فصل: تفسير الآية رقم (122):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (115- 121):

{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}
{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} وهو السبيل الذي هم عليه من الدين الحنيفي القيم، وهو دليل على أن الإجماع حجة لا تجوز مخالفتها، كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة، لأنّ الله عز وعلا جمع بين اتباع سبيل غير المؤمنين، وبين مشاقة الرسول في الشرط، وجعل جزاءه الوعيد الشديد، فكان اتباعهم واجباً كموالاة الرسول عليه الصلاة والسلام. قوله: {نُوَلّهِ مَا تولى} نجعله والياً لما تولى من الضلال، بأن نخذله ونخلي بينه وبين ما اختاره {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} وقرئ: {ونصله}، بفتح النون، من صلاه. وقيل: هي في طعمة وارتداده وخروجه إلى مكة {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} تكرير للتأكيد، وقيل: كرّر لقصة طعمة، وروي: أنه مات مشركاً. وقيل: جاء شيخ من العرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني شيخ منهمك في الذنوب، إلا أني لم أشرك بالله شيئاً منذ عرفته وآمنت به، ولم أتخذ من دونه ولياً، ولم أوقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هرباً، وإني لنادم تائب مستغفر، فما ترى حالي عند الله؟ فنزلت. وهذا الحديث ينصر قول من فسر {مَن يَشَآء} بالتائب من ذنبه {إِلاَّ إناثا} هي اللات والعزى ومناة.
وعن الحسن لم يكن حيّ من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بني فلان. وقيل: كانوا يقولون في أصنامهم هنّ بنات الله. وقيل: المراد الملائكة. لقولهم: الملائكة بنات الله. وقرئ {أنثاً}، جمع أنيث أو أناث. {ووثناً}. {وأثناً}، بالتخفيف والتثقيل جمع وثن، كقولك أسد وأسد وأسد. وقلب الواو ألفاً نحو (أُجوه) في وجوه. وقرأت عائشة رضي الله عنها: {أوثاناً} {وَإِن يَدْعُونَ} وإن يعبدون بعبادة الأصنام {إِلاَّ شيطانا} لأنه هو الذي أغراهم على عبادتها فأطاعوه فجعلت طاعتهم له عبادة. و{لَّعَنَهُ الله وَقَالَ لاَتَّخِذَنَّ} صفتان بمعنى شيطاناً مريداً جامعاً بين لعنة الله وهذا القول الشنيع {نَصِيباً مَّفْرُوضاً} مقطوعاً واجباً فرضته لنفسي من قولهم: فرض له في العطاء، وفرض الجند رزقه. قال الحسن: من كل ألف تسعمائة وتسعين إلى النار {وَلامَنّيَنَّهُمْ} الأماني الباطلة من طول الأعمار، وبلوغ الآمال، ورحمة الله للمجرمين بغير توبة والخروج من النار بعد دخولها بالشفاعة ونحو ذلك. وتبتيكهم الآذان فعلهم بالبحائر، كانوا يشقون أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكراً، وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها. وتغييرهم خلق الله: فقء عين الحامي وإعفاؤه عن الركوب. وقيل: الخصاء، وهو في قول عامة العلماء مباح في البهائم. وأما في بني آدم فمحظور. وعند أبي حنيفة: يكره شراء الخصيان وإمساكهم واستخدامهم، لأن الرغبة فيهم تدعو إلى خصائهم. وقيل: فطرة الله التي هي دين الإسلام، وقيل للحسن: إن عكرمة يقول هو الخصاء، فقال: كذب عكرمة، هو دين الله.
وعن ابن مسعود: هو الوشم. وعنه: «لعن الله الواشرات والمتنمصات والمستوشمات المغيرات خلق الله» وقيل التخنث.

.تفسير الآية رقم (122):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)}
{وَعْدَ الله حَقّا} مصدران: الأول مؤكد لنفسه، والثاني مؤكد لغيره {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً} توكيد ثالث بليغ.
فإن قلت: ما فائدة هذه التوكيدات؟ قلت: معارضة مواعيد الشيطان الكاذبة وأمانيه الباطلة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه، ترغيباً للعباد في إيثار ما يستحقون به تنجز وعد الله، على ما يتجرعون في عاقبته غصص إخلاف مواعيد الشيطان.

.تفسير الآيات (123- 124):

{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}
في {لَّيْسَ} ضمير وعد الله، أي ليس ينال ما وعد الله من الثواب {بأمانيكم وَلا} ب {أَمَانِىِّ أَهْلِ الكتاب} والخطاب للمسلمين لأِنه لا يتمنى وعد الله إلا من آمن به، وكذلك ذكر أهل الكتاب معهم لمشاركتهم لهم في الإيمان بوعد الله.
وعن مسروق والسدي: هي في المسلمين.
وعن الحسن: ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل، إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا في الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحسن الظنّ بالله وكذبوا، لو أحسنوا الظنّ بالله لأحسنوا العمل له. وقيل: إنّ المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، وقال المسلمون: نحن أولى منكم، نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله. فنزلت. ويحتمل أن يكون الخطاب للمشركين لقولهم: إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيراً منهم وأحسن حالاً {لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} [مريم: 77]، {إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} [فصلت: 50] وكان أهل الكتاب يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه. لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، ويعضده تقدم ذكر أهل الشرك قبله.
وعن مجاهد: إن الخطاب للمشركين. قوله: {مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ} وقوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} بعد ذكر تمني أهل الكتاب، نحو من قوله: {بلى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 81]، وقوله: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} عقيب قوله: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} [البقرة: 80] وإذا أبطل الله الأماني وأثبت أن الأمر كله معقود بالعمل، وأن من أصلح عمله فهو الفائز. ومن أساء عمله فهو الهالك: تبين الأمر ووضح، ووجب قطع الأماني وحسم المطامع، والإقبال على العمل الصالح. ولكنه فصح لا تعيه الآذان ولا تلقى إليه الأذهان.
فإن قلت: ما الفرق بين (من) الأولى والثانية؟ قلت: الأولى للتبعيض، أراد ومن يعمل بعض الصالحات؛ لأنّ كلا لا يتمكن من عمل كل الصالحات لاختلاف الأحوال، وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه. وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة، وتسقط عنه الصلاة في بعض الأحوال. والثانية لتبيين الإبهام في {وَمَنْ يَعْمَلْ} فإن قلت: كيف خص الصالحون بأنهم لا يظلمون وغيرهم مثلهم في ذلك؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون الراجع في (ولا يظلمون) لعمال السوء وعمال الصالحات جميعاً. والثاني أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دالاً على ذكره عند الآخر، لأن كلا الفريقين مجزيون بأعمالهم لا تفاوت بينهم، ولأن ظلم المسيء أن يزاد في عقابه، وأرحم الراحمين معلوم أنه لا يزيد في عقاب المجرم، فكان ذكره مستغنى عنه وأما المحسن فله ثواب وتوابع للثواب من فضل الله هي في حكم الثواب، فجاز أن ينقص من الفضل لأنه ليس بواجب. فكان نفي الظلم دلالة على أنه لا يقع نقصان في الفضل.

.تفسير الآية رقم (125):

{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)}
{أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له لا تعرف لها رباً ولا معبوداً سواه {وَهُوَ مُحْسِنٌ} وهو عامل للحسنات تارك للسيئات {حَنِيفاً} حال من المتبع، أو من إبراهيم كقوله: {بَلْ مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} [البقرة: 135] وهو الذي تحنف أي مال عن الأديان كلها إلى دين الإسلام {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً} مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله. والخليل: المخال، وهو الذي يخالك أي يوافقك في خلالك، أو يسايرك في طريقك، من الخل: وهو الطريق في الرمل، أو يسدّ خللك كما تسدّ خلله، أو يداخلك خلال منازلك وحجبك.
فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: هي جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب، كنحو ما يجيء في الشعر من قولهم:
......... وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ

فائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته، لأن من بلغ من الزلفى عند الله أن اتخذه خليلاً، كان جديراً بأن تتبع ملته وطريقته. ولو جعلتها معطوفة على الجملة قبلها لم يكن لها معنى. وقيل: إن إبراهيم عليه السلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتار منه. فقال خليله: لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت، ولكنه يريدها للأضياف، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملؤا منها الغرائر حياء من الناس. فلما أخبروا إبراهيم عليه السلام ساءه الخبر، فحملته عيناه وعمدت امرأته إلى غرارة منها فأخرجت أحسن حوّارى، واختبزت واستنبه إبراهيم عليه السلام فاشتم رائحة الخبز، فقال: من أين لكم؟ فقالت امرأته: من خليلك المصري. فقال: بل من عند خليلي الله عز وجل، فسماه الله خليلاً.

.تفسير الآية رقم (126):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}
{وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} متصل بذكر العمال الصالحين والطالحين. معناه: أن له ملك أهل السموات والأرض، فطاعته واجبة عليهم {وَكَانَ الله بِكُلّ شَيْء مُّحِيطاً} فكان عالماً بأعمالهم فمجازيهم على خيرها وشرها. فعليهم أن يختاروا لأنفسهم ما هو أصلح لها.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}
{مَا يتلى} في محل الرفع. أي الله يفتيكم والمتلوّ {فِى الكتاب} في معنى اليتامى، يعني قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَن لا تُقْسِطُواْ فِي اليتامى} [النساء: 3] وهو من قولك: أعجبني زيد وكرمه. ويجوز أن يكون. {مَا يتلى عَلَيْكُمْ} مبتدأ و{فِى الكتاب} خبره على أنها جملة معترضة، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ تعظيماً للمتلو عليهم، وأن العدل والنصفة في حقوق اليتامى من عظائم الأمور المرفوعة الدرجات عند الله التي تجب مراعاتها والمحافظة عليها، والمخل بها ظالم متهاون بما عظمه الله. ونحوه في تعظيم القرآن: {وَإِنَّهُ فِي أُمّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4] ويجوز أن يكون مجروراً على القسم، كأنه قيل: قل الله يفتيكم فيهنّ، وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب. والقسم أيضاً لمعنى التعظيم، وليس بسديد أن يعطف على المجرور في (فيهنّ)، لاختلاله من حيث اللفظ والمعنى، فإن قلت بم تعلق قوله: {فِى يتامى النساء}؟ قلت: في الوجه الأوّل هو صلة (يتلى) أي يتلى عليكم في معناهن. ويجوز أن يكون (في يتامى النساء) بدلاً من (فيهن) وأما في الوجهين الآخرين فبدل لا غير.
فإن قلت: الإضافة في (يتامى النساء) ما هي؟ قلت: إضافة بمعنى (من) كقولك: عندي سحق عمامة. وقرئ: {في ييامى النساء} بياءين على قلب همزة أيامى ياء {لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} وقرئ: {ما كتب الله لهنّ}. أي ما فرض لهن من الميراث. وكان الرجل منهم يضم اليتيمة إلى نفسه وما لها. فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} يحتمل في أن تنكحوهن لجمالهن، وعن أن تنكحوهن لدمامتهن. وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا جاءه ولي اليتيمة نظر، فإن كانت جميلة غنية قال: زوّجها غيرك والتمس لها من هو خير منك، وإن كانت دميمة ولا مال لها قال: تزوجها فأنت أحق بها {والمستضعفين} مجرور معطوف على يتامى النساء، وكانوا في الجاهلية إنما يورثون الرجال القوام بالأمور دون الأطفال والنساء. ويجوز أن يكون خطاباً للأوصياء كقوله: {وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الخبيث بالطيب} [النساء: 2] {وَأَن تَقُومُواْ} مجرور كالمستضعفين بمعنى: يفتيكم في يتامى النساء، وفي المستضعفين. وفي أن تقوموا. ويجوز أن يكون منصوباً بمعنى: ويأمركم أن تقوموا، وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ويستوفوا لهم حقوقهم، ولا يخلوا أحداً يهتضمهم.

.تفسير الآية رقم (128):

{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}
{خافت مِن بَعْلِهَا} توقعت منه ذلك لما لاح لها مخايله وأماراته. والنشوز: أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته والمودة والرحمة التي بين الرجل والمرأة، وأن يؤذيها بسب أو ضرب والإعراض: أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها، وذلك لبعض الأسباب من طعن في سنّ، أو دمامة، أو شيء في خلق أو خُلق، أو ملال، أو طموح عين إلى أخرى، أو غير ذلك فلا بأس بهما في أن يصلحا بينهما. وقرئ: يصَّالحا. ويصالحا، بمعنى: يتصالحا، ويصطلحا. ونحو أصلح: اصبر في اصطبر {صُلْحاً} في معنى مصدر كل واحد من الأفعال الثلاثة. ومعنى الصلح: أن يتصالحا على أن تطيب له نفساً عن القسمة أو عن بعضها، كما فعلت سودة بنت زمعة حين كرهت أن يفارقها رسول صلى الله عليه وسلم وعرفت مكان عائشة من قلبه، فوهبت لها يومها. وكما روى أن امرأة أراد زوجها أن يطلقها لرغبته عنها وكان لها منه ولد فقالت: لا تطلقني ودعني أقوم على ولدي وتقسم لي في كل شهرين فقال: إن في هذا يصلح فهو أحب إليّ، فأقرها. أو تهب له بعض المهر، أو كله، أو النفقة؛ فإن لم تفعل فليس له إلا أن يمسكها بإحسان أو يسرحها {والصلح خَيْرٌ} من الفرقة أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة. أو هو خير من الخصومة في كل شيء. أو الصلح خير من الخيور، كما أن الخصومة شر من الشرور وهذه الجملة اعتراض، وكذلك قوله {وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح} ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشح جعل حاضراً لها لا يغيب عنها أبداً ولا تنفك عنه، يعني أنها مطبوعة عليه والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها، والرجل لا تكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها وأن يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها {وَإِن تُحْسِنُواْ} بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن، وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة {وَتَتَّقُواْ} النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة {فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الإحسان والتقوى {خَبِيراً} وهو يثيبكم عليه. وكان عمران بن حطان الخارجي من أدمّ بني آدم، وامرأته من أجملهم، فأجالت في وجهه نظرها يوماً ثم تابعت الحمد لله، فقال: مالك؟ قالت: حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة. قال: كيف؟ قالت: لأنك رزقت مثلي فشكرت، ورزقت مثلك فصبرت، وقد وعد الله الجنة عباده الشاكرين والصابرين.