فصل: تفسير الآية رقم (19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (10- 12):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)}
أي: ينادون يوم القيامة، فيقال لهم: {لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ} والتقدير: لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، فاستغنى بذكرها مرة. و{إِذْ تُدْعَوْنَ} منصوب بالمقت الأوّل. والمعنى: أنه يقال لهم يوم القيامة: كان الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر، حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان، فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر أشدّ مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار إذا أوقعتكم فيها باتباعكم هواهنّ.
وعن الحسن: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم، فنودوا لمقت الله. وقيل: معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض، كقوله تعالى: {يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت: 25] و{إِذْ تُدْعَوْنَ}: تعليل، والمقت: أشدّ البغض، فوضع في موضع أبلغ الإنكار وأشدّه {اثنتين} إماتتين وإحياءتين. أو موتتين وحياتين. وأراد بالإماتتين: خلقهم أمواتاً أوّلاً، وإماتتهم عند انقضاء آجالهم، وبالإحيائتين الإحياءة الأولى وإحياءة البعث. وناهيك تفسيراً لذلك قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] وكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فإن قلت: كيف صحّ أن يسمى خلقهم أمواتاً: إماتة؟ قلت: كما صحّ أن تقول: سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيل! وقولك للحفار: ضيق فم الركية ووسع أسفلها، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ولا من صغر إلى كبر، ولا من ضيق إلى سعة، ولا من سعة إلى ضيق، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معاً على المصنوع الواحد، من غير ترجح لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة. فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه، ومن جعل الإماتتين التي بعد حياة الدنيا والتي بعد حياة القبر لزمه ثلاث إثبات إحياءات، وهو خلاف ما في القرآن، إلاّ أن يتمحل فيجعل إحداها غير معتدّ بها، أو يزعم أن الله تعالى يحييهم في القبور، وتستمرّ بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها، ويعدّهم في المستثنيين من الصعقة في قوله تعالى {إِلاَّ مَن شَاء الله} [النمل: 78].
فإن قلت: كيف تسبب هذا لقوله تعالى: {فاعترفنا بِذُنُوبِنَا}؟ قلت: قد أنكروا البعث فكفروا، وتبع ذلك من الذنوب ما لا يحصى؛ لأن من لم يخش العاقبة تخرق في المعاصي، فلما رأوا الإماتة والإحياء قد تكرّرا عليهم، علموا بأن الله قادر على الإعادة قدرته على الإنشاء، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم {فَهَلْ إلى خُرُوجٍ} أي: إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء {مّن سَبِيلٍ} قط، أم اليأس واقع دون ذلك، فلا خروج ولا سبيل إليه. وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط، وإنما يقولون ذلك تعللاً وتحيراً؛ ولهذا جاء الجواب على حسب ذلك، وهو قوله: {ذَلِكُم} أي؛ ذلكم الذي أنتم فيه، وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط بسبب كفركم بتوحيد الله وإيمانكم بالإشراك به {فالحكم للَّهِ} حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد: وقوله: {العلى الكبير} دلالة على الكبرياء والعظمة، وعلى أن عقاب مثله لا يكون إلاّ كذلك، وهو الذي يطابق كبرياءه ويناسب جبروته. وقيل: كأن الحرورية أخذوا قولهم: لا حكم إلاّ لله، من هذا.

.تفسير الآيات (13- 16):

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)}
{يُرِيكُمْ ءاياته} من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها. والرزق: المطر، لأنه سببه {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ} وما يتعظ وما يعتبر بآيات الله إلاّ من يتوب من الشرك ويرجع إلى الله، فإن المعاند لا سبيل إلى تذكره واتعاظه، ثم قال للمنيبين {فادعوا الله} أي: اعبدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من الشرك، وإن غاظ ذلك أعداءكم ممن ليس على دينكم. {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش يُلْقِى الروح} ثلاثة أخبار، لقوله: (هو) مترتبة على قوله: {الذى يُرِيكُمُ} أو أخبار مبتدأ محذوف، وهي مختلفة تعريفاً وتنكيراً. وقرئ: {رفيع الدرجات} بالنصب على المدح. ورفيع الدرجات، كقوله تعالى: {ذِي المعارج} [المعارج: 3] وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش، وهي دليل على عزّته وملكوته.
وعن ابن جبير: سماء فوق سماء. والعرش فوقهن. ويجوز أن يكون عبارة عن رفعة شأنه وعلوّ سلطانه، كما أنّ ذا العرش عبارة عن ملكه. وقيل: هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءه في الجنة {الروح مِنْ أَمْرِهِ} الذي هو سبب الحياة من أمره، يريد: الوحي الذي هو أمر بالخير وبعث عليه، فاستعار له الروح، كما قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه} [الأنعام: 122] {لّيُنذِرَ} الله. أو الملقى عليه: وهو الرسول أو الروح. وقرئ: {لتنذر} أي: لتنذر الروح لأنها تؤنث، أو على خطاب الرسول. وقرئ: {لينذر يوم التلاق} على البناء للمفعول {يَوْمَ التلاق} يوم القيامة، لأن الخلائق تلتقي فيه. وقيل: يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض. وقيل: المعبود والعابد {يَوْمَ هُم بارزون} ظاهرون لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء، لأنّ الأرض بارزة قاع صفصف، ولا عليهم ثياب، إنما هم عراة مكشوفون، كما جاء في الحديث: «تحشرون عراة حفاة غرلاً» {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْء}. أي: من أعمالهم وأحوالهم.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: لا يخفى عليه منهم شيء.
فإن قلت: قوله: {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْء} بيان وتقرير لبروزهم، والله تعالى لا يخفى عليه منهم شيء برزوا أو لم يبرزوا، فما معناه؟ قلت: معناه أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب: أنّ الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه. قال الله تعالى: {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون} [فصلت: 22]. وقال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله} [النساء: 108] وذلك لعلمهم أنّ الناس يبصرونهم؛ وظنهم أنّ الله لا يبصرهم، وهو معنى قوله: {وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48]، {لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} حكاية لما يسئل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به. ومعناه: أنه ينادي مناد فيقول: لمن الملك اليوم؟ فيجيبه أهل المحشر: لله الواحد القهار. وقيل: يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يُعْصَ اللهُ فيها قط، فأوّل ما يتكلم به أن ينادي منادٍ: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس...} الآية. فهذا يقتضي أن يكون المنادي هو المجيب.

.تفسير الآية رقم (17):

{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)}
لما قرّر أن الملك لله وحده في ذلك اليوم عدّد نتائج ذلك، وهي أنّ كل نفس تجزى ما كسبت وأن الظلم مأمون، لأن الله ليس بظلام للعبيد، وأن الحساب لا يبطئ، لأن الله لا يشغله حساب على حساب، فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو أسرع الحاسبين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا أخذ في حسابهم لم يَقِلْ أهل الجنة إلاّ فيها ولا أهل النار إلاّ فيها.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)}
الآزفة: القيامة، سميت بذلك لأزوفها، أي: لقربها. ويجوز أن يريد بيوم الآزفة: وقت الخطة الآزفة، وهي مشارفتهم دخول النار، فعند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارّها فتلصق بحناجرهم، فلا هي تخرج فيموتوا، ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروّحوا، ولكنها معترضة كالشجا، كما قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} [الملك: 27].
فإن قلت: {كاظمين} بما انتصب؟ قلت: هو حال عن أصحاب القلوب على المعنى، لأن المعنى: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها. ويجوز أن يكون حالاً عن القلوب، وأن القلوب كاظمة على غمّ وكرب فيها مع بلوغها الحناجر، وإنما جمع الكاظم جمع السلامة، لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء، كما قال تعالى: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] وقال: {فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خَضِعِينَ} [الشعراء: 4] وتعضده قراءة من قرأ: {كاظمون} ويجوز أن يكون حالاً عن قوله: وأنذرهم، أي: وأنذرهم مقدّرين أو مشارفين الكظم، كقوله تعالى: {فادخلوها خالدين} [الزمر: 73] الحميم: المحب المشفق. والمطاع: مجاز في المشفع، لأنّ حقيقة الطاعة نحو حقيقة الأمر في أنها لا تكون إلاّ لمن فوقك.
فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ}؟ قلت: يحتمل أن يتناول النفي الشفاعة والطاعة معاً، وأن يتناول الطاعة دون الشفاعة، كما تقول: ما عندي كتاب يباع، فهو محتمل نفي البيع وحده، وأن عندك كتاباً إلا أنك لا تبيعه، ونفيهما جميعاً، وأن لا كتاب عندك، ولا كونه مبيعاً. ونحوه:
وَلاَ تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرُ

يريد: نفي الضب وانجحاره.
فإن قلت: فعلى أي الاحتمالين يجب حمله؟ قلت: على نفي الأمرين جميعاً، من قبل أن الشفعاء هم أولياء الله، وأولياء الله لا يحبون ولا يرضون إلاّ من أحبه الله ورضيه، وأنّ الله لا يحبّ الظالمين، فلا يحبونهم، وإذا لم يحبوهم لم ينصروهم ولم يشفعوا لهم. قال الله تعالى: {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} [البقرة: 270] وقال: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} [الأنبياء: 28] ولأن الشفاعة لا تكون إلاّ في زيادة التفضل، وأهل التفضل وزيادته إنما هم أهل الثواب، بدليل قوله تعالى: {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ} [النساء: 174] وعن الحسن رضي الله عنه: والله ما يكون لهم شفيع البتة، فإن قلت: الغرض حاصل بذكر الشفيع ونفيه، فما الفائدة في ذكر هذه الصفة ونفيها؟ قلت: في ذكرها فائدة جليلة، وهي أنها ضمت إليه، ليقام انتفاء الموصوف مقام الشاهد على انتفاء الصفة، لأن الصفة لا تتأتى بدون موصوفها، فيكون ذلك إزالة لتوهم وجود الموصوف، بيانه: أنك إذا عوتبت على القعود عن الغزو فقلت: ما لي فرس أركبه، ولا معي سلاح أحارب به، فقد جعلت عدم الفرس وفقد السلاح علة مانعة من الركوب والمحاربة، كأنك تقول: كيف يتأتى مني الركوب والمحاربة ولا فرس لي ولا سلاح معي، فكذلك قوله: {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} معناه: كيف يتأتى التشفيع ولا شفيع، فكان ذكر التشفيع والاستشهاد على عدم تأتيه بعدم الشفيع: وضعاً لانتفاء الشفيع موضع الأمر المعروف غير المنكر الذي لا ينبغي أن يتوهم خلافه.

.تفسير الآية رقم (19):

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)}
الخائنة: صفة للنظرة. أو مصدر بمعنى الخيانة، كالعافية بمعنى المعافاة، والمراد: استراق النظر إلى ما لا يحل، كما يفعل أهل الريب، ولا يحسن أن تراد الخائنة من الأعين، لأن قوله: {وَمَا تُخْفِى الصدور} لا يساعد عليه.
فإن قلت: بم اتصل قوله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعين}؟ قلت: هو خبر من أخبار هو في قوله: {هُوَ الذى يُرِيكُمُ} [غافر: 13] مثل {يُلْقِى الروح} ولكن يلقي الروح قد علل بقوله: {لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق} ثم استطرد ذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله: {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} فبعد لذلك عن أخواته.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)}
{والله يَقْضِى بالحق} يعني: والذي هذه صفاته وأحواله لا يقضي إلاّ بالحق والعدل. لاستغنائه عن الظلم. وآلهتكم لا يقضون بشيء. وهذا تهكم بهم، لأن ما لا يوصف بالقدرة لا يقال فيه: يقضي، أو لا يقضي {إِنَّ الله هُوَ السميع البصير} تقرير لقوله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعين وَمَا تُخْفِى الصدور} ووعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعملون، وأنه يعاقبهم عليه وتعريض بما يدعون من دون الله، وأنها لا تسمع ولا تبصر، وقرئ: {يدعون} بالتاء والياء.

.تفسير الآيات (21- 22):

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)}
(هم) في {كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ} فصل.
فإن قلت: من حق الفصل أن لا يقع إلاّ بين معرفتين فما باله واقعاً بين معرفة وغير معرفة؟ وهو أشدّ منهم.
قلت: قد ضارع المعرفة في أنه لا تدخله الألف واللام، فأجري مجراها. وقرئ: «منكم» وهي في مصاحف أهل الشام {وَءَاثَاراً} يريد حصونهم وقصورهم وعددهم، وما يوصف بالشدّة من آثارهم. أو: أراد وأكثر آثاراً، كقوله:
مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً