فصل: تفسير الآية رقم (104):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (95):

{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)}
{لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ} فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم {فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ} فأعطوهم طلبتهم {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} تعليل لترك معاتبتهم، يعني أنّ المعاتبة لا تنفع فيهم ولا تصلحهم، إنما يعاتب الأديب ذو البشرة. والمؤمن يوبخ على زلة تفرط منه، ليطهره التوبيخ بالحمل على التوبة والاستغفار، وأما هؤلاء فأرجاس لا سبيل إلى تطهيرهم {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} يعني وكفتهم النار عتاباً وتوبيخاً، فلا تتكلفوا عتابهم.

.تفسير الآية رقم (96):

{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)}
{لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ} أي غرضهم في الحلف بالله طلب رضاكم لينفعهم ذلك في دنياهم {فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ} فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطاً عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وآجلها. وقيل: إنما قيل ذلك لئلا يتوهم متوهم أن رضا المؤمنين يقتضي رضا الله عنهم. وقيل: هم جدّ بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما، وكانوا ثمانين رجلاً منافقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة: «لا تجالسوهم ولا تكلموهم» وقيل: جاء عبد الله بن أبيّ يحلف أن لا يتخلف عنه أبداً.

.تفسير الآية رقم (97):

{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)}
{الاعراب} أهل البدو {أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم، ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ومعرفة الكتاب والسنّة {وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ} وأحقّ بجهل حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الجفاء والقسوة في الفدّادين» {والله عَلِيمٌ} يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر {حَكِيمٌ} فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ومخطئهم ومصيبهم من عقابه وثوابه.

.تفسير الآيات (98- 99):

{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)}
{مَغْرَمًا} غرامة وخسراناً. والغرامة: ما ينفقه الرجل وليس يلزمه، لأنه لا ينفق إلاّ تقية من المسلمين ورياء، لا لوجه الله عزّ وجلّ وابتغاء المثوبة عنده {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر} دوائر الزمان: دوله وعقبه لتذهب غلبتكم عليه ليتخلص من إعطاء الصدقة {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} دعاء معترض، دعى عليهم بنحو ما دعوا به، كقوله عزّ وجلّ: {قَالَتْ اليهود يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 64] وقرئ {السُّوء} بالضم وهو العذاب، كما قيل له سيئة. والسوء بالفتح، وهو ذمّ للدائرة، كقولك: رجل سوء، في نقيض قولك: رجل صدق، لأنّ من دارت عليه ذامّ لها {والله سَمِيعٌ} لما يقولون إذا توجهت عليهم الصدقة {عَلِيمٌ} بما يضمرون. وقيل: هم أعراب أسد وغطفان وتميم {قربات} مفعول ثان ليتخذ. والمعنى: أنّ ما ينفقه سبب لحصول القربات عند الله {وصلوات الرسول} لأنّ الرسول كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم، كقوله: «اللَّهم صلّ على آل أبي أوفى» وقال تعالى: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] فلما كان ما ينفق سبباً لذلك قيل: يتخذ ما ينفق قربات وصلوات {ألا إِنَّهَا} شهادة من الله للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق لرجائه على طريق الاستئناف، مع حرفي التنبيه والتحقيق المؤذنين بثبات الأمر وتمكنه، وكذلك {سَيُدْخِلُهُمُ} وما في السين من تحقيق الوعد، وما أدلّ هذا الكلام على رضا الله تعالى عن المتصدقين، وأن الصدقة منه بمكان إذا خلصت النية من صاحبها. وقرئ: {قُربة} بضم الراء. وقيل: هم عبد الله وذو البجادين ورهطه.

.تفسير الآية رقم (100):

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}
{وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ} هم الذين صلّوا إلى القبلتين. وقيل: الذين شهدوا بدراً.
وعن الشعبي: من بايع بالحديبية وهي بيعة الرضوان ما بين الهجرتين {و} من {الأنصار} أهل بيعة العقبة الأولى، وكانوا سبعة نفر، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير فعلمهم القرآن.
وقرأ عمر رضي الله عنه: {والأنصارُ} بالرفع عطفاً على (السابقون).
وعن عمر أنه كان يرى أن قوله: {والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ} بغير واو صفة للأنصار، حتى قال له زيد: إنه بالواو، فقال: ائتوني بأبيّ، فقال تصديق ذلك في أول الجمعة {وَءاخَرِينَ مِنْهُم} [الجمعة: 3] وأوسط الحشر {والذين جاءوا مّن بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] وآخر الأنفال {والذين ءامَنُواْ مِن بَعْدُ} [الأنفال: 75].
وروي: أنه سمع رجلاً يقرؤه بالواو، فقال: من أقرأك؟ قال: أبيّ، فدعاه فقال: أقرأنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنك لتبيع القرظ بالبقيع، قال: صدقت، وإن شئت قلت: شهدنا وغبتم، ونصرنا وخذلتم، وآوينا وطردتم. ومن ثم قال عمر: لقد كنت أرانا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا، وارتفع السابقون بالابتداء، وخبره {رَّضِىَ الله عَنْهُمْ} ومعناه: رضي عنهم لأعمالهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} لما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية وفي مصاحف أهل مكة: تجري من تحتها، وهي قراءة ابن كثير، وفي سائر المصاحف: تحتها، بغير من.

.تفسير الآية رقم (101):

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)}
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم} يعني حول بلدتكم وهي المدينة {منافقون} وهم جهينة وأسلم وأشجع وغفار، كانوا نازلين حولها {وَمِنْ أَهْلِ المدينة} عطف على خبر المبتدإ الذي هو ممن حولكم ويجوز أن يكون جملة معطوفة على المبتدإ والخبر إذا قدّرت: ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق، على أنّ {مَرَدُواْ} صفة موصوف محذوف كقوله:
أَنَا ابْنُ جَلاَ............

وعلى الوجه الأول لا يخلو من أن يكون كلاماً مبتدأ أو صفة لمنافقون، فصل بينها وبينه بمعطوف على خبره {مَرَدُواْ عَلَى النفاق} تمهروا فيه، من مرن فلان عمله، ومرد عليه: إذا درب به وضرى، حتى لان عليه ومهر فيه، ودّل على مرانتهم عليه ومهارتهم فيه بقوله: {لاَ تَعْلَمُهُمْ} أي يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك، لفرط تنوّقهم في تحامي ما يشكك في أمرهم، ثم قال: {نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} أي لا يعلمهم إلاّ الله، ولا يطلع على سرهم غيره، لأنهم يبطنون الكفر في سويداوات قلوبهم إبطاناً، ويبرزون لك ظاهراً كظاهر المخلصين من المؤمنين، لا تشك معه في إيمانهم، وذلك أنهم مردوا على النفاق وضروا به، فلهم فيه اليد الطولى {سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} قيل: هما القتل وعذاب القبر. وقيل: الفضيحة وعذاب القبر.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنهم اختلفوا في هاتين المرّتين، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة فقال: «اخرج يا فلان فإنك منافق، اخرج يا فلان فإنك منافق» فأخرج ناساً وفضحهم، فهذا العذاب الأوّل، والثاني عذاب القبر.
وعن الحسن: أخذ الزكاة من أموالهم ونهك أبدانهم {إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ} إلى عذاب النار.

.تفسير الآية رقم (102):

{وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)}
{اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} أي لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا متذممين نادمين، وكانوا ثلاثة: أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام. وقيل: كانوا عشرة، فسبعة منهم أوثقوا أنفسهم: بلغهم ما نزل في المتخلفين فأيقنوا بالهلاك، فأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل المسجد فصلى ركعتين- وكانت عادته صلى الله عليه وسلم كلما قدم من سفر- فرآهم موثقين، فسأل عنهم، فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلهم، فقال: وأنا أقسم أن لا أحلّهم حتى أومر فيهم، فنزلت، فأطلقهم وعذرهم، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا، فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً، فنزلت: خذ من أموالهم {عَمَلاً صالحا} خروجاً إلى الجهاد {وَءَاخَرَ سَيِّئاً} تخلفاً عنه. عن الحسن وعن الكلبي: التوبة والإثم.
فإن قلت: قد جعل كل واحد منهما مخلوطاً فما المخلوط به؟ قلت: كل واحد منهما مخلوط ومخلوط به؛ لأنّ المعنى خلط كل واحد منهما الآخر، كقولك: خلطت الماء واللبن، تريد: خلطت كل واحد منهما بصاحبه. وفيه ما ليس في قولك: خلطت الماء باللبن؛ لأنّك جعلت الماء مخلوطاً واللبن مخلوطاً به، وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما، كأنك قلت: خلطت الماء باللبن واللبن بالماء، ويجوز أن يكون من قولهم: بعت الشاة شاة ودرهماً، بمعنى شاة بدرهم.
فإن قلت: كيف قيل: {أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} وما ذكرت توبتهم؟ قلت: إذا ذكر اعترافهم بذنوبهم، وهو دليل على التوبة، فقد ذكرت توبتهم.

.تفسير الآية رقم (103):

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}
{تُطَهّرُهُمْ} صفة لصدقة. وقرئ: {تطهرهم}، من أطهره بمعنى طهره. و {تطهرهم}، بالجزم جواباً للأمر. ولم يقرأ {وَتُزَكّيهِمْ} إلاّ بإثبات الياء. والتاء في {تُطَهّرُهُمْ} للخطاب أو لغيبة المؤنث. والتزكية: مبالغة في التطهير وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال {وَصَلّ عَلَيْهِمْ} واعطف عليهم بالدعاء لهم وترحم، والسنّة أن يدعو المصدق لصاحب الصدقة إذا أخذها.
وعن الشافعي رحمه الله: أحب أن يقول الوالي عند أخذ الصدقة: أجرك الله فيما أعطيت، وجعله طهوراً، وبارك لك فيما أبقيت. وقرئ: {إن صلاتك} على التوحيد {سَكَنٌ لَّهُمْ} يسكنون إليه وتطمئن قلوبهم بأن الله قد تاب عليهم {والله سَمِيعٌ} يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم {عَلِيمٌ} بما في ضمائرهم، والغمّ من الندم لما فرط منهم.

.تفسير الآية رقم (104):

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)}
قرئ: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ} بالياء والتاء، وفيه وجهان، أحدهما: أن يراد المتوب عليهم، يعني: ألم يعلموا قبل أن يتاب عليهم وتقبل صدقاتهم {أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة} إذا صحّت، ويقبل الصدقات إذا صدرت عن خلوص النية، وهو للتخصيص والتأكيد، وأن الله تعالى من شأنه قبول توبة التائبين. وقيل: معنى التخصيص في هو: أن ذلك ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما الله سبحانه هو الذي يقبل التوبة ويردّها، فاقصدوه بها ووجهوها إليه.

.تفسير الآية رقم (105):

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}
{وَقُلِ} لهؤلاء التائبين {اعملوا} فإن عملكم لا يخفى- خيراً كان أو شراً- على الله وعباده كما رأيتم وتبين لكم.
والثاني: أن يراد غير التائبين ترغيباً لهم في التوبة، فقد روي أنهم لما تيب عليهم قال الذين لم يتوبوا: هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم فنزلت.
فإن قلت: فما معنى قوله: {وَيَأْخُذُ الصدقات} قلت: هو مجاز عن قبوله لها، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: إن الصدقة تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد السائل والمعنى: أنه يتقبلها ويضاعف عليها، وقوله: {فَسَيَرَى الله} وعيد لهم وتحذير من عاقبة الإصرار والذهول عن التوبة.

.تفسير الآية رقم (106):

{وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)}
قرئ: {مرجون} و {مرجؤن} من أرجيته، وأرجأته: إذا أخرته. ومنه المرجئة، يعني: وآخرون من المتخلفين موقوف أمرهم {إِمَّا يُعَذّبُهُمْ} إن بقوا على الإصرار ولم يتوبوا {وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} إن تابوا، وهم ثلاثة: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة ابن الربيع: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يسلموا عليهم ولا يكلموهم، ولم يفعلوا كما فعل أبو لبابة وأصحابه من شدّ أنفسهم على السواري وإظهار الجزع والغمّ، فلما علموا أنّ أحداً لا ينظر إليهم فوّضوا أمرهم إلى الله تعالى، وأخلصوا نياتهم، ونصحت توبتهم، فرحمهم الله {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. وفي قراءة عبد الله: غفور رحيم. وإمّا للعباد: أي خافوا عليهم العذاب وارجوا لهم الرحمة.