فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (17):

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}
{مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} يحتمل أن يريد افتراء المشركين على الله في قولهم: إنه ذو شريك وذو ولد، وأن يكون تفادياً مما أضافوه إليه من الافتراء.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
{مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} الأوثان التي هي جماد لا تقدر على نفع ولا ضرّ. وقيل: إن عبدوها لن تنفعهم، وإن تركوا عبادتها لم تضرّهم، ومن حق المعبود أن يكون مثيباً على الطاعة معاقباً على المعصية. وكان أهل الطائف يعبدون اللات، وأهل مكة العزّى ومناة وهبل وأسافاً ونائلة {و} كانوا {يَقُولُونَ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} وعن النضر بن الحرث: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزّى {أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ} أتخبرونه بكونكم شفعاء عنده، وهو إنباء بما ليس بالمعلوم لله، وإذا لم يكن معلوماً له وهو العالم الذات المحيط بجميع المعلومات، لم يكن شيئاً لأنّ الشيء ما يعلم به ويخبر عنه، فكان خبراً ليس له مخبر عنه.
فإن قلت: كيف أنبأوا الله بذلك؟ قلت: هو تهكم بهم وبما ادعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأنّ الذي أنبؤا به باطل غير منطوٍ تحت الصحة، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه كما يخبر الرجل الرجل بما لا يعلمه. وقرئ: {أتنبئون} بالتخفيف. وقوله: {فِى السماوات وَلاَ فِي الأرض} تأكيد لنفيه؛ لأنّ ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم {تُشْرِكُونَ} قرئ بالتاء والياء وما موصولة أو مصدرية، أي عن الشركاء الذين يشركونهم به أو عن إشراكهم.

.تفسير الآيات (19- 20):

{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)}
{وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم، وذلك في عهد آدم إلى أن قتل قابيل هابيل. وقيل: بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين دياراً {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} وهوتأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة {لَّقُضِىَ بِيْنَهُمْ} عاجلاً فيما اختلفوا فيه، ولميز المحق من المبطل، وسبق كلمته بالتأخير لحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار دار تكليف، وتلك دار ثواب وعقاب. وقالوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} أرادوا آية من الآيات التي كانوا يقترحونها وكانوا لا يعتدّون بما أنزل عليه من الآيات العظام المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها، وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر بديعة غريبة في الآيات، دقيقة المسلك من بين المعجزات، وجعلوا نزولها كلا نزول، وكأنه لم ينزل آية قط، حتى قالوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ رَبَّهُ}، وذلك لفرط عنادهم وتماديهم في التمرّد وانهماكهم في الغيّ {فَقُلْ إِنَّمَا الغيب للَّهِ} أي هو المختصّ بعلم الغيب المستأثر به لا علم لي ولا لأحد به، يعني أنّ الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلاّ هو {فانتظروا} نزول ما اقترحتموه {إِنّى مَعَكُم مّنَ المنتظرين} لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
سلط الله القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون، ثم رحمهم بالحيا، فلما رحمهم طفقوا يطعنون في آيات الله ويعادون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكيدونه، و (إذا) الأولى للشرط، والآخرة جوابها وهي للمفاجأة، والمكر: إخفاء الكيد وطيه، من الجارية الممكورة المطوية الخلق. ومعنى {مَسَّتْهُمْ} خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم.
فإن قلت: ما وصفهم بسرعة المكر، فكيف صحّ قوله: {أَسْرَعُ مَكْرًا}؟ قلت: بلى دلت على ذلك كلمة المفاجأة، كأنه قال: وإذا رحمناهم من بعد ضراء فاجئوا وقوع المكر منهم، وسارعوا إليه قبل أن يغسلوا رؤوسهم من مسّ الضرّاء، ولم يتلبثوا ريثما يسيغون غصتهم. والمعنى: أنّ الله تعالى دبر عقابكم وهو موقعه بكم قبل أن تدبروا كيف تعملون في إطفاء نور الإسلام {إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ} إعلام بأنّ ما تظنونه خافياً مطوياً لا يخفى على الله، وهو منتقم منكم. وقرئ: {يمكرون}، بالتاء والياء. وقيل: مكرهم قولهم: سقينا بنوء كذا.
وعن أبي هريرة: إنّ الله ليُصَبِّح القوم بالنعمة ويُمَسِّيهم بها، فتصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا.

.تفسير الآيات (22- 23):

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قرأ زيد بن ثابت: {ينشركم} ومثله قوله: {فانتشروا فِي الأرض} [الجمعة: 10]، {ثُمَّ إِذَا أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُون} [الروم: 20] فإن قلت: كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر، والتسيير في البحر إنما هو بالكون في الفلك؟ قلت: لم يجعل الكون في الفلك غاية التسيير في البحر، ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد (حتى) بما في حيّزها، كأنه قيل: يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف وتراكم الأمواج والظنّ للهلاك والدعاء بالإنجاء.
فإن قلت: ما جواب (إذا)؟ قلت: جاءتها.
فإن قلت: فدعوا؟ قلت: بدل من ظنوا؛ لأنّ دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فهو ملتبس به.
فإن قلت: ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة؟ قلت: المبالغة، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح.
فإن قلت: ما وجه قراءة أمّ الدرداء: (في الفلكي) بزيادة ياء النسب؟ قلت: قيل هما زائدتان كما في الخارجي والأحمري. ويجوز أن يراد به اللجّ والماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلاّ فيه.
والضمير في {جرين} للفلك، لأنه جمع فلك كالأسد، في فعل أخي فعل. وفي قراءة أمّ الدرداء: {للفلك} أيضاً؛ لأنّ الفلكي يدلّ عليه {جَاءتْهَا} جاءت الريح الطيبة، أي تلقتها. وقيل: الضمير للفلك {من كُلّ مَّكَانَ} من جميع أمكنة الموج {أُحِيطَ بِهِمْ} أي أهلكواجعل إحاطة العدوّ بالحي مثلاً في الهلاك {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من غير إشراك به؛ لأنهم لا يدعون حينئذ غيره معه {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} على إرادة القول. أو لأنّ {دَعَوُاْ} من جملة القول: {يَبْغُونَ فِي الأرض} يفسدون فيها ويعبثون متراقين في ذلك، ممعنين فيه، من قولك: بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد.
فإن قلت: فما معنى قوله: {بِغَيْرِ الحق} والبغي لا يكون بحق؟ قلت: بلى، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة، وهدم دورهم، وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة. قرئ: {متاع الحياة الدنيا}، بالنصب: فإن قلت: ما الفرق بين القراءتين؟ قلت: إذا رفعت كان المتاع خبراً للمبتدإ الذي هو {بَغْيُكُمْ} و{على أَنفُسِكُمْ} صلته، كقوله: {فبغى عَلَيْهِمْ} ومعناه: إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم يعني بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا لابقاء لها وإذا نصبت {فَعَلَىَّ أَنفُسَكُمْ} خبر غير صلة معناه إنما بغيكم بال على أنفسكم، و{متاع الحياة الدنيا} في موضع المصدر المؤكد، كأنه قيل: تتمتعون متاع الحياة الدنيا. ويجوز أن يكون الرفع على: هو متاع الحياة الدنيا بعد تمام الكلام.
وعن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تمكر ولا تعن ماكراً، ولا تبغ ولا تعن باغياً، ولا تنكث ولا تعن ناكثاً» وكان يتلوها. وعنه عليه الصلاة والسلام: «أسرع الخير ثواباً صلة الرحم، وأعجل الشرّ عقاباً البغي واليمين الفاجرة»، وروي: «ثنتان يعجلهما الله تعالى في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين» وعن ابن عباس رضي الله عنه: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي. وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه:
يَا صَاحِبَ الْبَغْيِ إنَّ الْبَغْيَ مَصْرَعَة ** فَارْبَعْ فَخَيْرُ فِعَالِ الْمَرْءِ أَعْسَلُهُ

فَلَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْماً عَلَى جَبَل ** لانْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيهِ وَأَسْفَلُهُ

وعن محمد بن كعب: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي والنكث والمكر. قال الله تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ}.

.تفسير الآية رقم (24):

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
هذا من التشبيه المركب، شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال، بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعد ما التف وتكاثف، وزين الأرض بخضرته ورفيفه {فاختلط بِهِ} فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً {أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت} كلام فصيح: جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس، إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون، فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين. وأصل {ازّينت} تزينت، فأدغم. وبالأصل قرأ عبد الله. وقرئ: {وأزينت}، أي أفعلت، من غير إعلال الفعل كأغيلت أي صارت ذات زينة. وازيانت، بوزن ابياضت {قَادِرُونَ عَلَيْهَا} متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها، رافعون لعلتها {أَتَاهَا أَمْرُنَا} وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم {فَجَعَلْنَاهَا} فجعلنا زرعها {حَصِيداً} شبيهاً بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله {كَأَن لَّمْ تَغْنَ} كأن لم يغن زرعها، أي لم ينبت على حذف المضاف في هذه المواضع لابد منه، وإلاّ لم يستقم المعنى.
وقرأ الحسن: {كأن لم يغن} بالياء على أن الضمير للمضاف المحذوف، الذي هو الزرع.
وعن مروان أنه قرأ على المنبر: {كأن لم تتغن} بالأمس، من قول الأعشى:
طَوِيلُ الثّوَاءِ طَوِيلُ التَّغَنِّي

والأمس مثل في الوقت القريب كأنه قيل: كأن لم تغن آنفاً.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
{دَارُ السلام} الجنة، أضافها إلى اسمه تعظيماً لها.
وقيل السلام السلامة؛ لأنّ أهلها سالمون من كل مكروه. وقيل: لفشوّ السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم {إِلاَّ قِيلاً سلاما سلاما} [الواقعة: 26] {وَيَهْدِى} ويوفق {مَن يَشَآء} وهم الذين علم أنّ اللطف يجدي عليهم، لأنّ مشيئته تابعة لحكمته ومعناه: يدعو العباد كلهم إلى دار السلام، ولا يدخلها إلاّ المهديون.

.تفسير الآية رقم (26):

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}
{الحسنى} المثوبة الحسنى {وَزِيَادَةٌ} وما يزيد على المثوبة وهي التفضل. ويدلّ عليه قوله تعالى: {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} [النساء: 173] وعن عليّ رضي الله عنه: الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: الحسنى: الحسنة، والزيادة: عشر أمثالها.
وعن الحسن رضي الله عنه: عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وعن مجاهد رضي الله عنه: الزيادة مغفرة من الله ورضوان.
وعن يزيد بن شجرة: الزيادة أن تمرّ السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئاً إلاّ أمطرتهم. وزعمت المشبهة والمجبرة أن الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى، وجاءت بحديث مرفوع: «إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن يا أهل الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً هو أحبّ إليهم منه» {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ} لا يغشاها {قَتَرٌ} غبرة فيها سواد {وَلاَ ذِلَّةٌ} ولا أثر هوان وكسوف بال. والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النارإذكاراً بما ينقذهم منه برحمته. ألا ترى إلى قوله تعالى {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 41] {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [يونس: 27].

.تفسير الآية رقم (27):

{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
فإن قلت: ما وجه قوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} وكيف يتلاءم؟ قلت: لا يخلو، إمّا أن يكون {والذين كَسَبُواْ} معطوفاً على قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} [يونس: 26] كأنه قيل: وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وإمّا أن يقدّر: وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها على معنى: جزاؤهم أن تجازى سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها، وهذا أوجه من الأوّل، لأنّ في الأوّل عطفاً على عاملين وإن كان الأخقش بجيزه. وفي هذا دليل على أنّ المراد بالزيادة الفضل، لأنه دلّ بترك الزيادة على السيئة على عدله، ودلّ ثمة بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله. وقرئ: {يرهقهم ذلة} بالياء {مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} أي لا يعصمهم أحد من سخط الله وعذابه. ويجوز ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين {مُظْلِماً} حال من الله. ومن قرأ: (قطعاً) بالسكون من قوله: {بِقِطْعٍ مّنَ اليل} [هود: 81] جعله صفة له. وتعضده قراءة أبيّ بن كعب: كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم.
فإن قلت: إذا جعلت مظلماً حالاً من الليل، فما العامل فيه؟ قلت: لا يخلو إمّا أن يكون {أُغْشِيَتْ} من قبل إن {مِّنَ اليل} صفة لقوله: {قِطَعًا} فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإضفائه إلى الصفة، وإمّا أن يكون معنى الفعل في {مِّنَ اليل}.