فصل: تفسير الآية رقم (120):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (120):

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)}
قإن قلت: في السموات والأرض العقلاء وغيرهم، فهلا غلب العقلاء، فقيل: ومن فيهنّ؟ قلت: (ما) يتناول الأجناس كلها تناولاً عاماً. ألا تراك تقول إذا رأيت شبحاً من بعيد: ما هو؟ قبل أن تعرف أعاقل هو أم غيره، فكان أولى بإرادة العموم.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المائدة أعطى من الأجر عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا».

.سورة الأنعام:

.تفسير الآية رقم (1):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}
{جَعَلَ} يتعدّى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كقوله: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صيَّر، كقوله: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} [الزخرف: 19] والفرق بين الخلق والجعل: أن الخلق فيه معنى التقدير، وفي الجعل معنى التضمين، كإنشاء شيء من شيء، أو تصيير شيء شيئاً، أو نقله من مكان إلى مكان. ومن ذلك {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] {وَجَعَلَ الظلمات والنور}؛ لأن الظلمات من الأجرام المتكاثفة، والنور من النار {ثم جعلكم أزواجاَ} [فاطر: 11] {أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا} [ص: 5].
فإن قلت: لم أفرد النور؟ قلت: للقصد إلى الجنس، كقوله تعالى: {والملك على أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17] أو لأن الظلمات كثيرة، لأنه ما من جنس من أجناس الأجرام إلاّ وله ظلّ، وظلّه هو الظلمة، بخلاف النور فإنه من جنس واحد وهو النار.
فإن قلت: علام عطف قوله: {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ}؟ قلت: إما على قوله: {الحمد للَّهِ} على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق؛ لأنه ما خلقه إلاّ نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته، وإما على قوله: {خَلَقَ السماوات} على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه.
فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، وكذلك {ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم.

.تفسير الآية رقم (2):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}
{ثُمَّ قَضَى أَجَلاً} أجل الموت {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} أجل القيامة. وقيل: الأجل الأوّل: ما بين أن يخلق إلى أن يموت.
والثاني: ما بين الموت والبعث وهو البرزخ. وقيل: الأوّل النوم.
والثاني: الموت.
فإن قلت: المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفاً وجب تأخيره، فلم جاز تقديمه في قوله: {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ}؟ قلت: لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة، كقوله: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ} [البقرة: 221] فإن قلت: الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد، ولي عبد كيس، وما أشبه ذلك؛ فما أوجب التقديم؟ قلت: أوجبه أن المعنى: وأي أجل مسمىً عنده تعظيماً لشأن الساعة، فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}
{فِى السماوات} متعلق بمعنى اسم الله، كأنه قيل: وهو المعبود فيها. ومنه قوله: {وَهُوَ الذى فِي السماء إله وَفِى الارض إله} [الزخرف: 84] أو وهو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها، أو هو الذي يقال له: الله فيها- لا يشرك به في هذا الاسم، ويجوز أن يكون {الله فِي السموات} خبراً بعد خبر على معنى: أنه الله وأنه في السموات والأرض بمعنى أنه عالم بما فيهما لا يخفى عليه منه شيء، كأن ذاته فيهما، فإن قلت: كيف موقع قوله: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ}؟ قلت: إن أردت التوحد بالإلهية كان تقريراً له؛ لأن الذي استوى في علمه السر والعلانية هو الله وحده، وكذلك إذا جعلت في السموات خبراً بعد خبر، وإلا فهو كلام مبتدأ بمعنى: هو يعلم سركم وجهركم. أو خبر ثالث {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} من الخير والشرّ، ويثيب عليه، ويعاقب.

.تفسير الآيات (4- 5):

{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}
{مِّنْ} في {مِّنْ ءَايَةٍ} للاستغراق. وفي {من آيات ربهم} للتبعيض. يعني: وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار، إلا كانوا عنه معرضين: تاركين للنظر لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأساً، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب، {فقد كذبوا} مردود على كلام محذوف كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها وهو الحق {لَمَّا جَاءهُمْ} يعني القرآن الذي تحدُّوا به على تبالغهم في الفصاحة فعجزوا عنه {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء} الشيء الذي {كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وهو القرآن، أي أخباره وأحواله، بمعنى: سيعلمون بأي شيء استهزءوا. وسيظهر لهم أنه لم يكن بموضع استهزاء، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا أو يوم القيامة أو عند ظهور الإسلام وعلوّ كلمته.

.تفسير الآية رقم (6):

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}
مكن له في الأرض: جعل له مكاناً له فيها. ونحوه: أرّض له. ومنه قوله: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض} [الكهف: 84] {أَوَ لَمْ نُمَكّن لَّهُمْ} [القصص: 57] وأمّا مكنته في الأرض فأثبته فيها. ومنه قوله: {وَلَقَدْ مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} [الأحقاف: 26] ولتقارب المعنيين جمع بينهما في قوله: {مكناهم فِي الارض مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ} والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عاداً وثمود وغيرهم، من البسطة في الأجسام، والسعة في الأموال والاستظهار بأسباب الدنيا. والسماء المظلة؛ لأن الماء ينزل منها إلى السحاب، أو السحاب أو المطر. والمدرار: المغزار.
فإن قلت: أي فائدة في ذكر إنشاء قرن آخرين بعدهم؟ قلت: الدلالة على أنه لا يتعاظمه أن يهلك قرناً ويخرب بلاده منهم؟ فإنه قادر على أن ينشئ مكانهم آخرين يعمر بهم بلاده، كقوله تعالى: {وَلاَ يَخَافُ عقباها} [الشمس: 15].

.تفسير الآيات (7- 9):

{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
{كتابا} مكتوباً {فِى قِرْطَاسٍ} في ورق {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} ولم يقتصر بهم على الرؤية، لئلا يقولوا سكرت أبصارنا، ولا تبقى لهم علة. لقالوا {إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} تعنتاً وعناداً للحق بعد ظهوره {لَّقُضِىَ الامر} لقضي أمر إهلاكهم {ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} بعد نزوله طرفة عين. إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن، ثم لا يؤمنون كما قال: {وَلَوْأننا َنزَلْنَا إِلَيْهِمُ الملئكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى} [الأنعام: 111] لم يكن بدّ من إهلاكهم، كما أهلك أصحاب المائدة، وإما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة، فيجب إهلاكهم. وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ومعنى {ثُمَّ} بعد ما بين الأمرين: قضاء الأمر، وعدم الإنظار. جعل عدم الإنظار أشدّ من قضاء الأمر، لأنّ مفاجأة الشدّة أشدّ من نفس الشدّة {وَلَوْ جعلناه مَلَكاً} ولو جعلنا الرسول ملكاً كما اقترحوا لأنهم كانوا يقولون: لولا أنزل على محمد ملك. وتارة يقولون: {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} [المؤمنون: 33]، {وَلَوْ شَاء رَبُّنَا لاَنزَلَ ملائكة} [فصلت: 14] {لجعلناه رَجُلاً} لأرسلناه في صورة رجل، كما.
كان ينزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعم الأحوال في صورة دحية. لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم} ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ، فإنهم يقولون: إذا رأوا الملك في صورة إنسان: هذا إنسان وليس بملك، فإن قال لهم: الدليل على أني ملك أني جئت بالقرآن المعجز، وهو ناطق بأني ملك لا بشر- كذبوه كما كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فإذا فعلوا ذلك خذلوا كما هم مخذولون الآن، فهو لبس الله عليهم. ويجوز أن يراد: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم} حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله البينة: وقرأ ابن محيصن: {ولبسنا عليهم}، بلام واحدة.
وقرأ الزهري: {وللبَّسْنا عليهم ما يلبِّسُون}، بالتشديد.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
{وَلَقَدِ استهزئ} تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان يلقى من قومه {فَحَاقَ} بهم فأحاط بهم الشيء الذي كانوا يستهزؤن به وهو الحق، حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به.

.تفسير الآية رقم (11):

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}
فإن قلت: أي فرق بين قوله {فانظروا} وبين قوله: {ثُمَّ انظروا}؟ قلت: جعل النظر مسبباً عن السير في قوله: {فانظروا} فكأنه قيل سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين. وأما قوله: {سِيرُواْ فِي الارض ثُمَّ انظروا} فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر في آثار الهالكين. ونبه على ذلك بثم، لتباعد ما بين الواجب والمباح.

.تفسير الآية رقم (12):

{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)}
{لّمَن مَّا فِي السماوات والارض} سؤال تبكيت، و{قُل لِلَّهِ} تقرير لهم، أي هو الله لا خلاف بيني وبينكم، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئاً منه إلى غيره {كَتَبَ على نَفْسِهِ الرحمة} أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته، ونصب الأدلة لكم على توحيده بما أنتم مقرون به من خلق السموات الأرض، ثم أوعدهم على إغفالهم النظر وإشراكهم به من لا يقدر على خلق شيء بقوله {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} فيجازيكم على إشراككم. وقوله: {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} نصب على الذم، أو رفع: أي أريد الذين خسروا أنفسهم، أو أنتم الذين خسروا أنفسهم.
فإن قلت: كيف جعل عدم إيمانهم مسبباً عن خسرانهم، والأمر على العكس؟ قلت: معناه: الذين خسروا أنفسهم في علم الله: لاختيارهم الكفر. فهم لا يؤمنون.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}
{وَلَهُ} عطف على الله {مَا سَكَنَ فِي اليل والنهار} من السكنى وتعديه بفي كما في قوله: {وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ}. {وَهُوَ السميع العليم} يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم، فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الملوان.

.تفسير الآيات (14- 16):

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}
أوَليّ {أَغَيْرَ الله}؟ همزة الاستفهام دون الفعل الذي هو {اتخذ} لأن الإنكار في اتخاذ غير الله ولياً، لا في اتخاذ الولي، فكان أولى بالتقديم. ونحوه {أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} [الزمر: 64] {ءَآللهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59]. وقرئ {فَاطِرِ السماوات} بالجرّ صفة لله، وبالرفع على المدح.
وقرأ الزهري: {فَطَرَ}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما عرفت ما فاطر السموات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدعتها {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} وهو يرزُق ولا يُرْزَق، كقوله: {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 59] والمعنى: أن المنافع كلها من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع. وقرئ: {ولا يَطعم}، بفتح الياء. وروى ابن المأمون عن يعقوب: {وهو يُطْعَمُ ولا يُطْعِمُ}، على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل، والضمير لغير الله، وقرأ الأشهب: {وهو يطعم ولا يطعم}، على بنائهما للفاعل. وفسر بأن معناه: وهو يطعم، ولا يستطعم. وحكى الأزهري: أطعمت، بمعنى استطعمت، ونحوه أفدت. ويجوز أن يكون المعنى: وهو يطعم تارة ولا يطعم أخرى على حسب المصالح، كقولك: وهو يعطي ويمنع، ويبسط، ويقدر، ويغني ويفقر {أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} لأنّ النبي سابق أمته في الإسلام، كقوله {وبذلك أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين} [الأنعام: 163] وكقول موسى: {سبحانك تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} [الأعراف: 143] {وَلاَ تَكُونَنَّ} وقيل لي لا تكونن {مِنَ المشركين} ومعناه: أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك. و{مِنْ يُصْرَفْ عَنْهُ} العذاب {يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ} الله الرحمة العظمى وهي النجاة، كقولك: إن أطعمت زيداً من جوعه فقد أحسنت إليه؟ تريد: فقد أتممت الإحسان إليه أو، فقد أدخله الجنة، لأن من لم يعذب لم يكن له بدّ من الثواب. وقرئ: {من يَصْرِفْ عنه} على البناء للفاعل، والمعنى: من يصرف الله عنه في ذلك اليوم فقد رحمه، بمعنى: من يدفع الله عنه. ويحفظه، وقد علم من المدفوع عنه. وترك ذكر المصروف؛ لكونه معلوماً أو مذكوراً قبله وهو العذاب. ويجوز أن ينتصب يومئذ يصرف انتصاب المفعول به، أي من بيصرف الله عنه ذلك اليوم: أي هوله، فقد رحمه. وينصر هذه القراءة قراءة أبيّ رضي الله عنه: من يصرف الله عنه.