أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر: ما يقصد به الاستخفاف والاستهانة، لأنّ ذلك كفر، والمخاطبون مؤمنون، وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر الكبراء، فيتكلف الغض منه، وردّه إلى حدّ يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزيز والتوقير، ولم يتناول النهى أيضاً رفع الصوت الذي لا يتأذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدوّ أو ما أشبه ذلك، ففي الحديث، أنه قال عليه الصلاة والسلام للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حنين: «اصرخ بالناس» وكان العباس أجهر الناس صوتاً.
يروى: أنّ غارة أتتهم يوماً فصاح العباس يا صباحاه، فأسقطت الحوامل لشدّة صوته. وفيه يقول نابغة بني جعدة:
زَجْرَ أَبِي عُرْوَةَ السِّبَاعَ إِذَا ** أَشْفَقَ أَنْ يَخْتَلِطْنَ بِالْغَنَمِ

زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه، وفي قراءة ابن مسعود {لا ترفعوا بأصواتكم} والباء مزيدة محذوّ بها حذر التشديد في قول الأعلم الهذلي:
رَفَعْتُ عَيْنِي بِالْحِجَا ** زِ إِلى أُنَاسٍ بِالمَنَاقِبْ

وليس المعنى في هذه القراءة أنهم نهوا عن الرفع الشديد، تخيلاً أن يكون ما دون الشديد مسوغاً لهم، ولكن المعنى نهيهم عما كانوا عليه من الجلبة، واستجفاؤهم فيما كانوا يفعلون.
وعن ابن عباس:
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وكان في أذنه وقر، وكان جمهوري الصوت، فكان إذا تكلم رفع صوته، وربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته.
وعن أنس أن هذه الآية لما نزلت: فقد ثابت، فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر بشأنه، فدعاه، فسأله فقال: يا رسول الله، لقد أنزلت إليك هذه الآية، وإني رجل جهير الصوت، فأخاف أن يكون عملي قد حبط، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لست هناك، إنك تعيش بخير وتموت بخير، وإنك من أهل الجنة». وأمّا ما يروى عن الحسن: أنها نزلت فيمن كان يرفع صوته من المنافقين فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمحمله والخطاب للمؤمنين: على أن ينهى المؤمنون ليندرج المنافقون تحت النهي، ليكون الأمر أغلظ عليهم وأشق. وقيل: كان المنافقون يرفعون أصواتهم ليظهروا قلة مبالاتهم، فيقتدي بهم ضعفة المسلمين. وكان التشبيه في محل النصب، أي: لا تجهروا له جهراً مثل جهر بعضكم لبعض. وفي هذا: أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقاً، حتى لا يسوغ لهم أن يكلموه إلا بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني: الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوّة وجلالة مقدارها، وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها {أَن تَحْبَطَ أعمالكم} منصوب الموضع، على أنه مفعول له، وفي متعلقه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بمعنى النهي، فيكون المعنى: انتهوا عما نهيتهم عنه لحبوط أعمالكم، أي: لخشية حبوطها على تقدير حذف المضاف، كقوله تعالى: {يُبَيّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 176] والثاني: أن يتعلق بنفس الفعل، ويكون المعنى: أنهم نهوا عن الفعل الذي فعلوه لأجل الحبوط، لأنه لما كان بصدد الأداء إلى الحبوط: جعل كأنه فعل لأجله، وكأنه العلة والسبب في إيجاده على سبيل التمثيل، كقوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً} [القصص: 8] فإن قلت: لخص الفرق بين الوجهين.
قلت: تلخيصه أن يقدر الفعل في الثاني مضموماً إليه المفعول له، كأنهما شيء واحد، ثم يصب النهي عليهما جميعاً صباً.
وفي الأوّل يقدر النهي موجهاً على الفعل على حياله، ثم يعلل له منهياً عنه.
فإن قلت: بأي النهيين تعلق المفعول له؟ قلت: بالثاني عند البصريين، مقدراً إضماره عند الأوّل، كقوله تعالى: {اتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} [الكهف: 96] وبالعكس عند الكوفيين، وأيهما كان فمرجع المعنى إلى أنّ الرفع والجهر كلاهما منصوص أداؤه إلى حبوط العمل: وقراءة ابن مسعود: {فتحبط أعمالكم} أظهر نصاً بذلك؛ لأنّ ما بعد الفاء لا يكون إلا مسبباً عما قبله، فيتنزل الحبوط من الجهر منزلة الحلول من الطغيان في قوله تعالى: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى} [طه: 81] والحبوط من حبطت الإبل: إذا أكلت الخضر فنفخ بطونها، وربما هلكت. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «وإن مما ينبت الربيع لما يقتل حَبَطاً أو يُلِمُ» ومن أخواته، (حبجت الإبل) إذا أكلت العرفج فأصابها ذلك. وأحبض عمله: مثله أحبطه. وحبط الجرح وحبر: إذا غفر، وهو نكسه وتراميه إلى الفساد: جعل العمل السيء في إضراره بالعمل الصالح كالداء والحرص لمن يصاب به، أعاذنا الله من حبط الأعمال وخيبة الآمال. وقد دلت الآية على أمرين هائلين، أحدهما: أن فيما يرتكب من يؤمن من الآثام ما يحبط عمله.
والثاني: أن في آثامه ما لا يدري أنه محبط، ولعله عند الله كذلك؛ فعلى المؤمن أن يكون في تقواه كالماشي في طريق شائك لا يزال يحترز ويتوقى ويتحفظ.

.تفسير الآية رقم (3):

{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}
{امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} من قولك: امتحن فلان لأملا كذا وجرب له، ودرب للنهوض به. فهو مضطلع به غير وان عنه. والمعنى أنهم صبر على التقوى، أقوياء على احتمال مشاقها. أو وضع الامتحان موضع المعرفة؛ لأنّ تحقق الشيء باختباره، كما يوضع الخبر موضعها، فكأنه قيل: عرف الله قلوبهم للتقوى، وتكون اللام متعلقة بمحذوف، واللام هي التي في قولك: أنت لهذا الأمر، أي كائن له ومختص به قال:
أَنْتَ لَهَا أَحْمَدُ مِنْ بَيْنِ الْبَشَر ** أَعَدَّاءٌ مَنْ لِلْيَعْمُلاَتِ عَلَى الْوَجَى

وهي مع معمولها منصوبة على الحال. أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل التقوى، أي لتثبت وتظهر تقواها، ويعلم أنهم متقون؛ لأن حقيقة التقوى لا تعلم إلا عند المحن والشدائد والاصطبار عليها.
وقيل أخلصها للتقوى. من قولهم: امتحن الذهب وفتنه، إذا أذابه فخلص إبريزه من خبشه ونقاه.
وعن عمر رضي الله عنه: أذهب الشهوات عنها. والامتحان: افتعال، من محنه، وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد. قال أبو عمرو: كل شيء جهدته فقد محنته. وأنشد:
أَتَتْ رَذَايَا بَادِياً كِلاَلُهَا ** قَدْ مَحَنَتْ واضطربت آطَالُهَا

قيل: أنزلت في الشيخين رضي الله عنهما، لما كان منهما من غض الصوت والبلوغ به أخا السرار. وهذه الآية بنظمها الذي رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم اسماً لأنّ المؤكدة. وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معاً. والمبتدأ: اسم الإشارة، واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم، وإيراد الجزاء نكرة: مبهماً أمره ناظرة في الدلالة على غاية الاعتداد والارتضاء لما فعل الذين وقروا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خفض أصواتهم، وفي الإعلام بمبلغ عزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدر شرف منزلته، وفيها تعريض بعظيم ما ارتكب الرافعون أصواتهم واستيجابهم ضد ما استوجب هؤلاء.