فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (16- 25):

{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)}
الضمير في {بِهِ} للقرآن. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقن الوحي نازع جبريل القراءة، ولم يصبر إلى أن يتمها، مسارعة إلى الحفظ وخوفاً من أن يتفلت منه، فأمر بأن يستنصت له ملقياً إليه بقلبه وسمعه، حتى يقضى إليه وحيه، ثم يقفيه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه. والمعنى: لا تحرّك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل صلوات الله عليه يقرأ {لِتَعْجَلَ بِهِ} لتأخذه على عجلة، ولئلا يتفلت منك. ثم علل النهي عن العجلة بقوله {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في صدرك وإثبات قراءته في لسانك {فَإِذَا قرأناه} جعل قراءة جبريل قراءته: والقرآن القراءة {فاتبع قُرْءَانَهُ} فكن مقفياً له فيه ولا تراسله، وطأمن نفسك أنه لا يبقى غير محفوظ، فنحن في ضمان تحفيظه {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} إذا أشكل عليك شيء من معانيه، كأنه كان يعجل في الحفظ والسؤال عن المعنى جميعاً، كما ترى بعض الحراص على العلم؛ ونحوه {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114]، {كَلاَّ} ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة وإنكار لها عليه، وحثّ على الأناة والتؤدة، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله: {بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة} كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة {وَتَذَرُونَ الأخرة} وقرئ بالياء وهو أبلغ فإن قلت: كيف اتصل قوله {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} إلى آخره، بذكر القيامة؟ قلت: اتصاله به من جهة هذا للتخلص منه، إلى التوبيخ بحب العاجلة، وترك الأهتمام بالآخرة. الوجه: عبارة عن الجملة والناضرة من نضرة النعيم {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول، ألا ترى إلى قوله: {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر (12)} [القيامة: 12]، {إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق (30)}، {إِلَى الله تَصِيرُ الامور} [الشورى: 53]، {وإلى الله المصير} [آل عمران: 28]، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245]، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]، كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإنّ المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظوراً إليه: محال، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص، والذي يصح معه أن يكون من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي، تريد معنى التوقع والرجاء. ومنه قول القائل:
وَإذَا نَطَرْتُ إلَيْكَ مِنْ ملك ** وَالْبَحْرُ دُونَكَ زِدْتَني نِعَمَا

وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم، ويأوون إلى مقائلهم، تقول: عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم، والمعنى: أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه، والباسر: الشديد العبوس، والباسل: أشد منه، ولكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحه {تَظُنُّ} تتوقع أن يفعل بها فعل هو في شدّته وفظاعته {فَاقِرَةٌ} داهية تقصم فقار الظهر، كما توقعت الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير.

.تفسير الآيات (26- 30):

{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)}
{كَلاَّ} ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك، وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم، وتنتقلون إلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين. والضمير في {بَلَغَتِ} للنفس وإن لم يجر لها ذكر، لأنّ الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها، كما قال حاتم:
أَمَاوِيَّ مَا يُغْني الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ** إذَا حَشْرَجَتْ يَوْماً وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ

وتقول العرب: أرسلت، يريدون: جاء المطر، ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء {التراقى} العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال. ذكرهم صعوبة الموت الذي هو أول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ودنا زهوقها: وقال حاضروا صاحبها- وهو المحتضر- بعضهم لبعض {مَنْ رَاقٍ} أيكم يرقيه مما به؟ وقيل: هو كلام ملائكة الموت: أيكم يرقى بروحه؟ ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ {وَظَنَّ} المحتضر {أَنَّهُ الفراق} أنّ هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة {والتفت} ساقه بساقه والتوت عليها عند علز الموت.
وعن قتادة: ماتت رجلاه فلا تحملانه، وقد كان عليهما جوّالاً. وقيل: شدّة فراق الدنيا بشدّة إقبال الآخرة، على أن الساق مثل في الشدّة.
وعن سعيد بن المسيب: هما ساقاه حين تلفان في أكفانه {المساق} أي يساق إلى الله وإلى حكمه.

.تفسير الآيات (31- 35):

{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)}
{فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى (31)} يعني الإنسان في قوله: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: 3] ألا ترى إلى قوله: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]، وهو معطوف على {يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القيامة} [القيامة: 6] أي: لا يؤمن بالبعث، فلا صدق بالرسول والقرآن. ولا صلى ويجوز أن يراد: فلا صدق ماله، بمعنى: فلا زكاة. وقيل: نزلت في أبي جهل {يتمطى} يتبختر. وأصله يتمطط، أي: يتمدد، لأن المتبختر يمدّ خطاه. وقيل: هو من المطا وهو الظهر، لأنه يلويه. وفي الحديث: «إذا مشت أمتى المطيطاء وخدمتهم فارس والروم فقد جعل بأسهم بينهم» يعني: كذب برسول الله صلى الله عليه وسلم وتولى عنه وأعرض، ثم ذهب إلى قومه يتبختر افتخاراً بذلك {أولى لَكَ} بمعنى ويل لك، وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره.

.تفسير الآيات (36- 40):

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}
{فَخَلَقَ} فقدر {فسوى} فعدل {مِنْهُ} من الإنسان {الزوجين} الصنفين {أَلَيْسَ ذَلِكَ} الذي أنشأ هذا الإنشاء {بقادر} على الإعادة.
وروي: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال «سبحانك بلى».
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القيامة شهدت له أنا وجبريل يوم القيامة أنه كان مؤمناً بيوم القيامة».

.سورة الإنسان:

.تفسير الآية رقم (1):

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)}
هل بمعنى (قد) في الاستفهام خاصة، والأصل: أهل، بدليل قوله:
أَهَلْ رَأَوْنَا بِسَفْعِ الْقَاعِ ذِي الأكمِ

فالمعنى: أقد أتى؟ على التقرير والتقريب جميعاً، أي: أتى على الإنسان قبل زمان قريب {حِينٌ مّنَ الدهر لَمْ يَكُن} فيه {شَيْئاً مَّذْكُوراً} أي كان شيئاً منسياً غير مذكور نطفة في الأصلاب والمراد بالإنسان: جنس بني آدم، بدليل قوله: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ} [الإنسان: 2]؟ {حين منالدهر} طائفة من الزمن الطويل الممتد فإن قلت: ما محل {لم يكن شيئاً مذكوراً} قلت: محله النصب على الحال من الإنسان، كأنه قيل: هل أتى عليه حين من الدهر غير مذكور. أو الرفع على الوصف لحين، كقوله: {يَوْماً لاَّ يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ} [لقمان: 33]، وعن بعضهم: أنها تليت عنده فقال: ليتها تمت، أراد: ليت تلك الحالة تمت، وهي كونه شيئاً غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف.

.تفسير الآية رقم (2):

{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)}
{نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} كبرمة أعشار، وبرد أكياش: وهي ألفاظ مفردة غير جموع، ولذلك وقعت صفات للأفراد. ويقال أيضاً: نطفة مشج، قال الشماخ:
طَوَتْ أَحْشَاءُ مُرْتَجَةٍ لِوَقْتٍ ** عَلَى مَشَجٍ سُلاَلَتُهُ مَهِينُ

ولا يصحّ أمشاج أن يكون تكسيراً له، بل هما مثلان في الإفراد، لوصف المفرد بهما. ومشجه ومزجه: بمعنى. والمعنى من نطفة قد امتزج فيها الماءان.
وعن ابن مسعود: هي عروق النطفة.
وعن قتادة: أمشاج ألوان وأطوار، يريد: أنها تكون نطفة، ثم علقة، ثم مضغة {نَّبْتَلِيهِ} في موضع الحال، أي: خلقناه مبتلين له، بمعنى: مريدين ابتلاءه، كقولك: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً، تريد: قاصداً به الصيد غداً. ويجوز أن يراد: ناقلين له من حال إلى حال، فسمي ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة.
وعن ابن عباس: نصرّفه في بطن أمّه نطفة ثم علقة. وقيل: هو في تقدير التأخير، يعني: فجعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه، وهو من التعسف.

.تفسير الآية رقم (3):

{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)}
شاكراً وكفوراً: حالان من الهاء في هديناه، أي: مكناه وأقدرناه في حالتيه جميعاً. أو دعوناه إلى الإسلام بأدلة العقل (السمع) كان معلوماً منه أنه يؤمن أو يكفر لإلزام الحجة. ويجوز أن يكونا حالين من السبيل، أي: عرّفناه السبيل إما سبيلاً شاكراً وإما سبيلاً كفوراً كقوله: {وهديناه النجدين} [البلد: 10] ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز.
وقرأ أبو السّمّال بفتح الهمزة في (أما) وهي قراءة حسنة والمعنى: أما شاكراً فبتوفيقنا، وأما كفوراً فبسوء اختياره.

.تفسير الآية رقم (4):

{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)}
ولما ذكر الفريقين أتبعهما الوعيد والوعد. وقرئ {سلاسل} غير منوّن. {وسلاسلا}، بالتنوين. وفيه وجهان: أحدهما أن تكون هذه النون بدلا من حرف الإطلاق، ويجري الوصل مجرى الوقف.
والثاني: أن يكون صاحب القراءة به ممن ضري برواية الشعر ومرن لسانه على صرف غير المنصرف.

.تفسير الآيات (5- 10):

{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)}
{الأبرار} جمع برّ أو بارّ، كرب وأرباب، وشاهد وأشهاد.
وعن الحسن: هم الذين لا يؤذون الذرّ والكأس: الزجاجة إذا كانت فيها خمر، وتسمى الخمر نفسها: كأساً {مِزَاجُهَا} ما تمزج به {كَافُوراً} ماء كافور، وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده. و{عَيْناً} بدل منه.
وعن قتادة: تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك. وقيل: تخلق فيها رائحة الكافور وبياضه وبرده، فكأنها مزجت بالكافور. و{عَيْناً} على هذين القولين: بدل من محل {مِن كَأْسٍ} على تقدير حذف مضاف، كأنه قيل: يشربون فيها خمراً خمر عين. أو نصب على الاختصاص.
فإن قلت: لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أوّلاً، وبحرف الإلصاق آخراً؟ قلت: لأنّ الكأس مبدأ شربهم وأوّل غايته؛ وأما العين فبها يمزجون شرابهم فكان المعنى: يشرب عباد الله بها الخمر، كما تقول: شربت الماء بالعسل {يُفَجّرُونَهَا} يجرونها حيث شاؤا من منازلهم {تَفْجِيرًا} سهلا لا يمتنع عليهم {يُوفُونَ} جواب من عسى، يقول: ما لهم يرزقون ذلك، والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات؛ لأنّ من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى {مُسْتَطِيراً} فاشياً منتشراً بالغاً أقصى المبالغ، من استطار الحريق، واستطار الفجر. وهو من طار، بمنزلة استنفر من نفر {على حُبِّهِ} الضمير للطعام، أي: مع اشتهائه والحاجة إليه. ونحوه {وآتى المال على حبه} [البقرة: 177]، {لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وعن الفضيل بن عياض: على حب الله {وَأَسِيراً} عن الحسن: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: أحسن إليه؛ فيكون عنده اليومين والثلاثة، فيؤثره على نفسه. وعند عامة العلماء: يجوز الإحسان إلى الكفار في دار الإسلام ولا تصرف إليهم الواجبات وعن قتادة: كان أسيرهم يومئذ المشرك، وأخوك المسلم أحق أن تطعمه.
وعن سعيد بن جبير وعطاء: هو الأسير من أهل القبلة، وعن أبي سعيد الخدري: هو المملوك والمسجون. وسمى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الغريم أسيراً، فقال «غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك» {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ} على إرادة القول. ويجوز أن يكون قولا باللسان منعاً لهم عن المجازاة بمثله أو بالشكر؛ لأن إحسانهم مفعول لوجه الله؛ فلا معنى لمكافأة الخلق. وأن يكون قولهم لهم لطفاً وتفقيها وتنبيهاً، على ما ينبغي أن يكون عليه من أخلص لله.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت، ثم تسأل الرسول ما قالوا؟ فإذا ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصاً عند الله.
ويجوز أن يكون ذلك بياناً وكشفاً عن اعتقادهم وصحة نيتهم وإن لم يقولوا شيئاً.
وعن مجاهد: أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله منهم فأثنى عليهم. والشكور والكفور: مصدران كالشكر والكفر {إِنَّا نَخَافُ} يحتمل أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم، لا لإرادة مكافأتكم؛ وإنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى على طلب المكافأة بالصدقة. ووصف اليوم بالعبوس. مجاز على طريقين: أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء، كقولهم: نهارك صائم: روي أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران، وأن يشبه في شدته وضرره بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل: والقمطرير: الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه. قال الزجاج: يقال: اقمطرت الناقة: إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها وزمت بأنفها فاشتقه من القطر وجعل الميم مزيدة. قال أسد بن ناعصة.
واصطليت الْحُرُوبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ ** بَاسِلَ الشَّرِّ قَمْطَرِيرَ الصَّبَاحِ