فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (26):

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)}
واذكر حين جعلنا {لإبراهيم مَكَانَ البيت} مباءة، أي: مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة. رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها يقال لها: الخجوج، كنست ما حوله، فبناه على أسه القديم. وأن هي المفسرة.
فإن قلت: كيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيراً للتبوئة؟ قلت: كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة، فكأنه قيل: تعبدنا إبراهيم قلنا له: {لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً وَطَهّرْ بَيْتِىَ} من الأصنام والأوثان والأقذار أن تطرح حوله. وقرئ: {يشرك} بالياء على الغيبة.

.تفسير الآية رقم (27):

{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)}
{وَأذّن فِي الناس} ناد فيهم.
وقرأ ابن محيصن: {وآذن} والنداء بالحج: أن يقول: حجوا، أو عليكم بالحج.
وروي أنه صعد أَبا قبيس فقال: يا أيها الناس حجوا بيت ربكم.
وعن الحسن أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع {رِجَالاً} مشاة جمع راجل، كقائم وقيام. وقرئ: {رجالاً} بضم الراء مخفف الجيم ومثقلة، ورجالي كعجالي عن ابن عباس {وعلى كُلّ ضَامِرٍ} حال معطوفة على حال، كأنه قال: رجالاً وركباناً {يَأْتِينَ} صفة لكل ضامر، لأنه في معنى الجمع. وقرئ: {يأتون} صفة للرجال والركبان. والعميق: البعيد، وقرأ ابن مسعود: {معيق}. يقال: بئر بعيدة العمق والمعق.

.تفسير الآية رقم (28):

{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)}
نكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات.
وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه كان يفاضل بين العبادات قبل أن يحج، فلما حجّ فضل الحج على العبادات كلها، لما شاهد من تلك الخصائص، وكنى عن النحر والذبح بذكر اسم الله، لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا. وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه، وقد حسن الكلام تحسيناً بيناً أن جمع بين قوله: {وَيَذْكُرُواْ اسم الله}، وقوله: {على مَا رَزَقَهُمْ} ولو قيل: لينحروا في أيام معلومات بهيمة الأنعام، لم تر شيئاً من ذلك الحسن والروعة. الأيام المعلومات: الأيام العشر عند أبي حنيفة، وهو قول الحسن وقتادة. وعند صاحبيه: أيام النحر. البهيمة: مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر، فبينت بالأنعام: وهي الإبل والبقر والضأن والمعز. {فكلوا} الأمر بالأكل منها أمر إباحة، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من نسائكهم، ويجوز أن يكون ندباً لما فيه من مساواة الفقراء ومواساتهم ومن استعمال التواضع. ومن ثمة استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث.
وعن ابن مسعود أنه بعث بهدي وقال فيه: إذا نحرته فكل وتصدّق وابعث منه إلى عتبة، يعني ابنه. وفي الحديث: «كلوا وادخروا وائتجروا»
{البائس} الذي أصابه بؤس أي شدة: و{الفقير} الذي أضعفه الإعسار.

.تفسير الآية رقم (29):

{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}
قضاء التفث: قصّ الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد، والتفث: الوسخ، فالمراد قضاء إزالة التفث. [(وليوفوا)] وقرئ: {وليوفوا} بتشديد الفاء {نُذُورَهُمْ} مواجب حجهم، أو ما عسى ينذرونه من أعمال البر في حجهم {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج، ويقع به تمام التحلل. وقيل: طواف الصدر، وهو طواف الوداع {العتيق} القديم، لأنه أول بيت وضع للناس عن الحسن.
وعن قتادة: أعتق من الجبابرة، كم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله.
وعن مجاهد: لم يملك قط. وعنه: أعتق من الغرق. وقيل: بيت كريم، من قولهم: عتاق الخيل والطير.
فإن قلت: قد تسلط عليه الحجاج فلم يمنع.
قلت: ما قصد التسلط على البيت، وإنما تحصن به ابن الزبير، فاحتال لإخراجه ثم بناه. ولما قصد التسلط عليه أبرهة، فعل به ما فعل.

.تفسير الآيات (30- 31):

{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)}
{ذلك} خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر والشأن ذلك، كما يقدّم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال: هذا وقد كان كذا. [(ومن يعظم حرمات الله)] والحرمة: ما لا يحل هتكه. وجميع ما كلفه الله تعالى بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها، فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه، ويحتمل أن يكون خاصاً فيما يتعلق بالحج.
وعن زيد بن أسلم: الحرمات خمس: الكعبة الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمحرم حتى يحلّ. {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} أي فالتعظيم خير له. ومعنى التعظيم: العلم بأنها واجبة المراعاة والحفظ والقيام بمراعاتها. المتلوّ لا يستثنى من الأنعام، ولكن المعنى {إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} آية تحريمه، وذلك قوله في سورة المائدة: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم} [المائدة: 3] والمعنى: أن الله قد أحلّ لكم الأنعام كلها إلاّ ما استثناه في كتابه، فحافظوا عل حدوده، وإياكم أن تحرّموا مما أحلّ شيئاً، كتحريم عبدة الأوثان البحيرة والسائبة وغير ذلك، وأن تحلوا مما حرم الله، كإحلالهم أكل الموقوذة والميتة وغير ذلك.
[(فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به)] لما حثّ على تعظيم حرماته وأحمد من يعظمها أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور؛ لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات وأسبقها خطواً. وجمع الشرك وقول الزور في قران واحد، وذلك أن الشرك من باب الزور لأن المشرك زاعم أنّ الوثن تحق له العبادة، فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور، واجتنبوا قول الزور كله لا تقربوا شيئاً منه لتماديه في القبح والسماجة. وما ظنك بشيء من قبيله عبادة الأوثان. وسمى الأوثان رجساً وكذلك الخمر والميسر والأزلام، على طريق التشبيه. يعني: أنكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه، فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء مثل تلك النفرة. ونبه على هذا المعنى بقوله: {رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90] جعل العلة في اجتنابه أنه رجس، والرجس مجتنب {مِنَ الأوثان} بيان للرجس وتمييز له، كقولك: عندي عشرون من الدراهم؛ لأنّ الرجس مبهم يتناول غير شيء، كأنه قيل: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. والزور من الزور والأزورار وهو الانحراف، كما أنّ الإفك من أفكه إذا صرفه. وقيل: {قَوْلَ الزور} [الحج: 30] قولهم: هذا حلال وهذا حرام، وما أشبه ذلك من افترائهم. وقيل: شهادة الزور. عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى الصبحَ فلمّا سلّم قامَ قائماً واستقبلَ الناسَ بوجهه وقالَ: «عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ، عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ، عدلَتْ شهادةُ الزورِ الإشراك باللَّهِ»
، وتلا هذه الآية. وقيل: الكذب والبهتان. وقيل: قول أهل الجاهلية في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. ويجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق. فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال: من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس بعده نهاية، بأن صور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير، فتفرق مزعاً في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة. وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوّح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة. وقرئ: {فتخطفه} بكسر الخاء والطاء. وبكسر التاء مع كسرهما، وهي قراءة الحسن. وأصلها: تختطفه. وقرئ: {الرياح}.

.تفسير الآيات (32- 33):

{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}
تعظيم الشعائر- وهي الهدايا، لأنها من معالم الحجّ-: أن يختارها عظام الأجرام حساناً سماتاً غالية الأثمان، ويترك المكاس في شرائها، فقدكانوا يغالون في ثلاث- ويكرهون المكاس فيهنّ-: الهدي، والأضحية، والرقبة. وروى ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما: أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدناً، فنهاهُ عنْ ذَلك وقالَ: «بلْ أَهدِها»
وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة، فيها جمل لأبي جهل في أنفه برّة من ذهب. وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدّق بلحومها وبجلالها، ويعتقد أن طاعة الله في التقرّب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لابد أن يقام به ويسارع فيه {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحدفت هذه المضافات، ولا يستقيم المعنى إلاّ بتقديرها، لأنه لابد من راجع من الجزاء إلى {مِن} ليرتبط به، وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء. {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى أن تنحر ويتصدّق بلحومها ويؤكل منها. و{ثُمَّ} للتراخي في الوقت. فاستعيرت للتراخي في الأحوال. والمعنى: أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم، وإنما يعتدّ الله بالمنافع الدينية، قال سبحانه: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الأخرة} [الأنفال: 67] وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطاً في النفع: {محلها إلى البيت} أي وجوب نحرها. أو وقت وجوب نحرها في الحرم منتهية إلى البيت، كقوله: {هَدْياً بالغ الكعبة} [المائدة: 95] والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت؛ لأن الحرم هو حريم البيت. ومثل هذا في الاتساع قولك: بلغنا البلد، وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده. وقيل: المراد بالشعائر: المناسك كلها، و{مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق} يأباه.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)}
شرع الله لكل أمّة أن ينسكوا له: أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرّب، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على النسائك: قرئ {مَنسَكًا} بفتح السين وكسرها، وهو مصدر بمعنى النسك، والمكسور يكون بمعنى الموضع {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} أي أخلصوا له الذكر خاصة، واجعلوه لوجهه سالماً، أي: خالصاً لا تشوبوه بإشراك.
[(وبشر المخبتين)] المخبتون: المتواضعون الخاشعون، من الخبث وهو المطمئن من الأرض. وقيل: هم الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
وقرأ الحسن: (والمقيمي الصلاة) بالنصب على تقدير النون.
وقرأ ابن مسعود: {والمقيمين الصلاة} على الأصل.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)}
{والبدن} جمع بدنة، سميت لعظم بدنها وهي الإبل خاصة، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقَ البقرَ بالإبلِ حين قال: «البدنةُ عن سبعةٍ، والبقرةُ عنْ سبعةٍ»؛ فجعل البقر في حكم الإبل، صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابه، وإلا فالبدن هي الإبل وعليه تدل الآية، وقرأ الحسن: {والبدن}، بضمتين، كثمر في جمع ثمرة. وابن أبي إسحاق بالضمتين وتشديد النون على لفظ الوقف. وقرئ بالنصب والرفع كقوله: {والقمر قدرناه} [يس: 39]. {مِن شَعَائِرِ الله} أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله. وإضافتها إلى اسمه: تعظيم لها {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} كقوله: {لَكُمْ فِيهَا منافع} ومن شأن الحاج أن يحرص على شيء فيه خير ومنافع بشهادة الله تعالى. عن بعض السلف أنه لم يملك إلاّ تسعة دنانير، فاشترى بها بدنة، فقيل له في ذلك، فقال: إني سمعت ربي يقول: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} وعن ابن عباس: دنيا وآخرة.
وعن إبراهيم: من احتاج إلى ظهرها ركب، ومن احتاج إلى لبنها شرب. وذكر اسم الله: أن يقول عند النحر: الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر، اللَّهم منك وإليك {صَوَافَّ} قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهنّ. وقرئ: {صوافن} من صفون الفرس، وهو أن يقوم على ثلاث وينصب الرابعة على طرف سنبكه؛ لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث. وقرئ: {صوافي} أي: خوالص لوجه الله.
وعن عمرو بن عبيد: صوافنا، بالتنوين عوضاً من حرف الإطلاق عند الوقف.
وعن بعضهم: صواف نحو مثل العرب. أعط القوس باريها، بسكون الياء.
(فإذا وجبت جنوبها) وجوب الجنوب: وقوعها على الأرض، ومن وجب الحائط وجبة إذا سقط. ووجبت الشمس جبة: غربت. والمعنى: فإذا وجبت جنوبها وسكنت نسائسها حلّ لكم الأكل منها والإطعام {القانع} السائل، من قنعت إليه وكنعت: إذا خضعت له وسألته قنوعاً {والمعتر} المعترض بغير سؤال، أو القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال، من قنعت قنعاً وقناعة. والمعتر: المعترض بسؤال.
وقرأ الحسن: والمعتري. وعرّه وعراه واعتراه واعتره: بمعنى.
وقرأ أبو رجاء: القنع، وهو الراضي لا غير. يقال: قنع فهو قنع وقانع.
[(كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون)] من الله على عبادة واستحمد إليهم بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذي رأوا وعلموا، ويأخذونها منقادة للأخذ طيعة فيعقلونها ويحبسونها صافة قوائمها، ثم يطعنون في لبانها. ولولا تسخير الله لم تطق، ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرماً وأقلّ قوّة، وكفى بما يتأبد من الإبل شاهداً وعبرة.