فصل: تفسير الآية رقم (186):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (177):

{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)}
{سَاء مَثَلاً القوم} أي مثل القوم. أو ساء أصحاب مثل القوم.
وقرأ الجحدري: {ساء مثل القوم}. {وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} إما أن يكون معطوفاً على كذبوا، فيدخل في حيز الصلة بمعنى: الذين جمعوا بين التكذيب، بآيات الله وظلم أنفسهم. وإما أن يكون كلاماً منقطعاً عن الصلة، بمعنى: وما ظلموا إلاّ أنفسهم بالتكذيب، وتقديم المفعول به للاختصاص، كأنه قيل: وخصّوا أنفسهم بالظلم لم يتعدّها إلى غيرها.

.تفسير الآية رقم (178):

{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)}
{فَهُوَ المهتدى} حمل على اللفظ. و{فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} حمل على المعنى.

.تفسير الآية رقم (179):

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}
{كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس} هم المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم. وجعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحقّ، ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر، كأنهم عدموا فهم القلوب، وإبصار العيون واستماع الآذان. وجعلهم- لإعراقهم في الكفر وشدّة شكائمهم فيه، وأنه لا يأتي منهم إلاّ أفعال أهل النار- مخلوقين للنار، دلالة على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار ومنه كتاب عمر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد: بلغني أن أهل الشام اتخذوا لك دَلُوكاً عجن بخمر وإني لأظنكم آل المغيرة ذرء النار. ويقال لمن كان عريقاً في بعض الأمور: ما خلق فلان إلاّ لكذا. والمراد وصف حال اليهود في عظم ما أقدموا عليه من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع علمهم أنه النبي الموعود. وأنهم من جملة الكثير الذين لا يكاد الإيمان يتأتى منهم، كأنهم خلقوا للنار {أُوْلَئِكَ كالانعام} في عدم الفقه والنظر للاعتبار والاستماع للتدبر {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} من الأنعام عن الفقه والاعتبار والتدبر {أُوْلَئِكَ هُمُ الغافلون} الكاملون في الغفلة. وقيل: الأنعام تبصر منافعها ومضارّها فتلزم بعض ما تبصره، وهؤلاء أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار.

.تفسير الآية رقم (180):

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
{وَللَّهِ الاسماء الحسنى} التي هي أحسن الأسماء؛ لأنها تدلّ على معان حسنة من تمجيد وتقديس وغيرذلك {فادعوه بِهَا} فسموه بتلك الأسماء {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَئِهِ} واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحقّ والصواب فيها فيسمونه بغير الأسماء الحسنى، وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه، كما سمعنا البدو يقولون بجهلهم: يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه، يانخي. أو أن يأبوا تسميته ببعض أسمائه الحسنى. نحو أن يقولوا: يا ألله، ولا يقولوا: يا رحمن وقد قال الله تعالى: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن أَيَّامًا تَدْعُواْ فَلَهُ الاسماء الحسنى} [الإسراء: 110] ويجوز أن يراد: ولله الأوصاف الحسنى، وهي الوصف بالعدل والخير والإحسان وانتفاء شبه الخلق فصفوه بها، وذروا الذين يلحدون في أوصافه فيصفونه بمشيئة القبائح وخلق الفحشاء والمنكر وبما يدخل في التشبيه كالرؤية ونحوها، وقيل: إلحادهم في أسمائه: تسميتهم الأصنام آلهة، واشتقاقهم اللات من الله، والعزى من العزيز.

.تفسير الآية رقم (181):

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}
لما قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا} [الأعراف: 179] فأخبر أنّ كثيراً من الثقلين عاملون بأعمال أهل النار، أتبعه قوله: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول إذا قرأها: «هذه لكم» وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها، {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} [الأعراف: 159] وعنه صلى الله عليه وسلم: «إنّ من أمّتي قوماً على الحقّ حتى ينزل عيسى عليه السلام» وعن الكلبي: هم الذين آمنوا من أهل الكتاب. وقيل: هم العلماء والدعاة إلى الدين.

.تفسير الآيات (182- 185):

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}
الاستدراج: استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد، أو الاستنزال درجة بعد درجة. قال الأعشى:
فَلَوْ كُنْتَ فِي جُبٍّ ثَمَانِينَ قَامَةً ** وَرَقِيتَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّم

لَيَسْتَدرِجَنَّكَ الْقَوْلُ حَتَّى تَهَرَّه ** وَتَعْلَمَ أَنِي عَنْكُمْ غَيْرَ مُفْحَمِ

ومنه: درج الصبي إذا قارب بين خطاه. وأدرج الكتاب: طواه شيئاً بعد شيء. ودرج القوم: مات بعضهم في أثر بعض. ومعنى {سَنَسْتَدْرِجُهُم} سنستدينهم قليلاً قليلاً إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم {مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} ما يراد بهم، وذلك أن يواتر الله نعمه عليهم مع أنهماكهم في الغيّ. فكلّما جدّد عليهم نعمة ازدادوا بطراً وجدّدوا معصية، فيتدرّجون في المعاصي بسبب ترادف النعم، ظانين أنّ مواترة النعم أثرة من الله وتقريب، وإنما هي خذلان منه وتبعيد، فهو استدراج الله تعالى، نعوذ بالله منه {وَأُمْلِى لَهُمْ} عطف على {سَنَسْتَدْرِجُهُم} وهو داخل في حكم السين {إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ} سماه كيداً لأنه شبيه بالكيد، من حيث أنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان {مَا بِصَاحِبِهِم} بمحمد صلى الله عليه وسلم {مّن جِنَّةٍ} من جنون، وكانوا يقولون شاعر مجنون.
وعن قتادة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم علا الصفا فدعاهم فخذاً فخذاً يحذرهم بأس الله، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوِّت إلى الصباح {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ} نظر استدلال {فِى مَلَكُوتِ السماوات والأرض} فيما تدلاّن عليه من عظم الملك. والملكوت: الملك العظيم {وَمَا خَلَقَ الله مِن شَيْء} وفيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشيء ومن أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف {وَأَنْ عسى} أن مخففة من الثقيلة، والأصل: أنه عسى، على أن الضمير ضمير الشأن. والمعنى: أو لم ينظروا في أنّ الشأن والحديث عسى {أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ} ولعلهم يموتون عما قريب، فيسارعوا إلى النظر وطلب الحق وما ينجيهم. قبل مغافصة الأجل وحلول العقاب ويجوز أن يراد باقتراب الأجل: اقتراب الساعة، ويكون من (كان) التي فيها ضمير الشأن.
فإن قلت: بم يتعلق قوله: {فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}؟ قلت: بقوله: {عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ} كأنه قيل: لعلّ أجلهم قد اقترب، فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحقِّ، وبأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا.

.تفسير الآية رقم (186):

{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}
قرئ: {ويذرهم} بالياء والنون، والرفع على الاستئناف، ويذرهم، بالياء والجزم عطفاً على محل {فَلاَ هَادِيَ لَهُ} كأنه قيل: من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم.

.تفسير الآية رقم (187):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}
{يَسْئَلُونَكَ} قيل: إن قوماً من اليهود قالوا: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً، فإنا نعلم متى هي، وكان ذلك امتحاناً منهم، مع علمهم أن الله تعالى قد استأثر بعلمها. وقيل: السائلون قريش. و{الساعة} من الأسماء الغالبة، كالنجم للثريا. وسميت القيامة بالساعة، لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها، أو على العكس لطولها، أو لأنها عند الله على طولها كساعة من الساعات عند الخلق. {أَيَّانَ} بمعنى متى. وقيل؛ اشتقاقه من أيّ فعلان منه، لأنّ معناه أيّ وقت وأيّ فعل، من أويت إليه، لأنّ البعض آو إلى الكل متساند إليه، قاله ابن جني، وأبى أن يكون من {أين} لأنّه زمان، {وأين} مكان.
وقرأ السلمي {إيان} بكسر الهمزة {مرساها} إرساؤها، أو وقت إرسائها؛ أي إثباتها وإقرارها. وكل شيء ثقيل رسّوه ثباته واستقراره. ومنه رسي الجبل وأرسي السفينة. والمرسى: الأنجر الذي ترسى به، ولا أثقل من الساعة، بدليل قوله {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض} والمعنى حتى يرسيها الله {إِنَّمَا عِلْمُهَا} أي علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به، ولم يخبر به أحداً من ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل، يكاد يخفيها من نفسه، ليكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أخفى الأجل الخاص وهو وقت الموت لذلك {لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} أي لا تزال خفية، لا يظهر أمرها ولا يكشف خفاء علمها إلاّ هو وحده إذا جاء في وقتها بغتة، لا يجليها بالخبر عنها قبل مجيئها أحد من خلقه، لاستمرار الخفاء بها على غيره إلى وقت وقوعها {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض} أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة، وبودّه أن يتجلى له علمها وشقّ عليه خفاؤها وثقل عليه. أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها. أو لأنّ كل شيء لا يطيقها ولا يقوم لها فهي ثقيلة فيها {إِلاَّ بَغْتَةً} إلاّ فجأة على غفلة منكم.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقوّم سلعته في سوقه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه» {كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا} كأنك عالم بها. وحقيقته: كأنك بليغ في السؤال عنها، لأنّ من بالغ في المسألة عن الشيء والتنقير عنه، استحكم فيه ورصن وهذا التركيب معناه المبالغة. ومنه إحفاء الشارب. إحتفاء البقل: استئصاله. وأحفى في المسألة، إذا ألحف وحفي بفلان وتحفى به: بالغ في البرّ به.
وعن مجاهد: استحفيت عنها السؤال حتى علمت.
وقرأ ابن مسعود: {كأنك حفيّ بها} أي عالم بها بليغ في العلم بها. وقيل: {عَنْهَا} متعلق بيسئلونك: أي يسئلونك عنها كأنك حفيّ أي عالم بها.
وقيل: إن قريشاً قالوا له إن بيننا وبينك قرابة، فقل لنا متى الساعة؟ فقيل: يسئلونك عنها كأنك حفيّ تتحفى بهم فتختصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة وتزوي علمها عن غيرهم، ولو أخبرت بوقتها لمصلحة عرفها الله في إخبارك به، لكنت مبلغه القريب والبعيد من غير تخصيص، كسائر ما أوحي إليك. وقيل: كأنك حفيّ بالسؤال عنها تحبه وتؤثره، يعني أنك تكره السؤال عنها لأنها من علم الغيب الذي استأثر الله به ولم يؤته أحداً من خلقه.
فإن قلت: لم كرر يسئلونك وإنما علمها عند الله؟ قلت: للتأكيد، ولما جاء به من زيادة قوله: {كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا} وعلى هذا تكرير العلماء الحذاق في كتبهم لا يخلون المكرر من فائدة زائدة، منهم محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أنه العالم بها، وأنه المختص بالعلم بها.

.تفسير الآية رقم (188):

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى} هو إظهار للعبودية والانتفاء عما يختص بالربوبية من علم الغيب: أي أنا عبد ضعيف لا أملك لنفسي اجتلاب نفع ولا دفع ضرركما المماليك والعبيد {إِلاَّ مَا شَاء} ربي ومالكي من النفع لي والدفع عني {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب} لكانت حالي على خلاف ما هي عليه، من استكثار الخير، واستغزار المنافع، واجتناب السوء والمضارّ، حتى لا يمسني شيء منها. ولم أكن غالباً مرة ومغلوباً أخرى في الحروب. ورابحاً وخاسراً في التجارات، ومصيباً و مخطئاً في التدابير {إِنْ أَنَا إِلاَّ} عبد أرسلت نذيراً وبشيراً، وما من شأني أني أعلم الغيب {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يجوز أن يتعلق بالنذير والبشير جميعاً، لأن النذارة والبشارة إنما تنفعان فيهم. أو يتعلق بالتبشير وحده ويكون المتعلق بالنذير محذوفاً أي إلا نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون.

.تفسير الآيات (189- 190):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)}
{مّن نَّفْسٍ واحدة} وهي نفس آدم عليه السلام {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وهي حواء، خلقها من جسد آدم من ضلع من أضلاعه. أو من جنسها كقوله: {جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النمل: 72] {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} ليطمئن إليها ويميل ولا ينفر؛ لأن الجنس إلى الجنس أميل وبه آنس، وإذا كانت بعضاً منه كان السكون والمحبة أبلغ، كما يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه لكونه بضعة منه. وقال: {لِيَسْكُنَ} فذكر بعد ما أنث في قوله: {واحدة} {منها زوجها}، ذهابا إلى معنى النفس ليبين أن المراد بها آدم. ولأن الذكر هو الذي يسكن إلى الأنثى ويتغشاها، فكان التذكير أحسن طباقاً للمعنى. والتغشي: كناية عن الجماع، وكذلك الغشيان والإتيان {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا} خف عليها، ولم تلق منه ما يلقى بعض الحبالي من حملهن من الكرب والأذى، ولم تستثقله كما يستثقلنه. وقد تسمع بعضهن تقول في ولدها: ما كان أخفه على كبدي حين حملته {فَمَرَّتْ بِهِ} فمضت به إلى وقت ميلاده من غير إخداج ولا إزلاق وقيل: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا} يعني النطفة {فَمَرَّتْ بِهِ} فقامت به وقعدت.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنه: {فاستمرت به} وقرأ يحيى بن يعمر {فمرت به} بالتخفيف.
وقرأ غيره {فمارت به} من المرية، كقوله: {أفتمارونه} وأفتمرونه. ومعناه: فوقع في نفسها ظن الحمل، فارتابت به. {فَلَمَّا أَثْقَلَت} حان وقت ثقل حملها كقولك: أقربت. وقرئ {أُثقلت}، على البناء للمفعول: أي أثقلها الحمل {دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا} دعا آدم وحواء رَبَّهما ومالِكَ أمرهما الذي هو الحقيقي بأن يدعى ويلتجأ إليه فقالا: {لَئِنْ ءاتَيْتَنَا} لئن وهبت لنا {صالحا} ولداً سوياً قد صلح بدنه وبرئ. وقيل: ولداً ذكراً، لأن الذكورة من الصلاح والجودة. والضمير في {ءَاتَيْتَنَا} و{لَّنَكُونَنَّ}. لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما {فَلَمَّا ءاتاهما} ما طلباه من الولد الصالح السويّ {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء} أي جعل أولادهما له شركاء، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وكذلك {فِيمَا ءاتاهما} أي آتى أولادهما، وقد دلّ على ذلك بقوله: {فتعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} حيث جمع الضمير. وآدم وحواء بريئان من الشرك. ومعنى إشراكهم فيما آتاهم الله: تسميتهم أولادهم بعبد العزى وعبد مناة، وعبد شمس وما أشبه ذلك، مكان عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم. ووجه آخر وهو أن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم آل قصي ألا ترى إلى قوله في قصة أم معبد.
فَيَا لَقُصَيّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُم ** بِهِ مِنْ فَخَارٍ لاَ يُبَارَى وَسُودَدِ

ويراد هو الذي خلقكم من نفس قصيّ، وجعل من جنسها زوجها عربية قرشية ليسكن إليها، فلما آتاهما ما طلبا من الولد الصالح السويّ جعلا له شركاء فيما آتاهما، حيث سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزى وعبد قصيّ وعبد الدار، وجعل الضمير في {يُشْرِكُونَ} لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك، وهذا تفسير حسن لا إشكال فيه. وقرئ {شركا}، أي ذوي شرك وهم الشركاء، أو أحدثا لله شركاً في الولد.