فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (8- 10):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)}
عن ابن عباس أنه أبو جهل بن هشام. وقيل: كرر كما كررت سائر الأقاصيص. وقيل: الأوّل في المقلدين، وهذا في المقلدين. والمراد بالعلم: العلم الضروري. وبالهدى: الاستدلال والنظر؛ لأنه يهدي إلى المعرفة. وبالكتاب المنير: الوحي، أي يجادل بظن وتخمين، لا بأحد هذه الثلاثة. وثنى العطف: عبارة عن الكبر والخيلاء، كتصعير الخدّ وليّ الجيد. وقيل: عن الإعراض عن الذكر.
وعن الحسن: ثاني عطفه، بفتح العين، أي: مانع تعطفه {لِيُضِلَّ} تعليل للمجادلة. قرئ بضم الياء وفتحها.
فإن قلت: ما كان غرضه من جداله الضلال {عَن سَبِيلِ الله} فكيف علل به؟ وما كان أيضاً مهتدياً حتى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضلال؟ قلت: لما أدّى جداله إلى الضلال، جعل كأنه غرضه، ولما كان الهدى معرضاً له فتركه وأعرض عنه وأقبل على الجدال بالباطل، جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال. وخزيه: ما أصابه يوم بدر من الصغار والقتل، والسبب فيما مني به من خزي الدنيا وعذاب الآخرة: هو ما قدمت يداه، وعدل الله في معاقبته الفجار وإثابته الصالحين.

.تفسير الآيات (11- 13):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}
على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه. وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم، لا على سكون وطمأنينة، كالذي يكون على طرف من العسكر، فإن أحسّ بظفر وغنيمة قرّ واطمأن، وإلا فرّ وطار على وجهه. قالوا: نزلت في أعاريب قدموا المدينة، وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهراً سرياً، وولدت امرأته غلاماً سوياً، وكثر ماله وما شيته قال: ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً، واطمأن. وإن كان الأمر بخلافه قال: ما أصبت إلا شراً، وانقلب وعن أبي سعيد الخدري: أن رجلاً من اليهود أسلم فأصابته مصائب، فتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال «إنّ الإسلام لا يقال» فنزلت. المصاب بالمحنة بترك التسليم لقضاء الله والخروج إلى ما يسخط الله: جامع على نفسه محنتين، إحداهما: ذهاب ما أصيب به. والثانية: ذهاب ثواب الصابرين، فهو خسران الدارين. وقرئ {خاسر الدنيا والآخرة} بالنصب والرفع، فالنصب على الحال، والرفع على الفاعلية. ووضع الظاهر موضع الضمير، وهو وجه حسن. أو على أنه خبر مبتدأ محذوف استعير {الضلال البعيد} من ضلال من أبعد في التيه ضالاً، فطالت وبعدت مسافة ضلالته.
فإن قلت: الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين، وهذا تناقض قلت: إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم، وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماداً لا يملك ضراً ولا نفعاً، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله أنه يستنفع به حين يستشفع به، ثم قال: يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ، حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العشير} وكرّر يدعو، كأنه قال: يدعو يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه، ثم قال: لمن ضره بكونه معبوداً أقرب من نفعه بكونه شفيعاً لبئس المولى. وفي حرف عبد الله {من ضره} بغير لام. المولى: الناصر. والعشير: الصاحب، كقوله: {فَبِئْسَ القرين} [الزخرف: 38].

.تفسير الآيات (14- 15):

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
هذا كلام قد دخله اختصار. والمعنى إن الله ناصر رسوله في الدنيا والأخرة؛ فمن كان يظنّ من حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك ويطمع فيه، ويغيظه أنه يظفر بمطلوبه، فليستقص وسعه وليستفرغ مجهوده في إزالة ما يغيظه، بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيط كل مبلغ حتى مدّ حبلاً إلى سماء بيته فاختنق، فلينظر وليصوّر في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه؟ وسمي الاختناق قطعاً؛ لأنّ المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه. ومنه قيل للبهر: القطع وسمي فعله كيداً لأنه وضعه موضع الكيد، حيث لم يقدر على غيره. أو على سبيل الاستهزاء؛ لأنه لم يكد به محسوده إنما كاد به نفسه. والمراد: ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه. وقيل: فليمدد بحبل إلى السماء المظلة، وليصعد عليه فليقطع الوحي أو ينزل عليه. وقيل: كان قوم من المسلمين لشدّة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطؤن ما وعد الله رسوله من النصر، وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون أن لا يثبت أمره. فنزلت. وقد فسر النصر: بالرزق، وقيل: معناه أن الأرزاق بيد الله لا تنال إلا بمشيئته ولا بد للعبد من الرضا بقسمته، فمن ظنّ أن الله غير رازقه وليس به صبر واستسلام، فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق، فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يردّه مرزوقاً.

.تفسير الآية رقم (16):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}
أي: ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله {آيات بينات و} ل {أنّ الله يهدي} به الذين يعلم أنهم يؤمنون. أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى، أنزله كذلك مبيناً.

.تفسير الآية رقم (17):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)}
الفصل مطلق يحتمل الفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعاً، فلا يجازيهم جزاء واحداً بغير تفاوت، ولا يجمعهم في موطن واحد. وقيل: الأديان خمسة: أربعة للشيطان وواحد للرحمن جعل الصابئون مع النصارى لأنهم نوع منهم. وقيل: {يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} يقضي بينهم، أي بين المؤمنين والكافرين. وأدخلت {إِنَّ} على كل واحد من جزأي الجملة لزيادة التوكيد. ونحوه قول جرير:
إنَّ الْخَلِيفَةَ إنَّ اللَّهَ سَرْبَلَه ** سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الْخَوَاتِيمُ

.تفسير الآية رقم (18):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}
سميت مطاوعتها له فيما يحدث فيها من أفعاله ويجريها عليه من تدبيره وتسخيره لها: سجوداً له، تشبيهاً لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلف في باب الطاعة والانقياد، وهو السجود الذي كل خضوع دونه، فإن قلت: فما تصنع بقوله: {وَكَثِيرٌ مّنَ الناس} وبما فيه من الاعتراضين، أحدهما: أنّ السجود على المعنى الذي فسرته به، لا يسجده بعض الناس دون بعض.
والثاني: أنّ السجود قد أسند على سبيل العموم إلى من في الأرض من الإنس والجن أولاً، فإسناده إلى كثير منهم آخراً مناقضة؟ قلت: لا أنظم كثيراً في المفردات المتناسقة الداخلة تحت حكم الفعل، وإنما أرفعه بفعل مضمر يدل عليه قوله: {يَسْجُدُ} أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة. ولم أقل: أفسر يسجد الذي هو ظاهر بمعنى الطاعة والعبادة في حق هؤلاء؛ لأنّ اللفظ الواحد لا يصحّ استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين، أو أرفعه على الابتداء والخبر محذوف وهو مثاب، لأنّ خبر مقابله يدل عليه، وهو قوله: {حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} ويجوز أن يجعل (من الناس) خبراً له، أي: من الناس الذين هم الناس على الحقيقة وهم الصالحون والمتقون. ويجوز أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب، فيعطف كثير على كثير، ثم يخبر عنهم بحقّ عليهم العذاب، كأنه قيل: وكثير وكثير من الناس حق عليهم العذاب، وقرئ {حق} بالضم. وقرئ: {حقاً} أي حقّ عليهم العذاب حقاً. ومن أهانه الله- بأن كتب عليه الشقاوة لما سبق في علمه من كفره أو فسقه- فقد بقي مهانا لن تجد له مكرماً. وقرئ: {مكرم} بفتح الراء بمعنى الإكرام. إنه {يَفْعَلُ مَا يَشَاء} من الإكرام والإهانة ولا يشاء من ذلك إلا ما يقتضيه عمل العاملين واعتقاد المعتقدين.

.تفسير الآيات (19- 22):

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}
الخصم: صفة وصف بها الفوج أو الفريق، فكأنه قيل: هذان فوجان أو فريقان مختصمان وقوله: {هذان} للفظ. و{اختصموا} للمعنى، كقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ} [محمد: 16] ولو قيل: هؤلاء خصمان. أو اختصما: جاز يراد المؤمنون والكافرون. قال ابن عباس رجع إلى أهل الأديان الستة {فِى رَبّهِمْ} أي في دينه وصفاته.
وروي: أن أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أحق بالله، وأقدم منكم كتاباً، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً، فهذه خصومتهم في ربهم {فالذين كَفَرُواْ} هو فصل الخصومة المعنيّ بقوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} [الحج: 17] وفي رواية عن الكسائي: {خصمان} بالكسر، وقرئ: {قطعت} بالتخفيف، كأنّ الله تعالى يقدّر لهم نيراناً على مقادير جثثهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة. ويجوز أن تظاهر على كل واحد منهم تلك النيران كالثياب المظاهرة على اللابس بعضها فوق بعض. ونحوه {سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 50]. {الحميم} الماء الحار عن ابن عباس رضي الله عنه: لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها {يُصْهَرُ} يذاب وعن الحسن بتشديد الهاء للمبالغة، أي: إذا صبّ الحميم على رؤوسهم كان تأثيره في الباطن نحو تأثيره في الظاهر، فيذيب أحشاءهم وأمعاءهم كما يذيب جلودهم، وهو أبلغ من قوله: {وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} [محمد: 15] والمقامع: السياط. في الحديث: «لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها»، وقرأ الأعمش: {ردوا فيها} والإعادة والرد لا يكون إلا بعد الخروج. فالمعنى: كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم فخرجوا أعيدوا فيها. ومعنى الخروج: ما يروى عن الحسن أنّ النار تضربهم بلهبها فترفعهم، حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفاً وقيل لهم {ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} والحريق: الغليظ من النار المنتشر العظيم الإهلاك.

.تفسير الآيات (23- 25):

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
{يُحَلَّوْنَ} عن ابن عباس: من حِلَيت المرأَةُ فهي حال {وَلُؤْلُؤاً} بالنصب على: ويؤتون لؤلؤاً، كقوله: وحوراً عيناً. ولؤلؤاً بقلب الهمزة الثانية واواً. ولولياً؛ بقلبهما واوين، ثم بقلب الثانية ياء كأدل. ولول كأدل فيمن جرّ. ولولؤ، وليلياً، بقلبهما ياءين، عن ابن عباس: وهداهم الله وألهمهم أن يقولوا الحمد لله الذي صدقنا وعده، وهداهم إلى طريق الجنة. يقال: فلان يحسن إلى الفقراء وينعش المضطهدين، لا يراد حال ولا استقبال، وإنما يراد استمرار وجود الإحسان منه والنعشة في جميع أزمنته وأوقاته. ومنه قوله تعالى: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} أي الصدود منهم مستمرّ دائم {لِلنَّاسِ} أي الذين يقع عليهم اسم الناس من غير فرق بين حاضر وباد وتانيء وطاريء ومكي وآفاقي. وقد استشهد به أصحاب أبي حنيفة قائلين: إنّ المراد بالمسجد الحرام: مكة، على امتناع جواز بيع دور مكة وإجارتها. وعند الشافعي: لا يمتنع ذلك. وقد حاور إسحاق بن راهويه فاحتجّ بقوله: {الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم} [الحج: 40]، [الحشر: 8] وقال: أنسب الديار إلى مالكيها، أو غير مالكيها؟ واشترى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دار السجن من مالكيه أو غير مالكيه؟ {سَوَآء} بالنصب: قراءة حفص. والباقون على الرفع. ووجه النصب أنه ثاني مفعولي جعلناه، أَي: جعلناه مستوياً {العاكف فِيهِ والباد} وفي القراءة بالرفع. الجملة مفعول ثان. الإلحاد: العدول عن القصد، وأصله إلحاد الحافر. وقوله: {بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} حالان مترادفتان. ومفعول {يُرِدْ} متروك ليتناول كل متناول، كأنه قال: ومن يرد فيه مراداً ما عادلاً عن القصد ظالماً {نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} يعني أَنّ الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في جميع ما يهمّ به ويقصده. وقيل: الإلحاد في الحرم: منع الناس عن عمارته.
وعن سعيد بن جبير: الاحتكار.
وعن عطاء: قول الرجل في المبايعة: «لا والله، وبلى والله، وعن عبد الله بن عمر و أنه كان له فسطاطان، أحدهما: في الحل، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، فقيل له، فقال: كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل: لا والله وبلى والله». وقرئ: {يرد} بفتح الياء من الورود، ومعناه من أتى فيه بإلحاد ظالماً.
وعن الحسن: ومن يرد إلحاده بظلم. أراد: إلحاداً فيه، فأضافه على الاتساع في الظرف، كمكر الليل: ومعناه من يرد أن يلحد فيه ظالماً. وخبر إن محذوف لدلالة جواب الشرط عليه، تقديره: إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم؛ وكل من ارتكب فيه ذنباً فهو كذلك. عن ابن مسعود: الهمة في الحرم تكتب ذنباً.