فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (11):

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)}
الهمزة وإن خرجت إلى معنى التقرير فهي بمعنى الاستفهام في أصلها، فلذلك قيل: {فاستفتهم} أي استخبرهم {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} ولم يقل: فقرّرهم والضمير لمشركي مكة. قيل: نزلت في أبي الأشد بن كلدة، وكني بذلك لشدّة بطشه وقوّته {أَم مَّنْ خَلَقْنَا} يريد: ما ذكر من خلائقه: من الملائكة، والسموات والأرض، والمشارق، والكواكب، والشهب الثواقب، والشياطين المردة، وغلب أولي العقل على غيرهم، فقال: من خلقنا، والدليل عليه قوله بعد عدّ هذه الأشياء: {فاستفتهم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا} بالفاء المعقبة. وقوله: {أَم مَّنْ خَلَقْنَا} مطلقاً من غير تقييد بالبيان، اكتفاء ببيان ما تقدّمه، كأنه قال: خلقنا كذا وكذا من عجائب الخلق وبدائعه، فاستفتهم أهم أشدّ خلقاً أم الذي خلقناه من ذلك، ويقطع به قراءة من قرأ: {أم من عددنا} بالتخفيف والتشديد. و {أشدّ خلقاً}: يحتمل أقوى خلقاً من قولهم: شديد الخلق. وفي خلقه شدّة، وأصعب خلقاً وأشقّه، على معنى الردّ لإنكارهم البعث والنشأة الأخرى، وأنّ من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون. وخلقهم {مّن طِينٍ لاَّزِبٍ} إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة لأنّ ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوّة، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب، فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا: {أئذا كنا تراباً} [الرعد: 5]. وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث. وقيل: من خلقنا من الأمم الماضية، وليس هذا القول بملائم. وقرئ: {لازب} و {لاتب}، والمعنى واحد، والثاقب: الشديد الإضاءة.

.تفسير الآيات (12- 14):

{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)}
{بل عجبت} من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة (و) هم {يسخرون} منك ومن تعجبك وما تريهم من آثار قدرة الله، أو من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث وقرئ: بضم التاء، أي: بلغ من عظم آياتي وكثرة خلائقي أني عجبت منها، فكيف بعبادي وهؤلاء بجهلهم وعنادهم يسخرون من آياتي أو عجبت من أن ينكروا البعث ممن هذه أفعاله، وهم يسخرون ممن يصف الله بالقدرة عليه.
فإن قلت: كيف يجوز العجب على الله تعالى، وإنما هو روعة تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء، والله تعالى لا يجوز عليه الروعة؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يجرد العجب لمعنى الاستعظام، والثاني: أن يتخيل العجب ويفرض. وقد جاء في الحديث: «عجب ربكم من ألكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم» وكان شريح يقرأ بالفتح ويقول: إنّ الله لا يعجب من شيء، وإنما يعجب من لا يعلم، فقال إبراهيم النخعي: إنّ شريحاً كان يعجبه علمه وعبد الله أعلم، يريد عبد الله بن مسعود، وكان يقرأ بالضم. وقيل: معناه: قل يا محمد بل عجبت. {وَإِذَا ذُكّرُواْ} ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به {وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً} من آيات الله البينة كانشقاق القمر ونحوه {يَسْتَسْخِرُونَ} يبالغون في السخرية، أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها.

.تفسير الآيات (15- 19):

{وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)}
{أَوَ ءابَاؤُنَا} معطوف على محل {إِن} واسمها. أو على الضمير في مبعوثون، والذي جوّز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام. والمعنى: أيبعث أيضاً آباؤنا على زيادة الاستبعاد، يعنون أنهم أقدم، فبعثهم أبعد وأبطل. وقرئ: {أو آباؤنا} {قُلْ نَعَمْ} وقرئ: {نعم} بكسر العين وهما لغتان. وقرئ: {قال نعم} أي: الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم. والمعنى: نعم تبعثون {وَأَنتُمْ داخرون} صاغرون {فَإِنَّمَا} جواب شرط مقدّر تقديره: إذا كان ذلك فما {هِىَ} إلا {زَجْرَةٌ واحدة} وهي لا ترجع إلى شيء، إنما هي مبهمة موضحها خبرها. ويجوز: فإنما البعثة زجرة واحدة وهي النفخة الثانية. والزجرة: الصيحة، من قولك: زجر الراعي الإبل أو الغنم: إذا صاح عليها فريعت لصوته. ومنه قوله:
زَجْرَ أَبِي عُرْوَةَ السِّبَاعَ إذَا ** أَشْفَقَ أَنْ يَخْتَلِطْنَ بِالغَنَمِ

يريد تصويته بها {فَإِذَا هُم} أحياء بصراء {يُنظَرُونَ}.

.تفسير الآيات (20- 21):

{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)}
يحتمل أن يكون {هذا يَوْمُ الدين} إلى قوله: {احشروا} من كلام الكفرة بعضهم مع بعض وأن يكون من كلام الملائكة لهم، وأن يكون {ياويلنا هذا يَوْمُ الدين} كلام الكفرة. و{هذا يَوْمُ الفصل} من كلام الملائكة جواباً لهم. ويوم الدين: اليوم الذي ندان فيه، أي: نجازى بأعمالنا. ويوم الفصل: يوم القضاء، والفرق بين فرق الهدى والضلالة.

.تفسير الآيات (22- 26):

{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)}
{احشروا} خطاب الله للملائكة، أو خطاب بعضهم مع بعض {وأزواجهم} وضرباءهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: وهم نظراؤهم وأشباههم من العصاة: أهل الزنا مع أهل الزنا، وأهل السرقة مع أهل السرقة. وقيل: قرناؤهم من الشياطين. وقيل: نساؤهم اللاتي على دينهم {فاهدوهم} فعرّفوهم طريق النار حتى يسلكوها. هذا تهكم بهم وتوبيخ لهم بالعجر عن التناصر بعد ما كانوا على خلاف ذلك في الدنيا متعاضدين متناصرين {بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} قد أسلم بعضهم بعضاً وخذله عن عجز، فكلهم مستسلم غير منتصر. وقرئ: {لا تتناصرون} ولا تناصرون، بالإدغام.

.تفسير الآيات (27- 35):

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)}
اليمين لما كانت أشرف العضوين وأمتنهما وكانوا يتيمنون بها، فيها يصافحون ويماسحون ويناولون ويتناولون، ويزاولون أكثر الأمور، ويتشاءمون بالشمال، ولذلك سموها: الشؤمى، كما سموا أختها اليمنى، وتيمنوا بالسانح، وتطيروا بالبارح، وكان الأعسر معيباً عندهم، وعضدت الشريعة ذلك، فأمرت بمباشرة أفاضل الأمور باليمين، وأراذلها بالشمال.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء، وجعلت اليمين لكاتب الحسنات والشمال لكاتب السيئات؛ ووعد المحسن أن يؤتى كتابه بيمينه، والمسيء أن يؤتاه بشماله: استعيرت لجهة الخير وجانبه، فقيل: أتاه عن اليمين، أي: من قبل الخير وناحيته، فصدّه عنه وأضلّه. وجاء في بعض التفاسير: من أتاه الشيطان من جهة اليمين: أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق. ومن أتاه من جهة الشمال: أتاه من قبل الشهوات. ومن أتاه من بين يديه: أتاه من قبل التكذيب بالقيامة وبالثواب والعقاب. ومن أتاه من خلفه: خوّفه الفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده؛ فلم يصل رحماً ولم يؤد زكاة.
فإن قلت: قولهم: أتاه من جهة الخير وناحيته، مجاز في نفسه، فكيف جعلت اليمين مجازاً عن المجاز؟ قلت: من المجاز ما غلب في الاستعمال حتى لحق بالحقائق، وهذا من ذاك؛ ولك أن تجعلها مستعارة للقوّة والقهر؛ لأنّ اليمين موصوفة بالقوة، وبها يقع البطش. والمعنى: أنكم كنتم تأتوننا عن القوّة والقهر، وتقصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا على الضلال وتقسرونا عليه. وهذا من خطاب الأتباع لرؤسائهم، والغواة لشياطينهم {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} بل أبيتم أنتم الإيمان وأعرضتم عنه، مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر. غير ملجئين إليه {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ} من تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم {بَلْ كُنتُمْ قَوْماً} مختارين الطغيان {فَحَقَّ عَلَيْنَا} فلزمنا {قَوْلُ رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} يعني: وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة، لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة، ولو حكى الوعيد كما هو لقال: إنكم لذائقون، لكنه عدل به إلى لفظ المتكلم؛ لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم. ونحوه قول القائل:
لَقَدْ زَعَمَتْ هَوَازِنُ قَلَّ مَالِي

ولو حكى قولها لقال: قل مالك. ومنه قول المحلف للحالف: احلف لأخرجنّ، ولتخرجنّ: الهمزة لحكاية لفظ الحالف، والتاء لإقبال المحلف على المحلف {فأغويناكم} فدعوناكم إلى الغي دعوة محصلة للبغية، لقبولكم لها واستحبابكم الغيّ على الرشد {إِنَّا كُنَّا غاوين} فأردنا إغواءكم لتكونوا أمثالنا {فَإِنَّهُمْ} فإن الأتباع والمتبوعين جميعاً {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة مشتركون في العذاب كما كانوا مشتركين في الغواية {إِنَّا} مثل ذلك الفعل {نَفْعَلُ} بكل مجرم، يعني أنّ سبب العقوبة هو الإجرام، فمن ارتكبه استوجبها {إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا} سمعوا بكلمة التوحيد نفروا أو استكبروا عنها وأبوا إلا الشرك.

.تفسير الآيات (36- 39):

{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)}
{لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم {بَلْ جَاء بالحق} رد على المشركين {وَصَدَّقَ المرسلين} كقوله: {مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97] وقرئ: {لذائقوا العذاب}، بالنصب على تقدير النون، كقوله:
وَلاَ ذَاكِراً اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاً

بتقدير التنوين. وقرئ: على الأصل {لذائقون العذاب} {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} إلا مثل ما عملتم جزاء سيئاً بعمل سيئ.

.تفسير الآيات (40- 49):

{إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)}
{إِلاَّ عِبَادَ الله} ولكن عباد الله، على الاستثناء المنقطع. فسر الرزق المعلوم بالفواكه: وهي كل ما يتلذذ به ولا يتقوّت لحفظ الصحة، يعني أن رزقهم كله فواكه، لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات، بأنهم أجسام محكمة مخلوقة للأبد، فكل ما يأكلونه يأكلونه على سبيل التلذذ. ويجوز أن يراد: رزق معلوم منعوت بخصائص خلق عليها: من طيب طعم، ورائحة، ولذة، وحسن منظر. وقيل: معلوم الوقت، كقوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم: 62] وعن قتادة: الرزق المعلوم الجنة وقوله {فِي جنات} يأباه وقوله: {وَهُم مُّكْرَمُونَ} هو الذي يقوله وعن العلماء في حدّ الثواب على سبيل المدح والتعظيم، وهو من أعظم ما يجب أن تتوق إليه نفوس ذوي الهمم، كما أنّ من أعظم ما يجب أن تنفر عنه نفوسهم هوان أهل النار وصغارهم.
التقابل: أتم للسرور وآنس. وقيل: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض.
ويقال للزجاجة فيها الخمر: كأس، وتسمى الخمر نفسها كأساً، قال:
وَكَاسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذَّةٍ

وعن الأخفش: كل كأس في القرآن فهي الخمر، وكذا في تفسير ابن عباس {مّن مَّعِينٍ} من شراب معين. أو من نهر معين، وهو الجاري على وجه الأرض، الظاهر للعيون: وصف بما يوصف به الماء، لأنه يجري في الجنة في أنهار كما يجري الماء، قال الله تعالى: {وأنهار مّنْ خَمْرٍ} [محمد: 15] {بَيْضَاء} صفة للكأس {لَذَّةٍ} إمّا أن توصف باللذة كأنها نفس اللذة وعينها: أو هي تأنيث اللذة، يقال: لذ الشيء فهو لذ ولذيذ. ووزنه: فعل، كقولك: رجل طب، قال:
وَلَذٌ كَطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ تَرَكْتُهُ ** بِأَرْضِ الْعِدَا مِنْ خَشْيَةِ الْحَدَثَانِ

يريد النوم. الغول: من غاله يغوله غولاً إذا أهلكه وأفسده. ومنه: الغول الذي في تكاذيب العرب. وفي أمثالهم: الغضب غول الحلم، و{يُنزَفُونَ} على البناء للمفعول، من نزف الشاربُ إذا ذهب عقله. ويقال للسكران: نزيف ومنزوف. ويقال للمطعون: نزف فَمات إذا خرج دمه كله. ونزحت الركية حتى نزفتها: إذا لم تترك فيها ماء. وفي أمثالهم: أجبن من المنزوف ضرطاً. وقرئ: {ينزفون} أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه. قال:
لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُمُو أَوْ صَحَوْتُمُو ** لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمُو آلَ أَبجرَا

ومعناه: صار ذا نزف. ونظيره: أقشع السحاب، وقشعته الريح، وأكب الرجل وكببته، وحقيقتهما: دخلا في القشع والكب. وفي قراءة طلحة بن مصرف: وينزفون: بضم الزاي، من نزف ينزف كقرب يقرب، إذا سكر. والمعنى: لا فيها فساد قط من أنواع الفساد التي تكون في شرب الخمر من مغص أو صداع أو خمار أو عربدة أو لغو أو تأثيم أو غير ذلك، ولا هم يسكرون، وهو أعظم مفاسدها فأفرزه وأفرده بالذكر {قاصرات الطرف} قصرن أبصارهنّ على أزواجهنّ، لا يمددن طرفاً إلى غيرهم، كقوله تعالى: {عُرُباً} [الواقعة: 37] والعين: النجل العيون شبهنّ ببيض النعام المكنون في الأداحي، وبها تشبه العرب النساء وتسميهنّ بيضات الخدور.